-حسونة المصباحي من أكثر الكتّاب غزارة تتوزّعُ كتاباته بن القصة والرواية والمقال النقدي وأدب الرحلة وأدب السيرة والترجمة إلاّ أن النقاد لم يولوا أعماله العناية التي تستحقها....ما رأيك؟
جواب: لي الآن أزيد من خمسين كتابا في المجالات المذكورة... يعود ذلك إلى أسباب عدة...منها أنه لا عمل لي سوى الكتابة لكي أعيش...والأمر الثاني هو أني قارئ كبير... غير أني لا أريد أن تكون قراءتي سلبية وعقيمة، بل منتجة ومبدعة ومتجاوبة مع قراءاتي... وعندما أقرأ كتبا فلسفية مثلا، أجد نفسي مدفوعا للكتابة عنها، والتعليق عليها رغم أن الفلسفة ليست من اختصاصي. وكتابي:" فلاسفة ومفكرون من خلال سيرهم" أردته أن يكون مفتاحا لفهم عوالم فلاسفة كبار. وقد أعجب الكثير من القراء. وكنت أود أن ينشر هذا الكتاب بشكل مُتّسع لكي يكون في أيدي الطلبة والتلاميذ لأنه يُعرّف بفلاسفة وبمفكرين من دون تعقيد، وبطريقة مبسطة لكن من دون التخلي عن ابراز عمق أفكار وأطروحات هذا الفيلسوف أو ذاك. وقد ألّفت أيضا كتابا عن هايدغر يوفر للقارئ أدوات هامة لفهم عالمه وأفكاره. وعندما انهار نظام بن علي، وشرع منتمون إلى تيارات سياسية مختلفة في الحط ّمن شأن الزعيم بورقيبة معتبرين فترته "مظلمة"، أصدرت كتابا بعنوان:" رحلة في زمن بورقيبة" استعرضت فيه جوانب من سيرته السياسية، مشيرا إلى جوانبها السلبية والايجابية. وهدفي من ذلك هو الرد على من يقرؤون التاريخ انطلاقا من زوايا ضيقة، ومن أفكار خاطئة، ومن نزعات أيديولوجية لا تمت للواقع بأي صلة. كما اهتممت بالقديس أغسطين لكي أظهر أن بلادنا احتضنت ثقافات وحضارات وتوجّهات فكرية وفلسفية مختلقة ومتناقضة... ولكن كل هذه الأعمال لم تحظى بالعناية النقدية لأنه لا يوجد نقاد بالمعنى الحقيقي للكلمة. ومن يسمون أنفسهم بالنقاد داخل الجامعة منصرفون إلى أبحاث جافة ،أو هم يهتمون بأعمال أدبية أو فكرية مشرقية أساسا. فكأن تونس بلد عقيم. والفرنكفونيون لا يكلفون أنفسهم حتى الاطلاع على ما يكتب باللغة العربية. لذلك فإن المبدعين الجيدين يجدون أنفسهم مُهملين، بل محاصرين أحيانا. وأنا شخصيا أعاني من كل هذا. ومرة كتبت عن أعمالي أستاذة جامعية معروفة بحسّها النقدي الرفيع ...وإذا ببعض من الجامعيين يهاجمونها بشدة وكأنها اقترفت ذنبا مُشينا. كما أني لا أدعى إلى الكثير من الندوات، وإلى معارض الكتاب. لكن ماذا افعل؟ عليّ أن أواصل الكتابة حتى النهاية لأنها مصيري...
-دعوت إلى تدريس الأدب التونسي الجديد بدلا عن الأدب العربي القديم...فهل وصل الأدب التونسي الجديد إلى مرحلة النضج لكي يحظى بالتدريس في المدارس والجامعات؟
جواب: بعد حصول تونس على استقلالها بادر بناة الجمهورية الجديدة بإعادة الاعتبار لمبدعين ومثقفين عانوا من الإهمال والتهميش في الفترة الاستعمارية، وحاربتهم الأوساط المحافظة والرجعية بشدّة وعنف مثل الشابي، والطاهر الحداد، وجماعة "تحت السور"، وآخرين. وكان ذلك أمرا محمودا شكّل أسس الثقافية الوطنية واحياء لمقوّماتها. وبعدها أدرج كتاب تونسيون ظهروا بعد الاستقلال في البرامج المدرسية مثل محمود المسعدي، والعروسي المطوي، ومصطفى الفارسي، وعز الدين المدني، وحسن نصر... وكانت هذه بادرة جيدة أيضا. لكن منذ ذلك الحين، وتحديدا منذ السبعينات من القرن الماضي، لم تحدث أي مبادرة للتعريف بالأدب التونسي الجديد ، وبالأدباء والمبدعين الذين ظهروا انطلاقا من السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وهؤلاء هم الآن على مشارف السبعين، أو هم تجاوزوها. والبعض منهم مُعترف بهم مشرقا ومغربا، وأعمالهم مترجمة إلى لغات عدة. مع ذلك لا تعرف الأجيال الجديدة عنهم شيئا لأن نصوصهم غير مدرجة في البرامج المدرسية. وأما الجامعة فتنظر إليهم من فوق كما لو أنهم لا يزالون في مرحلة التجريبوالتدرب على الكتابة. فهل يعني هذا أن الاعتراف بالمبدع التونسي لا يتم إلاّ بعد رحيله إلى العالم الآخر؟ وهل معنى هذا أن تونس لم تنجب أدباء ومبدعين بخلاف الشابي والمسعدي والعروسي المطوي ومصطفى الفارسي؟ وأنا لم أدع إلى التخلي عن تدريس الأدب العربي القديم، وإنما أشرت إلى أنه من الضروري أن تتعرف الأجيال الجديدة على الأدباء والمبدعين الأحياء الذين تعكس أعمالهم الواقع الذي فيه يعيشون ويتحركون. وشخصيا أنا حزين جدا لأن قصصي ورواياتي المنغرسة في البيئة التونسية، الريفية منها بالخصوص لا تُعرض على التلاميذ حتى في حصص المطالعة. لكن عندما ترجمت قصصي إلى اللغة الألمانية، دعيت إلى معاهد وإلى جامعات للحديث عنها لأن التلاميذ والطلبة هناك يرغبون في التعرف على بلدان أخرى من خلال كتابها...
-ذكرت في العديد من المناسبات أن جيلك مظلوم، وغير معترف به في بلاده... لكنك فزت بجوائز في تونس...كيف تفسر موقفك هذا؟
جواب: كنت قد عبّرت عن الخيبات التي أصيب بها جيلي جيل السبعينات من القرن الماضي في العديد من النصوص، وأيضا في البعض من روايتي خصوصا في "هلوسات ترشيش"، و"الآخرون". ورموز هذا الجيل بالنسبة لي هم الذين تهشّمت أحلامهم وأمانيهم أمام أعينهم فرحلوا عن الدنيا مبكرا، أو هم انزووا في الأركان المعتمة مختارين العزلة المريرة على العيش في الأجواء الخانقة المسمّمة بالأكاذيب والأوهام. وهناك من جيلي من عرف كيف يركب الموجة، ويتسلق إلى حيث النفوذ والسلطة والمال. وهم يرتكبون مثل هذه الأفعال حتى ولو كلفهم ذلك خيانة المبادئ التي كانوا يزعمون الدفاع عنها، والدوس على أصدقائهم القدامى الذين كانوا لهم عونا وسندا في أوقات الشدة... وأنا شخصيا عرفت كائنات دنيئة وحقيرة من هذا الصنف الوضيع، معهم تقاسمت الحلو والمر في فترة الشباب، وقدّمت لهم الكثير من الخدمات عند الصعود بكثير من الوفاء والاخلاص ، لكنهم ما لبثوا أن أداروا لي ظهورهم، وشرعوا يستعملون مختلف الطرق والوسائل للتنكيل بي وحرماني حتى من خبزي اليومي. أما الجوائز الواردة في السؤال فقد نلت منها اثنتين فقط. واحدة إثر صدور مجموعتي القصصية:" حكاية جنون ابنة عمي هنية" سنة1986 . وقد انزعج من ذلك جامعيون وكتّاب مسكونون بأحقاد دفينة ضد كل مبدع أصيل ومتميز. والمرة الثانية كانت سنة 2020 عندما فزت بجائزة "الكومار الذهبي" عن روايتي:" لا نسبح في النهر مرتين". ومرة أخرى استنكر ذلك جامعيون وكتّاب من الصنف الذي ذكرت . وأحدهم صعد إلى الطابق الخامس في عمارة مؤسسة "كومار" ليعبر للسيد المدير العام عن استيائه من ذلك. وأما وسائل الاعلام فقد تجاهلتني تماما، ودأبت على مدى أشهرطويلة على دعوة الفائزة الثانية بالجائزة لتقديمها وكأنها هي الفائزة ب"الكومار الذهبي". وكانت هي تستعذب هذه الكذبة ولا مرة واحدة كلفت نفسها تصحيحها ولو بإشارة خفيفة...
-تراوح في رواياتك بين الأماكن والشخصيات...إلاّ أننا نلاحظ أن كل شخصية تحمل بعض السمات من سيرتك الذاتية... فهل تعتبر سيرتك الملهم الأول في الكتابة الروائية؟
-جواب: كل روائي مرتبط بشخصياته بدرجة أو بأخرى. فنجيب محفوظ لم يأت بشخصياته سواء في "الثلاثيةّ أم في" الحرافيش" أم "في ثرثرة فوق النيل"، أم في بقية روايته وقصصه من عدم ، بل هو استند إلى شخصيات عرفها وعاشرها وعاش أفراحها وأتراحها. وتلك الشخصيات الواقعية حلّق بها خياله بعيدا لتكون واقعية بشكل آخر. ومن وحي القصص التي كان يستمع إليها مُتسكعا في منطقة "الميسيسيبي" ، ابتكر ويليام فوكنر جلّ شخصيات رواياته العظيمة. ولو لم يكن سارفانتس عارفا بأسرار عالم الفرسان الجوّالين لما استطاع ان يبتكر تلك الشخصية الرائعة التي هي دون كيخوتي. ورواية" أنا كارينينا" استوحاها تولستوي من حادثة انتحار سيدة متزوجة ضاقت بالحياة الزوجية ومتاعبها. وجريمة قتل ارتكبها طالب شاب في مدينة سانت-بطرسبورغ دفعت دستويفسكي لكتابه رائعته:" الجريمة والعقاب"... وفي مجموعتي حكاية جنون ابنة عمي هنية" كان أبطال قصصي من الريف الذي فيه نشأت. بل أنني لم أغير حتى أسماء البعض منهم. وفعلت ذلك في مجموعتي الثانية:" السلحفاة". وفي رواياتي، كانت جل الشخصيات غير غريبة عني. ونحن نتعرف في "هلوسات ترشيش" من خلال ياسين، الشاعر الذي ينتحر، على ملامح البعض من الشعراء الذين عاشوا الاقصاء والتهميش، وسلطت عليهم مظالم من أمثال منور صمادح ورضا الجلالي، واولاد احمد. وفي "الآخرون" تحضرُ شخصيات من جيلي أيضا، وأخرى تعرفت عليها في الغربة. وفي روايتي الأخيرة:" حديقة ليلة الشتاء" أخترت مثلما فعل هنري ميللر في جل رواياته أن أحافظ على أسماء بعض الشخصيات، أو ان أطلق عليها اسما ينسجم مع ملامحها ...فهناك مثلا "الكاتب العاري" الذي قد يكون محمد شكري، و"مهيار الدمشقي" الذي قد يكون أدونيس... ومن الطبيعي أن تتقاطع حياتي مع حياة الشخصيات التي أتحدث عنها في قصصي وفي رواياتيلأني لم أبتكرها من عدم، بل تقاسمت معي فصولا من حياتي كاتبا وانسانا... ثم إني عشت تجارب ومحنا كثيرة. لذلك يمكنني أن أقول أن حياتي خزّان مليء بالأسرار والحكايات والتجارب ...
-يرى بعض النقاد أنك تمتلك قدرة كبيرة على تفكيك تاريخ تونس المعاصر، وعلى تحليل الشخصيات... لكن بعض النقاد الأكاديميين يعتبرون كتاباتك استشراقية موجهة للقارئ الغربي تحديدا...ما رأيك؟
جواب: التاريخ التونسي القديم والحديث يحضر بقوة وبأشكال مختلفة في كل رواياتي. فمن خلال "هلوسات ترشيش" نحن نتعرّف على ملامح جيل السبعينات الذي حلم بالثوة، وتمرد على نظام بورقيبة، وعاش مظالم مختلفة. وكثير من أبناء هذا الجيل الذي تربّى في أحضان دولة الاستقلال في مرحلتها الأولى دفعوا الثمن غاليا لأن أحلامهم حرّضتهم أحيانا إلى اهمال الواقع الذي فيه يعيشون. لذا فتنوا بزعماء الثورات العالمية مثل لينين وماوتسي تونغ وتروتسكي وشي غيفارا وغيرهم منسلخين تماما عن تاريخ بلادهم. وعندما شعر بورقيبة أن الجيل الأول لدولة الاستقلال بدأ يفلت منه، ذهب إلى كلية الصحافة وعلوم الأخبار ليلقي سلسلة من المحاضرات حول "ملحمته البطولية" . وفي روايتي:" أشواك وياسمين" التي صدرت بعد سقوط نظام بن علي، استحضرت الكثير من الفصول في التاريخ التونسي لكي أثبت أن التاريخ يُكرر نفسه. فالعنف الديني مثلا لم يكن جديدا كما توّهم البعض بل هو قديم سواء في العهود الرومانية أو الإسلامية. والقيروان والعديد من المدن الأخرى أحرقتها وخربتها الفتن الدينية أكثر من مرة. وشخصية الغنوشي مثلا لا تكاد تختلف كثيرا عن شخصية صاحب الحمار الذي أحرق البلاد، وجوّع العباد حتى أنهم أجبروا على أكل الميتة. والطغيان ليس جديدا أيضا. لذا خصصت فصلا لمراد الثالث أو "مراد بوبالة" الذي كان يجد متعة كبيرة في شوي لحم معارضيه. بل كان يقتل حتى من لا يعارضه من أجل متعة القتل فقط. وبما أن الحديث عن الفساد اتسع بعد انهيار نظام بن علي، فإنني استحضرت محمود بن عياد ومصطفى بن إسماعيل اللذين مهدا من خلال عمليات الفساد إلى الاحتلال. وفي روايتي "لا نسبح في النهر مرتين" تحضر أيضا فصول من التاريخ التونسي مرتبطة بالشخصيات الثلاث في الرواية مثل الخلاف البورقيبي-اليوسفي، وحرب الجلاء، وحرب67 العربية، والعديد من الأحداث الأخرى. أما الذين يقولون في الأركان المعتمة بأني "استشراقي" فهم بالتأكيد لم يقرؤوا أعمالي، أو لأن لهم أغراضا أخرى لا أريد أن أشير إليها. فقط أقول لهم بأن كل أعمالي تشهد بأني من أكثر الكتاب التونسيين تجذرا في تاريخ بلادي، ومن أكثرهم معرفة بروحها، وبخفاياها...
-في رواية :"على أرصفة الشتات" تماهت شخصيات الرواية مع شخصيات واقعية معروفة للقارئ العربي والتونسي تحديدا مثل العراقي صاموئيل شمعون والمفكر التونسي العفيف الأخضر وآخرين...وفي كل واحدة من هذه الشخصيات ما يعكس فصلا من سيرة المؤلف... إلى أي مدى تتماهى مع شخصيات رواياتك؟
حواب: أظن أني أجبت عن هذا السؤال. لكني أضيف بأن أرصفة الشتات" هي نفس رواية "الآخرون". وقد فضل الناشر اللبناني تغيير العنوان لأن كاتبة سعودية أصدرت بعد أن نشرتُ "الآخرون" رواية بنفس العنوان من دون أن تعتذر وأن تتراجع عن ذلك. أما بالنسبة لشخصيات هذه الرواية فهي جميعها تقريبا واقعية، ومعها تقاسمت أوجاع الغربة. لذا تظل هذه الرواية بحسب نظري، وثيقة هامة عن الاغتراب العربي.
في نصوصك هناك حضور للمهاجرين إلى الشمال...فهل أن ذلك مكتسب من تجربتك مع هؤلاء المهاجرين؟
جواب: في رواية:" نوّارة الدفلى" تطرقت إلى حياة امرأة تونسية عاشت محنة قادتها إلى الموت بمرض السرطان. ومن خلال هذه المرأة رسمت صورة عن مرارة الغربة خصوصا في أوساط المهاجرات اللاتي يتعرضن لمظالم رهيبة يسلطها عليهن رجال عرب مُتمسّكون بالعادات الشرقية السيئة التي اعتمادا عليها تُعامل المرأة بقسوة وعنف، وتُسْلب منها أبسط حقوقها في الحرية والكرامة. وأعتقد أن كثيرا من النساء المغتربات يحاولن دائما إخفاء المعاناة التي يعشنها في بلدان المهجر الأوروبي. كما أني تعرضت في الرواية ذاتها إلى عمّال مهاجرين يعجزون عن التأقلم مع ثقافة ونمط العيش في البلد الذي استضافهم فيصابون بأمراض نفسية خطيرة، أو تجذبهم التيارات الجهادية والتكفيرية ليصبحوا من أنصارها، ومن المنفذين لعملياتها الإرهابية.
-من تكون روزالي؟ هل هي الحلم المفقود أم الغرب المبهر الذي ننبهر به لكنه يطردنا في النهاية؟
-جواب: أمراض الغربة كثيرة. وغالبا ما تًُُفضي خصوصا لدى الشخصيات الهشة وشديدة الحساسية بما لا تحمد عقباه. وفي الغربة تكثر الأوهام والهواجس فيُصاب المغتربون بكآبة مزمنة قد تؤدي بهم إلى الجنون أو إلى الانتحار. وهذا ما تعكسه بشكل رائع رواية "المغتربون" للألماني زيبالد. وفي "وداعا روزالي"، يترك ميلود بلاده بحثا عن الحرية وعن الخلاص من المظالم التي تعرض لها في بلاده. لكنه يصاب بكآبة تفقده التوزان والأمل فينطلق الى طنجة متوهما أن مرأة عشقها وعشقته تنتظره هناك. وفي النهاية ينتهي معلقا في الفراغ فلا يدري له وجهة أو مصيرا. وأعتقد أن "وداعا روزالي" هي من أفضل الروايات العربية التي لامست جراح الغربة بطريقة عميقة، وكشفت عن الوجه المظلم للغربة الذي يخشى الكثير من المغتربين مجرد الاشارة إليه. فإنهم فعلوا ذلك، فإنهم يشعرون كما لو أنهم يُطلّون على هاوية بلا أعماق.
-قلت أنك تحمل بلادك أينما رحلت. وقد قيل أن جلّ روايتك وقصصك تعكس بشكل مثير الإهتمامبحياة التونسي ومشاغله...فهل كانت قريتك وتونس بصفة عامة حاضرتين دائما معك في ترحالك الطويل؟
جواب: أظن أن الكاتب الأصيل والحقيقي هو الذي يظلّ مسكونا دائما بالمكان الأول الذي فيه ولد ونشأ وتربى. وفي حوار أجري معه، قال ماركيز بأن عالمه الروائي تشكّل وهو في الثامنة من عمره بعد أن استمع إلى الكثير من حكايات جده الذي شارك في العديد من الحروب، وقد يكون واحدا من شخصيات "مائة سنة من العزلة". وتبدو الحياة في الأرياف وفي القرى التونسية لمن يجهلونها فقيرة وخالية من الاثارة ومن الجاذبية. وهم مخطئون. وأنا ولدت ونشأت في دوّار "الذهيبات" الذي كان في ذلك الوقت يكاد يكون مقطوعا عن العالم إذ لم يكن هناك لا كهرباء ولا سيارات ولا شيء من علامات التمدن والتحضر. وأول راديو دخل إلى القرية كان في أواخر الخمسينات...وأذكر أن رجال الدوّار تجمّعوا كلهم في بيت عمي صالح الذي خدم في الجيش الفرنسي، وكان في خنادق "فاردان" الرهيبة، ليتابعوا البرامج. أما الأطفال والنساء فقد حرموا من تلك السهرة الأولى مع الراديو.وطبعا كانت
الحياة صعبة وقاسية في جميع الفصول. مع ذلك كان هناك عالم بديع لم أكتشفه إلا في ما بعد ...عالم الحكاياتوالخرافات في سهرات الليل،.. حكايات عن علي بن السلطان ومغامراته وبطولاته، وعن الجازية وذياب الهلالي، وعن سيدنا علي ورأس الغول... وعالم الجنود العائدين من حروب فرنسا، وعالم الرعاة وأغانيهم الحزينة في الجبال وفي الأودية... وعالم النساء يطلقن الأغاني في الحقول للتفريج عن همومهن وأحزانهن...والبعض من عوالم قريتي تحضر في الكثير من قصصي، ورواياتي... لذلك أقدر أن أقول بأنني مسكون بهذه العوالم منذ طفولتي وحتى هذه اللحظة. ورغم أني تنقلت كثيرا، وأقمت سنوات عديدة خارج بلادي، فإن هذه العوالم ظلت دائما تنبض مع نبضات قلبي...لهذا عدت بعد الترحال والتيه إلى قريتي وبي إحساس أنني أولد من جديد...
-لماذا يتكرر اسم ياسين في قصصك ورواياتك؟
جواب: في سنوات المراهقة، سقط طفل من أقاربي في البئر الذي عمقه 70مترا. وعندما شرعت في كتابة مجموعتي:" حكاية جنون ابنة عمّي هنية" ، تذكرت تلك الفاجعة وكتبت قصة بعنوان :"البئر". واخترت لذلك الطفل الذي رحل عن الدنيا وهو في الرابعة عشرة من عمره اسم ياسين. وقد تكرر هذا الاسم في البعض من القصص الأخرى. كما أني اخترت أن يكون ياسين هو الشاعر الذي ينتحر في رواياتي :"هلوسات ترشيش". ولعلي فكرت في أنّ الطفل الذي سقط في البئر لم يمت وإنما كبر وأصبح شاعراـ وفي النهاية فضل الانتحار على العيش في واقع مرير...وقد انتبهت وأنا أعيد قراءة أعماله القصصية الكاملة إلى أن همنغواي اختار اسم "نايك" لفتى هو الشخصية الرئيسية في العديد من القصص. وقد يكون هذا الفتى هو همنغواي نفسه، أو هو يعكس شيئا من ملامحه ومن سيرته.
-كيف تفسر حضور تاريخ تونس الحديث في روايتك :"لا نسبح في النهر مرتين".
جواب: لقد أجبت على هذا السؤال...
-أنت على ما يبدو مفتون بالإيرلندي جيمس جويس...كيف تفسر ذلك؟ وهل ما تزال روايته "يوليسيبس" مستعصية عليك؟
جواب: مُبكرا قرأت مجموعة جيمس جويس :أهالي دبلن"، أو "دبلينيون"، وبها أعجبت كثيرا. وبعدها قرأت روايته :"صورة الفنان في شبابه". ومن فرط اعجابي بها، أعدت قراءتها أكثر من مرة في ترجمتها الفرنسية، وليس في ترجمتها العربية لأنها سيئة بشكل فظيع. ولما شرعت في قراءة "يوليسيس"، وجدت صعوبة كبيرة في مواصلة القراءة، لذا انقطعت عن ذلك. وكان عليّ أن أستعين بمحاضرة ألقاها نابوكوف في الجامعات الأمريكية عن هذه الرواية الضخمة والمعقدة لكي أنهي قراءتها لأجد نفسي مفتونا بها وبطريقة صاحبها في السرد. لذا ترجمت له قصة كتبها لما كان في مدينة "ترياست "الإيطالية بعنوان:"جياكومو". وفي هذه القصة هو يستعمل نفس التقنيات التي استعملها في"يوليسيس". وقد ازددت اعجابا بجويس بعد أن قرأت سيرته في مجلدين للناقد والمؤرخ الأدبي الكبير ريتشارد ايلمان. كما أنني زرت قبره في زيوريخ، وحضرت الاحتفال السنوي الذي يُقام صيف كل سنة في دبلن احتفاء ب"يوليسيس". وفي النهاية ألفت عنه كتابا بعنوان:" جيمس جويس في منافيه". وسوف أعيد طبع هذا الكتاب لأني أفكر في أن أضيف له ما يجعله أكثر عمقا والماما بعالم هذا الكاتب الذي أحدث "ثورة" هائلة في مجال السرد، وابتكر تقنيات غير مسبوقة. كما أنه كان يتمتع بثقافة عالية تبرز في كل أعماله. وهو يحضر في روايتي الأخيرة:" حديقة ليلة الشتاء". وقد استفدت من جويس في الجوانب التقنية، إلاّ أنني كاتب شرقي. وأعتقد أن الافراط في استخدام التقنيات الفنية يُعقّد السرد، ويحوّله إلى لغز محيّر...وفي حوار أجريته مع الراحل الكبير البشير خريف سألته عن رأيه في جويس وفي بروست فقال لي: لا أرغب في قراءة لا هذا ولا ذاك...أريد أن أكتب مثل "ألف ليلة وليلة"...
-لماذا نشرت قصيدة رضا الجلالي التي تعارض قصيدة أولاد أحمد "نحب البلاد..." بعد وفاة أولاد أحمد؟
جواب: كنت قد وضحت ذلك أكثر من مرة. ولا أريد أن أعود إليه....سلاما على روح أولاد أحمد، وعلى روح رضاالجلالي
"الصباح الأدبي"
حسونة المصباحي كاتب وروائي تونسي، من مواليد قرية الذهيبات في ريف القيروان سنة 1950 درس الآداب الفرنسية في الجامعة التونسية. ثم هاجر ليستقر بمدينة ميونيخ بألمانيا لأكثر من عشرين سنة ليعود إلى بلده تونس، وتحديدا إلى قريته الذهيبات.
صدرت له ثلاث مجموعات قصصية هي «حكاية جنون ابنة عمي هنية» تونس 1986، (جائزة القصة- وزارة الثقافة في تونس)، «ليلة الغرباء» تونس 1997، «السلحفاة» دار جلجامش باريس 1997، طبعة ثانية عن الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 2000.
كما أصدرعدة روايات منها:
«هلوسات ترشيش» دار توبقال، المغرب 1995،
«الآخرون» دار تبر الزمان، تونس 1998،
«وداعا روزالي» دار الجمل، ألمانيا 2001،
«نوارة الدفلى» الدار المتوسطية للنشر، تونس 2004،
«حكاية تونسية» عن دارالكليم للنشر في دبي 2008.
(رحلة في زمن بورقيبة) [سيرة] صدر عن دار جداول 2012.
«لا نسبح في النهر مرتين»، دار الآداب، 2020
« ليلة حديقة الشتاء » عن دار نقوش عربية - تونس 2023
كما صدرت له عدة كتب أخرى في اختصاصات مختلفة منها:
جان جينيه والفلسطينيون
وصاياالعفيفالأخضر
يوميات ميونيخ 2001-2004
ترجمت أعماله إلى عدة لغات، وفازت «هلوسات ترشيش» بجائزة Toucan لأفضل كتاب للعام 2000 في مدينة ميونيخ. كما اختيرت قصته «السلحفاة» التي ترجمت إلى الإنكليزية، في القائمة القصيرة لجائزة «كين» للأدب الأفريقي،
كما ترجم حسونة المصباحي من الفرنسية إلى العربية عشرات المؤلفات منها «أصوات مراكش» لإلياس كانيتي، و«قصص للأطفال» جاك بفرفير، و«الحب هو البراءة الأبدية» منتخبات من الشعر العالمي.
وصف الأديب المصري الراحل يوسف إدريس قصص حسونة المصباحي، قائلاً: «يكفي أن تقرأ قصة واحدة لحسونة المصباحي لكي تعرف كيف يعيش الإنسان التونسي، وكيف يفكر، وما هي حكاياته وأساطيره الخاصة كما لو أنك عشت في تونس عشرات السنين».
-حسونة المصباحي من أكثر الكتّاب غزارة تتوزّعُ كتاباته بن القصة والرواية والمقال النقدي وأدب الرحلة وأدب السيرة والترجمة إلاّ أن النقاد لم يولوا أعماله العناية التي تستحقها....ما رأيك؟
جواب: لي الآن أزيد من خمسين كتابا في المجالات المذكورة... يعود ذلك إلى أسباب عدة...منها أنه لا عمل لي سوى الكتابة لكي أعيش...والأمر الثاني هو أني قارئ كبير... غير أني لا أريد أن تكون قراءتي سلبية وعقيمة، بل منتجة ومبدعة ومتجاوبة مع قراءاتي... وعندما أقرأ كتبا فلسفية مثلا، أجد نفسي مدفوعا للكتابة عنها، والتعليق عليها رغم أن الفلسفة ليست من اختصاصي. وكتابي:" فلاسفة ومفكرون من خلال سيرهم" أردته أن يكون مفتاحا لفهم عوالم فلاسفة كبار. وقد أعجب الكثير من القراء. وكنت أود أن ينشر هذا الكتاب بشكل مُتّسع لكي يكون في أيدي الطلبة والتلاميذ لأنه يُعرّف بفلاسفة وبمفكرين من دون تعقيد، وبطريقة مبسطة لكن من دون التخلي عن ابراز عمق أفكار وأطروحات هذا الفيلسوف أو ذاك. وقد ألّفت أيضا كتابا عن هايدغر يوفر للقارئ أدوات هامة لفهم عالمه وأفكاره. وعندما انهار نظام بن علي، وشرع منتمون إلى تيارات سياسية مختلفة في الحط ّمن شأن الزعيم بورقيبة معتبرين فترته "مظلمة"، أصدرت كتابا بعنوان:" رحلة في زمن بورقيبة" استعرضت فيه جوانب من سيرته السياسية، مشيرا إلى جوانبها السلبية والايجابية. وهدفي من ذلك هو الرد على من يقرؤون التاريخ انطلاقا من زوايا ضيقة، ومن أفكار خاطئة، ومن نزعات أيديولوجية لا تمت للواقع بأي صلة. كما اهتممت بالقديس أغسطين لكي أظهر أن بلادنا احتضنت ثقافات وحضارات وتوجّهات فكرية وفلسفية مختلقة ومتناقضة... ولكن كل هذه الأعمال لم تحظى بالعناية النقدية لأنه لا يوجد نقاد بالمعنى الحقيقي للكلمة. ومن يسمون أنفسهم بالنقاد داخل الجامعة منصرفون إلى أبحاث جافة ،أو هم يهتمون بأعمال أدبية أو فكرية مشرقية أساسا. فكأن تونس بلد عقيم. والفرنكفونيون لا يكلفون أنفسهم حتى الاطلاع على ما يكتب باللغة العربية. لذلك فإن المبدعين الجيدين يجدون أنفسهم مُهملين، بل محاصرين أحيانا. وأنا شخصيا أعاني من كل هذا. ومرة كتبت عن أعمالي أستاذة جامعية معروفة بحسّها النقدي الرفيع ...وإذا ببعض من الجامعيين يهاجمونها بشدة وكأنها اقترفت ذنبا مُشينا. كما أني لا أدعى إلى الكثير من الندوات، وإلى معارض الكتاب. لكن ماذا افعل؟ عليّ أن أواصل الكتابة حتى النهاية لأنها مصيري...
-دعوت إلى تدريس الأدب التونسي الجديد بدلا عن الأدب العربي القديم...فهل وصل الأدب التونسي الجديد إلى مرحلة النضج لكي يحظى بالتدريس في المدارس والجامعات؟
جواب: بعد حصول تونس على استقلالها بادر بناة الجمهورية الجديدة بإعادة الاعتبار لمبدعين ومثقفين عانوا من الإهمال والتهميش في الفترة الاستعمارية، وحاربتهم الأوساط المحافظة والرجعية بشدّة وعنف مثل الشابي، والطاهر الحداد، وجماعة "تحت السور"، وآخرين. وكان ذلك أمرا محمودا شكّل أسس الثقافية الوطنية واحياء لمقوّماتها. وبعدها أدرج كتاب تونسيون ظهروا بعد الاستقلال في البرامج المدرسية مثل محمود المسعدي، والعروسي المطوي، ومصطفى الفارسي، وعز الدين المدني، وحسن نصر... وكانت هذه بادرة جيدة أيضا. لكن منذ ذلك الحين، وتحديدا منذ السبعينات من القرن الماضي، لم تحدث أي مبادرة للتعريف بالأدب التونسي الجديد ، وبالأدباء والمبدعين الذين ظهروا انطلاقا من السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وهؤلاء هم الآن على مشارف السبعين، أو هم تجاوزوها. والبعض منهم مُعترف بهم مشرقا ومغربا، وأعمالهم مترجمة إلى لغات عدة. مع ذلك لا تعرف الأجيال الجديدة عنهم شيئا لأن نصوصهم غير مدرجة في البرامج المدرسية. وأما الجامعة فتنظر إليهم من فوق كما لو أنهم لا يزالون في مرحلة التجريبوالتدرب على الكتابة. فهل يعني هذا أن الاعتراف بالمبدع التونسي لا يتم إلاّ بعد رحيله إلى العالم الآخر؟ وهل معنى هذا أن تونس لم تنجب أدباء ومبدعين بخلاف الشابي والمسعدي والعروسي المطوي ومصطفى الفارسي؟ وأنا لم أدع إلى التخلي عن تدريس الأدب العربي القديم، وإنما أشرت إلى أنه من الضروري أن تتعرف الأجيال الجديدة على الأدباء والمبدعين الأحياء الذين تعكس أعمالهم الواقع الذي فيه يعيشون ويتحركون. وشخصيا أنا حزين جدا لأن قصصي ورواياتي المنغرسة في البيئة التونسية، الريفية منها بالخصوص لا تُعرض على التلاميذ حتى في حصص المطالعة. لكن عندما ترجمت قصصي إلى اللغة الألمانية، دعيت إلى معاهد وإلى جامعات للحديث عنها لأن التلاميذ والطلبة هناك يرغبون في التعرف على بلدان أخرى من خلال كتابها...
-ذكرت في العديد من المناسبات أن جيلك مظلوم، وغير معترف به في بلاده... لكنك فزت بجوائز في تونس...كيف تفسر موقفك هذا؟
جواب: كنت قد عبّرت عن الخيبات التي أصيب بها جيلي جيل السبعينات من القرن الماضي في العديد من النصوص، وأيضا في البعض من روايتي خصوصا في "هلوسات ترشيش"، و"الآخرون". ورموز هذا الجيل بالنسبة لي هم الذين تهشّمت أحلامهم وأمانيهم أمام أعينهم فرحلوا عن الدنيا مبكرا، أو هم انزووا في الأركان المعتمة مختارين العزلة المريرة على العيش في الأجواء الخانقة المسمّمة بالأكاذيب والأوهام. وهناك من جيلي من عرف كيف يركب الموجة، ويتسلق إلى حيث النفوذ والسلطة والمال. وهم يرتكبون مثل هذه الأفعال حتى ولو كلفهم ذلك خيانة المبادئ التي كانوا يزعمون الدفاع عنها، والدوس على أصدقائهم القدامى الذين كانوا لهم عونا وسندا في أوقات الشدة... وأنا شخصيا عرفت كائنات دنيئة وحقيرة من هذا الصنف الوضيع، معهم تقاسمت الحلو والمر في فترة الشباب، وقدّمت لهم الكثير من الخدمات عند الصعود بكثير من الوفاء والاخلاص ، لكنهم ما لبثوا أن أداروا لي ظهورهم، وشرعوا يستعملون مختلف الطرق والوسائل للتنكيل بي وحرماني حتى من خبزي اليومي. أما الجوائز الواردة في السؤال فقد نلت منها اثنتين فقط. واحدة إثر صدور مجموعتي القصصية:" حكاية جنون ابنة عمي هنية" سنة1986 . وقد انزعج من ذلك جامعيون وكتّاب مسكونون بأحقاد دفينة ضد كل مبدع أصيل ومتميز. والمرة الثانية كانت سنة 2020 عندما فزت بجائزة "الكومار الذهبي" عن روايتي:" لا نسبح في النهر مرتين". ومرة أخرى استنكر ذلك جامعيون وكتّاب من الصنف الذي ذكرت . وأحدهم صعد إلى الطابق الخامس في عمارة مؤسسة "كومار" ليعبر للسيد المدير العام عن استيائه من ذلك. وأما وسائل الاعلام فقد تجاهلتني تماما، ودأبت على مدى أشهرطويلة على دعوة الفائزة الثانية بالجائزة لتقديمها وكأنها هي الفائزة ب"الكومار الذهبي". وكانت هي تستعذب هذه الكذبة ولا مرة واحدة كلفت نفسها تصحيحها ولو بإشارة خفيفة...
-تراوح في رواياتك بين الأماكن والشخصيات...إلاّ أننا نلاحظ أن كل شخصية تحمل بعض السمات من سيرتك الذاتية... فهل تعتبر سيرتك الملهم الأول في الكتابة الروائية؟
-جواب: كل روائي مرتبط بشخصياته بدرجة أو بأخرى. فنجيب محفوظ لم يأت بشخصياته سواء في "الثلاثيةّ أم في" الحرافيش" أم "في ثرثرة فوق النيل"، أم في بقية روايته وقصصه من عدم ، بل هو استند إلى شخصيات عرفها وعاشرها وعاش أفراحها وأتراحها. وتلك الشخصيات الواقعية حلّق بها خياله بعيدا لتكون واقعية بشكل آخر. ومن وحي القصص التي كان يستمع إليها مُتسكعا في منطقة "الميسيسيبي" ، ابتكر ويليام فوكنر جلّ شخصيات رواياته العظيمة. ولو لم يكن سارفانتس عارفا بأسرار عالم الفرسان الجوّالين لما استطاع ان يبتكر تلك الشخصية الرائعة التي هي دون كيخوتي. ورواية" أنا كارينينا" استوحاها تولستوي من حادثة انتحار سيدة متزوجة ضاقت بالحياة الزوجية ومتاعبها. وجريمة قتل ارتكبها طالب شاب في مدينة سانت-بطرسبورغ دفعت دستويفسكي لكتابه رائعته:" الجريمة والعقاب"... وفي مجموعتي حكاية جنون ابنة عمي هنية" كان أبطال قصصي من الريف الذي فيه نشأت. بل أنني لم أغير حتى أسماء البعض منهم. وفعلت ذلك في مجموعتي الثانية:" السلحفاة". وفي رواياتي، كانت جل الشخصيات غير غريبة عني. ونحن نتعرف في "هلوسات ترشيش" من خلال ياسين، الشاعر الذي ينتحر، على ملامح البعض من الشعراء الذين عاشوا الاقصاء والتهميش، وسلطت عليهم مظالم من أمثال منور صمادح ورضا الجلالي، واولاد احمد. وفي "الآخرون" تحضرُ شخصيات من جيلي أيضا، وأخرى تعرفت عليها في الغربة. وفي روايتي الأخيرة:" حديقة ليلة الشتاء" أخترت مثلما فعل هنري ميللر في جل رواياته أن أحافظ على أسماء بعض الشخصيات، أو ان أطلق عليها اسما ينسجم مع ملامحها ...فهناك مثلا "الكاتب العاري" الذي قد يكون محمد شكري، و"مهيار الدمشقي" الذي قد يكون أدونيس... ومن الطبيعي أن تتقاطع حياتي مع حياة الشخصيات التي أتحدث عنها في قصصي وفي رواياتيلأني لم أبتكرها من عدم، بل تقاسمت معي فصولا من حياتي كاتبا وانسانا... ثم إني عشت تجارب ومحنا كثيرة. لذلك يمكنني أن أقول أن حياتي خزّان مليء بالأسرار والحكايات والتجارب ...
-يرى بعض النقاد أنك تمتلك قدرة كبيرة على تفكيك تاريخ تونس المعاصر، وعلى تحليل الشخصيات... لكن بعض النقاد الأكاديميين يعتبرون كتاباتك استشراقية موجهة للقارئ الغربي تحديدا...ما رأيك؟
جواب: التاريخ التونسي القديم والحديث يحضر بقوة وبأشكال مختلفة في كل رواياتي. فمن خلال "هلوسات ترشيش" نحن نتعرّف على ملامح جيل السبعينات الذي حلم بالثوة، وتمرد على نظام بورقيبة، وعاش مظالم مختلفة. وكثير من أبناء هذا الجيل الذي تربّى في أحضان دولة الاستقلال في مرحلتها الأولى دفعوا الثمن غاليا لأن أحلامهم حرّضتهم أحيانا إلى اهمال الواقع الذي فيه يعيشون. لذا فتنوا بزعماء الثورات العالمية مثل لينين وماوتسي تونغ وتروتسكي وشي غيفارا وغيرهم منسلخين تماما عن تاريخ بلادهم. وعندما شعر بورقيبة أن الجيل الأول لدولة الاستقلال بدأ يفلت منه، ذهب إلى كلية الصحافة وعلوم الأخبار ليلقي سلسلة من المحاضرات حول "ملحمته البطولية" . وفي روايتي:" أشواك وياسمين" التي صدرت بعد سقوط نظام بن علي، استحضرت الكثير من الفصول في التاريخ التونسي لكي أثبت أن التاريخ يُكرر نفسه. فالعنف الديني مثلا لم يكن جديدا كما توّهم البعض بل هو قديم سواء في العهود الرومانية أو الإسلامية. والقيروان والعديد من المدن الأخرى أحرقتها وخربتها الفتن الدينية أكثر من مرة. وشخصية الغنوشي مثلا لا تكاد تختلف كثيرا عن شخصية صاحب الحمار الذي أحرق البلاد، وجوّع العباد حتى أنهم أجبروا على أكل الميتة. والطغيان ليس جديدا أيضا. لذا خصصت فصلا لمراد الثالث أو "مراد بوبالة" الذي كان يجد متعة كبيرة في شوي لحم معارضيه. بل كان يقتل حتى من لا يعارضه من أجل متعة القتل فقط. وبما أن الحديث عن الفساد اتسع بعد انهيار نظام بن علي، فإنني استحضرت محمود بن عياد ومصطفى بن إسماعيل اللذين مهدا من خلال عمليات الفساد إلى الاحتلال. وفي روايتي "لا نسبح في النهر مرتين" تحضر أيضا فصول من التاريخ التونسي مرتبطة بالشخصيات الثلاث في الرواية مثل الخلاف البورقيبي-اليوسفي، وحرب الجلاء، وحرب67 العربية، والعديد من الأحداث الأخرى. أما الذين يقولون في الأركان المعتمة بأني "استشراقي" فهم بالتأكيد لم يقرؤوا أعمالي، أو لأن لهم أغراضا أخرى لا أريد أن أشير إليها. فقط أقول لهم بأن كل أعمالي تشهد بأني من أكثر الكتاب التونسيين تجذرا في تاريخ بلادي، ومن أكثرهم معرفة بروحها، وبخفاياها...
-في رواية :"على أرصفة الشتات" تماهت شخصيات الرواية مع شخصيات واقعية معروفة للقارئ العربي والتونسي تحديدا مثل العراقي صاموئيل شمعون والمفكر التونسي العفيف الأخضر وآخرين...وفي كل واحدة من هذه الشخصيات ما يعكس فصلا من سيرة المؤلف... إلى أي مدى تتماهى مع شخصيات رواياتك؟
حواب: أظن أني أجبت عن هذا السؤال. لكني أضيف بأن أرصفة الشتات" هي نفس رواية "الآخرون". وقد فضل الناشر اللبناني تغيير العنوان لأن كاتبة سعودية أصدرت بعد أن نشرتُ "الآخرون" رواية بنفس العنوان من دون أن تعتذر وأن تتراجع عن ذلك. أما بالنسبة لشخصيات هذه الرواية فهي جميعها تقريبا واقعية، ومعها تقاسمت أوجاع الغربة. لذا تظل هذه الرواية بحسب نظري، وثيقة هامة عن الاغتراب العربي.
في نصوصك هناك حضور للمهاجرين إلى الشمال...فهل أن ذلك مكتسب من تجربتك مع هؤلاء المهاجرين؟
جواب: في رواية:" نوّارة الدفلى" تطرقت إلى حياة امرأة تونسية عاشت محنة قادتها إلى الموت بمرض السرطان. ومن خلال هذه المرأة رسمت صورة عن مرارة الغربة خصوصا في أوساط المهاجرات اللاتي يتعرضن لمظالم رهيبة يسلطها عليهن رجال عرب مُتمسّكون بالعادات الشرقية السيئة التي اعتمادا عليها تُعامل المرأة بقسوة وعنف، وتُسْلب منها أبسط حقوقها في الحرية والكرامة. وأعتقد أن كثيرا من النساء المغتربات يحاولن دائما إخفاء المعاناة التي يعشنها في بلدان المهجر الأوروبي. كما أني تعرضت في الرواية ذاتها إلى عمّال مهاجرين يعجزون عن التأقلم مع ثقافة ونمط العيش في البلد الذي استضافهم فيصابون بأمراض نفسية خطيرة، أو تجذبهم التيارات الجهادية والتكفيرية ليصبحوا من أنصارها، ومن المنفذين لعملياتها الإرهابية.
-من تكون روزالي؟ هل هي الحلم المفقود أم الغرب المبهر الذي ننبهر به لكنه يطردنا في النهاية؟
-جواب: أمراض الغربة كثيرة. وغالبا ما تًُُفضي خصوصا لدى الشخصيات الهشة وشديدة الحساسية بما لا تحمد عقباه. وفي الغربة تكثر الأوهام والهواجس فيُصاب المغتربون بكآبة مزمنة قد تؤدي بهم إلى الجنون أو إلى الانتحار. وهذا ما تعكسه بشكل رائع رواية "المغتربون" للألماني زيبالد. وفي "وداعا روزالي"، يترك ميلود بلاده بحثا عن الحرية وعن الخلاص من المظالم التي تعرض لها في بلاده. لكنه يصاب بكآبة تفقده التوزان والأمل فينطلق الى طنجة متوهما أن مرأة عشقها وعشقته تنتظره هناك. وفي النهاية ينتهي معلقا في الفراغ فلا يدري له وجهة أو مصيرا. وأعتقد أن "وداعا روزالي" هي من أفضل الروايات العربية التي لامست جراح الغربة بطريقة عميقة، وكشفت عن الوجه المظلم للغربة الذي يخشى الكثير من المغتربين مجرد الاشارة إليه. فإنهم فعلوا ذلك، فإنهم يشعرون كما لو أنهم يُطلّون على هاوية بلا أعماق.
-قلت أنك تحمل بلادك أينما رحلت. وقد قيل أن جلّ روايتك وقصصك تعكس بشكل مثير الإهتمامبحياة التونسي ومشاغله...فهل كانت قريتك وتونس بصفة عامة حاضرتين دائما معك في ترحالك الطويل؟
جواب: أظن أن الكاتب الأصيل والحقيقي هو الذي يظلّ مسكونا دائما بالمكان الأول الذي فيه ولد ونشأ وتربى. وفي حوار أجري معه، قال ماركيز بأن عالمه الروائي تشكّل وهو في الثامنة من عمره بعد أن استمع إلى الكثير من حكايات جده الذي شارك في العديد من الحروب، وقد يكون واحدا من شخصيات "مائة سنة من العزلة". وتبدو الحياة في الأرياف وفي القرى التونسية لمن يجهلونها فقيرة وخالية من الاثارة ومن الجاذبية. وهم مخطئون. وأنا ولدت ونشأت في دوّار "الذهيبات" الذي كان في ذلك الوقت يكاد يكون مقطوعا عن العالم إذ لم يكن هناك لا كهرباء ولا سيارات ولا شيء من علامات التمدن والتحضر. وأول راديو دخل إلى القرية كان في أواخر الخمسينات...وأذكر أن رجال الدوّار تجمّعوا كلهم في بيت عمي صالح الذي خدم في الجيش الفرنسي، وكان في خنادق "فاردان" الرهيبة، ليتابعوا البرامج. أما الأطفال والنساء فقد حرموا من تلك السهرة الأولى مع الراديو.وطبعا كانت
الحياة صعبة وقاسية في جميع الفصول. مع ذلك كان هناك عالم بديع لم أكتشفه إلا في ما بعد ...عالم الحكاياتوالخرافات في سهرات الليل،.. حكايات عن علي بن السلطان ومغامراته وبطولاته، وعن الجازية وذياب الهلالي، وعن سيدنا علي ورأس الغول... وعالم الجنود العائدين من حروب فرنسا، وعالم الرعاة وأغانيهم الحزينة في الجبال وفي الأودية... وعالم النساء يطلقن الأغاني في الحقول للتفريج عن همومهن وأحزانهن...والبعض من عوالم قريتي تحضر في الكثير من قصصي، ورواياتي... لذلك أقدر أن أقول بأنني مسكون بهذه العوالم منذ طفولتي وحتى هذه اللحظة. ورغم أني تنقلت كثيرا، وأقمت سنوات عديدة خارج بلادي، فإن هذه العوالم ظلت دائما تنبض مع نبضات قلبي...لهذا عدت بعد الترحال والتيه إلى قريتي وبي إحساس أنني أولد من جديد...
-لماذا يتكرر اسم ياسين في قصصك ورواياتك؟
جواب: في سنوات المراهقة، سقط طفل من أقاربي في البئر الذي عمقه 70مترا. وعندما شرعت في كتابة مجموعتي:" حكاية جنون ابنة عمّي هنية" ، تذكرت تلك الفاجعة وكتبت قصة بعنوان :"البئر". واخترت لذلك الطفل الذي رحل عن الدنيا وهو في الرابعة عشرة من عمره اسم ياسين. وقد تكرر هذا الاسم في البعض من القصص الأخرى. كما أني اخترت أن يكون ياسين هو الشاعر الذي ينتحر في رواياتي :"هلوسات ترشيش". ولعلي فكرت في أنّ الطفل الذي سقط في البئر لم يمت وإنما كبر وأصبح شاعراـ وفي النهاية فضل الانتحار على العيش في واقع مرير...وقد انتبهت وأنا أعيد قراءة أعماله القصصية الكاملة إلى أن همنغواي اختار اسم "نايك" لفتى هو الشخصية الرئيسية في العديد من القصص. وقد يكون هذا الفتى هو همنغواي نفسه، أو هو يعكس شيئا من ملامحه ومن سيرته.
-كيف تفسر حضور تاريخ تونس الحديث في روايتك :"لا نسبح في النهر مرتين".
جواب: لقد أجبت على هذا السؤال...
-أنت على ما يبدو مفتون بالإيرلندي جيمس جويس...كيف تفسر ذلك؟ وهل ما تزال روايته "يوليسيبس" مستعصية عليك؟
جواب: مُبكرا قرأت مجموعة جيمس جويس :أهالي دبلن"، أو "دبلينيون"، وبها أعجبت كثيرا. وبعدها قرأت روايته :"صورة الفنان في شبابه". ومن فرط اعجابي بها، أعدت قراءتها أكثر من مرة في ترجمتها الفرنسية، وليس في ترجمتها العربية لأنها سيئة بشكل فظيع. ولما شرعت في قراءة "يوليسيس"، وجدت صعوبة كبيرة في مواصلة القراءة، لذا انقطعت عن ذلك. وكان عليّ أن أستعين بمحاضرة ألقاها نابوكوف في الجامعات الأمريكية عن هذه الرواية الضخمة والمعقدة لكي أنهي قراءتها لأجد نفسي مفتونا بها وبطريقة صاحبها في السرد. لذا ترجمت له قصة كتبها لما كان في مدينة "ترياست "الإيطالية بعنوان:"جياكومو". وفي هذه القصة هو يستعمل نفس التقنيات التي استعملها في"يوليسيس". وقد ازددت اعجابا بجويس بعد أن قرأت سيرته في مجلدين للناقد والمؤرخ الأدبي الكبير ريتشارد ايلمان. كما أنني زرت قبره في زيوريخ، وحضرت الاحتفال السنوي الذي يُقام صيف كل سنة في دبلن احتفاء ب"يوليسيس". وفي النهاية ألفت عنه كتابا بعنوان:" جيمس جويس في منافيه". وسوف أعيد طبع هذا الكتاب لأني أفكر في أن أضيف له ما يجعله أكثر عمقا والماما بعالم هذا الكاتب الذي أحدث "ثورة" هائلة في مجال السرد، وابتكر تقنيات غير مسبوقة. كما أنه كان يتمتع بثقافة عالية تبرز في كل أعماله. وهو يحضر في روايتي الأخيرة:" حديقة ليلة الشتاء". وقد استفدت من جويس في الجوانب التقنية، إلاّ أنني كاتب شرقي. وأعتقد أن الافراط في استخدام التقنيات الفنية يُعقّد السرد، ويحوّله إلى لغز محيّر...وفي حوار أجريته مع الراحل الكبير البشير خريف سألته عن رأيه في جويس وفي بروست فقال لي: لا أرغب في قراءة لا هذا ولا ذاك...أريد أن أكتب مثل "ألف ليلة وليلة"...
-لماذا نشرت قصيدة رضا الجلالي التي تعارض قصيدة أولاد أحمد "نحب البلاد..." بعد وفاة أولاد أحمد؟
جواب: كنت قد وضحت ذلك أكثر من مرة. ولا أريد أن أعود إليه....سلاما على روح أولاد أحمد، وعلى روح رضاالجلالي
"الصباح الأدبي"
حسونة المصباحي كاتب وروائي تونسي، من مواليد قرية الذهيبات في ريف القيروان سنة 1950 درس الآداب الفرنسية في الجامعة التونسية. ثم هاجر ليستقر بمدينة ميونيخ بألمانيا لأكثر من عشرين سنة ليعود إلى بلده تونس، وتحديدا إلى قريته الذهيبات.
صدرت له ثلاث مجموعات قصصية هي «حكاية جنون ابنة عمي هنية» تونس 1986، (جائزة القصة- وزارة الثقافة في تونس)، «ليلة الغرباء» تونس 1997، «السلحفاة» دار جلجامش باريس 1997، طبعة ثانية عن الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 2000.
كما أصدرعدة روايات منها:
«هلوسات ترشيش» دار توبقال، المغرب 1995،
«الآخرون» دار تبر الزمان، تونس 1998،
«وداعا روزالي» دار الجمل، ألمانيا 2001،
«نوارة الدفلى» الدار المتوسطية للنشر، تونس 2004،
«حكاية تونسية» عن دارالكليم للنشر في دبي 2008.
(رحلة في زمن بورقيبة) [سيرة] صدر عن دار جداول 2012.
«لا نسبح في النهر مرتين»، دار الآداب، 2020
« ليلة حديقة الشتاء » عن دار نقوش عربية - تونس 2023
كما صدرت له عدة كتب أخرى في اختصاصات مختلفة منها:
جان جينيه والفلسطينيون
وصاياالعفيفالأخضر
يوميات ميونيخ 2001-2004
ترجمت أعماله إلى عدة لغات، وفازت «هلوسات ترشيش» بجائزة Toucan لأفضل كتاب للعام 2000 في مدينة ميونيخ. كما اختيرت قصته «السلحفاة» التي ترجمت إلى الإنكليزية، في القائمة القصيرة لجائزة «كين» للأدب الأفريقي،
كما ترجم حسونة المصباحي من الفرنسية إلى العربية عشرات المؤلفات منها «أصوات مراكش» لإلياس كانيتي، و«قصص للأطفال» جاك بفرفير، و«الحب هو البراءة الأبدية» منتخبات من الشعر العالمي.
وصف الأديب المصري الراحل يوسف إدريس قصص حسونة المصباحي، قائلاً: «يكفي أن تقرأ قصة واحدة لحسونة المصباحي لكي تعرف كيف يعيش الإنسان التونسي، وكيف يفكر، وما هي حكاياته وأساطيره الخاصة كما لو أنك عشت في تونس عشرات السنين».