إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في يومها العالمي.. لغة برايل أحد أهم اكتشافات البشرية في مواجهة الظلام

 

-اكتشاف يحرر الإنسان المقيد بأمر من الأقدار ويطلق أجنحته وهذا ما تحتاجه البشرية

تونس – الصباح

يحتفل العالم يوم 4 جانفي من كل عام باليوم العالمي للغة برايل Braille( براي) التي يستعملها المكفوفون وضعاف البصر. وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة  الاحتفال بهذا اليوم بداية من 2019 "لإذكاء الوعي بأهمية لغة برايل كوسيلة للتواصل بين المكفوفين" وهو نفسه يوم ميلاد الشخص الذي طور "نظام كتابة وقراءة عالمي يستخدمه الأشخاص المكفوفون، أو الذين يعانون من ضعف حاد في البصر"، الفرنسي لوي براي أو برايل وفق الاستعمالات(Louis Braille) في القرن التاسع عشر وكان قد أصيب هو بنفسه في صباه  بفقدان البصر نتيجة حادث في مقر عمل والده.

وقد اعتبر هذا الاكتشاف ثورة حقيقية لأنه مكن المكفوفين وضعاف البصر من وسيلة هامة للتواصل والتعبير عن الرأي وتقرأ الحروف في نظام برايل بتمرير الأصابع على حروف مكتوبة بنتوءات بارزة (من واحد إلى ست نتوءات)، وقد تم تبني هذا النظام تقريبا في كل اللغات المعروفة.

ويمكن القول ان هذه اللغة التي يمكن ان تستخدم في المجالات الأدبية والعلمية بما في ذلك الموسيقى، قد فكت الحصار عن هذه الفئة من البشر التي شاءت الاقدار ان تحرمها نعمة البصر ومكنت  المكفوفين وضعاف البصر من أداة ناجعة تساعدهم على ممارسة حقهم في حياة كريمة وعلى ان يكونوا فاعلين في المجتمع بداية من التعلم بشكل مستقل ودون وساطة من المبصرين وصولا إلى حقهم في الشغل والارتقاء في السلم المهني والمشاركة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

جناح خاص بلغة براي في المكتبة الوطنية

ويعود الفضل في  تونس في نشر هذه اللغة للأستاذ  محمد الراجحي، مؤسس الاتحاد القومي للمكفوفين (1956)  وهو أول من قام بتعريب الأحرف  بطريقة براي، مع العلم ان دار الكتب الوطنية بتونس التي احتفلت أول امس مع العالم باليوم العالمي للغة برايل تضم جناحا خاصا بالإصدارات المنشورة بهذه اللغة وهو مجهز بآلات حديثة وكانت المكتبة الوطنية قد انضمت في 2017 إلى "ائتلاف الكتب المتاحة" (Accessible Book Consortium )الذي يسمح لفاقدي وضعاف البصر بالنفاذ إلى مئات الآلاف  من الكتب بلغات مختلفة ومن بينها العربيّة.

وكانت دار الكتب الوطنية قد أعلنت حينها أنها قد تمكنت من الانضمام إلى هذا الائتلاف بفضل تعاونها مع الجمعية التونسية "إبصار لثقافة وترفيه ذوي الإعاقة"، بالإضافة إلى المؤسّسة التّونسيّة لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة. وأعلنت حينها أن عشرات الكتب التونسية ستكون متاحة على المنصة الرقمية لهذا الائتلاف الذي لا يمنح العضوية سوى للمشاركين بكتب تخضع لصيغةE-PUB، وهي صيغة يمكن للمكفوفين من خلالها الاطّلاع على الكتب بالصّوت لا بالصّورة. مع العلم كذلك أن تونس كانت قد انضمت في 2016  إلى معاهدة مرّاكش  التي "تيسّر إنتاج الكتب المعدة بأنساق خاصة بالأشخاص المكفوفين أو المصابين بإعاقات بصرية ونقلها دوليا".

ومن جهته قام الأستاذ محمد الراجحي الذي يعتبر صاحب السبق في طباعة القرآن بلغة براي (هو من المبصرين)  وهو اساسا يعتبر مؤسس لغة البراي بتونس، بإهداء مكتبته الخاصة (2016)  للمكتبة الوطنية وقد تضمنت عديد كتب "البراي".

ولنا أن نشير إلى أن بلادنا لها مبادرات عديدة لاحتضان المكفوفين وضعاف البصر ولديها منظومة قانونية تنص على حماية  حقوق أصحاب الإعاقة بداية من الدستور الذي ينص على توفير كل ظروف الادماج الكامل في المجتمع لذوي الإعاقة وهي من البلدان التي يمكن القول انها سباقة في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحماية حقوق ذوي الإعاقة. تونس  تخص أصحاب الإعاقة بخدمات مادية ومعنوية تهدف إلى تيسير ظروف عيشهم، لكن لا يمكن أن نجزم بأن الوضعية مثالية، بل يعتبر أصحاب الإعاقة من بين الفئات الاجتماعية المعرضة أكثر من غيرها إلى التهميش وإلى ان تجد نفسها في وضعية هشة. ومازالت هناك أشواط كبيرة حتى نصل إلى مرحلة الادماج الحقيقي  الذي يتحدث عنه الدستور، ومازال امام المجتمع عمل كبير من اجل تغيير العقليات واعتبار أصحاب الإعاقة مواطنين كاملي الحقوق، لكن اذا ما عدنا إلى موضوعنا وهو اكتشاف لغة برايل، فإننا نشير إلى أنه ربما لم يحدث ان شهدت  البشرية حدثا إيجابيا مثل اكتشافها لهذا النظام في الكتابة والقراءة.

اكتشافات علمية كان يراد بها خيرا تحولت الى كابوس

اغلب الاكتشافات الأخرى مهما كانت ايجابياتها فيها دائما وجه آخر للعملة. وهناك اكتشافات عملية وتكنولوجية كان يراد بها خيرا كتسهيل حياة الانسان مثلا، تحولت إلى كابوس ولا نستثني منها الانترنيت والذكاء الاصطناعي الذي يهدد بسحق البشر واستبدالهم بكائنات روبوتية بدأ بعضها يظهر ويكشر عن انيابه ( حادثة هجوم روبوت على مهندس في مصنع للروبوتات).

لا نتحدث طبعا عن اكتشاف المتفجرات التي كانت وراء صنع قنابل واسلحة فتاكة، فهي تعتبر نكبة للبشرية وملايين البشر قضوا ظلما بسببها، لكن اكتشاف لغة بريل هو قصة أخرى. فهو عبارة عن هدية إلى الانسان تلقفها الآلاف، إن لم نقل إلى الملايين من البشر الذين حرموا نعمة البصر وحرموا بسببها القدرة على القراءة والكتابة دون واسطة. ولأجل ذلك قد لا نوفي من كان وراء هذه المبادرة حقه من التبجيل. صحيح كانت الحاجة وراء الاكتشاف، لكن لويس براي اهدى البشرية في النهاية اختراعا رائعا ليس فقط لأنه مكن المكفوفين وضعاف البصر من وسيلة اتصال مهمة وحررهم من التبعية للآخر وإنما  أيضا لان الاكتشاف من نوع الاكتشافات التي تبدد الظلمة.

انه اكتشاف يحرر الانسان المقيد بأمر من الاقدار، ويطلق اجنحته وهذا ما تحتاجه البشرية. إنها تحتاج إلى كل نقطة ضوء وسط عتمة الاقتتال والتناطح والحروب المستمرة. انها تحتاج إلى كل نقطة ضوء تبدد ولو قليلا كل هذه العتمة التي يعيش الانسان في ظلها والتي لم تسمح كل الاكتشافات العلمية والتكنولوجية من إخراجه من ورطته في هذا الوجود الغامض.

ربما علينا أن لا ننسى في هذا الحيز، الاعتراف لإحدى الشخصيات التي قدمت الكثير للمكفوفين وضعف البصر في البلاد بل وجعلت اسم تونس يذكر بقوة بفضل بعض المبادرات ونخص منها ترجمة القرآن الى لغة براي، ونعني بذلك الأستاذ محمد الراجحي الذي كما سبق وذكرنا عرّب حروف لغة البراي، لكن لا نعتقد أننا نفي حق المكفوفين في تونس وضعاف البصر عندما نقول أنهم فعلا  ودون مبالغة يخلقون كل يوم أمل جديد  بإصرارهم على فرض ذاتهم واقتلاع موقعهم في مجتمع لا يعترف كثيرا بالاختلاف فما بالك بمن يعاني من إعاقة، وربما تكون الإعاقة البصرية أشد وأقسى.

 وراء ذلك بطبيعة الحال إرادة وذكاء في توظيف القليل المتاح  ووراء ذلك أيضا عائلات، كم يكون جيدا لو أن المجتمع ينفتح قليلا على ما تواجهه من صعوبات وتحديات وما تضطلع به من مسؤولية كبيرة في مواجهة الظلام.

حياة السايب

في يومها العالمي..   لغة برايل أحد أهم اكتشافات البشرية في مواجهة الظلام

 

-اكتشاف يحرر الإنسان المقيد بأمر من الأقدار ويطلق أجنحته وهذا ما تحتاجه البشرية

تونس – الصباح

يحتفل العالم يوم 4 جانفي من كل عام باليوم العالمي للغة برايل Braille( براي) التي يستعملها المكفوفون وضعاف البصر. وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة  الاحتفال بهذا اليوم بداية من 2019 "لإذكاء الوعي بأهمية لغة برايل كوسيلة للتواصل بين المكفوفين" وهو نفسه يوم ميلاد الشخص الذي طور "نظام كتابة وقراءة عالمي يستخدمه الأشخاص المكفوفون، أو الذين يعانون من ضعف حاد في البصر"، الفرنسي لوي براي أو برايل وفق الاستعمالات(Louis Braille) في القرن التاسع عشر وكان قد أصيب هو بنفسه في صباه  بفقدان البصر نتيجة حادث في مقر عمل والده.

وقد اعتبر هذا الاكتشاف ثورة حقيقية لأنه مكن المكفوفين وضعاف البصر من وسيلة هامة للتواصل والتعبير عن الرأي وتقرأ الحروف في نظام برايل بتمرير الأصابع على حروف مكتوبة بنتوءات بارزة (من واحد إلى ست نتوءات)، وقد تم تبني هذا النظام تقريبا في كل اللغات المعروفة.

ويمكن القول ان هذه اللغة التي يمكن ان تستخدم في المجالات الأدبية والعلمية بما في ذلك الموسيقى، قد فكت الحصار عن هذه الفئة من البشر التي شاءت الاقدار ان تحرمها نعمة البصر ومكنت  المكفوفين وضعاف البصر من أداة ناجعة تساعدهم على ممارسة حقهم في حياة كريمة وعلى ان يكونوا فاعلين في المجتمع بداية من التعلم بشكل مستقل ودون وساطة من المبصرين وصولا إلى حقهم في الشغل والارتقاء في السلم المهني والمشاركة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

جناح خاص بلغة براي في المكتبة الوطنية

ويعود الفضل في  تونس في نشر هذه اللغة للأستاذ  محمد الراجحي، مؤسس الاتحاد القومي للمكفوفين (1956)  وهو أول من قام بتعريب الأحرف  بطريقة براي، مع العلم ان دار الكتب الوطنية بتونس التي احتفلت أول امس مع العالم باليوم العالمي للغة برايل تضم جناحا خاصا بالإصدارات المنشورة بهذه اللغة وهو مجهز بآلات حديثة وكانت المكتبة الوطنية قد انضمت في 2017 إلى "ائتلاف الكتب المتاحة" (Accessible Book Consortium )الذي يسمح لفاقدي وضعاف البصر بالنفاذ إلى مئات الآلاف  من الكتب بلغات مختلفة ومن بينها العربيّة.

وكانت دار الكتب الوطنية قد أعلنت حينها أنها قد تمكنت من الانضمام إلى هذا الائتلاف بفضل تعاونها مع الجمعية التونسية "إبصار لثقافة وترفيه ذوي الإعاقة"، بالإضافة إلى المؤسّسة التّونسيّة لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة. وأعلنت حينها أن عشرات الكتب التونسية ستكون متاحة على المنصة الرقمية لهذا الائتلاف الذي لا يمنح العضوية سوى للمشاركين بكتب تخضع لصيغةE-PUB، وهي صيغة يمكن للمكفوفين من خلالها الاطّلاع على الكتب بالصّوت لا بالصّورة. مع العلم كذلك أن تونس كانت قد انضمت في 2016  إلى معاهدة مرّاكش  التي "تيسّر إنتاج الكتب المعدة بأنساق خاصة بالأشخاص المكفوفين أو المصابين بإعاقات بصرية ونقلها دوليا".

ومن جهته قام الأستاذ محمد الراجحي الذي يعتبر صاحب السبق في طباعة القرآن بلغة براي (هو من المبصرين)  وهو اساسا يعتبر مؤسس لغة البراي بتونس، بإهداء مكتبته الخاصة (2016)  للمكتبة الوطنية وقد تضمنت عديد كتب "البراي".

ولنا أن نشير إلى أن بلادنا لها مبادرات عديدة لاحتضان المكفوفين وضعاف البصر ولديها منظومة قانونية تنص على حماية  حقوق أصحاب الإعاقة بداية من الدستور الذي ينص على توفير كل ظروف الادماج الكامل في المجتمع لذوي الإعاقة وهي من البلدان التي يمكن القول انها سباقة في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحماية حقوق ذوي الإعاقة. تونس  تخص أصحاب الإعاقة بخدمات مادية ومعنوية تهدف إلى تيسير ظروف عيشهم، لكن لا يمكن أن نجزم بأن الوضعية مثالية، بل يعتبر أصحاب الإعاقة من بين الفئات الاجتماعية المعرضة أكثر من غيرها إلى التهميش وإلى ان تجد نفسها في وضعية هشة. ومازالت هناك أشواط كبيرة حتى نصل إلى مرحلة الادماج الحقيقي  الذي يتحدث عنه الدستور، ومازال امام المجتمع عمل كبير من اجل تغيير العقليات واعتبار أصحاب الإعاقة مواطنين كاملي الحقوق، لكن اذا ما عدنا إلى موضوعنا وهو اكتشاف لغة برايل، فإننا نشير إلى أنه ربما لم يحدث ان شهدت  البشرية حدثا إيجابيا مثل اكتشافها لهذا النظام في الكتابة والقراءة.

اكتشافات علمية كان يراد بها خيرا تحولت الى كابوس

اغلب الاكتشافات الأخرى مهما كانت ايجابياتها فيها دائما وجه آخر للعملة. وهناك اكتشافات عملية وتكنولوجية كان يراد بها خيرا كتسهيل حياة الانسان مثلا، تحولت إلى كابوس ولا نستثني منها الانترنيت والذكاء الاصطناعي الذي يهدد بسحق البشر واستبدالهم بكائنات روبوتية بدأ بعضها يظهر ويكشر عن انيابه ( حادثة هجوم روبوت على مهندس في مصنع للروبوتات).

لا نتحدث طبعا عن اكتشاف المتفجرات التي كانت وراء صنع قنابل واسلحة فتاكة، فهي تعتبر نكبة للبشرية وملايين البشر قضوا ظلما بسببها، لكن اكتشاف لغة بريل هو قصة أخرى. فهو عبارة عن هدية إلى الانسان تلقفها الآلاف، إن لم نقل إلى الملايين من البشر الذين حرموا نعمة البصر وحرموا بسببها القدرة على القراءة والكتابة دون واسطة. ولأجل ذلك قد لا نوفي من كان وراء هذه المبادرة حقه من التبجيل. صحيح كانت الحاجة وراء الاكتشاف، لكن لويس براي اهدى البشرية في النهاية اختراعا رائعا ليس فقط لأنه مكن المكفوفين وضعاف البصر من وسيلة اتصال مهمة وحررهم من التبعية للآخر وإنما  أيضا لان الاكتشاف من نوع الاكتشافات التي تبدد الظلمة.

انه اكتشاف يحرر الانسان المقيد بأمر من الاقدار، ويطلق اجنحته وهذا ما تحتاجه البشرية. إنها تحتاج إلى كل نقطة ضوء وسط عتمة الاقتتال والتناطح والحروب المستمرة. انها تحتاج إلى كل نقطة ضوء تبدد ولو قليلا كل هذه العتمة التي يعيش الانسان في ظلها والتي لم تسمح كل الاكتشافات العلمية والتكنولوجية من إخراجه من ورطته في هذا الوجود الغامض.

ربما علينا أن لا ننسى في هذا الحيز، الاعتراف لإحدى الشخصيات التي قدمت الكثير للمكفوفين وضعف البصر في البلاد بل وجعلت اسم تونس يذكر بقوة بفضل بعض المبادرات ونخص منها ترجمة القرآن الى لغة براي، ونعني بذلك الأستاذ محمد الراجحي الذي كما سبق وذكرنا عرّب حروف لغة البراي، لكن لا نعتقد أننا نفي حق المكفوفين في تونس وضعاف البصر عندما نقول أنهم فعلا  ودون مبالغة يخلقون كل يوم أمل جديد  بإصرارهم على فرض ذاتهم واقتلاع موقعهم في مجتمع لا يعترف كثيرا بالاختلاف فما بالك بمن يعاني من إعاقة، وربما تكون الإعاقة البصرية أشد وأقسى.

 وراء ذلك بطبيعة الحال إرادة وذكاء في توظيف القليل المتاح  ووراء ذلك أيضا عائلات، كم يكون جيدا لو أن المجتمع ينفتح قليلا على ما تواجهه من صعوبات وتحديات وما تضطلع به من مسؤولية كبيرة في مواجهة الظلام.

حياة السايب