-الإنتاج الغذائي العالمي كاف لتغذية كل سكان الأرض غير أن القوى العظمى شاءت خلاف ذلك
تونس- الصباح
ينظم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" يومين دراسيين حول موضوع الغذاء في التراث العربي: المصادر والمناهج ومقاربات النّصوص.
التظاهرة تنطلق اليوم 4 جانفي الجاري وتتواصل يوم غد، الخامس من نفس الشهر، ويتناول الموضوع بالخصوص من خلال مقاربتي التاريخ والانتروبولوجيا.
والغذاء وما إدراك ما الغذاء ! وفعلا يظل موضوع الغذاء موضوعا مثيرا لأنه من أسباب بقاء الإنسان، لكن ما يثير أكثر من وجهة نظرنا هو طرحه في هذه الظروف المضطربة التي تمر بها منطقتنا وكل مناطق العالم تقريبا. فالعالم وبعيدا عن الشعارات اليوم هو على كف عفريت.
فالعالم يعاني من غلاء المعيشة بشكل ملفت وقد فاقمت الحروب الوضع، وأساسا الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي تسببت في ارتفاع مذهل في سعر القمح لاسيما وأن البلدين المتحاربين من أكثر البلدان إنتاجا للحبوب، وقد تأثرت كل البلدان بهذا الوضع بما في ذلك بلادنا التي تواجه منذ فترة شحا في العديد من المواد الأساسية وأولها منتجات الحبوب، كما أن الصراعات في كل مكان والجوائح والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية تهدد المحاصيل الزراعية وتواجه البشرية شحا مستمر في الماء مما يهدد بنشوب حروب حول الماء في المستقبل. وفي هذا الخضم كله تقترح بيت الحكمة موضوع الغذاء في التراث.
والحقيقة قد آثارنا الموضوع ليس فقط لأن طرحه يعتبر غريبا بعض الشيء في ظرف نعتقد أنه آخر شيء يفكر فيه الناس في هذه الظروف هو مطالعة السرديات حول الغذاء، ونحن نعلم أن اغلب الناس تأكل على عجل بما في ذلك في بلداننا التي نستطيع القول أن لديها تاريخا في الأكل، وذلك في ظل نسق الحياة السريع الذي فقدت فيه كل الأشياء تقريبا معناها، وإنما أيضا لأن موضوع الغذاء يمثل اليوم احد الأمثلة الدالة على مأساة الإنسان. ذلك الإنسان الذي تتفاقم أزمة وجوده مع الأيام ويزداد تخبطا إلى درجة أن جزءا من البشرية اليوم مهدد بالفناء بكل بساطة بسبب الجوع.
نعم، فبقدر ما تتوفر الأغذية بكثرة في مناطق محظوظة من العالم إلى حد التخمة، وتتسبب في أمراض السمنة والخمول، تحرم مناطق أخرى تعاني من الفقر والظلم، من الحد الأدنى من الغذاء الذي يضمن البقاء.
ويحدث في عصرنا هذا أن يحكم القوي على الضعيف بالجوع. نعم هكذا وبكل بساطة فسكان غزة بفلسطين يعانون تحت أنظار العالم من الجوع منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر بحكم من السلطات الإسرائيلية التي تشن عدوانا همجيا على المواطنين العزل، وتمنع عنهم الأكل والماء الصالح للشراب والأدوية، والعالم صامت إزاء كل ذلك حتى أن مجلس الأمن لم يستطع إجبار إسرائيل على الامتثال لقرار له حول توسيع المساعدات بالقطاع (القرار في الأسبوع الأخير من ديسمبر وهو يحمل رقم 2720 ويدعو إلى "اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية").
ورغم هذا القرار الأممي فإنه لا يدخل لغزة منذ بداية العدوان الصهيوني إلا القليل القليل من المساعدات الغذائية، لان الكيان الصهيوني يستعمل سلاح التجويع في عدوانه الوحشي ضد قطاع غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر المنقضي.
ولعلنا نذكر في هذا الأساس أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تعرف الحق في الغذاء كالآتي:"أن الحق في الغذاء هو الحق في الحصول بشكل منتظم، دائم وحر، إما بصورة مباشرة أو بواسطة مشتريات نقدية، على غذاء وافٍ وكافٍ من الناحيتين الكمية والنوعية، بما يتوافق مع التقاليد الثقافية للشعب الذي ينتمي إليه المستهلك ويكفل له حياة بدنية ونفسية، وفردية وجماعية، مُرضية وكريمة وبمنأىً عن الخوف".
هذا عن تعريف الأمم المتحدة لهذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان، أو بالأحرى هذا هو الجانب النظري من الموضوع، أما عن الجانب العملي، فإن المسألة مختلفة ويبدو أن تجويع البشر في عرف البشر كما واضح مسموح به ومسكوت عنه وإلا كيف نفسر أن يسمح بتجويع أكثر من مليوني شخص في غزة وهم تحت الحصار والقصف وكيف يتحول العالم إلى شاهد زور وهو يرى الأطفال في غزة يموتون جوعا؟؟
إن غزة اليوم تعتبر مثالا حيا على سقوط كل القيم الإنسانية وهي التي تواجه منذ ثلاثة أشهر عدوانا وحشيا يقطع عنها الماء (حق آخر من حقوق الإنسان) والغذاء، لكن إن كان تجويع غزة حدث في ظرفية معينة ولأسباب لها علاقة بصلف الكيان الصهيوني الذي لا يكترث بقوانين أو بمعاهدات دولية وقد برهن عن ضربه لكل الأبعاد الإنسانية وعن تملصه من كل الأخلاقيات وعن تجرده من كل القيم، فإن هناك ملايين البشر في العالم يعانون من الجوع في صمت وفي ظل حروب باردة تقوم على استنزاف ثرواتهم ومقدراتهم.
وتحذر الأمم المتحدة من أن "ما يقرب من 600 مليون شخص سيعانون من نقص التغذية المزمن بحلول عام 2030"، وقد أشارت تقارير لهذه المنظمة أن جائحة الكوفيد التي انتشرت في العالم في 2020 و2021 قد زادت في عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أما الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي (بأنواعه الشديد والأقل شدة) فعددهم يتجاوز المليارين في العالم. والغريب في الأمر أن لا شيء يبرر وجود هذه الأرقام المفزعة من الجياع في العالم أو الذين يعانون من سوء التغذية لأنه وفق تقارير مختصة ومن بينها تقارير أممية، إن ما ينتج من غذاء في العالم كاف لإطعام كل فرد على هذا الكوكب، أين المشكل إذن؟
المشكل وكما هو واضح في النهم والجشع في العالم، ذلك الذي يدفع القوى المسيطرة إلى افتعال أزمات في المناطق الأقل حظا، لتظل دائما مفقرة ومستنزفة وغير قادرة على أن تكون منتجة أو أن تضمن أمنها الغذائي على غرار ما يحدث في عدة جهات بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وما يثير الاستغراب، هو أن البلدان المتسببة في اغلب الأحيان في تفقير البلدان الضعيفة واستنزاف ثرواتها واستغلال مواردها البشرية والطبيعية، تتبجح بمساعداتها لها بما في ذلك المساعدات الغذائية.
وقد لا نكون في حاجة إلى التذكير وبشهادة المختصين بأن أغلب الأمراض والمشاكل التي تعاني منها البلدان المفقرة والتي تعاني باستمرار من عدم الاستقرار الأمني، متأتية من الجوع ومن سوء التغذية. وبسبب الجوع وسوء التغذية، يعاني كثيرون في البلدان الأقل حظا من أمراض السمنة ومن السكري ومن الهزال وهي تحرم الأطفال من نمو سليم. وبطبيعة الحال لا يمكن الحديث في بلدان تواجه الجوع والفقر عن التوازن الغذائي وعن الأكلات التي ينبغي أن تكون متوفرة على المائدة وعن أدب الأكل. فهذا ترف لا قبل به لبلدان تعجز عن توفير الحد الأدنى من الغذاء لمواطنيها. واصلا، يعتبر الخوض في هذه التفاصيل في مثل هذه الظروف غير مناسب وغير مبرر.
ولا نعول كثيرا على المستقبل في قلب المعطيات خاصة إذا استمر العالم يعمل بنفس العقلية وإذا ما استمرت التقسيمات بين البشر بنفس الطريقة أي بين قلة من البشر تملك كل شيء وأساسا الغذاء بكل ألوانه وبين أغلبية تقاتل من أجل توفير ما يمكنها أن تسد به الرمق.
بقي وإحقاقا للحق وإنصافا للمجمع التونسي "بيت الحكمة" الذي أراد أن يتحف رواده بيومين دراسيين (اليوم وغدا) حول الغذاء في التراث، لعله يسرقهم من الواقع البائس، فإننا نشير إلى إن الحضارة العربية والإسلامية شهدت في مرحلة من مراحلها التاريخية تطورا كبيرا وبلغت الشعوب العربية والإسلامية مرحلة من الرفاهية جعلتهم يتفننون في كل شيء بما في ذلك في الطعام الذي كان في لحظة ما أكثر من وسيلة للغذاء وإنما فنا بأتم معنى الكلمة. وكان للأكل عند العرب والمسلمين نواميس وطقوس وألفت حوله الكتب والمراجع، تمكن بطبيعة الحال المهتمين من أن يقتاتوا من هذا التاريخ.
حياة السايب
-الإنتاج الغذائي العالمي كاف لتغذية كل سكان الأرض غير أن القوى العظمى شاءت خلاف ذلك
تونس- الصباح
ينظم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" يومين دراسيين حول موضوع الغذاء في التراث العربي: المصادر والمناهج ومقاربات النّصوص.
التظاهرة تنطلق اليوم 4 جانفي الجاري وتتواصل يوم غد، الخامس من نفس الشهر، ويتناول الموضوع بالخصوص من خلال مقاربتي التاريخ والانتروبولوجيا.
والغذاء وما إدراك ما الغذاء ! وفعلا يظل موضوع الغذاء موضوعا مثيرا لأنه من أسباب بقاء الإنسان، لكن ما يثير أكثر من وجهة نظرنا هو طرحه في هذه الظروف المضطربة التي تمر بها منطقتنا وكل مناطق العالم تقريبا. فالعالم وبعيدا عن الشعارات اليوم هو على كف عفريت.
فالعالم يعاني من غلاء المعيشة بشكل ملفت وقد فاقمت الحروب الوضع، وأساسا الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي تسببت في ارتفاع مذهل في سعر القمح لاسيما وأن البلدين المتحاربين من أكثر البلدان إنتاجا للحبوب، وقد تأثرت كل البلدان بهذا الوضع بما في ذلك بلادنا التي تواجه منذ فترة شحا في العديد من المواد الأساسية وأولها منتجات الحبوب، كما أن الصراعات في كل مكان والجوائح والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية تهدد المحاصيل الزراعية وتواجه البشرية شحا مستمر في الماء مما يهدد بنشوب حروب حول الماء في المستقبل. وفي هذا الخضم كله تقترح بيت الحكمة موضوع الغذاء في التراث.
والحقيقة قد آثارنا الموضوع ليس فقط لأن طرحه يعتبر غريبا بعض الشيء في ظرف نعتقد أنه آخر شيء يفكر فيه الناس في هذه الظروف هو مطالعة السرديات حول الغذاء، ونحن نعلم أن اغلب الناس تأكل على عجل بما في ذلك في بلداننا التي نستطيع القول أن لديها تاريخا في الأكل، وذلك في ظل نسق الحياة السريع الذي فقدت فيه كل الأشياء تقريبا معناها، وإنما أيضا لأن موضوع الغذاء يمثل اليوم احد الأمثلة الدالة على مأساة الإنسان. ذلك الإنسان الذي تتفاقم أزمة وجوده مع الأيام ويزداد تخبطا إلى درجة أن جزءا من البشرية اليوم مهدد بالفناء بكل بساطة بسبب الجوع.
نعم، فبقدر ما تتوفر الأغذية بكثرة في مناطق محظوظة من العالم إلى حد التخمة، وتتسبب في أمراض السمنة والخمول، تحرم مناطق أخرى تعاني من الفقر والظلم، من الحد الأدنى من الغذاء الذي يضمن البقاء.
ويحدث في عصرنا هذا أن يحكم القوي على الضعيف بالجوع. نعم هكذا وبكل بساطة فسكان غزة بفلسطين يعانون تحت أنظار العالم من الجوع منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر بحكم من السلطات الإسرائيلية التي تشن عدوانا همجيا على المواطنين العزل، وتمنع عنهم الأكل والماء الصالح للشراب والأدوية، والعالم صامت إزاء كل ذلك حتى أن مجلس الأمن لم يستطع إجبار إسرائيل على الامتثال لقرار له حول توسيع المساعدات بالقطاع (القرار في الأسبوع الأخير من ديسمبر وهو يحمل رقم 2720 ويدعو إلى "اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية").
ورغم هذا القرار الأممي فإنه لا يدخل لغزة منذ بداية العدوان الصهيوني إلا القليل القليل من المساعدات الغذائية، لان الكيان الصهيوني يستعمل سلاح التجويع في عدوانه الوحشي ضد قطاع غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر المنقضي.
ولعلنا نذكر في هذا الأساس أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تعرف الحق في الغذاء كالآتي:"أن الحق في الغذاء هو الحق في الحصول بشكل منتظم، دائم وحر، إما بصورة مباشرة أو بواسطة مشتريات نقدية، على غذاء وافٍ وكافٍ من الناحيتين الكمية والنوعية، بما يتوافق مع التقاليد الثقافية للشعب الذي ينتمي إليه المستهلك ويكفل له حياة بدنية ونفسية، وفردية وجماعية، مُرضية وكريمة وبمنأىً عن الخوف".
هذا عن تعريف الأمم المتحدة لهذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان، أو بالأحرى هذا هو الجانب النظري من الموضوع، أما عن الجانب العملي، فإن المسألة مختلفة ويبدو أن تجويع البشر في عرف البشر كما واضح مسموح به ومسكوت عنه وإلا كيف نفسر أن يسمح بتجويع أكثر من مليوني شخص في غزة وهم تحت الحصار والقصف وكيف يتحول العالم إلى شاهد زور وهو يرى الأطفال في غزة يموتون جوعا؟؟
إن غزة اليوم تعتبر مثالا حيا على سقوط كل القيم الإنسانية وهي التي تواجه منذ ثلاثة أشهر عدوانا وحشيا يقطع عنها الماء (حق آخر من حقوق الإنسان) والغذاء، لكن إن كان تجويع غزة حدث في ظرفية معينة ولأسباب لها علاقة بصلف الكيان الصهيوني الذي لا يكترث بقوانين أو بمعاهدات دولية وقد برهن عن ضربه لكل الأبعاد الإنسانية وعن تملصه من كل الأخلاقيات وعن تجرده من كل القيم، فإن هناك ملايين البشر في العالم يعانون من الجوع في صمت وفي ظل حروب باردة تقوم على استنزاف ثرواتهم ومقدراتهم.
وتحذر الأمم المتحدة من أن "ما يقرب من 600 مليون شخص سيعانون من نقص التغذية المزمن بحلول عام 2030"، وقد أشارت تقارير لهذه المنظمة أن جائحة الكوفيد التي انتشرت في العالم في 2020 و2021 قد زادت في عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أما الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي (بأنواعه الشديد والأقل شدة) فعددهم يتجاوز المليارين في العالم. والغريب في الأمر أن لا شيء يبرر وجود هذه الأرقام المفزعة من الجياع في العالم أو الذين يعانون من سوء التغذية لأنه وفق تقارير مختصة ومن بينها تقارير أممية، إن ما ينتج من غذاء في العالم كاف لإطعام كل فرد على هذا الكوكب، أين المشكل إذن؟
المشكل وكما هو واضح في النهم والجشع في العالم، ذلك الذي يدفع القوى المسيطرة إلى افتعال أزمات في المناطق الأقل حظا، لتظل دائما مفقرة ومستنزفة وغير قادرة على أن تكون منتجة أو أن تضمن أمنها الغذائي على غرار ما يحدث في عدة جهات بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وما يثير الاستغراب، هو أن البلدان المتسببة في اغلب الأحيان في تفقير البلدان الضعيفة واستنزاف ثرواتها واستغلال مواردها البشرية والطبيعية، تتبجح بمساعداتها لها بما في ذلك المساعدات الغذائية.
وقد لا نكون في حاجة إلى التذكير وبشهادة المختصين بأن أغلب الأمراض والمشاكل التي تعاني منها البلدان المفقرة والتي تعاني باستمرار من عدم الاستقرار الأمني، متأتية من الجوع ومن سوء التغذية. وبسبب الجوع وسوء التغذية، يعاني كثيرون في البلدان الأقل حظا من أمراض السمنة ومن السكري ومن الهزال وهي تحرم الأطفال من نمو سليم. وبطبيعة الحال لا يمكن الحديث في بلدان تواجه الجوع والفقر عن التوازن الغذائي وعن الأكلات التي ينبغي أن تكون متوفرة على المائدة وعن أدب الأكل. فهذا ترف لا قبل به لبلدان تعجز عن توفير الحد الأدنى من الغذاء لمواطنيها. واصلا، يعتبر الخوض في هذه التفاصيل في مثل هذه الظروف غير مناسب وغير مبرر.
ولا نعول كثيرا على المستقبل في قلب المعطيات خاصة إذا استمر العالم يعمل بنفس العقلية وإذا ما استمرت التقسيمات بين البشر بنفس الطريقة أي بين قلة من البشر تملك كل شيء وأساسا الغذاء بكل ألوانه وبين أغلبية تقاتل من أجل توفير ما يمكنها أن تسد به الرمق.
بقي وإحقاقا للحق وإنصافا للمجمع التونسي "بيت الحكمة" الذي أراد أن يتحف رواده بيومين دراسيين (اليوم وغدا) حول الغذاء في التراث، لعله يسرقهم من الواقع البائس، فإننا نشير إلى إن الحضارة العربية والإسلامية شهدت في مرحلة من مراحلها التاريخية تطورا كبيرا وبلغت الشعوب العربية والإسلامية مرحلة من الرفاهية جعلتهم يتفننون في كل شيء بما في ذلك في الطعام الذي كان في لحظة ما أكثر من وسيلة للغذاء وإنما فنا بأتم معنى الكلمة. وكان للأكل عند العرب والمسلمين نواميس وطقوس وألفت حوله الكتب والمراجع، تمكن بطبيعة الحال المهتمين من أن يقتاتوا من هذا التاريخ.