إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بفضل الإعلام الجديد.. سقوط السردية الإعلامية المضلِّلة لإسرائيل والغرب

 

 

لعبت وسائل الإعلام الجديدة دورا محوريا في تحشيد الرأي العام بعيدا عن المغالطات الإسرائيلية

-----------

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

لم تعرف قضية الشعب الفلسطيني العادلة في تاريخها تضامنا من شعوب العالم مثلما حظيت به من مساندة واسعة تلقائية وشعبية عبر العالم ترجمتها المظاهرات المساندة وأشكال الدعم الشعبي للفلسطينيين هذه الأيام، تضامنا معهم حيال الاعتداءات العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة وقتل الأطفال.

     وقد عمّت هذه المظاهرات مدن العالم، بما فيها المدن الأوروبية والأمريكية، بالإضافة إلى مظاهر المساندة الثقافية بأغانٍ تضامنية بكل لغات العالم وتصريحات مساندة تجاوزت كلها الرقابة العسكرية الإسرائيلية والتعتيم الذي كانت تفرضه وسائل الإعلام الغربية المندرجة في الجوقة الإسرائيلية.

ويعود الفضل في هذا الدعم غير المسبوق، إلى وسائط التواصل الاجتماعي وتشكيلات الإعلام البديل الذي تطور وتوسع، تاركا الإعلام المُتصَهْيِن في التسلل إنها "نِهَابِدَا" (نهاية البداية ) حسب التعبير اللغوي الإدغامي المبتكر للروائية المهندسة التونسية رانيا الحمامي الذي جعلت منه عنوان روايتها الأولى الصادرة عام 2021 وأتبعتها برواية ثانية بعنوان "الفَاضَرْضِي" (كائن فضائي أرضي). وهي اشتقاقات إدغامية مثل قروسطية أو برمائية أو جغراسياسية، تؤكد حيوية اللغة العربية . وكانت هذه الروائية الكاتبة تولت تنظيم تظاهرة "كتّاب يتضامنون مع فلسطين" خلال نوفمبر ديسمبر الماضي بمدينة سوسة واندرجت في الفعاليات الثقافية التضامنية التي شهدتها المدن التونسية تضامنا مع قضية الشعب الفلسطيني وترسيخا لشعلة الصمود والمقاومة للاحتلال.

  لقد لعبت وسائل الإعلام الجديدة دورا محوريا في تحشيد الرأي العام بعيدا عن المغالطات الإسرائيلية . وتبين أن مجازر إسرائيل لا تتمثل في المجازر الدموية ضد أطفال فلسطين ونسائها فحسب، بل في المجازر ضد الحقائق التاريخية التي خلقت منها سردية مشوهة ومغالطة أصبحت مع الأيام هي السائدة عبر العالم، وخاصة تلك المتعلقة بنهاية الحرب العالمية الثانية ودور اليهود كضحايا المحرقة والهُولُوكوسْت والبُوقْرومْ التدميري لممتلكات اليهود في أوروبا في تلك الحرب التي قتل فيها ستة ملايين من اليهود هناك في غرف الغاز والمحتشدات النازية. هكذا أصبحت تلك المجازر الأوروبية محور السردية الإسرائيلية لتبرير اغتصاب واحتلال فلسطين عام 1948 . وأصبحت تلك المجازرة حقائق مقدسة لا يجوز التشكيك فيها أو مناقشتها علميا من طرف أي مؤرخ ألماني أو غيره . وكم من مؤرخ ألماني تجرّأ على مناقشة الأمر فتم إقصاؤه وحوكم وتمت محاصرته في وسائل الإعلام ومراكز البحوث الجامعية والتاريخ المعاصر حتى الموت .

   وفي خضم المعركة الإعلامية التي اندلعت على شبكة التواصل الاجتماعي بمناسبة حرب غزو غزة الجديدة لعام 2023 تحول مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي إلى رموز وأيقونات في مشهدية مقاومة الاحتلال إعلاميا ودعائيا. وأصبحت الساحة الإعلامية الجديدة مفتوحة للمواطنين المتحررين من ربْقة الدعاية الرسمية الفجّة الأوروبية والأمريكية المُتجَوِّقة مع جوْقة الدعاية الإسرائيلية، بعد أن سقطت أقنعة التعتيم وغرابيل الغربلة الإخبارية . فالمظاهرات العارمة التي شهدتها العواصم الغربية، تظهر متظاهرين مكلومين ومصابين في إنسانيّتهم وهم يشاهدون على المباشر في فيديوهات الشبكة العالمية، صور الخراب والقصف اليومي ودفن الأطفال والنساء وإسعاف الجرحي ونقل القتلى ودفنهم في مقابر جماعية بسرعة، وكأن من يدفنونهم ليسوا أهاليهم العزيزين ، بل هي قوة صبر وجلد وشجاعة الفلسطينيين . لقد أبهرت المقاومة الشعبية الفلسطينية مشاهدي المجازر الإسرائيلية فتحول الإبهار إلى تعاطف ومساندة جسمتها ألاف الفيديوهات التي تنشر وتتناقل فحواها المؤثر وتنشر الكلمات والمحتوى فيها بنفس لغة الأصل مع ضمان الترجمة الحرفية الجيدة السريعة إلى اللغة الانجليزية أو العربية في عملية اتصالية تفاعلية حولت المتلقي إلى باث في نفس الوقت، مما خلق منصات للتبادل الإعلامي التفاعلي لصحافة القرب وصحافي المواطنة.

    فهذه أغنية مؤثرة للغاية حد البكاء لفتاة أمريكية مصدومة من هول المجازر المرتكبة ضد الأطفال أمام عينيها، تندد بدعم بلادها لإسرائيل وتقول باكية بلحن حزين غاضب:" أذهب كل ليلة للنوم وأشعر بالصدمة .الاحتلال يحاول إخفاء الحقيقة. إنها إبادة جماعية . أتمني فقط أن يستطيع الطفل أن يكبر ليرى أمه . أتمنى أن أفعل أي شيء حيال القنابل التي تسقط على غزة . أتألم بشدة والله . أتعلم إلى أين تذهب الضرائب التي أدفعها؟. للقتل بدم بارد . شابة فقيرة كل ما تعرفه هو الحب. العالم تحول من العمى إلى الصمت. وأنا أقول (الحرية لفلسطين) " .

   وهذه أغنية سويدية عن فلسطين ظهرت منذ سبعينات القرن الماضي ولكنها ظلت مهمشة في الرفوف ومهملة من طرف الإعلام وقتها، حتى أفرج عنها الإعلام الجديد ورددها فأصبحت أيقونة أغاني المظاهرات عبر العالم بعيدا عن الرقابة الحكومية الأوروبية الموالية لإسرائيل .

   وهذه نائبة أيرلندية هي كلير دالي، تلقي كلمة في برلمان بلادها وتصف رئيسة المفوضية الأوروبية في بركسال الألمانية اليمينية أورسولا فان دار لاين، المساندة لإسرائيل وتقول لها واصفة إياها بأنها (سيدة الإبادة الجماعية) :" إن الاتحاد الأوروبي الذي يقول أنه معقل الديمقراطية هو يزدري في الواقع الديمقراطية . وقد قمعت لجنته التنفيذية في بروكسال عدة حكومات منتخبة إرضاء لنظام الفصل العنصري الوحشي في إسرائيل الذي تسميه أورسولا (الديمقراطية النابضة بالحياة)، وهو يسحق مدينة من الأطفال . حسنا إلاهي. مع مدافعين عن الديمقراطية مثل هؤلاء، أقول شكرا ولا حاجة لنا بمثل هذه الديمقراطية سيدة الإبادة الجماعية "

  وفي نفس مشهدية التعرية والفضح الشعبي على نطاق واسع ، ها هو نائب أخر في البرلمان البريطاني ينفجر غاضبا وينفعل ويوجه لطمة على الطاولة موجها إياها كما يقول للحكومة البريطانية، فيلقي الأوراق في الهواء فتتطاير، كما في الشارع ويتهم حكومة لندن بمساندة الإبادة الجماعية للفلسطينيين .

  وهاهو المواطن السويسري صموئيل كريستاند، يعلن دخوله في إضراب جوع مفتوح في مدينة بارن، احتجاجا على المذبحة الجماعية في غزة ويقول :"ان السويسريين صمتوا على مذبحة اليهود الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، فلا يمكن ارتكاب نفس الخطإ والصمت اليوم أمام الهولوكوست الفلسطيني . وهو مباشرة في فيديواته اليومية يتابع تزايد أعداد الأطفال الفلسطينيين القتلى كل لحظة .

كلها مشاهد يعيشها المتلقي العادي للرسالة الإعلامية الإخبارية أينما كان. وكانت في السابق يقع التعتيم عليها ببث تفاصيل السردية الرسمية الإسرائيلية التي تكون وافقت عليها الرقابة الإسرائيلية فتتلقفها أجهزة الإعلام والاتصال والدعاية والبروباغاندا الغربية الأورو أمريكية في مختلف وسائل إعلامها المكتوب والمسموع والمرئي والالكتروني، مفصلة إياها بالتحليل الباطل والتفسير المخادع والليّ العنيف لذراع الحقيقة الميدانية التي يقع التعتيم عليها . وكل من يتجرأ في قاعة التحرير ونيوز روم، على التنطع عن السردية القادمة من تل أبيب يفصل بالطرد التعسفي وتُلفّق قضايا ضده وينعت بمعاداة السامية فيصبح العيش في المشهد الإعلامي جهنم وجحيما للمتنطع الموضوعي الباحث عن الحقيقة، كما تعلمها في كلية الصحافة بباريس أو لندن أو برلين أو أوتاوا أو نيويورك .

   هكذا لم تعد تجدي نفعا المغالطات الإعلامية وخزعبلات الماكينات الإسرائيلية المتدربة على التعتيم والمغالطة والتضليل منذ عام 1948 ثم جوان 1967 ومختلف حروب الضفة وغزة.

فهذه مكونات الإعلام الجديد تفضح السياسيين في أوروبا وأمريكا وتنقل في فيديوهات لا مجال فيها لإفْكِ بني قِينْقَاعْ أو الفايْكْ نْيوزْ وبروباغندا صهيون ، بل هي تنقل تدخلات السياسيين ونواب البرلمانات والفاعلين في المجتمع الغربي، وقد ضاقت بهم السبل وأصبحوا يخطبون لغة الصراحة والضمير المستيقظ والإنسانية المسترجعة، ويتوجهون إلى قادة أوروبا المغلوبين على أمرهم، مُقَرّعين إيّاهم، ومُقزّمين تذيّلهم وانبطاحهم لإسرائيل المتغوّله عليهم حد انعدام الرجولية لدى البعض وانعدام النسوية لدى الأخريات، وفقدان مسؤولي أوروبا إنسانيتهم التي قامت عليها السردية الإنسانية والحقوقية والديمقراطية لأوروبا منذ عصر النهضة في القرن الخامس عشر.

كلها مشاهد يدوّنها الإعلام الجديد فتصيب الدعاية الإسرائيلية في مقتل. وهي بذلك تمثل "نِهابَدا" المشروع الصهيوني رغم محاولات خوارزميات هذه الوسائط الصنْصَرة الروبوتية والحد من فاعلية المحتويات عبر تجميد حسابات رؤساء تحرير، وإدْمِينْ، وإدْمِينَاتْ المواقع الناشطة. ولكن سبق السيف العذل. فقد تحررت الشبكة العنكبوتية من أخطبوط الدعاية والبروباغاندا الإسرائيلية والأورو أمريكية، دون رجعة في المدى المنظور، في انتظار جولة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته.

 

 

 

بفضل الإعلام الجديد.. سقوط السردية الإعلامية المضلِّلة لإسرائيل والغرب

 

 

لعبت وسائل الإعلام الجديدة دورا محوريا في تحشيد الرأي العام بعيدا عن المغالطات الإسرائيلية

-----------

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

لم تعرف قضية الشعب الفلسطيني العادلة في تاريخها تضامنا من شعوب العالم مثلما حظيت به من مساندة واسعة تلقائية وشعبية عبر العالم ترجمتها المظاهرات المساندة وأشكال الدعم الشعبي للفلسطينيين هذه الأيام، تضامنا معهم حيال الاعتداءات العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة وقتل الأطفال.

     وقد عمّت هذه المظاهرات مدن العالم، بما فيها المدن الأوروبية والأمريكية، بالإضافة إلى مظاهر المساندة الثقافية بأغانٍ تضامنية بكل لغات العالم وتصريحات مساندة تجاوزت كلها الرقابة العسكرية الإسرائيلية والتعتيم الذي كانت تفرضه وسائل الإعلام الغربية المندرجة في الجوقة الإسرائيلية.

ويعود الفضل في هذا الدعم غير المسبوق، إلى وسائط التواصل الاجتماعي وتشكيلات الإعلام البديل الذي تطور وتوسع، تاركا الإعلام المُتصَهْيِن في التسلل إنها "نِهَابِدَا" (نهاية البداية ) حسب التعبير اللغوي الإدغامي المبتكر للروائية المهندسة التونسية رانيا الحمامي الذي جعلت منه عنوان روايتها الأولى الصادرة عام 2021 وأتبعتها برواية ثانية بعنوان "الفَاضَرْضِي" (كائن فضائي أرضي). وهي اشتقاقات إدغامية مثل قروسطية أو برمائية أو جغراسياسية، تؤكد حيوية اللغة العربية . وكانت هذه الروائية الكاتبة تولت تنظيم تظاهرة "كتّاب يتضامنون مع فلسطين" خلال نوفمبر ديسمبر الماضي بمدينة سوسة واندرجت في الفعاليات الثقافية التضامنية التي شهدتها المدن التونسية تضامنا مع قضية الشعب الفلسطيني وترسيخا لشعلة الصمود والمقاومة للاحتلال.

  لقد لعبت وسائل الإعلام الجديدة دورا محوريا في تحشيد الرأي العام بعيدا عن المغالطات الإسرائيلية . وتبين أن مجازر إسرائيل لا تتمثل في المجازر الدموية ضد أطفال فلسطين ونسائها فحسب، بل في المجازر ضد الحقائق التاريخية التي خلقت منها سردية مشوهة ومغالطة أصبحت مع الأيام هي السائدة عبر العالم، وخاصة تلك المتعلقة بنهاية الحرب العالمية الثانية ودور اليهود كضحايا المحرقة والهُولُوكوسْت والبُوقْرومْ التدميري لممتلكات اليهود في أوروبا في تلك الحرب التي قتل فيها ستة ملايين من اليهود هناك في غرف الغاز والمحتشدات النازية. هكذا أصبحت تلك المجازر الأوروبية محور السردية الإسرائيلية لتبرير اغتصاب واحتلال فلسطين عام 1948 . وأصبحت تلك المجازرة حقائق مقدسة لا يجوز التشكيك فيها أو مناقشتها علميا من طرف أي مؤرخ ألماني أو غيره . وكم من مؤرخ ألماني تجرّأ على مناقشة الأمر فتم إقصاؤه وحوكم وتمت محاصرته في وسائل الإعلام ومراكز البحوث الجامعية والتاريخ المعاصر حتى الموت .

   وفي خضم المعركة الإعلامية التي اندلعت على شبكة التواصل الاجتماعي بمناسبة حرب غزو غزة الجديدة لعام 2023 تحول مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي إلى رموز وأيقونات في مشهدية مقاومة الاحتلال إعلاميا ودعائيا. وأصبحت الساحة الإعلامية الجديدة مفتوحة للمواطنين المتحررين من ربْقة الدعاية الرسمية الفجّة الأوروبية والأمريكية المُتجَوِّقة مع جوْقة الدعاية الإسرائيلية، بعد أن سقطت أقنعة التعتيم وغرابيل الغربلة الإخبارية . فالمظاهرات العارمة التي شهدتها العواصم الغربية، تظهر متظاهرين مكلومين ومصابين في إنسانيّتهم وهم يشاهدون على المباشر في فيديوهات الشبكة العالمية، صور الخراب والقصف اليومي ودفن الأطفال والنساء وإسعاف الجرحي ونقل القتلى ودفنهم في مقابر جماعية بسرعة، وكأن من يدفنونهم ليسوا أهاليهم العزيزين ، بل هي قوة صبر وجلد وشجاعة الفلسطينيين . لقد أبهرت المقاومة الشعبية الفلسطينية مشاهدي المجازر الإسرائيلية فتحول الإبهار إلى تعاطف ومساندة جسمتها ألاف الفيديوهات التي تنشر وتتناقل فحواها المؤثر وتنشر الكلمات والمحتوى فيها بنفس لغة الأصل مع ضمان الترجمة الحرفية الجيدة السريعة إلى اللغة الانجليزية أو العربية في عملية اتصالية تفاعلية حولت المتلقي إلى باث في نفس الوقت، مما خلق منصات للتبادل الإعلامي التفاعلي لصحافة القرب وصحافي المواطنة.

    فهذه أغنية مؤثرة للغاية حد البكاء لفتاة أمريكية مصدومة من هول المجازر المرتكبة ضد الأطفال أمام عينيها، تندد بدعم بلادها لإسرائيل وتقول باكية بلحن حزين غاضب:" أذهب كل ليلة للنوم وأشعر بالصدمة .الاحتلال يحاول إخفاء الحقيقة. إنها إبادة جماعية . أتمني فقط أن يستطيع الطفل أن يكبر ليرى أمه . أتمنى أن أفعل أي شيء حيال القنابل التي تسقط على غزة . أتألم بشدة والله . أتعلم إلى أين تذهب الضرائب التي أدفعها؟. للقتل بدم بارد . شابة فقيرة كل ما تعرفه هو الحب. العالم تحول من العمى إلى الصمت. وأنا أقول (الحرية لفلسطين) " .

   وهذه أغنية سويدية عن فلسطين ظهرت منذ سبعينات القرن الماضي ولكنها ظلت مهمشة في الرفوف ومهملة من طرف الإعلام وقتها، حتى أفرج عنها الإعلام الجديد ورددها فأصبحت أيقونة أغاني المظاهرات عبر العالم بعيدا عن الرقابة الحكومية الأوروبية الموالية لإسرائيل .

   وهذه نائبة أيرلندية هي كلير دالي، تلقي كلمة في برلمان بلادها وتصف رئيسة المفوضية الأوروبية في بركسال الألمانية اليمينية أورسولا فان دار لاين، المساندة لإسرائيل وتقول لها واصفة إياها بأنها (سيدة الإبادة الجماعية) :" إن الاتحاد الأوروبي الذي يقول أنه معقل الديمقراطية هو يزدري في الواقع الديمقراطية . وقد قمعت لجنته التنفيذية في بروكسال عدة حكومات منتخبة إرضاء لنظام الفصل العنصري الوحشي في إسرائيل الذي تسميه أورسولا (الديمقراطية النابضة بالحياة)، وهو يسحق مدينة من الأطفال . حسنا إلاهي. مع مدافعين عن الديمقراطية مثل هؤلاء، أقول شكرا ولا حاجة لنا بمثل هذه الديمقراطية سيدة الإبادة الجماعية "

  وفي نفس مشهدية التعرية والفضح الشعبي على نطاق واسع ، ها هو نائب أخر في البرلمان البريطاني ينفجر غاضبا وينفعل ويوجه لطمة على الطاولة موجها إياها كما يقول للحكومة البريطانية، فيلقي الأوراق في الهواء فتتطاير، كما في الشارع ويتهم حكومة لندن بمساندة الإبادة الجماعية للفلسطينيين .

  وهاهو المواطن السويسري صموئيل كريستاند، يعلن دخوله في إضراب جوع مفتوح في مدينة بارن، احتجاجا على المذبحة الجماعية في غزة ويقول :"ان السويسريين صمتوا على مذبحة اليهود الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، فلا يمكن ارتكاب نفس الخطإ والصمت اليوم أمام الهولوكوست الفلسطيني . وهو مباشرة في فيديواته اليومية يتابع تزايد أعداد الأطفال الفلسطينيين القتلى كل لحظة .

كلها مشاهد يعيشها المتلقي العادي للرسالة الإعلامية الإخبارية أينما كان. وكانت في السابق يقع التعتيم عليها ببث تفاصيل السردية الرسمية الإسرائيلية التي تكون وافقت عليها الرقابة الإسرائيلية فتتلقفها أجهزة الإعلام والاتصال والدعاية والبروباغاندا الغربية الأورو أمريكية في مختلف وسائل إعلامها المكتوب والمسموع والمرئي والالكتروني، مفصلة إياها بالتحليل الباطل والتفسير المخادع والليّ العنيف لذراع الحقيقة الميدانية التي يقع التعتيم عليها . وكل من يتجرأ في قاعة التحرير ونيوز روم، على التنطع عن السردية القادمة من تل أبيب يفصل بالطرد التعسفي وتُلفّق قضايا ضده وينعت بمعاداة السامية فيصبح العيش في المشهد الإعلامي جهنم وجحيما للمتنطع الموضوعي الباحث عن الحقيقة، كما تعلمها في كلية الصحافة بباريس أو لندن أو برلين أو أوتاوا أو نيويورك .

   هكذا لم تعد تجدي نفعا المغالطات الإعلامية وخزعبلات الماكينات الإسرائيلية المتدربة على التعتيم والمغالطة والتضليل منذ عام 1948 ثم جوان 1967 ومختلف حروب الضفة وغزة.

فهذه مكونات الإعلام الجديد تفضح السياسيين في أوروبا وأمريكا وتنقل في فيديوهات لا مجال فيها لإفْكِ بني قِينْقَاعْ أو الفايْكْ نْيوزْ وبروباغندا صهيون ، بل هي تنقل تدخلات السياسيين ونواب البرلمانات والفاعلين في المجتمع الغربي، وقد ضاقت بهم السبل وأصبحوا يخطبون لغة الصراحة والضمير المستيقظ والإنسانية المسترجعة، ويتوجهون إلى قادة أوروبا المغلوبين على أمرهم، مُقَرّعين إيّاهم، ومُقزّمين تذيّلهم وانبطاحهم لإسرائيل المتغوّله عليهم حد انعدام الرجولية لدى البعض وانعدام النسوية لدى الأخريات، وفقدان مسؤولي أوروبا إنسانيتهم التي قامت عليها السردية الإنسانية والحقوقية والديمقراطية لأوروبا منذ عصر النهضة في القرن الخامس عشر.

كلها مشاهد يدوّنها الإعلام الجديد فتصيب الدعاية الإسرائيلية في مقتل. وهي بذلك تمثل "نِهابَدا" المشروع الصهيوني رغم محاولات خوارزميات هذه الوسائط الصنْصَرة الروبوتية والحد من فاعلية المحتويات عبر تجميد حسابات رؤساء تحرير، وإدْمِينْ، وإدْمِينَاتْ المواقع الناشطة. ولكن سبق السيف العذل. فقد تحررت الشبكة العنكبوتية من أخطبوط الدعاية والبروباغاندا الإسرائيلية والأورو أمريكية، دون رجعة في المدى المنظور، في انتظار جولة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته.