"أتلفت المصالح الرقابية المشتركة ببنزرت، كميات من الخضر الورقية المروية بالمياه المعالجة على مساحة 5ر4 هكتار بإحدى الضيعات الفلاحية بمنطقة عوسجة من معتمدية غار الملح، بولاية بنزرت."
قد يكون هذا الخبر عاديا للبعض إلا أن معرفة الآثار الصحية لمثل هذه السلوكيات والاهم الوعي بأنها ليست سلوكيات شاذة بل تتكرر في السنوات الأخيرة في أكثر من جهة، يجعل الأمر على قدر من الخطورة لأن الموضوع يتعلق بسموم على مائدة التونسيين وفي طعامهم.
" في 26 أوت الفارط تمكنت فرقة مشتركة من الأمن والصحة والفلاحة والتطهير ومعتمد غار الدماء من ضبط مواطن من صغار الفلاحين بصدد ري قطعة أرضه المزروعة فلفل بمياه الصرف الصحي بمنطقة الرحاوة من معتمدية غار الدماء".
"أفاد رضا بلحاج رئيس دائرة الإنتاج النباتي بالمندوبية الجهوية للفلاحة بوادي الليل, أن وحدات الحرس الوطني بالتنسيق مع أعوان المندوبية الجهوية للفلاحة والإدارة الجهوية للصحة ومعتمد المنطقة نفذوا قرار إتلاف مساحة زراعية تعمد صاحبها الري بمياه الصرف الصحي الخام بمنطقة السعيدة من معتمدية وادي الليل بولاية منوبة".
وكانت "المصالح التابعة لوزارة الصحة والمختصة المركزية والجهوية، تمكنت يوم الاثنين 7 أوت 2017، من ضبط أحد الفلاحين بصدد استعمال مياه مستعملة خام في ري الخضروات والنباتات العلفية المزروعة على مساحة تقدر بهكتار واحد كائن بطريق طبرقة بباجة."
ظاهرة تتفاقم
هذه عينة من أخبار سابقة تؤكد أن استعمال مياه الصرف الصحي لري الخضر والمزروعات الورقية والأرضية تكاد تكون ظاهرة منتشرة في الزمان والمكان والأمر يعود لسنوات كما يسجل في أغلب جهات البلاد.
كما أنها ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة مخاطر الانحرافات في استعمال مياه الصرف الصحي في غير ما جعلت من أجله وربما تفاقمت أكثر في السنوات الأخيرة بفعل سنوات الجفاف المتتالية والشح المتزايد في الموارد المائية ولا سيما الضغط المسلط على القطاع الفلاحي بسبب التغيرات المناخية وندرة التساقطات والمياه.
في هذا السياق صدرت تحذيرات في السنوات الأخيرة من مخاطر استخدام المياه المستعملة غير المعالجة في ريّ الخضراوات على صحة التونسيين، فقد دعا في وقت سابق مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنيس خرباش، إلى "محاسبة كل فلاح يستغلّ المياه المستعملة غير المعالجة لريّ الزراعات، وطالب المزارعين بعدم التوجّه إلى هذه الممارسات رغم تسجيل أزمة مائية وجفاف متواصل".
تجاوزات ومخاطر
تواصل هذه الانحرافات وتفاقمها في ظل ضعف الرقابة الكافية أصبح يهدد صحة المواطنين بشكل كبير .
يقول هنا محمد الرابحي، مدير عام إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط بوزارة الصحة العمومية، أنه على "السلطات الجهوية التدخل السريع وعلى المواطنين الإبلاغ عن أي تجاوزات في ري الزراعات بمياه ملوثة"ّ مضيفا في تصريحات إعلامية على هامش تسجيل سابقا تجاوزات في ولاية باجة، أن "ريّ الزراعات باستخدام المياه المستعملة الخام ممنوع منعا باتا في أي مجال لما يفرزه من أوبئة وانتقال للجراثيم".
ويوضح مصدر وزارة الصحة انه "عند التفطّن لمثل هذه التجاوزات يتم تحرير محضر عدلي واتلاف الزراعات بإذن من حاكم الناحية أو وكيل الجمهورية بحضور وزارتي الصحة والفلاحة والجهات المعنية".
واقع المياه المعالجة
إلى جانب زاوية المخاطر والتهديدات المحدقة بالمستهلكين بسبب مخالفة القانون واستعمال مياه الصرف الصحي في مجالات ممنوعة فإن الموضوع يطرح أيضا من زاوية أنه حتى المجالات المسموح فيها باستعمال المياه المعالجة فإن تحدي جودة هذه المياه وانعكاساتها الجانبية على البيئة يطرح وبإلحاح.
ويوضح تقرير رقابي سابق هذه الاخلالات في جودة المياه المعالجة حيث أشار التقرير 28 لدائرة المحاسبات أن "نسبة عدم مطابقة المياه المعالجة للمواصفة التونسيّة بلغت ما معدّله 60,6 % خلال الفترة 2009 - 2012 وهي نسبة مرشحة للارتفاع نظرا لعدم شموليّة التحاليل التي يقوم بها الديوان لجميع العناصر المبيّنة في المواصفة حيت اقتصرت هذه التحاليل على 9 عناصر من جملة 55 عنصرا. وتعود هذه الوضعية أساسا إلى تقادم محطات التطهير وشدّة تلوث المياه الصناعية الوافدة عليها. وقد أدّت هذه الوضعية إلى التدهور البيئيّ الذي عرفه المحيط المتلقي من وديان وبحار وخاصة على مستوى خليج تونس ووادي مجردة".
يفيد التقرير أيضا أن "نسبة عدم مطابقة المياه الصادرة عن محطات التطهير للمواصفات في المجال الفلاحي 50 % في 18 محطة منها 10 محطات وصلت 100 % من جملة 27 محطة. وتبقى هذه النسب قابلة للارتفاع حيث تمّ إجراء الفحوصات المعنية على المياه عند خروجها مباشرة من المحطات وبالتالي فهي قابلة للمزيد من التلوّث أثناء مرحلة وصولها للمناطق السقوية".
تجدر الإشارة إلى أن المياه المعالجة تنقسم إلى ثلاثة أنواع منزلية وصناعية وسياحية تجمع في قنوات بمحطات الضخ لمحطات التطهير للمعالجة الأولية وثانوية يتم تصريف جزء منها الى الاستعمال الفلاحي والمياه المتبقية تدخل في دورات المياه و كل المياه معالجة وتخضع لمراقبة (الديوان الوطني للتطهير، الوكالة الوطنية لحماية المحيط، إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط، المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية).
يذكر أنه توجد تقنيات مختلفة لمعالجة المياه المستعملة حيث تعتمد أغلب المحطات المتواجدة حاليا على المعالجة الثانوية التي تقوم على إزالة المواد العضوية المتبقية من المعالجة الأولية، كالمواد العضوية الذائبة القابلة للتحلل بالإضافة إلى المواد الصلبة العالقة.
علما أن المعالجة الأولية تعتمد على فصل المواد العضوية الصلبة أو النفايات البشرية من مياه الصرف الصحي، حيث تترسب المواد الصلبة في قاع الخزان والتي تتسمى “بالحمأة” والي يمكن استخدامها لاحقا لتسميد التربة.
أما المعالجة الثلاثية، فتقوم على استخدام الكلور أو الأوزون أو الأشعة فوق البنفسجية، لقتل البكتيريا والفيروسات. وللأسف لا تستعمل هذه التقنية كثيرا بالنظر إلى ارتفاع كلفتها .
م.ي
تونس-الصباح
"أتلفت المصالح الرقابية المشتركة ببنزرت، كميات من الخضر الورقية المروية بالمياه المعالجة على مساحة 5ر4 هكتار بإحدى الضيعات الفلاحية بمنطقة عوسجة من معتمدية غار الملح، بولاية بنزرت."
قد يكون هذا الخبر عاديا للبعض إلا أن معرفة الآثار الصحية لمثل هذه السلوكيات والاهم الوعي بأنها ليست سلوكيات شاذة بل تتكرر في السنوات الأخيرة في أكثر من جهة، يجعل الأمر على قدر من الخطورة لأن الموضوع يتعلق بسموم على مائدة التونسيين وفي طعامهم.
" في 26 أوت الفارط تمكنت فرقة مشتركة من الأمن والصحة والفلاحة والتطهير ومعتمد غار الدماء من ضبط مواطن من صغار الفلاحين بصدد ري قطعة أرضه المزروعة فلفل بمياه الصرف الصحي بمنطقة الرحاوة من معتمدية غار الدماء".
"أفاد رضا بلحاج رئيس دائرة الإنتاج النباتي بالمندوبية الجهوية للفلاحة بوادي الليل, أن وحدات الحرس الوطني بالتنسيق مع أعوان المندوبية الجهوية للفلاحة والإدارة الجهوية للصحة ومعتمد المنطقة نفذوا قرار إتلاف مساحة زراعية تعمد صاحبها الري بمياه الصرف الصحي الخام بمنطقة السعيدة من معتمدية وادي الليل بولاية منوبة".
وكانت "المصالح التابعة لوزارة الصحة والمختصة المركزية والجهوية، تمكنت يوم الاثنين 7 أوت 2017، من ضبط أحد الفلاحين بصدد استعمال مياه مستعملة خام في ري الخضروات والنباتات العلفية المزروعة على مساحة تقدر بهكتار واحد كائن بطريق طبرقة بباجة."
ظاهرة تتفاقم
هذه عينة من أخبار سابقة تؤكد أن استعمال مياه الصرف الصحي لري الخضر والمزروعات الورقية والأرضية تكاد تكون ظاهرة منتشرة في الزمان والمكان والأمر يعود لسنوات كما يسجل في أغلب جهات البلاد.
كما أنها ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة مخاطر الانحرافات في استعمال مياه الصرف الصحي في غير ما جعلت من أجله وربما تفاقمت أكثر في السنوات الأخيرة بفعل سنوات الجفاف المتتالية والشح المتزايد في الموارد المائية ولا سيما الضغط المسلط على القطاع الفلاحي بسبب التغيرات المناخية وندرة التساقطات والمياه.
في هذا السياق صدرت تحذيرات في السنوات الأخيرة من مخاطر استخدام المياه المستعملة غير المعالجة في ريّ الخضراوات على صحة التونسيين، فقد دعا في وقت سابق مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنيس خرباش، إلى "محاسبة كل فلاح يستغلّ المياه المستعملة غير المعالجة لريّ الزراعات، وطالب المزارعين بعدم التوجّه إلى هذه الممارسات رغم تسجيل أزمة مائية وجفاف متواصل".
تجاوزات ومخاطر
تواصل هذه الانحرافات وتفاقمها في ظل ضعف الرقابة الكافية أصبح يهدد صحة المواطنين بشكل كبير .
يقول هنا محمد الرابحي، مدير عام إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط بوزارة الصحة العمومية، أنه على "السلطات الجهوية التدخل السريع وعلى المواطنين الإبلاغ عن أي تجاوزات في ري الزراعات بمياه ملوثة"ّ مضيفا في تصريحات إعلامية على هامش تسجيل سابقا تجاوزات في ولاية باجة، أن "ريّ الزراعات باستخدام المياه المستعملة الخام ممنوع منعا باتا في أي مجال لما يفرزه من أوبئة وانتقال للجراثيم".
ويوضح مصدر وزارة الصحة انه "عند التفطّن لمثل هذه التجاوزات يتم تحرير محضر عدلي واتلاف الزراعات بإذن من حاكم الناحية أو وكيل الجمهورية بحضور وزارتي الصحة والفلاحة والجهات المعنية".
واقع المياه المعالجة
إلى جانب زاوية المخاطر والتهديدات المحدقة بالمستهلكين بسبب مخالفة القانون واستعمال مياه الصرف الصحي في مجالات ممنوعة فإن الموضوع يطرح أيضا من زاوية أنه حتى المجالات المسموح فيها باستعمال المياه المعالجة فإن تحدي جودة هذه المياه وانعكاساتها الجانبية على البيئة يطرح وبإلحاح.
ويوضح تقرير رقابي سابق هذه الاخلالات في جودة المياه المعالجة حيث أشار التقرير 28 لدائرة المحاسبات أن "نسبة عدم مطابقة المياه المعالجة للمواصفة التونسيّة بلغت ما معدّله 60,6 % خلال الفترة 2009 - 2012 وهي نسبة مرشحة للارتفاع نظرا لعدم شموليّة التحاليل التي يقوم بها الديوان لجميع العناصر المبيّنة في المواصفة حيت اقتصرت هذه التحاليل على 9 عناصر من جملة 55 عنصرا. وتعود هذه الوضعية أساسا إلى تقادم محطات التطهير وشدّة تلوث المياه الصناعية الوافدة عليها. وقد أدّت هذه الوضعية إلى التدهور البيئيّ الذي عرفه المحيط المتلقي من وديان وبحار وخاصة على مستوى خليج تونس ووادي مجردة".
يفيد التقرير أيضا أن "نسبة عدم مطابقة المياه الصادرة عن محطات التطهير للمواصفات في المجال الفلاحي 50 % في 18 محطة منها 10 محطات وصلت 100 % من جملة 27 محطة. وتبقى هذه النسب قابلة للارتفاع حيث تمّ إجراء الفحوصات المعنية على المياه عند خروجها مباشرة من المحطات وبالتالي فهي قابلة للمزيد من التلوّث أثناء مرحلة وصولها للمناطق السقوية".
تجدر الإشارة إلى أن المياه المعالجة تنقسم إلى ثلاثة أنواع منزلية وصناعية وسياحية تجمع في قنوات بمحطات الضخ لمحطات التطهير للمعالجة الأولية وثانوية يتم تصريف جزء منها الى الاستعمال الفلاحي والمياه المتبقية تدخل في دورات المياه و كل المياه معالجة وتخضع لمراقبة (الديوان الوطني للتطهير، الوكالة الوطنية لحماية المحيط، إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط، المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية).
يذكر أنه توجد تقنيات مختلفة لمعالجة المياه المستعملة حيث تعتمد أغلب المحطات المتواجدة حاليا على المعالجة الثانوية التي تقوم على إزالة المواد العضوية المتبقية من المعالجة الأولية، كالمواد العضوية الذائبة القابلة للتحلل بالإضافة إلى المواد الصلبة العالقة.
علما أن المعالجة الأولية تعتمد على فصل المواد العضوية الصلبة أو النفايات البشرية من مياه الصرف الصحي، حيث تترسب المواد الصلبة في قاع الخزان والتي تتسمى “بالحمأة” والي يمكن استخدامها لاحقا لتسميد التربة.
أما المعالجة الثلاثية، فتقوم على استخدام الكلور أو الأوزون أو الأشعة فوق البنفسجية، لقتل البكتيريا والفيروسات. وللأسف لا تستعمل هذه التقنية كثيرا بالنظر إلى ارتفاع كلفتها .