أكثر ما يدمر المجتمعات هو الغباء . إن الغباء الهائل في الأمور السياسية ، هائل لأنه مقبول بشكل عام ، يبدأ كل تدمير للذات بالديماغوجية وهتافات الجماهير وابتسامات رجال الحاشية . ما من قوة تحرم نفسها من منصب، وما من قوة تكتفي بعدم القيام بأي شيء. كل شخص لديه حله الخاص، له مصلحته ، يمكن نفسه من حمايته الخاصة. إن الدول لا تنهار شيئاً فشيئا ، بعد أن يقوضها الانحطاط الطويل ، بل على العكس من ذلك، فإن الدول المنحطة تسير من البداية إلى البداية لنهايتها . هذا هو المشكل الحقيقي ..! لا اخطر على دولة او امة او شعب من ان تتكرّس عقلية عدم الخوف من العقاب ، او التتبّع سواء لرغبة انتقام او تمرّد او حتى بفضل حماية سلطة او مجموعة او نقابة او حركة سياسية او حزب او شخصيات نافذة . بهذه العقلية تعمّ الفوضى والتجاوزات والبلطجة .. إضافة الى ضعف الدولة وخوفها من انفلات الأمور .. لن تتوقّف الكوارث والمصائب مادام يوجد من يحمي من يضرّ بالناس وبالوطن . إن ما دمرته هذه الفوضى في تونس حقاً هو الشعور الذي كان راود الكثير طوال عقود مضت وهم يرون قيام دولة وطنية متطورة يعم الرخاء شعبها أمر ممكن . إنه شعور بالتضحية بقسوة يوم غاب العقل والحكمة عن هذا البلد ليواجه مصيره في مواجهة ظلام زاحف في فصل شتاء عام 2011 . خرج من خططوا لهذه المواجهة أقوياء إلى حد كبير، و مدّوا نفوذهم على البلاد ، بما زاد من انقسام المجتمع وتكاثرت التهديدات عليه . إذا كنت تريد تدمير بلد ما، فلا داعي لشن حرب دموية يمكن أن تستمر لعقود من الزمن وتكلف أرواح بشرية باهظة. يكفي تدمير نظامها التعليمي ونشر الفساد فيها . ثم عليك أن تنتظر عشر او عشرين سنة ، وسيكون لديك بلد مكون من الجهلة ويديره اللصوص. سيكون من السهل جدًا عليك هزيمتهم. يموت المرضى لأنهم لم يجدوا علاجا او بسبب دواء مفقود او حتى على أيدي أطباء محتالين وفاسدين. تنهار الجسور والطرق والمنشآت لأنه بناها مهندسون معماريون ومقاولون محتالون وفاسدون . النظام الاقتصادي للبلاد وثرواتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي سوف تذوب مثل الثلج، كما سيتعاظم دينها وارتهانها للخارج ، لأنه في أيدي الاقتصاديين والسياسيين والمستثمرين ورجال الأعمال الجهلة والمتوسطين والمحتالين والفاسدين . من من يريد أن يدمر او يغتال شعبا او امة يستهدفها في روحها و يدمر نفسها ويدنسها . يستدعي خرابنا الذي نعيش إعادة استحضار فكر ابن خلدون ونظريته لقيام العمران البشري وسقوط الدول والأمم . فهو يؤكد انه بقدر ما تكون "العصبية" مسؤولة عن النهوض والديمومة ، فإنها أيضا السبب الأبرز للسقوط والانحدار بالنسبة للدول . فانهيار الدولة أو انحلالها أو سقوطها هو الفشل الكامل لنمط ًحكم داخل دولة ذات سيادة . وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى دولة فاشلة . كما يتّجه مفكرون وفلاسفة آخرون الى الموقف بأن انهيار المسؤولية الفردية، أي عدم إحساس الفرد بمسؤوليته تجاه المجتمع، من أهم أسباب انهيار الدول والمجتمعات . كل ثورات العالم أدت الى تعزيز الدولة وتعظيم مكانتها ،الاّ في تونس أدت الى خرابها !.
أبو بكر الصغير
أكثر ما يدمر المجتمعات هو الغباء . إن الغباء الهائل في الأمور السياسية ، هائل لأنه مقبول بشكل عام ، يبدأ كل تدمير للذات بالديماغوجية وهتافات الجماهير وابتسامات رجال الحاشية . ما من قوة تحرم نفسها من منصب، وما من قوة تكتفي بعدم القيام بأي شيء. كل شخص لديه حله الخاص، له مصلحته ، يمكن نفسه من حمايته الخاصة. إن الدول لا تنهار شيئاً فشيئا ، بعد أن يقوضها الانحطاط الطويل ، بل على العكس من ذلك، فإن الدول المنحطة تسير من البداية إلى البداية لنهايتها . هذا هو المشكل الحقيقي ..! لا اخطر على دولة او امة او شعب من ان تتكرّس عقلية عدم الخوف من العقاب ، او التتبّع سواء لرغبة انتقام او تمرّد او حتى بفضل حماية سلطة او مجموعة او نقابة او حركة سياسية او حزب او شخصيات نافذة . بهذه العقلية تعمّ الفوضى والتجاوزات والبلطجة .. إضافة الى ضعف الدولة وخوفها من انفلات الأمور .. لن تتوقّف الكوارث والمصائب مادام يوجد من يحمي من يضرّ بالناس وبالوطن . إن ما دمرته هذه الفوضى في تونس حقاً هو الشعور الذي كان راود الكثير طوال عقود مضت وهم يرون قيام دولة وطنية متطورة يعم الرخاء شعبها أمر ممكن . إنه شعور بالتضحية بقسوة يوم غاب العقل والحكمة عن هذا البلد ليواجه مصيره في مواجهة ظلام زاحف في فصل شتاء عام 2011 . خرج من خططوا لهذه المواجهة أقوياء إلى حد كبير، و مدّوا نفوذهم على البلاد ، بما زاد من انقسام المجتمع وتكاثرت التهديدات عليه . إذا كنت تريد تدمير بلد ما، فلا داعي لشن حرب دموية يمكن أن تستمر لعقود من الزمن وتكلف أرواح بشرية باهظة. يكفي تدمير نظامها التعليمي ونشر الفساد فيها . ثم عليك أن تنتظر عشر او عشرين سنة ، وسيكون لديك بلد مكون من الجهلة ويديره اللصوص. سيكون من السهل جدًا عليك هزيمتهم. يموت المرضى لأنهم لم يجدوا علاجا او بسبب دواء مفقود او حتى على أيدي أطباء محتالين وفاسدين. تنهار الجسور والطرق والمنشآت لأنه بناها مهندسون معماريون ومقاولون محتالون وفاسدون . النظام الاقتصادي للبلاد وثرواتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي سوف تذوب مثل الثلج، كما سيتعاظم دينها وارتهانها للخارج ، لأنه في أيدي الاقتصاديين والسياسيين والمستثمرين ورجال الأعمال الجهلة والمتوسطين والمحتالين والفاسدين . من من يريد أن يدمر او يغتال شعبا او امة يستهدفها في روحها و يدمر نفسها ويدنسها . يستدعي خرابنا الذي نعيش إعادة استحضار فكر ابن خلدون ونظريته لقيام العمران البشري وسقوط الدول والأمم . فهو يؤكد انه بقدر ما تكون "العصبية" مسؤولة عن النهوض والديمومة ، فإنها أيضا السبب الأبرز للسقوط والانحدار بالنسبة للدول . فانهيار الدولة أو انحلالها أو سقوطها هو الفشل الكامل لنمط ًحكم داخل دولة ذات سيادة . وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى دولة فاشلة . كما يتّجه مفكرون وفلاسفة آخرون الى الموقف بأن انهيار المسؤولية الفردية، أي عدم إحساس الفرد بمسؤوليته تجاه المجتمع، من أهم أسباب انهيار الدول والمجتمعات . كل ثورات العالم أدت الى تعزيز الدولة وتعظيم مكانتها ،الاّ في تونس أدت الى خرابها !.