لا تزال العلاقة الجدلية بين المجتمع المدني والأحزاب السياسية في الاهتمام بالشأن العام، تلقي بظلالها على المشهد العام في تونس من جديد، لاسيما في ظل عودة ظاهرة "العود على بدء"، التي ما انفكت تسجل بين الفينة والأخرى خلال مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 لتتجلى بوضوح خلال هذه الفترة في ظل ركود وتراجع وأفول "نجم" السياسي والمدني على حد السواء في تونس خلال هذه المرحلة ومحاولات البعض البحث عن مقاربات جديدة للعودة إلى النشاط و"الأضواء"، خاصة أن عدة قراءات تذهب إلى أن الأحزاب السياسية هي جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني ولكنها تختلف عنها من حيث الأهداف والطموحات والأولويات.
لتتغير المعادلة اليوم في مستوى هذه العلاقة الجدلية، فبعد الطفرة التي عرفها المجتمع المدني في سنوات ما بعد ثورة 2011 بظهور عدة جمعيات ومنظمات وهياكل ناشطة في المجتمع المدني، إذ يبلغ عدد الجمعيات في تونس حوالي 25 ألف جمعية حسب ما نشره مركز إفادة للجمعيات منذ أيام، وذلك موازاة بالطفرة المسجلة في نشأة الأحزاب والحركات السياسية بالجملة التي تجاوز عددها 240 حزبا، نجحت "الإغراءات" السياسية في استقطاب نسبة كبيرة من نشطاء المجتمع المدني من فترة لأخرى ومن محطة انتخابية لأخرى لاسيما أن تأسيس عديد المؤسسات والهياكل في سياقات دستورية وسياسية وحزبية خلال العشرية الماضية ساهم بدوره في استقطاب أغلب نشطاء المجتمع المدني من المتحزبين والمستقلين. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، خاصة بعد أن انخرطت أغلب مكونات المشهد المدني في تونس في نفس المرحلة في الممارسة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر تحت غطاء التأسيس لمناخ ديمقراطي جديد أو الانتقال الديمقراطي أو بسبب حالة الضعف والوهن التي ميزت الطبقة السياسية أثناء تلك الفترة وبروز قوة المجتمع المدني في تصديه للكل "المشاريع والأجندات الدخيلة" على المجتمع التونسي وثقافته خلال نفس المرحلة.
لذلك اتجهت الأنظار في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 إلى المجتمع المدني ليكون الورقة الكفيلة بتحقيق المعادلة "السياسية" في تونس مرة أخرى بعد الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها من قبل رئاسة الجمهورية وكانت تداعياتها سلبية على المشهد السياسي بشكل عام والأجسام الحزبية بشكل خاص. ليتضح بعد ذلك أن واقع ووضع المجتمع المدني بجميع مكوناته لا يختلف عن واقع ووضع المجتمع السياسي في تونس نظرا للترابط الوثيق بين الطرفين وتقاطعهما في عدة مصالح وتوجهات وأجندات. ويكفي العودة إلى تقارير محكمة المحاسبات وما سجلته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد كل محطة انتخابية وغيرها من الجهات الرقابية خلال نفس الفترة للتأكد من صحة ذلك.
لتكشف بعض المبادرات والأنشطة التي تحسب على المجتمع المدني في السنوات الأخيرة عما يسجله هذا الجانب أي العمل المدني من استقطاب عكسي، بعد انضمام وانخراط عدد كبير من المتحزبين والناشطين السياسيين في العمل المدني ليكون بديلا لهم بعد مغادرة الحياة السياسية لأسباب مختلفة بما يمكنهم من المحافظة على مواقع في المشهد العام في مرحلة لم يعد فيها العمل أو الانتماء الحزبي والسياسي يغري أو ذي جدوى بالنسبة للبعض على غرار ما كان عليه الأمر في العشرية الماضية. الأمر الذي جعل كل مبادرة مدنية تجد حضورا وإقبالا واسعا من قبل هذه الفئة المستقيلة أو المنسحبة من الساحة السياسية لعل أبزرها التحركات والوقفات التي تنظمها بعض الجهات لدعم القضية الفلسطينية ومناهضة عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على متساكني غزة أو في التظاهرات والأنشطة التي تنظمها منظمات حقوقية وقطاعية من مناسبة لأخرى لعل أبزرها ما تعلق بعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها من الأنشطة التي نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل لنجد أسماء من قبيل سيف الدين مخلوف، بعد تلاشي حزبه ائتلاف الكرامة، وسمير ديلو، بعد استقالته من حركة النهضة ووائل نوار، الذي كان ناطقا رسميا باسم الاتحاد العام لطلبة تونس والتحق بعد ذلك بحزب العمال، ليقرر في مرحلة أخرى الاستقالة من هذا الحزب والعودة إلى النشاط المدني.
لتطرح هذه العودة تساؤلات عن طبيعة العمل المدني بالنسبة لهؤلاء الوافدين الجدد بما يحملونه من خلفيات سياسية وحزبية، خاصة أن العمل المدني لا يرتبط بأهداف مباشرة وغيرها من المكاسب الأخرى على غرار ما عليه الأمر بالنسبة للعمل الحزبي والسياسي بما يعنيه ذلك من مطامح المشاركة في الانتخابات ومشاركة في القرار.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
لا تزال العلاقة الجدلية بين المجتمع المدني والأحزاب السياسية في الاهتمام بالشأن العام، تلقي بظلالها على المشهد العام في تونس من جديد، لاسيما في ظل عودة ظاهرة "العود على بدء"، التي ما انفكت تسجل بين الفينة والأخرى خلال مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 لتتجلى بوضوح خلال هذه الفترة في ظل ركود وتراجع وأفول "نجم" السياسي والمدني على حد السواء في تونس خلال هذه المرحلة ومحاولات البعض البحث عن مقاربات جديدة للعودة إلى النشاط و"الأضواء"، خاصة أن عدة قراءات تذهب إلى أن الأحزاب السياسية هي جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني ولكنها تختلف عنها من حيث الأهداف والطموحات والأولويات.
لتتغير المعادلة اليوم في مستوى هذه العلاقة الجدلية، فبعد الطفرة التي عرفها المجتمع المدني في سنوات ما بعد ثورة 2011 بظهور عدة جمعيات ومنظمات وهياكل ناشطة في المجتمع المدني، إذ يبلغ عدد الجمعيات في تونس حوالي 25 ألف جمعية حسب ما نشره مركز إفادة للجمعيات منذ أيام، وذلك موازاة بالطفرة المسجلة في نشأة الأحزاب والحركات السياسية بالجملة التي تجاوز عددها 240 حزبا، نجحت "الإغراءات" السياسية في استقطاب نسبة كبيرة من نشطاء المجتمع المدني من فترة لأخرى ومن محطة انتخابية لأخرى لاسيما أن تأسيس عديد المؤسسات والهياكل في سياقات دستورية وسياسية وحزبية خلال العشرية الماضية ساهم بدوره في استقطاب أغلب نشطاء المجتمع المدني من المتحزبين والمستقلين. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، خاصة بعد أن انخرطت أغلب مكونات المشهد المدني في تونس في نفس المرحلة في الممارسة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر تحت غطاء التأسيس لمناخ ديمقراطي جديد أو الانتقال الديمقراطي أو بسبب حالة الضعف والوهن التي ميزت الطبقة السياسية أثناء تلك الفترة وبروز قوة المجتمع المدني في تصديه للكل "المشاريع والأجندات الدخيلة" على المجتمع التونسي وثقافته خلال نفس المرحلة.
لذلك اتجهت الأنظار في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 إلى المجتمع المدني ليكون الورقة الكفيلة بتحقيق المعادلة "السياسية" في تونس مرة أخرى بعد الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها من قبل رئاسة الجمهورية وكانت تداعياتها سلبية على المشهد السياسي بشكل عام والأجسام الحزبية بشكل خاص. ليتضح بعد ذلك أن واقع ووضع المجتمع المدني بجميع مكوناته لا يختلف عن واقع ووضع المجتمع السياسي في تونس نظرا للترابط الوثيق بين الطرفين وتقاطعهما في عدة مصالح وتوجهات وأجندات. ويكفي العودة إلى تقارير محكمة المحاسبات وما سجلته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد كل محطة انتخابية وغيرها من الجهات الرقابية خلال نفس الفترة للتأكد من صحة ذلك.
لتكشف بعض المبادرات والأنشطة التي تحسب على المجتمع المدني في السنوات الأخيرة عما يسجله هذا الجانب أي العمل المدني من استقطاب عكسي، بعد انضمام وانخراط عدد كبير من المتحزبين والناشطين السياسيين في العمل المدني ليكون بديلا لهم بعد مغادرة الحياة السياسية لأسباب مختلفة بما يمكنهم من المحافظة على مواقع في المشهد العام في مرحلة لم يعد فيها العمل أو الانتماء الحزبي والسياسي يغري أو ذي جدوى بالنسبة للبعض على غرار ما كان عليه الأمر في العشرية الماضية. الأمر الذي جعل كل مبادرة مدنية تجد حضورا وإقبالا واسعا من قبل هذه الفئة المستقيلة أو المنسحبة من الساحة السياسية لعل أبزرها التحركات والوقفات التي تنظمها بعض الجهات لدعم القضية الفلسطينية ومناهضة عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على متساكني غزة أو في التظاهرات والأنشطة التي تنظمها منظمات حقوقية وقطاعية من مناسبة لأخرى لعل أبزرها ما تعلق بعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها من الأنشطة التي نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل لنجد أسماء من قبيل سيف الدين مخلوف، بعد تلاشي حزبه ائتلاف الكرامة، وسمير ديلو، بعد استقالته من حركة النهضة ووائل نوار، الذي كان ناطقا رسميا باسم الاتحاد العام لطلبة تونس والتحق بعد ذلك بحزب العمال، ليقرر في مرحلة أخرى الاستقالة من هذا الحزب والعودة إلى النشاط المدني.
لتطرح هذه العودة تساؤلات عن طبيعة العمل المدني بالنسبة لهؤلاء الوافدين الجدد بما يحملونه من خلفيات سياسية وحزبية، خاصة أن العمل المدني لا يرتبط بأهداف مباشرة وغيرها من المكاسب الأخرى على غرار ما عليه الأمر بالنسبة للعمل الحزبي والسياسي بما يعنيه ذلك من مطامح المشاركة في الانتخابات ومشاركة في القرار.