مفهوم المقاومة سيتغيّر وسيتّخذ أشكالا جديدة عند الأطفال والشباب فالحرب التي يخوضها نظراؤهم في غزّة ستكون ملهمة ودافع لهم
بقلم ريم بالخذيري
أعاد يوم 7 أكتوبر تاريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى الحديث عن مصطلحات مثل المقاومة والصمود والثبات على المبدأ وعلى الأرض والعرض.
ومثّل القصف الهمجي الإسرائيلي لمستشفى المعمداني بغزة يوم17 أكتوبر والذي خلف أكثر من 500 شهيد وألف جريح الشرارة التي فجّرت الرغبة بالمقاومة في قلوب ملايين العرب الذين ملأوا الساحات وزلزلت أصوات حناجرهم الأرض تحت الكيان الغاصب.
الملاحظ في هذه الحشود التي تظاهرت في الشوارع العربية وخاصة في تونس أن أغلبها من الشباب والأطفال من الذين كنا نتصور أن اهتماماتهم محدودة ومقصورة على الفن والكرة فإذا بهم يفاجئوننا أنهم متشبّعون بالقضية الفلسطينية وأنهم يريدون تنفس الحرية ومستعدين للنضال والمقاومة بكل الأشكال لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وكل الشعوب المضطهدة.
المقاومة المغشوشة
لا شك أن ما حدث في غزة في حوالي أربعة أسابيع أربك المأجورين من باثّي ثقافة الخنوع والاستسلام (ليس في حالة الحرب هذه فحسب بل في كل أشكال المقاومة اليومية التي نخوضها ويخوضها أطفالنا وشبابنا).
فهؤلاء تسللوا لنا من طريق أهم وسائل الاتصال الجماهيرية الواسعة والتي تشمل (الفضائيات العربية، والمواقع الالكترونية)، وما يُطرح من قضايا في وسائل الإعلام المقروءة (صحف ومجلات)،وكذلك الألعاب المورّدة لأطفالنا . كلّ ذلك يكرّس لثقافة التطبيع والخنوع تحت مسميات عديدة .وبدأت سرديته تسقط اليوم.
ويبدو أنّ فئة الأطفال هي الفئة الأكثر استهدافا من أجل خلق جيل خانع ومستسلم وبلا أهداف . ولنأخذ مثالا واحدا وهي الرسوم المتحركة الأكثر رواجاً بين الأطفال، وحتى الكبار، وهي سلسلة "توم وجيري" فالكل مدمن على مشاهدتها لكننا لم نتوقف يوماً عند المعنى البعيد الذي تطرحه. فالقط "توم" هو المغلوب دوما على أمره، و"جيري" هو الفأر المشاكس، وهناك دائماً، كلب رحيم يتوسط باستمرار عند جيري لمسامحة توم، الذي يسجد ويتوسل للفأر جيري حتى يقبل اعتذاره، ويُحسّن علاقته معه . الصادم أنه في تصريح لرئيس شركة "وورنربروثوس" المنتجة لهذه السلسلة ، صرّح في حديث اعلامي " نحن نصنع هذه الصور لنبين حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط، فالفأر جيري صغير وذكي، وهو يدلل على اليهود الإسرائيليين، والقط توم كبير وغبي ويدلل على العرب، ولا يستطيع العيش بدون الفأر لدرجة أنه إذا قتله يحزن عليه، وإذا استدعت الحاجة يتدخل الكلب الرحيم (أمريكا) لإنقاذ الموقف".
ولنقس على ذلك كلّ ما يورّد الينا من أفكار وبرامج فهي توهمنا أنّنا نمتلك ذواتنا ونملك زمام المبادرة والمقاومة لكن في الحقيقة هي تسلبنا كل هذا تحت يافطة بطولات وهمية عشنا على وهمها سنين لنستفيق على أصوات أبنائنا وشبابنا مرددين شعارات الحرية والكرامة في الساحات العامة وهاتفين بالرغبة في التحرّر من المقاومة المغشوشة التي خدّرتنا وكنّا نعتقد أنها حوّلت أبناءنا وشبابنا الى ريبوهات . لقد أخجلونا حقيقة بدرجة الوعي التي يملكون .
أشكال و ثقافة المقاومة الجديدة
من الواضح أن مفهوم المقاومة سيتغيّر وسيتّخذ أشكالا جديدة عند الأطفال والشباب فالحرب التي يخوضها نظراؤهم في غزّة ستكون ملهمة ودافع لهم .فالمقاومة تحررت من الشكل التقليدي وواكبت تطورات العصر مستغلّة التكنولوجيا . والمقاومة هي مقاومة العدوّ لكنها في المقابل تستلهم منها مقومات التعامل مع الآخر فهي تعلّمهم بناء الذّات والصمود وتطوير الذات .
ومن المعروف علميا أن بناء الشخصية يتم حسب التراكمات العمرية والاجتماعية وينقسم الى مراحل أهمها من 12-18 عاما. حيث يرى عالم النفس إريك إريكسون أن الشخصية تتطور عبر ثماني مراحل للتطور النفسي الاجتماعي، خلال كل مرحلة يختبر الشخص أزمة نفسية اجتماعية ناتجة عن التغيرات الفسيولوجية والسيكولوجية والثقافية المرتبطة بالمرحلة،
وخلال هذه المرحلة (12-18 عاما) يبحث المراهق عن شعور بالذات والهوية عبر الاستكشاف المكثف للقيم والمعتقدات والأهداف الشخصية. ويصبح الطفل/الشاب أكثر استقلالا ويبدأ في التفكير في المستقبل فيما يخص العمل والعلاقات والعائلة، ويعيد فحص هويته محاولا التعرف على ذاته، ويتضمن هذا الهوية الوطنية والجنسية والوظيفية. كما يستكشف المراهق الاحتمالات المختلفة ويبدأ في تطوير الشعور بالهوية، وتحديد معنى وجوده وأهدافه في الحياة وخططه لتحقيقها. والفشل في تكوين هذا الشعور قد يؤدي إلى التشويش أو الارتباك تجاه دوره في المجتمع، وهو ما يؤثر على ثقته بنفسه.
الدروس المستفادة
الحرب في غزة ورغم تكلفتها البشرية الباهظة على الأطفال والشباب حيث تشير الارقام الى وفاة أكثر من 3 الاف طفل ومثلهم من الشباب مع قلة من المسنين تؤكد أن العدو يستهدف جيل المقاومة الذي لم يعد يكتف بالحجر والبندقية إنما بدأ بمحاربة العدو بالتكنولوجيا من خلال التشويش على أنظمته الدفاعية والهجومية وتعطيل أسلحته الإلكترونية. وهذا أولى الدروس من هذه الحرب.
أما ثاني الدروس والتي تجاوز صداها الغزاويين فهو أهمية سلاح الاعتماد على الذات والوعي بأهمية اكتساب القوة لا المادية فحسب وإنما الفكرية والعلمية أيضا.
ونحن في تونس ومع طفرة الوعي الكبيرة لدى أطفالنا وشبابنا بالقضية الفلسطينية وتشبعهم بثقافة المقاومة علينا استغلال هذا المكسب واستثماره لخلق جيل جديد قادر على تحقيق السيادة الوطنية غير المغشوشة والتي ستجد كل مقوماتها في جيل ظننا جميعا أنه خارج التاريخ فإذا به يدخلنا المستقبل من أوسع أبوابه بعنوان القوة والسيادة الوطنية.
مفهوم المقاومة سيتغيّر وسيتّخذ أشكالا جديدة عند الأطفال والشباب فالحرب التي يخوضها نظراؤهم في غزّة ستكون ملهمة ودافع لهم
بقلم ريم بالخذيري
أعاد يوم 7 أكتوبر تاريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى الحديث عن مصطلحات مثل المقاومة والصمود والثبات على المبدأ وعلى الأرض والعرض.
ومثّل القصف الهمجي الإسرائيلي لمستشفى المعمداني بغزة يوم17 أكتوبر والذي خلف أكثر من 500 شهيد وألف جريح الشرارة التي فجّرت الرغبة بالمقاومة في قلوب ملايين العرب الذين ملأوا الساحات وزلزلت أصوات حناجرهم الأرض تحت الكيان الغاصب.
الملاحظ في هذه الحشود التي تظاهرت في الشوارع العربية وخاصة في تونس أن أغلبها من الشباب والأطفال من الذين كنا نتصور أن اهتماماتهم محدودة ومقصورة على الفن والكرة فإذا بهم يفاجئوننا أنهم متشبّعون بالقضية الفلسطينية وأنهم يريدون تنفس الحرية ومستعدين للنضال والمقاومة بكل الأشكال لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وكل الشعوب المضطهدة.
المقاومة المغشوشة
لا شك أن ما حدث في غزة في حوالي أربعة أسابيع أربك المأجورين من باثّي ثقافة الخنوع والاستسلام (ليس في حالة الحرب هذه فحسب بل في كل أشكال المقاومة اليومية التي نخوضها ويخوضها أطفالنا وشبابنا).
فهؤلاء تسللوا لنا من طريق أهم وسائل الاتصال الجماهيرية الواسعة والتي تشمل (الفضائيات العربية، والمواقع الالكترونية)، وما يُطرح من قضايا في وسائل الإعلام المقروءة (صحف ومجلات)،وكذلك الألعاب المورّدة لأطفالنا . كلّ ذلك يكرّس لثقافة التطبيع والخنوع تحت مسميات عديدة .وبدأت سرديته تسقط اليوم.
ويبدو أنّ فئة الأطفال هي الفئة الأكثر استهدافا من أجل خلق جيل خانع ومستسلم وبلا أهداف . ولنأخذ مثالا واحدا وهي الرسوم المتحركة الأكثر رواجاً بين الأطفال، وحتى الكبار، وهي سلسلة "توم وجيري" فالكل مدمن على مشاهدتها لكننا لم نتوقف يوماً عند المعنى البعيد الذي تطرحه. فالقط "توم" هو المغلوب دوما على أمره، و"جيري" هو الفأر المشاكس، وهناك دائماً، كلب رحيم يتوسط باستمرار عند جيري لمسامحة توم، الذي يسجد ويتوسل للفأر جيري حتى يقبل اعتذاره، ويُحسّن علاقته معه . الصادم أنه في تصريح لرئيس شركة "وورنربروثوس" المنتجة لهذه السلسلة ، صرّح في حديث اعلامي " نحن نصنع هذه الصور لنبين حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط، فالفأر جيري صغير وذكي، وهو يدلل على اليهود الإسرائيليين، والقط توم كبير وغبي ويدلل على العرب، ولا يستطيع العيش بدون الفأر لدرجة أنه إذا قتله يحزن عليه، وإذا استدعت الحاجة يتدخل الكلب الرحيم (أمريكا) لإنقاذ الموقف".
ولنقس على ذلك كلّ ما يورّد الينا من أفكار وبرامج فهي توهمنا أنّنا نمتلك ذواتنا ونملك زمام المبادرة والمقاومة لكن في الحقيقة هي تسلبنا كل هذا تحت يافطة بطولات وهمية عشنا على وهمها سنين لنستفيق على أصوات أبنائنا وشبابنا مرددين شعارات الحرية والكرامة في الساحات العامة وهاتفين بالرغبة في التحرّر من المقاومة المغشوشة التي خدّرتنا وكنّا نعتقد أنها حوّلت أبناءنا وشبابنا الى ريبوهات . لقد أخجلونا حقيقة بدرجة الوعي التي يملكون .
أشكال و ثقافة المقاومة الجديدة
من الواضح أن مفهوم المقاومة سيتغيّر وسيتّخذ أشكالا جديدة عند الأطفال والشباب فالحرب التي يخوضها نظراؤهم في غزّة ستكون ملهمة ودافع لهم .فالمقاومة تحررت من الشكل التقليدي وواكبت تطورات العصر مستغلّة التكنولوجيا . والمقاومة هي مقاومة العدوّ لكنها في المقابل تستلهم منها مقومات التعامل مع الآخر فهي تعلّمهم بناء الذّات والصمود وتطوير الذات .
ومن المعروف علميا أن بناء الشخصية يتم حسب التراكمات العمرية والاجتماعية وينقسم الى مراحل أهمها من 12-18 عاما. حيث يرى عالم النفس إريك إريكسون أن الشخصية تتطور عبر ثماني مراحل للتطور النفسي الاجتماعي، خلال كل مرحلة يختبر الشخص أزمة نفسية اجتماعية ناتجة عن التغيرات الفسيولوجية والسيكولوجية والثقافية المرتبطة بالمرحلة،
وخلال هذه المرحلة (12-18 عاما) يبحث المراهق عن شعور بالذات والهوية عبر الاستكشاف المكثف للقيم والمعتقدات والأهداف الشخصية. ويصبح الطفل/الشاب أكثر استقلالا ويبدأ في التفكير في المستقبل فيما يخص العمل والعلاقات والعائلة، ويعيد فحص هويته محاولا التعرف على ذاته، ويتضمن هذا الهوية الوطنية والجنسية والوظيفية. كما يستكشف المراهق الاحتمالات المختلفة ويبدأ في تطوير الشعور بالهوية، وتحديد معنى وجوده وأهدافه في الحياة وخططه لتحقيقها. والفشل في تكوين هذا الشعور قد يؤدي إلى التشويش أو الارتباك تجاه دوره في المجتمع، وهو ما يؤثر على ثقته بنفسه.
الدروس المستفادة
الحرب في غزة ورغم تكلفتها البشرية الباهظة على الأطفال والشباب حيث تشير الارقام الى وفاة أكثر من 3 الاف طفل ومثلهم من الشباب مع قلة من المسنين تؤكد أن العدو يستهدف جيل المقاومة الذي لم يعد يكتف بالحجر والبندقية إنما بدأ بمحاربة العدو بالتكنولوجيا من خلال التشويش على أنظمته الدفاعية والهجومية وتعطيل أسلحته الإلكترونية. وهذا أولى الدروس من هذه الحرب.
أما ثاني الدروس والتي تجاوز صداها الغزاويين فهو أهمية سلاح الاعتماد على الذات والوعي بأهمية اكتساب القوة لا المادية فحسب وإنما الفكرية والعلمية أيضا.
ونحن في تونس ومع طفرة الوعي الكبيرة لدى أطفالنا وشبابنا بالقضية الفلسطينية وتشبعهم بثقافة المقاومة علينا استغلال هذا المكسب واستثماره لخلق جيل جديد قادر على تحقيق السيادة الوطنية غير المغشوشة والتي ستجد كل مقوماتها في جيل ظننا جميعا أنه خارج التاريخ فإذا به يدخلنا المستقبل من أوسع أبوابه بعنوان القوة والسيادة الوطنية.