تستعمل إسرائيل كل أساليب التضليل الإعلامي وتقنيات التعتيم والمغالطة والكذب والتجويق مستفيدة من جوقة شبكات الإعلام والاتصال التي تتضامن معها
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
الصور والأخبار القادمة من فلسطين المحتلة ومن قطاع غزة المحاصر، تكشف الانتهاكات الكبرى التي تقوم بها إسرائيل ضد السكان المدنيين عبر القصف الجوي والحصار الغذائي والطبي والكهربائي، الذي يمثل شكلا عصريا من أشكال المحرقة التي تعرض لها اليهود في العالم خلال الحرب العالمية الثانية على أيدي النازيين . ولكن النازيين الجدد من الإسرائيليين، تحولوا حسب المؤرخين الموضوعيين، من ضحية أوروبا إلى جلادي الشرق الأوسط يسومون شعب فلسطين سوء العذاب وصنوفه ويذبحون أبناءه.
وفي خضم تلك المحرقة المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن، دأبت إسرائيل في تعاملها مع الإعلام على فرض الرقابة العسكرية المسبقة على الأخبار والأفكار وملاحقة الصحافيين لديها الذين يعيشون قسرا في عالم مغلق تحكمه الرقابة العسكرية لجنرالات الجيش الذين يتحكمون في كل ما ينشر ويبث عبر مختلف وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو الالكترونية . وهو تقليد ساري المفعول في منظومة الحكم في تل أبيب القائمة على الهاجس الأمني الذي جعلت منه إسرائيل ذريعة تصادر فيها الحقوق الأساسية للإنسان في حرية التعبير. وهي بذلك تتجاوز وضع الإعلام الرديء المدجّن، كما في أعتى الديكتاتوريات في الشرق والغرب، رغم المساحيق التجميلية وحقن السيليكون وشفط الدهون السياسية خوف الترهل ، التي تعمد إليها إدارة البروباغندا الإسرائيلية المستوحاة من تقنيات أب الدعاية النازية الألماني جوزاف غوبلز الذي يقول "اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون". وقد استنسخت منه نظائر إسرائيلية عديدة منذ قيام كيان إسرائيل عام 1948. وهي ممارسات تنبع من عقيدة استعمارية استيطانية للكيان الصهيوني تجاوزت في ذلك كيان الميز العنصري في جنوب إفريقيا الذي اضمحل منذ سنوات. وفي نظر كثير من الدراسات فإنه لم يبق في العالم من كيان سياسي قائم على التمييز الديني والعرقي وعلى الميز العنصري "أبارتهايد"، غير الكيان الإسرائيلي .
الإعلام في مرمي الجيش الإسرائيلي
وتستعمل إسرائيل على مدى حكوماتها المتعاقبة كل أساليب التضليل الإعلامي وتقنيات التعتيم والمغالطة والكذب والتجويق مستفيدة من جوقة شبكات الإعلام والاتصال التي تتضامن معها على مدى العام وخاصة وقت الشدائد وحروبها مع جيرانها حيث تهب وسائل الإعلام عن بكرة أبيها في أمريكا وأوروبا للدفاع عن إسرائيل ظالمة أو مظلومة وعن حقها في "الدفاع عن نفسها" بالقتل والتهجير للسكان وباغتيال الصحفيين الفلسطينيين لإسكات أصواتهم الحاملة لكلمات الحرية والحقيقة . وفي كل الحروب والنزاعات والاعتداءات التي شنتها إسرائيل على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو جنوب لبنان، كان الصحافيون من أول ضحايا التقتيل الإسرائيلي الممنهج. وكم مرة قصفت إسرائيل بصفة متعمدة أبراجا سكنية وعمارات مدنية أو مناطق يتواجد فيها صحافيون ناقلون للحقيقة وشاهدون علي الفظاعات الإسرائيلية. وعادة ما تتم عملية قتل الصحافيين بكل برودة دم وكل تشف سادي يعكس الشماتة الإسرائيلية المرضية التي عادة ما تردد زعما ونفاقا، أنها وجهت التحذيرات للصحافيين بمغادرة المكان أو عدم الاقتراب من مسرح العمليات ، كما تفيد بذلك تقارير المنظمات الدولية لحماية الصحفيين عبر العالم التي تكتفي بإصدار بيان تنديد "تعبر فيه عن قلقها وتدعو طرفي النزاع إلي ضبط النفس وتفادي العنف للجانبين".
اغتيال صحفية فلسطينية على المباشر:شيرين ابو عاقلة
لقد وقف العالم مشدوها دون أن يقدر على النقد أو التنديد الحازم لأن لسانه مقطوع وهو يشاهد على المباشر مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة وكيف نكلت القوات الإسرائيلية بجثتها وبموكب دفنها في مشهد كان يبث مباشرة على التلفزيونات في العالم وعكس ذلك الوحشية وانتفاء الإنسانية من جنود الاحتلال المسعورين.
لقد شاهد العالم في السنة الفارطة 2022 ، بكل حسرة وألم وعجز مباشرة على الفضائيات مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي كانت تعمل لدى قناة الجزيرة، وقد اغتيلت في صباح الحادي عشر من ماي 2022 على يدِ قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها لاقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين في الضفة الغربية. وقد أُصيبت برصاصة مباشِرة في رأسها، ونُقِلَت إلى مستشفى ابن سينا التخصّصي حيث أُعلن عن وفاتها. وشاهد الجميع أنَ شيرين كانت ترتدي سترة الصحافة المعروفة لدى الجميع . ورغم ذلك فقد استُهدفت من قِبل جيش الاحتلال، الذي لا يعير أية أهمية للقوانين والأعراف الدولية.
وبثت التلفزيونات في العالم فيديو يُظهر لحظة ما بعد إصابة شيرين، حيثُ ظهرت فيه ملقاة على الأرض وسطَ أصوات إطلاق نيران من قِبل جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي على مقربةٍ من زميلتها الصحفيّة شذا حنايشة. وشاهد النظارة كل ذلك في الفيديو الذي أظهر لاحقًا أنَّ جيش الاحتلال تعمَّد قتلَ طاقم القناة باعتباره انتظر وصول هذا الطاقم الإعلامي لمنطقة مفتوحة وبدأ بإطلاق النار بشكل مكثف، رغم أنَّ المنطقة التي كان فيها الطاقمُ الصحفيّ لم تشهد إطلاق نار من فلسطينيين هناك. كما أكدت شذا مرافقة شيرين في نفس مكان الاغتيال أن قوات الاحتلال منعت وصول سيارات الإسعاف لأجل إنقاذ شيرين . وأُصيب في نفس العملية الصحفي بمكتب الجزيرة علي سمودي الذي رافقَ شيرين لحظة اغتيالها. وقد تلقَّى من جهته رصاصةً في ظهره من قِبل جنود قوات الاحتلال. وأكد من جهته أيضا حقيقة أن "شيرين قُتلت بدم بارد. واستمر جنود قوات الاحتلال في إطلاق النار بعد إصابتها".
نزعة انتقامية إسرائيلية
في هذه الجريمة في حق الصحافة ، ظهرت النزعة الانتقامية للكيان الصهيوني ومخالفته للأعراف الدولية والأخلاق الإنسانية في أدنى تجلياتها وذلك خاصة في مراسم عملية دفن الشهيدة .
ويجدر هنا استحضار تفاصيل موكب الدفن للوقوف على مدى شناعة ولا إنسانية السلطات الإسرائيلية وبشاعتها التي تصل حد فقدان إنسانية الإنسان، ويندر أن تجد لها مثيلا في تاريخ الانتقام السياسي في العصر القديم والحديث.
فقد أُقيم موكبٌ رسمي لوداعها في مقرّ الرئاسة الفلسطينية برام الله استعدادًا لنقلها للقدس. لكنّ سلطات الاحتلال قامت بعرقلة موكب الجنازة وهي في اتجاه القدس. وقد جرت مراسمُ توديعها بشكلٍ رسميّ رغم حصار الشرطة الإسرائيلية .كما منعَت قوات الاحتلال وضع صورٍ لشيرين أبو عاقلة في البلدة القديمة بالقدس. وأكَّد شقيق الفقيدة طوني أبو عاقلة أنَّ قوات الاحتلال رفضت وجود أيّ علمٍ فلسطيني داخل منزل العائلة. وأُقيمَت يوم الجمعة الموافق للثالث عشر من ماي مراسم الدفن التي كانت تحت اعتداءات الجيش الإسرائيلي الذي قام مجددًا بمحاصَرة المستشفى وأغلق الطرق والمداخل المؤديّة له، وفي محيطه وخارجه.
وكان العالم شاهدا على الإعتدءات الإسرائيلية على مشيعي الجثمان . فقد اشترطت شرطة الاحتلال في القدس إنزال الأعلام الفلسطينيّة وإخراج جثمان شيرين في سيارة الموتى، لكنَّ الفلسطينيين أصرّوا على إخراج الجثمان على الأكتاف وسيرًا على الأقدام. وقد انطلقت مسيرة تشييع جثمان الصحفيّة في الزوال من المستشفى الفرنسي باتجاه كنيسة الروم الكاثوليك في القدس. وأظهرت مقاطع فيديو من عينِ المكان قوات الاحتلال وهي تُحاول منعَ إخراج الجثمان وتقمع مسيرة التشييع. وقد اعتدت بالضربِ بالهراوات على عددٍ من المشيّعين بينهم حامل نعش أبو عاقلة الذي كادت أن تُسقطه على الأرض. وأُعيدَ إدخال جثمان شيرين إلى المستشفى بعد اعتداءات قوات الاحتلال على الموكب. واقتحمت الشرطة الإسرائيلية بكل عنف ووحشية في تلك المناسبة الحزينة الحشود لإنزال الأعلام الفلسطينية. وبدا الجنود الإسرائيليون في حالة هستيريا عنيفة كمتناولي حبوب هلوسة غير طبيعيين كما شاهد النظارة ذلك في المباشر عبر العالم.
وأمام هذا الصلف الإسرائيلي تم للمرة الثانية إخراج الجثمان من المستشفى ونُقلَ عبر سيارة نقل الأموات بعد قمع شرطة الاحتلال مسيرة التشييع. وقامت الشرطة مجددًا باقتحامِ السيّارة التي تنقلُ الجثمان نازعةً العلم الفلسطيني منها. كما منعت الفلسطينيين من اللحاق بالموكب والمشاركة في تشييعها. وقد وصلَ الجثمان وجموع المشيّعين لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس أخيرا، وجرت مراسم التأبين رغمَ اعتداء شرطة الاحتلال للمرة الرابعة على المشاركين في المراسم في محيط كنيسة الروم الكاثوليك. وقامت شرطةُ الاحتلال بنصب حواجز على الطريق المؤدية إلى المقبرة مانعة وصول الفلسطينيين في الوقتِ الذي بدأَ نقلُ الجثمان من كنيسة الروم الكاثوليك باتجاهِ مقبرة جبل صهيون في القدس. وقرعَت الكنائس أجراسها تزامنًا مع عملية التشييع، ثمّ وُورِيت شيرين الثرى مساء ذلك اليوم بمدينةِ القدس المحتلة حيث دُفنت إلى جانبِ والدَيها.
كانت عملية الاغتيال ثم عملية الدفن فصلين آخرين جليين من فصول الهمجية الإسرائيلية التي لم تحترم حرمة الموت في ذلك اليوم الحزين الذي كشف مرة أخرى الوجه القبيح للكيان الصهيوني الغاشم. وقد ذكر ذلك مرة أخرى العالم بعملية قتل الطفل محمد الدرة أمام أنظار العالم والصحافة الدولية .
وبعد مرور أكثر من عام على اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة لا يزال الجاني بلا عقاب رغم أن تحقيقات إسرائيلية وأممية وأخرى جمعياتية أوروبية محايدة، أكدت قتل الصحفية من طرف أحد قناصة الجيش الإسرائيلي . ويعود ذلك، حسب حقوقيين، إلى عدم استقلال القضاء الإسرائيلي وخضوعه لإملاءات السياسة ولسطوة الجيش الذي يتحكم في مجمل مناحي الحياة في إسرائيل "الديمقراطية"، حيث قضاء النَّتِنْيَاهُو كشبيهيه.
تستعمل إسرائيل كل أساليب التضليل الإعلامي وتقنيات التعتيم والمغالطة والكذب والتجويق مستفيدة من جوقة شبكات الإعلام والاتصال التي تتضامن معها
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
الصور والأخبار القادمة من فلسطين المحتلة ومن قطاع غزة المحاصر، تكشف الانتهاكات الكبرى التي تقوم بها إسرائيل ضد السكان المدنيين عبر القصف الجوي والحصار الغذائي والطبي والكهربائي، الذي يمثل شكلا عصريا من أشكال المحرقة التي تعرض لها اليهود في العالم خلال الحرب العالمية الثانية على أيدي النازيين . ولكن النازيين الجدد من الإسرائيليين، تحولوا حسب المؤرخين الموضوعيين، من ضحية أوروبا إلى جلادي الشرق الأوسط يسومون شعب فلسطين سوء العذاب وصنوفه ويذبحون أبناءه.
وفي خضم تلك المحرقة المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن، دأبت إسرائيل في تعاملها مع الإعلام على فرض الرقابة العسكرية المسبقة على الأخبار والأفكار وملاحقة الصحافيين لديها الذين يعيشون قسرا في عالم مغلق تحكمه الرقابة العسكرية لجنرالات الجيش الذين يتحكمون في كل ما ينشر ويبث عبر مختلف وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو الالكترونية . وهو تقليد ساري المفعول في منظومة الحكم في تل أبيب القائمة على الهاجس الأمني الذي جعلت منه إسرائيل ذريعة تصادر فيها الحقوق الأساسية للإنسان في حرية التعبير. وهي بذلك تتجاوز وضع الإعلام الرديء المدجّن، كما في أعتى الديكتاتوريات في الشرق والغرب، رغم المساحيق التجميلية وحقن السيليكون وشفط الدهون السياسية خوف الترهل ، التي تعمد إليها إدارة البروباغندا الإسرائيلية المستوحاة من تقنيات أب الدعاية النازية الألماني جوزاف غوبلز الذي يقول "اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون". وقد استنسخت منه نظائر إسرائيلية عديدة منذ قيام كيان إسرائيل عام 1948. وهي ممارسات تنبع من عقيدة استعمارية استيطانية للكيان الصهيوني تجاوزت في ذلك كيان الميز العنصري في جنوب إفريقيا الذي اضمحل منذ سنوات. وفي نظر كثير من الدراسات فإنه لم يبق في العالم من كيان سياسي قائم على التمييز الديني والعرقي وعلى الميز العنصري "أبارتهايد"، غير الكيان الإسرائيلي .
الإعلام في مرمي الجيش الإسرائيلي
وتستعمل إسرائيل على مدى حكوماتها المتعاقبة كل أساليب التضليل الإعلامي وتقنيات التعتيم والمغالطة والكذب والتجويق مستفيدة من جوقة شبكات الإعلام والاتصال التي تتضامن معها على مدى العام وخاصة وقت الشدائد وحروبها مع جيرانها حيث تهب وسائل الإعلام عن بكرة أبيها في أمريكا وأوروبا للدفاع عن إسرائيل ظالمة أو مظلومة وعن حقها في "الدفاع عن نفسها" بالقتل والتهجير للسكان وباغتيال الصحفيين الفلسطينيين لإسكات أصواتهم الحاملة لكلمات الحرية والحقيقة . وفي كل الحروب والنزاعات والاعتداءات التي شنتها إسرائيل على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو جنوب لبنان، كان الصحافيون من أول ضحايا التقتيل الإسرائيلي الممنهج. وكم مرة قصفت إسرائيل بصفة متعمدة أبراجا سكنية وعمارات مدنية أو مناطق يتواجد فيها صحافيون ناقلون للحقيقة وشاهدون علي الفظاعات الإسرائيلية. وعادة ما تتم عملية قتل الصحافيين بكل برودة دم وكل تشف سادي يعكس الشماتة الإسرائيلية المرضية التي عادة ما تردد زعما ونفاقا، أنها وجهت التحذيرات للصحافيين بمغادرة المكان أو عدم الاقتراب من مسرح العمليات ، كما تفيد بذلك تقارير المنظمات الدولية لحماية الصحفيين عبر العالم التي تكتفي بإصدار بيان تنديد "تعبر فيه عن قلقها وتدعو طرفي النزاع إلي ضبط النفس وتفادي العنف للجانبين".
اغتيال صحفية فلسطينية على المباشر:شيرين ابو عاقلة
لقد وقف العالم مشدوها دون أن يقدر على النقد أو التنديد الحازم لأن لسانه مقطوع وهو يشاهد على المباشر مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة وكيف نكلت القوات الإسرائيلية بجثتها وبموكب دفنها في مشهد كان يبث مباشرة على التلفزيونات في العالم وعكس ذلك الوحشية وانتفاء الإنسانية من جنود الاحتلال المسعورين.
لقد شاهد العالم في السنة الفارطة 2022 ، بكل حسرة وألم وعجز مباشرة على الفضائيات مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي كانت تعمل لدى قناة الجزيرة، وقد اغتيلت في صباح الحادي عشر من ماي 2022 على يدِ قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها لاقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين في الضفة الغربية. وقد أُصيبت برصاصة مباشِرة في رأسها، ونُقِلَت إلى مستشفى ابن سينا التخصّصي حيث أُعلن عن وفاتها. وشاهد الجميع أنَ شيرين كانت ترتدي سترة الصحافة المعروفة لدى الجميع . ورغم ذلك فقد استُهدفت من قِبل جيش الاحتلال، الذي لا يعير أية أهمية للقوانين والأعراف الدولية.
وبثت التلفزيونات في العالم فيديو يُظهر لحظة ما بعد إصابة شيرين، حيثُ ظهرت فيه ملقاة على الأرض وسطَ أصوات إطلاق نيران من قِبل جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي على مقربةٍ من زميلتها الصحفيّة شذا حنايشة. وشاهد النظارة كل ذلك في الفيديو الذي أظهر لاحقًا أنَّ جيش الاحتلال تعمَّد قتلَ طاقم القناة باعتباره انتظر وصول هذا الطاقم الإعلامي لمنطقة مفتوحة وبدأ بإطلاق النار بشكل مكثف، رغم أنَّ المنطقة التي كان فيها الطاقمُ الصحفيّ لم تشهد إطلاق نار من فلسطينيين هناك. كما أكدت شذا مرافقة شيرين في نفس مكان الاغتيال أن قوات الاحتلال منعت وصول سيارات الإسعاف لأجل إنقاذ شيرين . وأُصيب في نفس العملية الصحفي بمكتب الجزيرة علي سمودي الذي رافقَ شيرين لحظة اغتيالها. وقد تلقَّى من جهته رصاصةً في ظهره من قِبل جنود قوات الاحتلال. وأكد من جهته أيضا حقيقة أن "شيرين قُتلت بدم بارد. واستمر جنود قوات الاحتلال في إطلاق النار بعد إصابتها".
نزعة انتقامية إسرائيلية
في هذه الجريمة في حق الصحافة ، ظهرت النزعة الانتقامية للكيان الصهيوني ومخالفته للأعراف الدولية والأخلاق الإنسانية في أدنى تجلياتها وذلك خاصة في مراسم عملية دفن الشهيدة .
ويجدر هنا استحضار تفاصيل موكب الدفن للوقوف على مدى شناعة ولا إنسانية السلطات الإسرائيلية وبشاعتها التي تصل حد فقدان إنسانية الإنسان، ويندر أن تجد لها مثيلا في تاريخ الانتقام السياسي في العصر القديم والحديث.
فقد أُقيم موكبٌ رسمي لوداعها في مقرّ الرئاسة الفلسطينية برام الله استعدادًا لنقلها للقدس. لكنّ سلطات الاحتلال قامت بعرقلة موكب الجنازة وهي في اتجاه القدس. وقد جرت مراسمُ توديعها بشكلٍ رسميّ رغم حصار الشرطة الإسرائيلية .كما منعَت قوات الاحتلال وضع صورٍ لشيرين أبو عاقلة في البلدة القديمة بالقدس. وأكَّد شقيق الفقيدة طوني أبو عاقلة أنَّ قوات الاحتلال رفضت وجود أيّ علمٍ فلسطيني داخل منزل العائلة. وأُقيمَت يوم الجمعة الموافق للثالث عشر من ماي مراسم الدفن التي كانت تحت اعتداءات الجيش الإسرائيلي الذي قام مجددًا بمحاصَرة المستشفى وأغلق الطرق والمداخل المؤديّة له، وفي محيطه وخارجه.
وكان العالم شاهدا على الإعتدءات الإسرائيلية على مشيعي الجثمان . فقد اشترطت شرطة الاحتلال في القدس إنزال الأعلام الفلسطينيّة وإخراج جثمان شيرين في سيارة الموتى، لكنَّ الفلسطينيين أصرّوا على إخراج الجثمان على الأكتاف وسيرًا على الأقدام. وقد انطلقت مسيرة تشييع جثمان الصحفيّة في الزوال من المستشفى الفرنسي باتجاه كنيسة الروم الكاثوليك في القدس. وأظهرت مقاطع فيديو من عينِ المكان قوات الاحتلال وهي تُحاول منعَ إخراج الجثمان وتقمع مسيرة التشييع. وقد اعتدت بالضربِ بالهراوات على عددٍ من المشيّعين بينهم حامل نعش أبو عاقلة الذي كادت أن تُسقطه على الأرض. وأُعيدَ إدخال جثمان شيرين إلى المستشفى بعد اعتداءات قوات الاحتلال على الموكب. واقتحمت الشرطة الإسرائيلية بكل عنف ووحشية في تلك المناسبة الحزينة الحشود لإنزال الأعلام الفلسطينية. وبدا الجنود الإسرائيليون في حالة هستيريا عنيفة كمتناولي حبوب هلوسة غير طبيعيين كما شاهد النظارة ذلك في المباشر عبر العالم.
وأمام هذا الصلف الإسرائيلي تم للمرة الثانية إخراج الجثمان من المستشفى ونُقلَ عبر سيارة نقل الأموات بعد قمع شرطة الاحتلال مسيرة التشييع. وقامت الشرطة مجددًا باقتحامِ السيّارة التي تنقلُ الجثمان نازعةً العلم الفلسطيني منها. كما منعت الفلسطينيين من اللحاق بالموكب والمشاركة في تشييعها. وقد وصلَ الجثمان وجموع المشيّعين لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس أخيرا، وجرت مراسم التأبين رغمَ اعتداء شرطة الاحتلال للمرة الرابعة على المشاركين في المراسم في محيط كنيسة الروم الكاثوليك. وقامت شرطةُ الاحتلال بنصب حواجز على الطريق المؤدية إلى المقبرة مانعة وصول الفلسطينيين في الوقتِ الذي بدأَ نقلُ الجثمان من كنيسة الروم الكاثوليك باتجاهِ مقبرة جبل صهيون في القدس. وقرعَت الكنائس أجراسها تزامنًا مع عملية التشييع، ثمّ وُورِيت شيرين الثرى مساء ذلك اليوم بمدينةِ القدس المحتلة حيث دُفنت إلى جانبِ والدَيها.
كانت عملية الاغتيال ثم عملية الدفن فصلين آخرين جليين من فصول الهمجية الإسرائيلية التي لم تحترم حرمة الموت في ذلك اليوم الحزين الذي كشف مرة أخرى الوجه القبيح للكيان الصهيوني الغاشم. وقد ذكر ذلك مرة أخرى العالم بعملية قتل الطفل محمد الدرة أمام أنظار العالم والصحافة الدولية .
وبعد مرور أكثر من عام على اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة لا يزال الجاني بلا عقاب رغم أن تحقيقات إسرائيلية وأممية وأخرى جمعياتية أوروبية محايدة، أكدت قتل الصحفية من طرف أحد قناصة الجيش الإسرائيلي . ويعود ذلك، حسب حقوقيين، إلى عدم استقلال القضاء الإسرائيلي وخضوعه لإملاءات السياسة ولسطوة الجيش الذي يتحكم في مجمل مناحي الحياة في إسرائيل "الديمقراطية"، حيث قضاء النَّتِنْيَاهُو كشبيهيه.