إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ما فرحنا بالمقاومة حقّ إنجازها

 

بقلم:مصدّق الشّريف

 إنّنا نشعر بالذهول والحيرة الكبيرتين. تسيطر الأسئلة على ذهننا ونحن نتابع حلقات الهدنة الواحدة بعد الأخرى وتبادل الأسرى سواء من قبل المقاومة أو من جانب الكيان المحتلّ.

نتلقى منذ بداية معركة طوفان الأقصى كلّ يوم، بل كلّ ساعة، زخما كبيرا من الأخبار التي تؤكد انتصار المقاومة على الغاصب المحتلّ. ويكاد يكون الطوفان الضربة القاضية على الأكذوبة الكبرى التي كانت تردّدها القوات الحربية الصهيونية بأنها قوة لا تقهر ولا تهزم أبدا وأنّ المقاومة الوطنية الفلسطينية والقضية الفلسطينية سيدخلان طيّ النسيان. ومع تقدّم أيام الحرب على غزة خاصة وسقوط العدد المهول من الشهداء بآلات الحرب الجهنمية واختراق القوانين الدولية بانتهاك المقدسات والمستشفيات وتهديم المنازل وقطع عصب حياة على الفلسطينيّين من أدوية وماء وغذاء انقلب موقف الرأي العام الدولي رأسا على عقب وخرج الناس في مظاهرات واحتجاجات وتصريحات وخطب وتدوينات ليستنكروا وحشية العدوان على شعب أعزل وتقتيله. وأعلنت منظمات وجمعيات عبر وسائل الإعلام عن رفضها ما تتعرض له غزة والأراضي الفلسطينية من إبادة لم يشهد لها العالم مثيلا فاقت في ضراوتها وبشاعتها الحرب في هيروشيما الفيتنام وفي كثير من المستعمرات في القرن الماضي. ومع مرور الأيام اكتسحت رقعة التنديد بما قامت به إسرائيل المجرمة من فبركة حول ما يجري في ساحة القتال مع المقاومة وخلق أكاذيب وافتراءات وسائل التواصل الاجتماعي. وحين فشل الكيان في ترويج أكاذيبه وإقناع العالم بأن حماس منظمة إرهابية وحشية عمد إلى محاصرة الصحافيين والتنكيل بهم إلى أن طوعت له نفسه المجنونة قتلهم وقتل عائلاتهم.

ولكن بقدر ما تعاظمت الأساليب اللاّإنسانيّة الخسيسة التي اعتمدها المحتلّ بقدر ما ازدادت النّقمة عليه فارتفع عدد المظاهرات والاحتجاجات ضدّه لا في الدّول العربية فقط بل في كلّ أنحاء المعمورة وبذلك أصبحت إسرائيل معزولة عن العالم يشار إليها وإلى رئيس وزرائها وحكومته بالبنان وبأنّهم قتلة ومجرمو حرب. وبقدر ما كانت صورة المحتلّ قبيحة إجراميّة بقدر ما شهد العالم بأسره للمقاومة الفلسطينيّة بأحقّيتها في الدّفاع عن كيانها وهويّتها واسترجاع أراضيها المحتلّة وحُيّي فيها أيضا نُبل أخلاقها وعلوّ همّتها وعمق مشاعرها الانسانيّة بشهادة الأسرى والأسيرات الذين كانوا في حوزتها تحت ربقتها. لقد شهد الأسرى أنّهم تلقّوا العناية الكاملة من أكل ومداواة وحسن معاملة من قبل رجال المقاومة مقابل المعاملة الوحشيّة للأسرى والأسيرات الفلسطينيّين التي كانت بادية على وجوههم من الضّرب والاغتصاب والتّجويع.

لقد انتصرت المقاومة على المستوى العسكري وعلى المستوى الميداني فهي لم تغالط شعبها. وأبدت خبرة فائقة في إدارة المفاوضات مع الكيان المحتلّ لتحرير الأسرى من الجانبين. وأصرّت إصرارا ثابتا على ألاّ يفاوض أحد من ورائها أو نيابة عنها. وشدّدت على أنّ بوصلتها الوحيدة هي مصلحة الشعب الفلسطيني والوفاء اللاّمحدود واللاّمشروط لدماء الشّهداء في كلّ بقعة من فلسطين المحتلّة. وبيّنت المقاومة الفلسطينيّة بمختلف مشاربها السياسيّة أنّها اليوم يد واحدة ضدّ الغاصب المحتلّ. كلّ هذه الانتصارات حرّرت العالم العربي من الشّعور بالدّونيّة والإهانة منذ عقود خلت وعلّمت القاصي والدّاني أهميّة الشّرف والدّفاع عنه وعن السيادة الوطنيّة واستقلال قراره، وهي لعمري من المطالب الحقيقيّة التي تقوم عليها الحياة وأسّ من أساس نبضها بعيدا عن مفهوم الحياة عند الكثيرين الذي لا يتعدّى التّمتع بملذّات الحياة وطيب العيش ولو على حساب العزّة والإيباء. ولكنّنا لم نجد لهذه الانتصارات أصداء في أغلب الإعلام العربي والطبقة السياسيّة والنّخب. لم تبارك جميعها ولم تفاخر بما يليق بما أنجزته المقاومة وبالشعب الفلسطيني. لم نجد في أغلب الحالات إلاّ الازدراء والمرور على انتصارات الفلسطينيّين مرور الكرام. في حين أنّها إلى اليوم لا تفتأ تبكي على ما منيت به الأمة العربيّة في حرب 5 جوان 1967. ولا نفتأ نحن أيضا نجلد أنفسنا ونتألم على ما أصابنا ولحقنا من هزيمة/نكسة نكراء. وهنا نتساءل هل فقدنا الثقة في أنفسنا إلى الأبد وتشرّبنا عدم جدارتنا بالانتصار وكأنّ الهزيمة قدرنا؟ أم هل الاعلام الغربي المعادي لطموحات الأمة العربية والصّهيوني المتربّص بها وسلطة قرارهما السياسية حرّمت على الإعلام العربي التعبير عن فرحة الانتصار التي ستغيّر وجه الخريطة الجغراسياسيّة كما حرّمت الاحتفالات على أهالي الأسرى أحبّ من أحبّ وكره من كره بعد 7 أكتوبر2023؟ إذ لا شكّ أنّ هذا التاريخ العظيم سيغيّر مجرى التاريخ لاسيما في المنطقة العربية.

وعلى العموم فإن الكثير من النخب والاعلاميات والإعلاميين لم يكونوا في مستوى الحدث وما قدروا 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من أيام وأسابيع حقّ قدرها. لقد زلزلت الأرض زلزالها وأقيمت الدنيا ولم تقعد، ولكنّ من يعتبرون أنفسهم من صفوة القوم ولهم باع ولا يشق لهم غبار في دنيا الاعلام والسياسة وحقوق الانسان هم بحق خارج التاريخ الجغرافيا إزاء ما يقع في غزّة. إنهم لم يتغيروا، لم يحاولوا إنقاذ ما يجب إنقاذه من مواقفهم الباردة والغائبة تماما عن ساحة غزة وساحات فلسطين المحتلة في حين انتفضت الشعوب في أمريكا وفي الغرب وفي آسيا وتغيرت المواقف والآراء والتصريحات رأسا على عقب فمنهم من تبرأ من الصهيونية وقد كان من دعاتها وأنصارها وهناك من انسحب من الكونغرس الأمريكي ليقيم اضراب جوع أمام مقره وهناك من ألّف ولحّن وأنشد أغاني مناصرة للقضية الفلسطينية وقدّم تحايا الإجلال والتقدير للمقاومة ولشغب غزة الأبيّ.

 

 

 

 

ما فرحنا بالمقاومة حقّ إنجازها

 

بقلم:مصدّق الشّريف

 إنّنا نشعر بالذهول والحيرة الكبيرتين. تسيطر الأسئلة على ذهننا ونحن نتابع حلقات الهدنة الواحدة بعد الأخرى وتبادل الأسرى سواء من قبل المقاومة أو من جانب الكيان المحتلّ.

نتلقى منذ بداية معركة طوفان الأقصى كلّ يوم، بل كلّ ساعة، زخما كبيرا من الأخبار التي تؤكد انتصار المقاومة على الغاصب المحتلّ. ويكاد يكون الطوفان الضربة القاضية على الأكذوبة الكبرى التي كانت تردّدها القوات الحربية الصهيونية بأنها قوة لا تقهر ولا تهزم أبدا وأنّ المقاومة الوطنية الفلسطينية والقضية الفلسطينية سيدخلان طيّ النسيان. ومع تقدّم أيام الحرب على غزة خاصة وسقوط العدد المهول من الشهداء بآلات الحرب الجهنمية واختراق القوانين الدولية بانتهاك المقدسات والمستشفيات وتهديم المنازل وقطع عصب حياة على الفلسطينيّين من أدوية وماء وغذاء انقلب موقف الرأي العام الدولي رأسا على عقب وخرج الناس في مظاهرات واحتجاجات وتصريحات وخطب وتدوينات ليستنكروا وحشية العدوان على شعب أعزل وتقتيله. وأعلنت منظمات وجمعيات عبر وسائل الإعلام عن رفضها ما تتعرض له غزة والأراضي الفلسطينية من إبادة لم يشهد لها العالم مثيلا فاقت في ضراوتها وبشاعتها الحرب في هيروشيما الفيتنام وفي كثير من المستعمرات في القرن الماضي. ومع مرور الأيام اكتسحت رقعة التنديد بما قامت به إسرائيل المجرمة من فبركة حول ما يجري في ساحة القتال مع المقاومة وخلق أكاذيب وافتراءات وسائل التواصل الاجتماعي. وحين فشل الكيان في ترويج أكاذيبه وإقناع العالم بأن حماس منظمة إرهابية وحشية عمد إلى محاصرة الصحافيين والتنكيل بهم إلى أن طوعت له نفسه المجنونة قتلهم وقتل عائلاتهم.

ولكن بقدر ما تعاظمت الأساليب اللاّإنسانيّة الخسيسة التي اعتمدها المحتلّ بقدر ما ازدادت النّقمة عليه فارتفع عدد المظاهرات والاحتجاجات ضدّه لا في الدّول العربية فقط بل في كلّ أنحاء المعمورة وبذلك أصبحت إسرائيل معزولة عن العالم يشار إليها وإلى رئيس وزرائها وحكومته بالبنان وبأنّهم قتلة ومجرمو حرب. وبقدر ما كانت صورة المحتلّ قبيحة إجراميّة بقدر ما شهد العالم بأسره للمقاومة الفلسطينيّة بأحقّيتها في الدّفاع عن كيانها وهويّتها واسترجاع أراضيها المحتلّة وحُيّي فيها أيضا نُبل أخلاقها وعلوّ همّتها وعمق مشاعرها الانسانيّة بشهادة الأسرى والأسيرات الذين كانوا في حوزتها تحت ربقتها. لقد شهد الأسرى أنّهم تلقّوا العناية الكاملة من أكل ومداواة وحسن معاملة من قبل رجال المقاومة مقابل المعاملة الوحشيّة للأسرى والأسيرات الفلسطينيّين التي كانت بادية على وجوههم من الضّرب والاغتصاب والتّجويع.

لقد انتصرت المقاومة على المستوى العسكري وعلى المستوى الميداني فهي لم تغالط شعبها. وأبدت خبرة فائقة في إدارة المفاوضات مع الكيان المحتلّ لتحرير الأسرى من الجانبين. وأصرّت إصرارا ثابتا على ألاّ يفاوض أحد من ورائها أو نيابة عنها. وشدّدت على أنّ بوصلتها الوحيدة هي مصلحة الشعب الفلسطيني والوفاء اللاّمحدود واللاّمشروط لدماء الشّهداء في كلّ بقعة من فلسطين المحتلّة. وبيّنت المقاومة الفلسطينيّة بمختلف مشاربها السياسيّة أنّها اليوم يد واحدة ضدّ الغاصب المحتلّ. كلّ هذه الانتصارات حرّرت العالم العربي من الشّعور بالدّونيّة والإهانة منذ عقود خلت وعلّمت القاصي والدّاني أهميّة الشّرف والدّفاع عنه وعن السيادة الوطنيّة واستقلال قراره، وهي لعمري من المطالب الحقيقيّة التي تقوم عليها الحياة وأسّ من أساس نبضها بعيدا عن مفهوم الحياة عند الكثيرين الذي لا يتعدّى التّمتع بملذّات الحياة وطيب العيش ولو على حساب العزّة والإيباء. ولكنّنا لم نجد لهذه الانتصارات أصداء في أغلب الإعلام العربي والطبقة السياسيّة والنّخب. لم تبارك جميعها ولم تفاخر بما يليق بما أنجزته المقاومة وبالشعب الفلسطيني. لم نجد في أغلب الحالات إلاّ الازدراء والمرور على انتصارات الفلسطينيّين مرور الكرام. في حين أنّها إلى اليوم لا تفتأ تبكي على ما منيت به الأمة العربيّة في حرب 5 جوان 1967. ولا نفتأ نحن أيضا نجلد أنفسنا ونتألم على ما أصابنا ولحقنا من هزيمة/نكسة نكراء. وهنا نتساءل هل فقدنا الثقة في أنفسنا إلى الأبد وتشرّبنا عدم جدارتنا بالانتصار وكأنّ الهزيمة قدرنا؟ أم هل الاعلام الغربي المعادي لطموحات الأمة العربية والصّهيوني المتربّص بها وسلطة قرارهما السياسية حرّمت على الإعلام العربي التعبير عن فرحة الانتصار التي ستغيّر وجه الخريطة الجغراسياسيّة كما حرّمت الاحتفالات على أهالي الأسرى أحبّ من أحبّ وكره من كره بعد 7 أكتوبر2023؟ إذ لا شكّ أنّ هذا التاريخ العظيم سيغيّر مجرى التاريخ لاسيما في المنطقة العربية.

وعلى العموم فإن الكثير من النخب والاعلاميات والإعلاميين لم يكونوا في مستوى الحدث وما قدروا 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من أيام وأسابيع حقّ قدرها. لقد زلزلت الأرض زلزالها وأقيمت الدنيا ولم تقعد، ولكنّ من يعتبرون أنفسهم من صفوة القوم ولهم باع ولا يشق لهم غبار في دنيا الاعلام والسياسة وحقوق الانسان هم بحق خارج التاريخ الجغرافيا إزاء ما يقع في غزّة. إنهم لم يتغيروا، لم يحاولوا إنقاذ ما يجب إنقاذه من مواقفهم الباردة والغائبة تماما عن ساحة غزة وساحات فلسطين المحتلة في حين انتفضت الشعوب في أمريكا وفي الغرب وفي آسيا وتغيرت المواقف والآراء والتصريحات رأسا على عقب فمنهم من تبرأ من الصهيونية وقد كان من دعاتها وأنصارها وهناك من انسحب من الكونغرس الأمريكي ليقيم اضراب جوع أمام مقره وهناك من ألّف ولحّن وأنشد أغاني مناصرة للقضية الفلسطينية وقدّم تحايا الإجلال والتقدير للمقاومة ولشغب غزة الأبيّ.