بعد أن أطلق الجميع عنوان عام 2023 سنة التحديات الكبرى والإنجازات والإصلاحات المنتظرة لاسيما أن انطلاقتها تزامنت مع خروج بلادنا من مرحلة التدابير الاستثنائية التي تواصلت عاما ونصفا تقريبا، بعد تركيز برلمان جديد والدخول عمليا في تنفيذ دستور 2022 وما أحدثه من تغيير ونقلة نوعية في النظام السياسي في تونس من شبه برلماني مختلط إلى نظام رئاسي منح رئيس الجمهورية صلاحيات دستورية واسعة وفق رؤية سياسية مختلفة عما كان سائدا ومختلفة أيضا عن التجارب السابقة التي عرفتها أنظمة الحكم في تاريخ تونس المعاصر، إلا أنها سجلت عدة أحداث وتطورات ومبادرات طبعت المشهد السياسي وغيرت جوانب من ملامحه وكان لها وقعها على مستويين وطني وخارجي ولكنها لم تنجح في إحداث التغييرات الكبرى وتحقيق النتائج المنتظرة والقضاء على المظاهر والممارسات السلبية والأزمات التي تعاني منها البلاد. في المقابل برز رئيس الجمهورية قيس سعيد مهندسا وقائدا ومحركا متحكما في المشهد السياسي في تونس طيلة هذا العام، باعتبار أن الوضع الحزبي كان "باهتا وراكدا" ولم تستطع القوى والأجسام السياسية بمختلف تياراتها وتوجهاتها الداعمة والموالية للسلطة أو المعارضة لها، أن تخرج من مربع البدء تقريبا إلى أُعِيدت له بموجب قرارات وخيارات ما بعد 25 جويلية 2021 رغم محاولاتها المتكررة. فطغى حضور رئيس الجمهورية وخطابه وتصريحاته التي كثيرا ما تكون محل جدل، على المشهد العام.
ورغم الرتابة التي ميزت عمل وحضور الحكومة في المشهد العام في ظل غياب المبادرات والبرامج والإصلاحات الكبرى وفقا لما يقوله ويدعو له ويؤكده رئيس الجمهورية من توجه ورؤية سياسية جديدة وإصلاحات، فإنه يمكن تقسيم المستجدات والأحداث التي جدت طيلة هذه السنة إلى مراحل.
فكانت المرحلة تأكيدا لتكريس سياسة المضي قدما في مكافحة الفساد وإدراك مرحلة متقدمة في المجال كمكسب يحسب لمرحلة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن على اعتبار أنها تولت تسيير مرحلة مهمة سياسيا وقضائيا، كان من نتائجها تحول ما حذر منه رئيس الجمهورية من انخراط الطبقة السياسية في الفساد واختراق واستسهال للدولة وضرب لمقدراتها ونهب ثرواتها، إلى واقع ملموس. وتجلت نتائجه بالأساس خلال ردح من زمن 2023 بعد أن كان مصير عدد من مكونات المشهد الحزبي والسياسي في تونس السجن أو الهروب واختيار المنفى فيما كان مآل البعض الآخر العزلة السياسية.
إذ سجلت المرحلة الأولى التي امتدت تقريبا على الثلاثي الأول من سنة 2023 أحداثا ومستجدات كانت بمثابة تمهيد لوضع أرضية ومناخ سياسي جديد في الدولة. فبعد الحسم في الدور الثاني للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها ومباشرة مجلس نواب الشعب في نسخته الجديدة، لمهامه خلال الثلاثي الأول من السنة وسط ترحيب وانتظارات واسعة، شهدت تونس في نفس الفترة إيقاف عدد من الشخصيات المحسوبة على الطبقة السياسية وذلك في إطار توجه الدولة إلى تنفيذ سياسة مكافحة الفساد التي كانت أحد العناوين الكبرى للحملة الانتخابية لسعيد في الانتخابات الرئاسية 2019 إضافة إلى فتح القضاء عدة ملفات حارقة، القديم منها والجديد على غرار ملفات التسفير والاغتيالات السياسية والتآمر على أمن الدولة وغيرها. لتشمل أسماء في صفوف قيادية ومتقدمة في عدة أحزاب متصدرة للمشهد الحزبي في تونس، وبعضها الآخر كان ضالعا في الحكم والقرار في الدولة.
وتراوحت المواقف حيال هذه الإيقافات لتحول المعارضة، مواقفها الرافضة لتلك الإيقافات والمنددة بدخول القضاء المربع السياسي وتحديدا الحزبي، إلى عنوان نشاط وبرنامج تحركها تجندت له أغلب القوى السياسية والحقوقية والمدنية للدفاع عمن اعتبرتهم سجناء سياسيين و"شيطنة" النظام الحاكم الذي يقوده سعيد، لاسيما في ظل الرفض الواسع للمرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجريمة المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات وما يشكله من تهديد للحريات وخطر عودة تكميم الأفواه والديمقراطية.
فيما وجدت تلك الإيقافات ترحيبا من قبل البعض الآخر من المواطنين على اعتبار أن في ذلك رسائل واضحة تبين تعافي السلطة والقضاء واتضاح رؤية المنهج المتبع في فرض العدالة على الجميع ومحاسبة كل من أجرم في حق الدولة والمواطنين على اعتبار أن الجميع سواسية أمام القضاء.
لتدخل سياسة الدولة في مكافحة الفساد مرحلة أخرى منذ تكليف أحمد الحشاني رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن منذ بداية أوت الماضي وتم وسمها على أنها مرحلة تطهير الإدارة ومحاربة الفساد في الدولة العميقة. خاصة أن هذه الفترة تتزامن مع تسجيل تغييرات بالجملة وانفتاح في سياسة تونس الخارجية بعد التوصل إلى سد عديد الشغورات في الدبلوماسية التونسية بالخارج والدخول في اتفاقات ثنائية ولإقليمية مختلفة بهدف إيجاد مخارج من الأزمات الاقتصادية والبحث عن أسواق وشراكات وتعاون جديدة لعل أبزرها إمضاء مذكرة تفاهم شاملة مع الاتحاد الأوروبي والانطلاق عمليا في تفعيل جوانب من هذه المذكرة قبل نهاية هذا العام رغم "التلكؤ" وسياسة الشد والجذب بين الجانبين التونسي والأوروبي لاسيما أن مسألة الهجرة غير النظامية بالنسبة لأبناء أفريقيا جنوب الصحراء التي ألقت بثقلها على الوضع العام في الدولة وعلى مسارات الحوار والاتفاقات الأوروبية التونسية لا تزال قائمة.
تعديل وزاري قطرة قطرة
رغم المطالب والدعوات المتكررة لرئيس الجمهورية من المعارضة وغيرها لتغيير تركيبة حكومته بعد الإجماع على تحميلها مسؤولية تواصل الأزمات وعجزها عن تقديم برامج بديلة أو إصلاحات ترتقي لتكون في مستوى الأهداف المنتظرة وفي تناغم ما سياسة رئيس الجمهورية، إلا أن سعيد اختار المحافظة على نفس فريقه الوزاري لكن مع القيام بتغييرات بين الفينة والأخرى. ورغم مرور عامين ونصف تقريبا على انطلاق عمل حكومته، إلا أن هذا العام سجل أكبر عدد من التغييرات التي شملت الحكومة وذلك بتسجيل ثمانية تغييرات هذا العام من بين التحويرات التي شملت الحكومة لاسيما أن بعضهم تم تغييره فيما لا تزال وزارات أخرى تشكو شغورات إلى الآن وتدار بالإنابة، نبينها وفق الترتيب الزمني التالي:
6 جانفي: إقالة وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي.
30 جانفي: تعيين عبدالمنعم بالعاتي وزيرا للفلاحة والموارد المائية بعد إقالة محمود إلياس حمزة.
30 جانفي: تعيين محمد علي البوغديري وزيرا للتربية خلفا لفتحي السلاوتي.
7 فيفري: تعيين نبيل عمار وزيرا للخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بعد إقالة عثمان الجرندي.
17 مارس: تعيين كمال الفقيه وزيرا للداخلية بعد إقالة توفيق شرف الدين.
4ماي: إقالة وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نايلة نويرة القنجي.
2 أوت: إقالة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها رئيسا للحكومة.
17 أكتوبر: إقالة وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد.
النهاية البداية
مع اقتراب نهاية هذا العام الذي لم يسجل تطورات حزبية وسياسية أو أدوار تذكر تحسب للطبقة السياسية باستثناء ما يصدر عن رئيس الجمهورية من قرارات وزيارات ميدانية موجهة في إطار مراهنته على مكافحة الفساد ووضع الإصبع على مواطن الوهن والفساد الذي ينخر الدولة، إلا أن البعض من السياسيين انتفضوا من شبه الغياب" لينخرطوا في الدعاية للانخراط في الحملة الانتخابية استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة نهاية 2024 رغم أن جلهم أن لمك يكونا جميعا من المقاطعين للمسارات الانتخابية التي أعلن عنها سعيد.
تجديد هياكل
سجلت هذه السنة اختيار بعض الأحزاب والتيارات السياسية تنظيم مؤتمراتها بعضها اختار تجديد هياكله والبعض الآخر جدد الثقة في نفس قياداته وذلك وسط أجواء باهتة في ظل النفور المسجل من قبل القواعد الشعبية تجاه الأحزاب في تونس وتعمق هذه الأزمة التي وضعت كل مكونات الطبقة الحزبية والسياسية في شبه عزلة تقريبا. فيما واصل رئيس الجمهورية انتهاج سياسة المقاطعة والجفاء تجاه الأحزاب والسياسيين بما في ذلك الداعمين لمساره الذين دأب على استقبالهم في سنة 2022. وقد نزل بعض المتابعين للشأن السياسي التغييرات التي شهدتها بعض المكونات الحزبية في تونس خلال هذا العام في سياق التجديد ومحاولة التأقلم مع الواقع الدستوري لتونس وكسر الرتابة التي ساهمت في تعميق الهوة بين القيادات الحزبية والقواعد الشعبية.. فحزب العمال أعاد انتخاب حمة الهمامي أمينا عاما له في جويلية الماضي. فيما أسفر تطور الاختلاف داخل عائلة حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد عن انقسام "الوطد" إلى شقين انتخب الشق الداعم للمسار منجي الرحوي أمينا عاما له فيما انتخب الشق المعارض زياد لخضر أمينا عاما له.
فيما انتخب التيار الديمقراطي نبيل حجي رئيسا له إثر تنظيم مؤتمره الانتخابي في ماي الماضي، وكذلك الشأن بالنسبة لحزب آفاق تونس الذي انتخب منذ أسابيع قليلة ريم محجوب رئيسة له بعد استقالة الرئيس السابق للحزب محمد الفاضل عبد الكافي.
في المقابل واصلت حركة النهضة الهروب إلى الأمام في علاقة بعقد المؤتمر الانتخابي الذي طال انتظاره وتأجل في أكثر من مرة بعد أن اختار مجلس شورى الحركة تعيين العجمي الوريمي أمينا عاما للنهضة باعتبار أن رئيسها راشد الغنوشي يقضي عقوبات سجينة إلى جانب عدد آخر من قيادات الحركة.
فيما اختار الثلاثي المتكون من مشروع تونس وحراك درع الوطن والشباب البديل الانصهار في حركة أطلقوا عليها اسم "حركة حق" لتكون شكل جديد في الجسام الحزبية التي تكون قيادته ليست عمومية وإنما أفقية من خلال لجان تكون أقرب إلى مخابر بحث وتكوين وتفكير "سياسية".
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
بعد أن أطلق الجميع عنوان عام 2023 سنة التحديات الكبرى والإنجازات والإصلاحات المنتظرة لاسيما أن انطلاقتها تزامنت مع خروج بلادنا من مرحلة التدابير الاستثنائية التي تواصلت عاما ونصفا تقريبا، بعد تركيز برلمان جديد والدخول عمليا في تنفيذ دستور 2022 وما أحدثه من تغيير ونقلة نوعية في النظام السياسي في تونس من شبه برلماني مختلط إلى نظام رئاسي منح رئيس الجمهورية صلاحيات دستورية واسعة وفق رؤية سياسية مختلفة عما كان سائدا ومختلفة أيضا عن التجارب السابقة التي عرفتها أنظمة الحكم في تاريخ تونس المعاصر، إلا أنها سجلت عدة أحداث وتطورات ومبادرات طبعت المشهد السياسي وغيرت جوانب من ملامحه وكان لها وقعها على مستويين وطني وخارجي ولكنها لم تنجح في إحداث التغييرات الكبرى وتحقيق النتائج المنتظرة والقضاء على المظاهر والممارسات السلبية والأزمات التي تعاني منها البلاد. في المقابل برز رئيس الجمهورية قيس سعيد مهندسا وقائدا ومحركا متحكما في المشهد السياسي في تونس طيلة هذا العام، باعتبار أن الوضع الحزبي كان "باهتا وراكدا" ولم تستطع القوى والأجسام السياسية بمختلف تياراتها وتوجهاتها الداعمة والموالية للسلطة أو المعارضة لها، أن تخرج من مربع البدء تقريبا إلى أُعِيدت له بموجب قرارات وخيارات ما بعد 25 جويلية 2021 رغم محاولاتها المتكررة. فطغى حضور رئيس الجمهورية وخطابه وتصريحاته التي كثيرا ما تكون محل جدل، على المشهد العام.
ورغم الرتابة التي ميزت عمل وحضور الحكومة في المشهد العام في ظل غياب المبادرات والبرامج والإصلاحات الكبرى وفقا لما يقوله ويدعو له ويؤكده رئيس الجمهورية من توجه ورؤية سياسية جديدة وإصلاحات، فإنه يمكن تقسيم المستجدات والأحداث التي جدت طيلة هذه السنة إلى مراحل.
فكانت المرحلة تأكيدا لتكريس سياسة المضي قدما في مكافحة الفساد وإدراك مرحلة متقدمة في المجال كمكسب يحسب لمرحلة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن على اعتبار أنها تولت تسيير مرحلة مهمة سياسيا وقضائيا، كان من نتائجها تحول ما حذر منه رئيس الجمهورية من انخراط الطبقة السياسية في الفساد واختراق واستسهال للدولة وضرب لمقدراتها ونهب ثرواتها، إلى واقع ملموس. وتجلت نتائجه بالأساس خلال ردح من زمن 2023 بعد أن كان مصير عدد من مكونات المشهد الحزبي والسياسي في تونس السجن أو الهروب واختيار المنفى فيما كان مآل البعض الآخر العزلة السياسية.
إذ سجلت المرحلة الأولى التي امتدت تقريبا على الثلاثي الأول من سنة 2023 أحداثا ومستجدات كانت بمثابة تمهيد لوضع أرضية ومناخ سياسي جديد في الدولة. فبعد الحسم في الدور الثاني للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها ومباشرة مجلس نواب الشعب في نسخته الجديدة، لمهامه خلال الثلاثي الأول من السنة وسط ترحيب وانتظارات واسعة، شهدت تونس في نفس الفترة إيقاف عدد من الشخصيات المحسوبة على الطبقة السياسية وذلك في إطار توجه الدولة إلى تنفيذ سياسة مكافحة الفساد التي كانت أحد العناوين الكبرى للحملة الانتخابية لسعيد في الانتخابات الرئاسية 2019 إضافة إلى فتح القضاء عدة ملفات حارقة، القديم منها والجديد على غرار ملفات التسفير والاغتيالات السياسية والتآمر على أمن الدولة وغيرها. لتشمل أسماء في صفوف قيادية ومتقدمة في عدة أحزاب متصدرة للمشهد الحزبي في تونس، وبعضها الآخر كان ضالعا في الحكم والقرار في الدولة.
وتراوحت المواقف حيال هذه الإيقافات لتحول المعارضة، مواقفها الرافضة لتلك الإيقافات والمنددة بدخول القضاء المربع السياسي وتحديدا الحزبي، إلى عنوان نشاط وبرنامج تحركها تجندت له أغلب القوى السياسية والحقوقية والمدنية للدفاع عمن اعتبرتهم سجناء سياسيين و"شيطنة" النظام الحاكم الذي يقوده سعيد، لاسيما في ظل الرفض الواسع للمرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجريمة المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات وما يشكله من تهديد للحريات وخطر عودة تكميم الأفواه والديمقراطية.
فيما وجدت تلك الإيقافات ترحيبا من قبل البعض الآخر من المواطنين على اعتبار أن في ذلك رسائل واضحة تبين تعافي السلطة والقضاء واتضاح رؤية المنهج المتبع في فرض العدالة على الجميع ومحاسبة كل من أجرم في حق الدولة والمواطنين على اعتبار أن الجميع سواسية أمام القضاء.
لتدخل سياسة الدولة في مكافحة الفساد مرحلة أخرى منذ تكليف أحمد الحشاني رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن منذ بداية أوت الماضي وتم وسمها على أنها مرحلة تطهير الإدارة ومحاربة الفساد في الدولة العميقة. خاصة أن هذه الفترة تتزامن مع تسجيل تغييرات بالجملة وانفتاح في سياسة تونس الخارجية بعد التوصل إلى سد عديد الشغورات في الدبلوماسية التونسية بالخارج والدخول في اتفاقات ثنائية ولإقليمية مختلفة بهدف إيجاد مخارج من الأزمات الاقتصادية والبحث عن أسواق وشراكات وتعاون جديدة لعل أبزرها إمضاء مذكرة تفاهم شاملة مع الاتحاد الأوروبي والانطلاق عمليا في تفعيل جوانب من هذه المذكرة قبل نهاية هذا العام رغم "التلكؤ" وسياسة الشد والجذب بين الجانبين التونسي والأوروبي لاسيما أن مسألة الهجرة غير النظامية بالنسبة لأبناء أفريقيا جنوب الصحراء التي ألقت بثقلها على الوضع العام في الدولة وعلى مسارات الحوار والاتفاقات الأوروبية التونسية لا تزال قائمة.
تعديل وزاري قطرة قطرة
رغم المطالب والدعوات المتكررة لرئيس الجمهورية من المعارضة وغيرها لتغيير تركيبة حكومته بعد الإجماع على تحميلها مسؤولية تواصل الأزمات وعجزها عن تقديم برامج بديلة أو إصلاحات ترتقي لتكون في مستوى الأهداف المنتظرة وفي تناغم ما سياسة رئيس الجمهورية، إلا أن سعيد اختار المحافظة على نفس فريقه الوزاري لكن مع القيام بتغييرات بين الفينة والأخرى. ورغم مرور عامين ونصف تقريبا على انطلاق عمل حكومته، إلا أن هذا العام سجل أكبر عدد من التغييرات التي شملت الحكومة وذلك بتسجيل ثمانية تغييرات هذا العام من بين التحويرات التي شملت الحكومة لاسيما أن بعضهم تم تغييره فيما لا تزال وزارات أخرى تشكو شغورات إلى الآن وتدار بالإنابة، نبينها وفق الترتيب الزمني التالي:
6 جانفي: إقالة وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي.
30 جانفي: تعيين عبدالمنعم بالعاتي وزيرا للفلاحة والموارد المائية بعد إقالة محمود إلياس حمزة.
30 جانفي: تعيين محمد علي البوغديري وزيرا للتربية خلفا لفتحي السلاوتي.
7 فيفري: تعيين نبيل عمار وزيرا للخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بعد إقالة عثمان الجرندي.
17 مارس: تعيين كمال الفقيه وزيرا للداخلية بعد إقالة توفيق شرف الدين.
4ماي: إقالة وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نايلة نويرة القنجي.
2 أوت: إقالة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها رئيسا للحكومة.
17 أكتوبر: إقالة وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد.
النهاية البداية
مع اقتراب نهاية هذا العام الذي لم يسجل تطورات حزبية وسياسية أو أدوار تذكر تحسب للطبقة السياسية باستثناء ما يصدر عن رئيس الجمهورية من قرارات وزيارات ميدانية موجهة في إطار مراهنته على مكافحة الفساد ووضع الإصبع على مواطن الوهن والفساد الذي ينخر الدولة، إلا أن البعض من السياسيين انتفضوا من شبه الغياب" لينخرطوا في الدعاية للانخراط في الحملة الانتخابية استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة نهاية 2024 رغم أن جلهم أن لمك يكونا جميعا من المقاطعين للمسارات الانتخابية التي أعلن عنها سعيد.
تجديد هياكل
سجلت هذه السنة اختيار بعض الأحزاب والتيارات السياسية تنظيم مؤتمراتها بعضها اختار تجديد هياكله والبعض الآخر جدد الثقة في نفس قياداته وذلك وسط أجواء باهتة في ظل النفور المسجل من قبل القواعد الشعبية تجاه الأحزاب في تونس وتعمق هذه الأزمة التي وضعت كل مكونات الطبقة الحزبية والسياسية في شبه عزلة تقريبا. فيما واصل رئيس الجمهورية انتهاج سياسة المقاطعة والجفاء تجاه الأحزاب والسياسيين بما في ذلك الداعمين لمساره الذين دأب على استقبالهم في سنة 2022. وقد نزل بعض المتابعين للشأن السياسي التغييرات التي شهدتها بعض المكونات الحزبية في تونس خلال هذا العام في سياق التجديد ومحاولة التأقلم مع الواقع الدستوري لتونس وكسر الرتابة التي ساهمت في تعميق الهوة بين القيادات الحزبية والقواعد الشعبية.. فحزب العمال أعاد انتخاب حمة الهمامي أمينا عاما له في جويلية الماضي. فيما أسفر تطور الاختلاف داخل عائلة حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد عن انقسام "الوطد" إلى شقين انتخب الشق الداعم للمسار منجي الرحوي أمينا عاما له فيما انتخب الشق المعارض زياد لخضر أمينا عاما له.
فيما انتخب التيار الديمقراطي نبيل حجي رئيسا له إثر تنظيم مؤتمره الانتخابي في ماي الماضي، وكذلك الشأن بالنسبة لحزب آفاق تونس الذي انتخب منذ أسابيع قليلة ريم محجوب رئيسة له بعد استقالة الرئيس السابق للحزب محمد الفاضل عبد الكافي.
في المقابل واصلت حركة النهضة الهروب إلى الأمام في علاقة بعقد المؤتمر الانتخابي الذي طال انتظاره وتأجل في أكثر من مرة بعد أن اختار مجلس شورى الحركة تعيين العجمي الوريمي أمينا عاما للنهضة باعتبار أن رئيسها راشد الغنوشي يقضي عقوبات سجينة إلى جانب عدد آخر من قيادات الحركة.
فيما اختار الثلاثي المتكون من مشروع تونس وحراك درع الوطن والشباب البديل الانصهار في حركة أطلقوا عليها اسم "حركة حق" لتكون شكل جديد في الجسام الحزبية التي تكون قيادته ليست عمومية وإنما أفقية من خلال لجان تكون أقرب إلى مخابر بحث وتكوين وتفكير "سياسية".