-صغير الزكراوي لـ"الصباح":"الهيئات في حكم الملغاة لأن الدستور الجديد قد قلص من عددها"
-محسن النابتي لـ"الصباح":"دستور 2014 أحدث عددا مبالغا فيه من الهيئات الدستورية تحولت إلى عبء كبير على ميزانية الدولة"
تونس – الصباح
هل هو توجه نحو إلغاء الهيئات التي أتى بها دستور2014 الملغى أم أن هناك ولادة لهياكل جديدة؟ ولماذا هذا الغموض والضبابية في شرح أو إيضاح مآلات هذه الهيئات خاصة وأن بعضها صدرت في خصوصه قرارات قد تمس من وجودها مثل إيقاف أجور أعضاء مجلس "الهايكا" الأخير، وقبل ذلك غلق مقرات هيئة مكافحة الفساد دون أن ننسى تلاشي دور هيئة حقوق الإنسان..؟
بعد الثورة وعلى مراحل مختلفة بعثت عديد الهيئات بعضها دستوري والبعض الآخر لا، ورغم ما اعتبره العديد آنذاك "تخمة" لكثرة عددها، علاوة أنها جاءت في سياق مرحلة انتقالية مرت بها البلاد، ورغم الدور الذي لعبته هذه الهيئات، فإنه لم يخل طبعا من الانتقادات.
وبعد 25 جويلية 2021 وفي 20 أوت 2021 صدر قرار بغلق مقري الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في منطقتي البحيرة والبلفيدير وإخلائهما من جميع الموظفين والأعوان، مع إقالة كاتبها العام أنور بن حسن، على أن يتولى المكلف بالشؤون الإدارية والمالية في الهيئة تصريف الأعمال بشكل مؤقت، لكن يبقى السؤال قائما إلى اليوم حول مصير الهيئة؟
وكان النائب بدر الدّين القمودي وجّه في 25 جوان 2023 أسئلة كتابيّة إلى رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن منها،"هل فكرت الحكومة في عودة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للعمل أو بعث هيئة جديدة بديلة لها تضطلع بمهامها؟ وأي مصير لمئات الموظفين، الذين كانوا متعاقدين مع الهيئة؟ وما هي سياسة الحكومة لحماية المبلّغين، الذين يعانون الهرسلة والملاحقة القضائية والتنكيل نتيجة إثارتهم لملفات فساد؟".
عدم التصريح بالمكاسب..
وفي تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء قال القمّودي:"إنّ تواصل غلق هذه المؤسسة المهمّة يثير الكثير من التساؤلات، مبرزا أنّ أعضاء مجلس نوّاب الشعب أنفسهم يتعرّضون لانتقادات بسبب عدم قيامهم بالتصريح بالمكاسب والمصالح وفق ما ينصّ عليه القانون نظرا لغياب الهيكل المخوّل له التصريح لديه، مشيرا إلى أن تواصل غلق هيئة مكافحة الفساد وعدم وجود أي هيئة جديدة تضطلع بمهامّها يطرح الكثير من الإشكاليات منها مصير ملفات الفساد ومصير المبلّغين عن الفساد، بالإضافة إلى بقاء مصير عدد من الموظّفين، الذّين كانوا يعملون مع الهيئة مجهولا."
أما بالنسبة لـ"الهايكا" فقد أكدت عضو الهيئة سكينة عبد الصمد، وفق تدوينة نشرتها على حسابها بـ"الفيسبوك"، أنّ رئيس الحكومة كلّف الكاتب العام للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) بإيقاف صرف رواتب أعضاء مجلس الهيئة، وقالت:"شخصيا أعتبرها خطوة ثانية للقضاء على أعمال الهيئة واستقلالية أدائها بعد إحداث حالة الشغور في خطة رئيس الهيئة والإبقاء على هذا الشغور منذ شهر فيفري 2023".
وأكدت عبد الصمد، أنّ "في ذلك دفعا نحو الاستقالة الجماعية"، مضيفة أنها لن تستقيل كما رفضت مقترح الاستقالة سابقا.
وقد أصدرت "الهايكا" بيانا في 19 نوفمبر 2022، عبرت فيه عن رفضها لما ورد في قرار هيئة الانتخابات المتعلّق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء، باعتباره "تضمن توجها خطيرا يهدد شفافية التغطية الإعلامية للانتخابات ونزاهتها وسلامتها في خرق صارخ للدستور والقانون".
واعتبر أستاذ القانون العام صغير الزكراوي أن هذه "الهيئات في حكم الملغاة "لأن الدستور الجديد قد قلص من عددها ولم يذكر غير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمجلس الأعلى للتربية وهذا ما يؤكد أن النية تتجه إلى الاستغناء عن المؤسسات التي أتى بها دستور "2014.
وفي تعليقه عن قرار إيقاف أجور أعضاء مجلس "الهايكا" ابتداء من شهر جانفي الحالي قال أستاذ القانون العام إن هذا القرار قد يكون تمهيدا لإلغاء الهيئة، معتبرا أن "الهايكا" بجميع مكوناتها لم يعد لها حضور في المشهد الإعلامي لان فلسفة الحكم الحالية تختلف عن فلسفة دستور 2014.
وحسب الزكراوي فإنه "كان من المفروض على السلطة القائمة أن تبين موقفها بشكل واضح من هذه الهيئات وتوضيح مآلها، لكن يبدو أن السلطة مترددة بين إلغاء هذه الهيئات أو المحافظة عليها"، مضيفا أن "بعض الهيئات فقدت صبغتها الدستورية ورغم ذلك لم يقدم البرلمان الحالي مشاريع قوانين بخصوص هذه الهيئات".
"تذرير" السلطة
كما اعتبر أستاذ القانون العام في سياق حديثه لـ "الصباح" أن دستور 2014 اغرق البلاد بالهيئات مما أدى إلى "تذرير" السلطة حيث أصبحت لكل هيئة صلاحيات وكأنها جزر منفصلة تحكم لوحدها مما أدى إلى إضعاف دور الدولة.
من جانبه رأى محسن النابتي الناطق الرسمي للتيار الشعبي أن دستور 2014 أحدث عددا مبالغا فيه من الهيئات الدستورية تحولت إلى عبء كبير على ميزانية الدولة، فكل هيئة عبارة عن وزارة بذاتها، ناهيك عن تشتيت وإضعاف سلطات الدولة ونزع صلاحيات الإدارة العمومية، كما كانت أيضا مجال لتوزيع المغانم والترضيات في منظومة الحكم السابقة فمن لا يجدون له مكان في السلطة يعطوه هيئة دستورية.
تسوية الوضعيات..
وقال النابتي لـ "الصباح" إن الدستور الحالي لم يتطرق لكل هذه الهيئات باستثناء هيئة الانتخابات والمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للتربية..، و"لم يشر الدستور الجديد إلى وجود هيئات دستورية أخرى، وبالتالي لا يمكن الحديث عن هيئات دستورية، لكن الذي حصل هو أن السلطات لم تحسم الجدل ولكنها تركت هذه الهيئات تتلاشى تدريجيا وهذا خلق مشاكل جانبية منها خاصة الموظفين الذين تم انتدابهم في هذه الهيئات.. فهؤلاء ليسوا منتخبين ولا يجب أن يتحولوا إلى ضحايا فهم شباب باحث عن عمل ويجب تسوية وضعياتهم من قبل الدولة.
وأضاف قائلا:"بالنسبة للهيئات نعتقد أن تونس لا تحتاج كل هذا الكم من الهيئات ويمكن اختزال العدد وتجميع الهيئات التي تعمل في نفس المجال، فمثلا حقوق الإنسان تشمل الاتجار بالبشر وتشمل مكافحة التعذيب وغيرها، ويمكن إحداث هيئات رقابية وتعديلية بقانون بخصوص الإعلام مثلا أو غيره"، مشيرا إلى ان ما هو مطلوب هو الوضوح بخصوص هذه الهيئات وعدم ترك الحبل على الغارب مثلما حصل مع هيئة مكافحة الفساد،خاصة وأن الدستور واضح لم يشر لكثير من الهيئات التي كانت موجودة، فما على الدولة إلا تسوية وضعية الموظفين وضمان حقوقهم بإدماجهم مثلا في مؤسسات أخرى".
جهاد الكلبوسي
-صغير الزكراوي لـ"الصباح":"الهيئات في حكم الملغاة لأن الدستور الجديد قد قلص من عددها"
-محسن النابتي لـ"الصباح":"دستور 2014 أحدث عددا مبالغا فيه من الهيئات الدستورية تحولت إلى عبء كبير على ميزانية الدولة"
تونس – الصباح
هل هو توجه نحو إلغاء الهيئات التي أتى بها دستور2014 الملغى أم أن هناك ولادة لهياكل جديدة؟ ولماذا هذا الغموض والضبابية في شرح أو إيضاح مآلات هذه الهيئات خاصة وأن بعضها صدرت في خصوصه قرارات قد تمس من وجودها مثل إيقاف أجور أعضاء مجلس "الهايكا" الأخير، وقبل ذلك غلق مقرات هيئة مكافحة الفساد دون أن ننسى تلاشي دور هيئة حقوق الإنسان..؟
بعد الثورة وعلى مراحل مختلفة بعثت عديد الهيئات بعضها دستوري والبعض الآخر لا، ورغم ما اعتبره العديد آنذاك "تخمة" لكثرة عددها، علاوة أنها جاءت في سياق مرحلة انتقالية مرت بها البلاد، ورغم الدور الذي لعبته هذه الهيئات، فإنه لم يخل طبعا من الانتقادات.
وبعد 25 جويلية 2021 وفي 20 أوت 2021 صدر قرار بغلق مقري الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في منطقتي البحيرة والبلفيدير وإخلائهما من جميع الموظفين والأعوان، مع إقالة كاتبها العام أنور بن حسن، على أن يتولى المكلف بالشؤون الإدارية والمالية في الهيئة تصريف الأعمال بشكل مؤقت، لكن يبقى السؤال قائما إلى اليوم حول مصير الهيئة؟
وكان النائب بدر الدّين القمودي وجّه في 25 جوان 2023 أسئلة كتابيّة إلى رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن منها،"هل فكرت الحكومة في عودة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للعمل أو بعث هيئة جديدة بديلة لها تضطلع بمهامها؟ وأي مصير لمئات الموظفين، الذين كانوا متعاقدين مع الهيئة؟ وما هي سياسة الحكومة لحماية المبلّغين، الذين يعانون الهرسلة والملاحقة القضائية والتنكيل نتيجة إثارتهم لملفات فساد؟".
عدم التصريح بالمكاسب..
وفي تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء قال القمّودي:"إنّ تواصل غلق هذه المؤسسة المهمّة يثير الكثير من التساؤلات، مبرزا أنّ أعضاء مجلس نوّاب الشعب أنفسهم يتعرّضون لانتقادات بسبب عدم قيامهم بالتصريح بالمكاسب والمصالح وفق ما ينصّ عليه القانون نظرا لغياب الهيكل المخوّل له التصريح لديه، مشيرا إلى أن تواصل غلق هيئة مكافحة الفساد وعدم وجود أي هيئة جديدة تضطلع بمهامّها يطرح الكثير من الإشكاليات منها مصير ملفات الفساد ومصير المبلّغين عن الفساد، بالإضافة إلى بقاء مصير عدد من الموظّفين، الذّين كانوا يعملون مع الهيئة مجهولا."
أما بالنسبة لـ"الهايكا" فقد أكدت عضو الهيئة سكينة عبد الصمد، وفق تدوينة نشرتها على حسابها بـ"الفيسبوك"، أنّ رئيس الحكومة كلّف الكاتب العام للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) بإيقاف صرف رواتب أعضاء مجلس الهيئة، وقالت:"شخصيا أعتبرها خطوة ثانية للقضاء على أعمال الهيئة واستقلالية أدائها بعد إحداث حالة الشغور في خطة رئيس الهيئة والإبقاء على هذا الشغور منذ شهر فيفري 2023".
وأكدت عبد الصمد، أنّ "في ذلك دفعا نحو الاستقالة الجماعية"، مضيفة أنها لن تستقيل كما رفضت مقترح الاستقالة سابقا.
وقد أصدرت "الهايكا" بيانا في 19 نوفمبر 2022، عبرت فيه عن رفضها لما ورد في قرار هيئة الانتخابات المتعلّق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء، باعتباره "تضمن توجها خطيرا يهدد شفافية التغطية الإعلامية للانتخابات ونزاهتها وسلامتها في خرق صارخ للدستور والقانون".
واعتبر أستاذ القانون العام صغير الزكراوي أن هذه "الهيئات في حكم الملغاة "لأن الدستور الجديد قد قلص من عددها ولم يذكر غير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمجلس الأعلى للتربية وهذا ما يؤكد أن النية تتجه إلى الاستغناء عن المؤسسات التي أتى بها دستور "2014.
وفي تعليقه عن قرار إيقاف أجور أعضاء مجلس "الهايكا" ابتداء من شهر جانفي الحالي قال أستاذ القانون العام إن هذا القرار قد يكون تمهيدا لإلغاء الهيئة، معتبرا أن "الهايكا" بجميع مكوناتها لم يعد لها حضور في المشهد الإعلامي لان فلسفة الحكم الحالية تختلف عن فلسفة دستور 2014.
وحسب الزكراوي فإنه "كان من المفروض على السلطة القائمة أن تبين موقفها بشكل واضح من هذه الهيئات وتوضيح مآلها، لكن يبدو أن السلطة مترددة بين إلغاء هذه الهيئات أو المحافظة عليها"، مضيفا أن "بعض الهيئات فقدت صبغتها الدستورية ورغم ذلك لم يقدم البرلمان الحالي مشاريع قوانين بخصوص هذه الهيئات".
"تذرير" السلطة
كما اعتبر أستاذ القانون العام في سياق حديثه لـ "الصباح" أن دستور 2014 اغرق البلاد بالهيئات مما أدى إلى "تذرير" السلطة حيث أصبحت لكل هيئة صلاحيات وكأنها جزر منفصلة تحكم لوحدها مما أدى إلى إضعاف دور الدولة.
من جانبه رأى محسن النابتي الناطق الرسمي للتيار الشعبي أن دستور 2014 أحدث عددا مبالغا فيه من الهيئات الدستورية تحولت إلى عبء كبير على ميزانية الدولة، فكل هيئة عبارة عن وزارة بذاتها، ناهيك عن تشتيت وإضعاف سلطات الدولة ونزع صلاحيات الإدارة العمومية، كما كانت أيضا مجال لتوزيع المغانم والترضيات في منظومة الحكم السابقة فمن لا يجدون له مكان في السلطة يعطوه هيئة دستورية.
تسوية الوضعيات..
وقال النابتي لـ "الصباح" إن الدستور الحالي لم يتطرق لكل هذه الهيئات باستثناء هيئة الانتخابات والمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للتربية..، و"لم يشر الدستور الجديد إلى وجود هيئات دستورية أخرى، وبالتالي لا يمكن الحديث عن هيئات دستورية، لكن الذي حصل هو أن السلطات لم تحسم الجدل ولكنها تركت هذه الهيئات تتلاشى تدريجيا وهذا خلق مشاكل جانبية منها خاصة الموظفين الذين تم انتدابهم في هذه الهيئات.. فهؤلاء ليسوا منتخبين ولا يجب أن يتحولوا إلى ضحايا فهم شباب باحث عن عمل ويجب تسوية وضعياتهم من قبل الدولة.
وأضاف قائلا:"بالنسبة للهيئات نعتقد أن تونس لا تحتاج كل هذا الكم من الهيئات ويمكن اختزال العدد وتجميع الهيئات التي تعمل في نفس المجال، فمثلا حقوق الإنسان تشمل الاتجار بالبشر وتشمل مكافحة التعذيب وغيرها، ويمكن إحداث هيئات رقابية وتعديلية بقانون بخصوص الإعلام مثلا أو غيره"، مشيرا إلى ان ما هو مطلوب هو الوضوح بخصوص هذه الهيئات وعدم ترك الحبل على الغارب مثلما حصل مع هيئة مكافحة الفساد،خاصة وأن الدستور واضح لم يشر لكثير من الهيئات التي كانت موجودة، فما على الدولة إلا تسوية وضعية الموظفين وضمان حقوقهم بإدماجهم مثلا في مؤسسات أخرى".