إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التونسي يودع سنة الطوابير.. ندرة الغذاء.. تقسيط المياه وغلاء الأسعار

تونس-الصباح

صعبة كانت سنة 2023، على جزء كبير من التونسيين والتونسيات. فئات اجتماعية عريضة تدحرجت طبقيا ووجدت نفسها في مواجهة ارتفاع غير مسبوق للأسعار، شح وندرة في المواد الغذائية.. كانت سنة الطوابير بامتياز طبعت مع فقدان الخبز.. وفقدت قدرتها على تغطية نفقاتها العائلية من مصاريف تعليم ونقل وصحة وسداد فواتير.

"تبر"، موظفة في إحدى المؤسسات الخاصة وسط العاصمة، لم تعد قادرة على تغطية مصاريف عائلتها. وأجرها الذي لا يتجاوز الألف دينار بكثير لا يكفيها لسد تكاليف تمدرس ابنتيها وثمن كراء منزلها الكائن في احد الأحياء الشعبية. ومع اضطرارها الى الاقتراض زادت في تأزيم وضعها المالية بشكل لا تعرف كيف تتجاوزه اليوم.. فليس هناك بوادر زيادات في الأجور وصاحب العمل لن تكون له مبادرة فردية لتحسين مداخيل موظفيه أو تمكينه من امتيازات مالية جديدة.

ويتأزم الوضع أكثر بالنسبة لخولة، معينة منزلية، فدخلها في حدود الـ500 دينار وهي مطالبة بتغطية نفقات دراسة ابنتها وعلاج زوجها الذي دخل في حالة اكتئاب منذ جائحة كورونا وانقطع عن العمل ولازم البيت.

وتقر خولة بأعين دامعة أنها لم تعد قادرة على مجابهة مصاريف الحياة مع القفز المتواصل للأسعار.

أما معتز، الذي يعمل كحلاق، تزوج حديثا، يضمن له عمله دخلا محترما، لكن رغم ذلك يقول ان الجري يوميا وراء علبة حليب لابنته الرضيعة والمقرونة والأرز والخبز وأحيانا البنزين لسيارته أو دواء بسيط للسعال، عكر صفو حياته وجعله يفكر في الهجرة نحو دول الخليج مرة أخرى.

شهادات تثبتها إيمان بلعربي المختصة في الشأن الاقتصادي، أين اعتبرت في تصريحها لـ"الصباح" أن حصيلة سنة 2023، كانت الأضعف في السنوات الأخيرة على المحليين وعلى الوافدين (المهاجرين) على حد السواء.

وبالنسبة للمحليين، اتسمت بترد كبير على مستوى الخدمات، ففي التعليم تواصلت حالة التوتر بين الوزارة والنقابات وتم حرمان التلاميذ من الحصول على أعدادهم، وسجلت احتجاجا متواترا للمعلمين (النواب) ما أثر بشكل لافت على العملية التربوية وهو ما يمكن تجميعها من شهادات الأولياء واحتجاجاتهم على البنية التحتية للمؤسسات التربوية وتواصل حالات الشغور بالنسبة للمعلمين والأساتذة..

صحيا، لم تسجل السنة حسب إيمان بلعربي أي تقدم على مستوى المشاريع المبرمجة، والى غاية الآن لم يتم الانطلاق في تركيز مستشفى القيروان أو المدينة الصحية مثلا، لنواصل استهلاك الرصيد القديم الذي بدوره يشكو تدهورا في خدماته ونقصا في التجهيزات دون صيانة ولا ميزانية تحسين ولا انتدابات جديدة للإطارات الصحية وشبه الصحية.

في المقابل يتواصل نزيف هجرة الأطباء والكوادر الصحية، ما ينبئ بعملية تصحر كبيرة ستشهدها المستشفيات والقطاع الصحي بصفة عامة في السنوات القادمة وخاصة منه طب الاختصاص الذي تعاني المناطق الداخلية فيه نقصا حادا يؤثر بشكل واضح على نوعية الخدمات الصحية المقدمة ويمكن أن نذكر على سبيل المثال المستشفيات الجهوية بتطاوين والقصرين وقفصة...

على مستوى خدمة النقل، الأسطول يتجه نحو التردي لا وجود لمشاريع جديدة، والمكسب الوحيد هو النقل السريع الحديدي RFR، جاء بعد 12 عاما من الانتظار لكنه يعد مكسبا جيدا، فك عزلة فئة عريضة من متساكني الأحياء الشعبية وبصدد تقديم خدمات ذات جودة عالية.

وتشير المختصة في الشأن الاقتصادي انه وبسبب سجل التركيبة الديمغرافية للتونسيين والتونسيات تدهور طبقات جديدة نحو الفقر وخاصة منها الطبقة الوسطى وفئة الموظفين. وتقول انه وفقا لآخر أرقام للمعهد الوطني للإحصاء، فإن ما يقارب 670 ألف موظف في القطاع العمومي، معدل أجورهم كان في حدود 1380 دينارا. وهو دخل لم يواكب تطورات نسق ارتفاع الأسعار والتضخم الذي وصل في فيفري الماضي الى 10.4 % وهو رقم لم تسجل البلاد على امتداد 30 عاما مضت.

كما ذكرت ان معدل الزيادة في أسعار الغذاء وصل وفق نفس المصدر الى 25 %، وهذه النسبة العالية لم يصاحبها مرافقة اجتماعية من الدولة لأي من الطبقات الاجتماعية. ولا بوادر لمرافقة اجتماعية نظرا الى أن في ميزانية 2024 ليس هناك زيادة في المخصصات الاجتماعية لفائدة المليون أسرة المصنفة بالفقيرة والمعوزة.

وتوقعت إيمان بلعربي أن تسجل السنة القادمة ارتفاعا في نسب الفقر، التي تبلغ 15.2 % وطنيا حسب آخر أرقام صدرت في 2021، وتتباين بين المعتمديات لتتضاعف في معتمديات من ولاية القصرين والقيروان وسليانة والكاف وباجة، أين يعيش الفرد بدخل يومي اقل من 5 دنانير.

وأمام التطور الحاصل في نسق الأسعار ومستوى المعيشة ستتدحرج فئات جديدة نحو خط الفقر وما تحت خط الفقر.

ولم تعرف نسبة البطالة تحسنا يذكر خلال السنة وبقيت ما بين 15 و16%، فنظرا الى أن سياسة الدولة تمسكت بغلق باب الانتدابات لم تعرف السوق معدلات تشغيل واضحة. وهي نسبة ترتفع في صفوف حاملي الشهادات العليا لتصل الى 23.7% لدى الذكور و31% لدى الإناث أما في صفوف الشباب وفئة 15-25 عاما فتكون نسبة البطالة في حدود 40%.

وكانت السنة قاسية واستثنائية على مستوى المناخ أيضا والطقس، حيث خسرت الزراعات الكبرى نحو 80% من حجم إنتاجها وعرفت منظومات كاللبان والقوارص والبطاطا إشكاليات وأزمات في علاقة بالأعلاف والأدوية. وفقدت السدود والأودية رصيدها من المياه مرة لتطبق تونس سنة 2023 ولأول مرة نظام تقسيط المياه.

وسواء الطوابير وفقدان المواد الغذائية أو النقص المسجل في المياه أو تدهور الوضع الصحي وحالة التعليم والنقل، والطبقة الفقر التي تدحرج نحوها فئات اجتماعية جديدة، فهو واقع لم يعايشه التونسيون منذ الاستقلال رغم ما مروا به من أزمات اجتماعية واقتصادية.

ريم سوودي

 

 

 

 

 

التونسي يودع سنة الطوابير.. ندرة الغذاء.. تقسيط المياه وغلاء الأسعار

تونس-الصباح

صعبة كانت سنة 2023، على جزء كبير من التونسيين والتونسيات. فئات اجتماعية عريضة تدحرجت طبقيا ووجدت نفسها في مواجهة ارتفاع غير مسبوق للأسعار، شح وندرة في المواد الغذائية.. كانت سنة الطوابير بامتياز طبعت مع فقدان الخبز.. وفقدت قدرتها على تغطية نفقاتها العائلية من مصاريف تعليم ونقل وصحة وسداد فواتير.

"تبر"، موظفة في إحدى المؤسسات الخاصة وسط العاصمة، لم تعد قادرة على تغطية مصاريف عائلتها. وأجرها الذي لا يتجاوز الألف دينار بكثير لا يكفيها لسد تكاليف تمدرس ابنتيها وثمن كراء منزلها الكائن في احد الأحياء الشعبية. ومع اضطرارها الى الاقتراض زادت في تأزيم وضعها المالية بشكل لا تعرف كيف تتجاوزه اليوم.. فليس هناك بوادر زيادات في الأجور وصاحب العمل لن تكون له مبادرة فردية لتحسين مداخيل موظفيه أو تمكينه من امتيازات مالية جديدة.

ويتأزم الوضع أكثر بالنسبة لخولة، معينة منزلية، فدخلها في حدود الـ500 دينار وهي مطالبة بتغطية نفقات دراسة ابنتها وعلاج زوجها الذي دخل في حالة اكتئاب منذ جائحة كورونا وانقطع عن العمل ولازم البيت.

وتقر خولة بأعين دامعة أنها لم تعد قادرة على مجابهة مصاريف الحياة مع القفز المتواصل للأسعار.

أما معتز، الذي يعمل كحلاق، تزوج حديثا، يضمن له عمله دخلا محترما، لكن رغم ذلك يقول ان الجري يوميا وراء علبة حليب لابنته الرضيعة والمقرونة والأرز والخبز وأحيانا البنزين لسيارته أو دواء بسيط للسعال، عكر صفو حياته وجعله يفكر في الهجرة نحو دول الخليج مرة أخرى.

شهادات تثبتها إيمان بلعربي المختصة في الشأن الاقتصادي، أين اعتبرت في تصريحها لـ"الصباح" أن حصيلة سنة 2023، كانت الأضعف في السنوات الأخيرة على المحليين وعلى الوافدين (المهاجرين) على حد السواء.

وبالنسبة للمحليين، اتسمت بترد كبير على مستوى الخدمات، ففي التعليم تواصلت حالة التوتر بين الوزارة والنقابات وتم حرمان التلاميذ من الحصول على أعدادهم، وسجلت احتجاجا متواترا للمعلمين (النواب) ما أثر بشكل لافت على العملية التربوية وهو ما يمكن تجميعها من شهادات الأولياء واحتجاجاتهم على البنية التحتية للمؤسسات التربوية وتواصل حالات الشغور بالنسبة للمعلمين والأساتذة..

صحيا، لم تسجل السنة حسب إيمان بلعربي أي تقدم على مستوى المشاريع المبرمجة، والى غاية الآن لم يتم الانطلاق في تركيز مستشفى القيروان أو المدينة الصحية مثلا، لنواصل استهلاك الرصيد القديم الذي بدوره يشكو تدهورا في خدماته ونقصا في التجهيزات دون صيانة ولا ميزانية تحسين ولا انتدابات جديدة للإطارات الصحية وشبه الصحية.

في المقابل يتواصل نزيف هجرة الأطباء والكوادر الصحية، ما ينبئ بعملية تصحر كبيرة ستشهدها المستشفيات والقطاع الصحي بصفة عامة في السنوات القادمة وخاصة منه طب الاختصاص الذي تعاني المناطق الداخلية فيه نقصا حادا يؤثر بشكل واضح على نوعية الخدمات الصحية المقدمة ويمكن أن نذكر على سبيل المثال المستشفيات الجهوية بتطاوين والقصرين وقفصة...

على مستوى خدمة النقل، الأسطول يتجه نحو التردي لا وجود لمشاريع جديدة، والمكسب الوحيد هو النقل السريع الحديدي RFR، جاء بعد 12 عاما من الانتظار لكنه يعد مكسبا جيدا، فك عزلة فئة عريضة من متساكني الأحياء الشعبية وبصدد تقديم خدمات ذات جودة عالية.

وتشير المختصة في الشأن الاقتصادي انه وبسبب سجل التركيبة الديمغرافية للتونسيين والتونسيات تدهور طبقات جديدة نحو الفقر وخاصة منها الطبقة الوسطى وفئة الموظفين. وتقول انه وفقا لآخر أرقام للمعهد الوطني للإحصاء، فإن ما يقارب 670 ألف موظف في القطاع العمومي، معدل أجورهم كان في حدود 1380 دينارا. وهو دخل لم يواكب تطورات نسق ارتفاع الأسعار والتضخم الذي وصل في فيفري الماضي الى 10.4 % وهو رقم لم تسجل البلاد على امتداد 30 عاما مضت.

كما ذكرت ان معدل الزيادة في أسعار الغذاء وصل وفق نفس المصدر الى 25 %، وهذه النسبة العالية لم يصاحبها مرافقة اجتماعية من الدولة لأي من الطبقات الاجتماعية. ولا بوادر لمرافقة اجتماعية نظرا الى أن في ميزانية 2024 ليس هناك زيادة في المخصصات الاجتماعية لفائدة المليون أسرة المصنفة بالفقيرة والمعوزة.

وتوقعت إيمان بلعربي أن تسجل السنة القادمة ارتفاعا في نسب الفقر، التي تبلغ 15.2 % وطنيا حسب آخر أرقام صدرت في 2021، وتتباين بين المعتمديات لتتضاعف في معتمديات من ولاية القصرين والقيروان وسليانة والكاف وباجة، أين يعيش الفرد بدخل يومي اقل من 5 دنانير.

وأمام التطور الحاصل في نسق الأسعار ومستوى المعيشة ستتدحرج فئات جديدة نحو خط الفقر وما تحت خط الفقر.

ولم تعرف نسبة البطالة تحسنا يذكر خلال السنة وبقيت ما بين 15 و16%، فنظرا الى أن سياسة الدولة تمسكت بغلق باب الانتدابات لم تعرف السوق معدلات تشغيل واضحة. وهي نسبة ترتفع في صفوف حاملي الشهادات العليا لتصل الى 23.7% لدى الذكور و31% لدى الإناث أما في صفوف الشباب وفئة 15-25 عاما فتكون نسبة البطالة في حدود 40%.

وكانت السنة قاسية واستثنائية على مستوى المناخ أيضا والطقس، حيث خسرت الزراعات الكبرى نحو 80% من حجم إنتاجها وعرفت منظومات كاللبان والقوارص والبطاطا إشكاليات وأزمات في علاقة بالأعلاف والأدوية. وفقدت السدود والأودية رصيدها من المياه مرة لتطبق تونس سنة 2023 ولأول مرة نظام تقسيط المياه.

وسواء الطوابير وفقدان المواد الغذائية أو النقص المسجل في المياه أو تدهور الوضع الصحي وحالة التعليم والنقل، والطبقة الفقر التي تدحرج نحوها فئات اجتماعية جديدة، فهو واقع لم يعايشه التونسيون منذ الاستقلال رغم ما مروا به من أزمات اجتماعية واقتصادية.

ريم سوودي