إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إبراهيم بودربالة: مراجعة قانون الشيك دون رصيد من أولويات البرلمان

تونس-الصباح

أكد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب أمس خلال يوم دراسي بالأكاديمية البرلمانية بقصر باردو أن مراجعة الأحكام المتعلقة بجريمة الشيك دون رصيد تعتبر من أولويات المجلس، وبين أن جرائم الشيك دون رصيد خلقت كتلة نقدية وهمية وهذه الكتلة تؤثر على التضخم المالي وذلك فضلا عن الكلفة التي يتحملها دافع الضريبة والتي تخصص للأشخاص الواقع تتبعهم والأشخاص الذين يقبعون في السجون، والآثار السلبية لهذه الجريمة على المجتمع، وأضاف أن قانون الصك دون صيد اقترحه رئيس فرنسا في السبعينات ولكن تم التخلي عنه بعد عام فقط في حين قام المشرع التونسي بتبنيه.

ولدى حديثه عن تطور عدد القضايا المتعلقة بجرائم الشيك دون رصيد أشار رئيس المجلس إلى أنه كانت هناك في محاكم  تونس الكبرى دائرة وحيدة تنظر بمعدل 800 قضية سنويا لكن اليوم المحاكم مثقلة بقضايا الشيك دون رصيد وكل دائرة في محاكم تونس الكبرى تنظر في ألف قضية وأصبحت اغلب الأحكام تصدر غيابا وهناك من فوجئ بأنه محكوم بمائتي سنة سجنا كما أن هذه الجريمة أحدثت فسادا في كل القطاعات، بينما في العديد من الدول لم يعد هناك وجود لهذه الجريمة.

ومن الحلول التي اقترحها رئيس المجلس، تدعيم الإجراءات في القانون المدني بما من شأنه أن يفرض على سحاب الشيك خلاص الدين.

وعن موعد مراجعة أحكام الشيك دون رصيد من قبل البرلمان بين بودبالة أن رئيس الجمهورية طلب من وزارة العدل عدة مرات  إعداد مشروع قانون في الغرض لكن مجلس نواب الشعب لم يتوصل إلى غاية اليوم بهذا المشروع في الغرض وحالما تتم إحالته سيقع النظر فيه.

وذكر أنه بمقتضى دستور 2022 تقوم الغرفة التنفيذية بوظيفتها أما الوظيفة التشريعية فإنها تحرص على القيام بدورها بكل استقلالية وفي إطار التناغم الايجابي مع الوظيفة التنفيذية وهذا لا يعني أن المجلس النيابي سيكون صندوق بريد للوظيفة التشريعية.

وأضاف قائلا: سنقوم بدورنا التشريعي والرقابي في إطار الوكالة التي أسندها لنا الشعب والمجلس سيؤدي الأمانة على أحسن وجه وسيعمل على إخراج البلاد من الوضع الذي هي عليه وعلى أن يكون في مستوى طموحات الشعب".

 

لماذا التجريم؟

قبل المرور للنقاش استمع المشاركون في اليوم الدراسي البرلماني حول جريمة الصك دون رصيد إلى الأستاذ محمد الهادي الأخوة المحامي لدى التعقيب والأستاذ الجامعي المبرز تحدث فيها بالخصوص عن الجرائم الواردة في الفصل 411 من المجلة التجارية وحاول الإجابة عن جملة من الأسئلة الحارقة وأهمها هل يجب الإبقاء على هذه الجريمة وعلى الصبغة الزجرية لمعاقبة إصدار صك دون رصيد أم لا؟

فبمقتضى الفصل 411 المذكور، "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على ألا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته: كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة وكل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبيتة بالفقرة السابقة مع علمه بذلك وكل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها بالفقرة الأولى أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها ولا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على العقاب المالي المنصوص عليه بالفقرة الأولى من هذا الفصل ويعاقب بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو  باقي قيمته على أن لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار كل مصرف كل مصرف يرفض أداء شيك عوّل ساحبه على اعتماد فتحه له هذا المصرف ولم يرجع فيه بصفة قانونية أو على تسهيلات دفع تعود هذا المصرف منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب برجوعه فيها".

وأشار الأخوة إلى أن التعامل بالشيك إن كان رصيده مفقودا أو ناقصا يحمل صاحبة عقوبات صارمة وهو ما أدى بالمستفيد إلى اللجوء إلى حمل مدينه على إصدار شيك لتوثيق دينه أما بالنسبة لبقية المتعاملين بالسندات النقدية فهم لا يرون فارقا بين عدم الوفاء لانعدام الرصيد للشيك وعدم الوفاء لخلاص كمبيالة أو غيرها من السندات الموثقة للديون وتساءل لماذا تم إعطاء الشيك كل هذه الضمانات وخاصة الضمان الجزائي؟  ولماذا يعاقب جزائيا صاحب الشيك دون رصيد في حين لا يستهدف المدين الآخر إلا بحكم مدني يلزمه بخلاص الدين؟

وفسر أن المشرع فضل الشيك على بقية سندات الدين لتحقيق ضمان خلاصه من خلال تسليط عقوبات جزائية صارمة في حال عدم خلاصه أو خلاص قسط منه وهو ما يدعو حسب قوله للتساؤل هل نحج المشرع في تشريعه وهل وصل للقصد المرجو منه وهل بالإمكان وضع حد للتجريم مع توفير ضمانات أخرى للشيك في إطار مدني وهل يجب الإبقاء على الصبغة الزجرية لمعاقبة مصدري الشيكات دون رصيد أم يجب الاستغناء على الجريمة و محاولة تقوية الضمانات في الميدان المدني بالنسبة للديون التي يكون حكم سدادها بالشيك غير الخالص.

 

عقوبات صارمة

وقال الجامعي إن التجريم اتسم بنوع من الصرامة أحيانا وبالإهمال وخرق القانون أحيانا أخرى فالصرامة جعلت معاقبة الجاني تكاد تكون آنية عند معاينة توفر أركان الجريمة بوثائق مادية مثل الشهادة بعدم توفر الرصيد التي يمنحها الصيرفي وانعدام التسوية ولكن بالنظر إلى تصرف المحاكم نجدها في بعض الأحيان تنحرف بمفهوم الشيك بتعلة استقلال الميدان الجزائي عن الميدان المدني.

وأضاف أن الفصل 446 من المجلة التجارية تعرض للتنصيصات واجبة الذكر في سند الشيك أما الفصل 347 فقد جاء فيه أنه إذا خلا السند من أي واحد من تلك التنصيصات فلا يعتبر شيكا إلا إذا خلا الشيك من مكان الوفاء وإذا خلا من مكان الإنشاء وهو ما يعني أنه ما عدى النقص في بيان مكان الوثائق ومكان إنشاء الشيك فان السند إذا فقد بقية الشروط الشكلية فلا يعتبر شيكا وبالتالي لا يمكن تتبع المعني بالأمر في النطاق الجزائي إلا أنه وعلى أساس استقلال النطاق الجزائي عن النطاق المدني اعتبرت محكمة التعقيب في فرنسا أن الوثيقة التي لا تتعرض حتى إلى كلمة شيك تمكن من التتبع الجزائي إذا كان للسند مظهر الشيك ونفس الشيء فإن محكمة التعقيب في تونس منذ عام 1992 انتهجت نفس المنهج وقالت انه لا يعتبر شيكا في نظر القانون التجاري عندما يفتقد الشيك احد تنصيصاته الوجوبية إلا انه في النظر الجزائي يعتبر شيكا طالما أن له مظهر الشيك وهذا هو مظهر من مظاهر الصرامة في معاقبة الجريمة  عبرت عنه محكمة التعقيب من خلال إقرارها بأن إصدار الشيك دون رصيد يتوجب عقابين أحدهما مالي والأخر بدني معتبرة الاقتصار على عقاب مالي فيه خرق لأحكام الفصل 411. وبين أن المحاكم لئن كانت صارمة فإنه بمجرد معينة خلاص الديون والمصاريف خارج صورة التسوية القانونية فهي في 99 بالمائة من الحالات لا تقضى جزائيا وذلك باللجوء إلى حيلة قانونية وهي الحكم ببطلان الإجراءات حتى وان كانت الإجراءات صحيحة وذلك شعورا منها بقساوة العقوبة هذه الجريمة الاقتصادية.

وذكر أن النيابة العمومية تصدت لجريمة من قبل شيك دون رصيد أو ناقص رصيد أو معترض عليه بغير الصور المنصوص عليها في القانون مع العلم بذلك وهذا التصدي له مضمون إنساني لان من قبل الشيك يكون هدفه إعانة المدين وإقراضه مع منحه مهلة للخلاص  ويكون من الصعب أخلاقيا تتبعه جزائيا ونتيجة لذلك سقطت هذه الجريمة في حكم النسيان بسبب عدم التطبيق. وذكر أن هذا أدى إلى تكاثر صكوك الضمان والمشكل في صكوك الضمان أنها تتعارض مع الطبيعة القانونية للشيك. واستدل الجامعي بفصول أخرى من المجلة التجارية بهدف تفسير كيف أنه بمجرد الإصدار أو السحب أو التسليم تترتب عن كل عمل نتائج مدنية وجزائية وكيف أن الشيك غير معلق على شرط أو أجل فهو لا يخضع لشرط القبول مثل بقية السندات.

انحراف بالقانون

وبعد حديثه عن الموضوع من الناحية النظرية قال الأستاذ محمد الهادي الأخوة إنه على مستوى التطبيق يمكن معاينة انحرافا بالطبيعة القانونية للشيك فمن أداة خلاص ووفاء حيني يصبح الشيك أداة قرض وضمان مخالفة في ذلك للقانون وذكر أنه من الطبيعي أن من ينحرف بالقانون لا يمكن أن يعارض المشرع عندما يقرر تنقيح القانون بإرجاع الصك إلى طبيعيته ولا يمكن أن يطالب بحماية جزائية للشيك دون رصيد تأييدا للمبدأ القانوني العام القائل بأنه لا يمكن لأحد أن ينتفع من خطئه. كما أن محاولة الاستفادة من الخطأ قد تنطبق كذلك على الساحب نفسه فقبول شيكات الضمان مع العلم بأنها شيكات ضمان قد يعرض المستفيد من الناحية النظرية على الأقل إلى تتبع جزائي لأن الجريمة موجودة وهو ما يعني أن المستفيد بدوره في خطر.

وأضاف قائلا: هناك بعض الساحبين المتحييلين فهم يصدرون صكوكا والحال أنهم يعملون أنها غير ممولة عند إصدارها ويسلمون شيكات ضمان وعند اقتراب أجل دفعها وحتى بمجرد إصدارها وانجاز العملية يوجهون إنذارا عن طريق عدل منفذ للمستفيد ويقولون له فيه ويحك إن تقدم هذا الشيك فهو شيك ضمان ويعاقب عليه القانون وهكذا يصبح تجريم الشيك محل تعفن مفضوح وذلك علاوة على المخاطر التطبيقية والمآسي التي انجرت عن هذا الانحراف والمتمثلة خاصة في اكتظاظ بالمحاكم فكل المحاكم الابتدائية خصصت دوائر لا تنظر إلا في هذه الجريمة ولا بد من التفكير في كيفية التخلص من هذا الاكتظاظ القضائي".

وذكر أنه فضلا عن ذلك فإن تفاقم جرائم الصك دون رصيد أدى الى اكتظاظ السجون مع خطرين قد ينجرا عن هذه الآفة ويتمثل الأول في الكلفة التي تتحملها الدولة لأن السجين الواحد يتطلب حوالي 12 ألف دينار سنويا أما الثاني فيتمثل في أن السجون تعتبر مدرسة إجرام.

وقال الجامعي إنه آن الأوان للتفكير في نزع الصبغة الجزائية عن هذه الجريمة وفي تدعيم المجال المدني لتتبع الدين الذي يكون سنده شيكا.

وبين أنه بمقتضى القانون عدد 37 لسنة 2007 فإن من لديه شيكا دون رصيد يمنه القيام بعقلة تحفظية على مكاسب المدين ثم بيع تلك المكاسب كما يمكن استصدرا أمر بالدفع يمكن تنفيذه على مكاسب المدين ولكن العقلة التحفظية أو العقلة التنفيذية بتوفر أمر بالدفع تفترض توفر مكاسب المدين والمشكل المطروح هو ما هو الحل عندما لا يكون للمدين مكاسب وذكر أن المشرع يمكنه أن يفكر في حلول.

ضمانات

وقدم الجامعي لأعضاء المجلس النيابي جملة من المقترحات التي عنونها بالضمانات، وبين متحدثا عن الضمان الأول أنه زيادة على التنصيص على أن كل الممضين على الشيك متضامنون في خلاصه يمكن سحب نفس القاعدة على الذات المعنوية وفي مقدمتها الشركات واقترح تسلط الإجراء على من أمضى على الشيك. أما الضمان الثاني فيتمثل في إمكانية نزع السقوط على الدعوى المدنية بمرور الزمن بالنسبة للشيك حتى يبقى له امتياز خاص على بقية السندات الأخرى.

ويتمثل المقترح الموالي حسب تعبيره فهو في علاقة بسقوط الحكم الذي لا ينفذ بعد عشرين سنة، ويتمثل في إمكانية تنفيذ الأمر بالدفع الذي يستصدره المستفيد حتى بعد عشرين سنة.  وذكر أن المقترح الأخير يتعلق بالدعوى البليانية التي تمكن الدائن من تتبع دينه على أملاك المدين ولو فرط فيها لكن يجب إثبات التواطؤ الذي قام به المدين مع المستفيد من هذه العملية.  وذكر أن من يقع تتبعه عليه أن يثبت أن شراءه للعقار أو المنقول من المدين كان من ماله الخاص.

وخلص الأستاذ الأخوة قائلا : "لماذا هذا العشق للشيك، حتى نحاول أن نكرس الضمانات المدنية خلافا لكل السندات الأخرى خاصة إذا ما عاينا أن الضامن الوحيد نظريا للملك هو الملك لا الجسد البشري، ففي البلدان المتقدمة كرست نزع الصبغة الزجرية للشيك دون رصيد وأصبح الحديث عن هذه الجريمة كجريمة الرق ويمكن أن نتساءل حتى عن نجاعة تكريس الدعوى المدنية في حين أن التقدم العلمي خاصة على المستوى الالكتروني والرقمنة يمكن أن يكون حلا لكل مشاكل الشيك دون رصيد وذلك بمطالبة المستفيدين من هذا السند بان لا يقبل خلاصه بهذه الوسيلة إلا إذا تثبت من توفر الموارد من خلال وثيقة الخلاص فالمصرفي يجمد المبلغ لفائدة المستفيد في اجل معين وتصبح المؤونة ملكا للمستفيد ولا يمكن أن ينال منها شيئا وفي صورة التفريط فيها فان المصرفي يطالب بخلاص الشيك من ماله الخاص".

وأضاف أن هذا الحل قد يثير اعتراضا لدى البعض بالنظر إلى ثمنه لكن لكل سياسة ثمنها وتطبيق هذه الطريقة بالنسبة لبطاقات الخلاص الموجودة في تونس تجعله يقول إنه يمكن توخي هذه الطريقة. وأوضح أن كل جرائم التحيل من تدليس للشيك دون رصيد أو الجرائم المقترفة من قبل المصرفيين يجب أن تبقى قائمة الذات على النطاق الجزائي والمدني والإداري.

وخلال النقاش أشار عدد من المشاركين في الملتقى إلى ضرورة إعادة التفكير في جريمة الشيك دون رصيد وفي عقوبتها السالبة للحرية.

سعيدة بوهلال

إبراهيم بودربالة: مراجعة قانون الشيك دون رصيد من أولويات البرلمان

تونس-الصباح

أكد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب أمس خلال يوم دراسي بالأكاديمية البرلمانية بقصر باردو أن مراجعة الأحكام المتعلقة بجريمة الشيك دون رصيد تعتبر من أولويات المجلس، وبين أن جرائم الشيك دون رصيد خلقت كتلة نقدية وهمية وهذه الكتلة تؤثر على التضخم المالي وذلك فضلا عن الكلفة التي يتحملها دافع الضريبة والتي تخصص للأشخاص الواقع تتبعهم والأشخاص الذين يقبعون في السجون، والآثار السلبية لهذه الجريمة على المجتمع، وأضاف أن قانون الصك دون صيد اقترحه رئيس فرنسا في السبعينات ولكن تم التخلي عنه بعد عام فقط في حين قام المشرع التونسي بتبنيه.

ولدى حديثه عن تطور عدد القضايا المتعلقة بجرائم الشيك دون رصيد أشار رئيس المجلس إلى أنه كانت هناك في محاكم  تونس الكبرى دائرة وحيدة تنظر بمعدل 800 قضية سنويا لكن اليوم المحاكم مثقلة بقضايا الشيك دون رصيد وكل دائرة في محاكم تونس الكبرى تنظر في ألف قضية وأصبحت اغلب الأحكام تصدر غيابا وهناك من فوجئ بأنه محكوم بمائتي سنة سجنا كما أن هذه الجريمة أحدثت فسادا في كل القطاعات، بينما في العديد من الدول لم يعد هناك وجود لهذه الجريمة.

ومن الحلول التي اقترحها رئيس المجلس، تدعيم الإجراءات في القانون المدني بما من شأنه أن يفرض على سحاب الشيك خلاص الدين.

وعن موعد مراجعة أحكام الشيك دون رصيد من قبل البرلمان بين بودبالة أن رئيس الجمهورية طلب من وزارة العدل عدة مرات  إعداد مشروع قانون في الغرض لكن مجلس نواب الشعب لم يتوصل إلى غاية اليوم بهذا المشروع في الغرض وحالما تتم إحالته سيقع النظر فيه.

وذكر أنه بمقتضى دستور 2022 تقوم الغرفة التنفيذية بوظيفتها أما الوظيفة التشريعية فإنها تحرص على القيام بدورها بكل استقلالية وفي إطار التناغم الايجابي مع الوظيفة التنفيذية وهذا لا يعني أن المجلس النيابي سيكون صندوق بريد للوظيفة التشريعية.

وأضاف قائلا: سنقوم بدورنا التشريعي والرقابي في إطار الوكالة التي أسندها لنا الشعب والمجلس سيؤدي الأمانة على أحسن وجه وسيعمل على إخراج البلاد من الوضع الذي هي عليه وعلى أن يكون في مستوى طموحات الشعب".

 

لماذا التجريم؟

قبل المرور للنقاش استمع المشاركون في اليوم الدراسي البرلماني حول جريمة الصك دون رصيد إلى الأستاذ محمد الهادي الأخوة المحامي لدى التعقيب والأستاذ الجامعي المبرز تحدث فيها بالخصوص عن الجرائم الواردة في الفصل 411 من المجلة التجارية وحاول الإجابة عن جملة من الأسئلة الحارقة وأهمها هل يجب الإبقاء على هذه الجريمة وعلى الصبغة الزجرية لمعاقبة إصدار صك دون رصيد أم لا؟

فبمقتضى الفصل 411 المذكور، "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على ألا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته: كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة وكل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبيتة بالفقرة السابقة مع علمه بذلك وكل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها بالفقرة الأولى أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها ولا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على العقاب المالي المنصوص عليه بالفقرة الأولى من هذا الفصل ويعاقب بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو  باقي قيمته على أن لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار كل مصرف كل مصرف يرفض أداء شيك عوّل ساحبه على اعتماد فتحه له هذا المصرف ولم يرجع فيه بصفة قانونية أو على تسهيلات دفع تعود هذا المصرف منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب برجوعه فيها".

وأشار الأخوة إلى أن التعامل بالشيك إن كان رصيده مفقودا أو ناقصا يحمل صاحبة عقوبات صارمة وهو ما أدى بالمستفيد إلى اللجوء إلى حمل مدينه على إصدار شيك لتوثيق دينه أما بالنسبة لبقية المتعاملين بالسندات النقدية فهم لا يرون فارقا بين عدم الوفاء لانعدام الرصيد للشيك وعدم الوفاء لخلاص كمبيالة أو غيرها من السندات الموثقة للديون وتساءل لماذا تم إعطاء الشيك كل هذه الضمانات وخاصة الضمان الجزائي؟  ولماذا يعاقب جزائيا صاحب الشيك دون رصيد في حين لا يستهدف المدين الآخر إلا بحكم مدني يلزمه بخلاص الدين؟

وفسر أن المشرع فضل الشيك على بقية سندات الدين لتحقيق ضمان خلاصه من خلال تسليط عقوبات جزائية صارمة في حال عدم خلاصه أو خلاص قسط منه وهو ما يدعو حسب قوله للتساؤل هل نحج المشرع في تشريعه وهل وصل للقصد المرجو منه وهل بالإمكان وضع حد للتجريم مع توفير ضمانات أخرى للشيك في إطار مدني وهل يجب الإبقاء على الصبغة الزجرية لمعاقبة مصدري الشيكات دون رصيد أم يجب الاستغناء على الجريمة و محاولة تقوية الضمانات في الميدان المدني بالنسبة للديون التي يكون حكم سدادها بالشيك غير الخالص.

 

عقوبات صارمة

وقال الجامعي إن التجريم اتسم بنوع من الصرامة أحيانا وبالإهمال وخرق القانون أحيانا أخرى فالصرامة جعلت معاقبة الجاني تكاد تكون آنية عند معاينة توفر أركان الجريمة بوثائق مادية مثل الشهادة بعدم توفر الرصيد التي يمنحها الصيرفي وانعدام التسوية ولكن بالنظر إلى تصرف المحاكم نجدها في بعض الأحيان تنحرف بمفهوم الشيك بتعلة استقلال الميدان الجزائي عن الميدان المدني.

وأضاف أن الفصل 446 من المجلة التجارية تعرض للتنصيصات واجبة الذكر في سند الشيك أما الفصل 347 فقد جاء فيه أنه إذا خلا السند من أي واحد من تلك التنصيصات فلا يعتبر شيكا إلا إذا خلا الشيك من مكان الوفاء وإذا خلا من مكان الإنشاء وهو ما يعني أنه ما عدى النقص في بيان مكان الوثائق ومكان إنشاء الشيك فان السند إذا فقد بقية الشروط الشكلية فلا يعتبر شيكا وبالتالي لا يمكن تتبع المعني بالأمر في النطاق الجزائي إلا أنه وعلى أساس استقلال النطاق الجزائي عن النطاق المدني اعتبرت محكمة التعقيب في فرنسا أن الوثيقة التي لا تتعرض حتى إلى كلمة شيك تمكن من التتبع الجزائي إذا كان للسند مظهر الشيك ونفس الشيء فإن محكمة التعقيب في تونس منذ عام 1992 انتهجت نفس المنهج وقالت انه لا يعتبر شيكا في نظر القانون التجاري عندما يفتقد الشيك احد تنصيصاته الوجوبية إلا انه في النظر الجزائي يعتبر شيكا طالما أن له مظهر الشيك وهذا هو مظهر من مظاهر الصرامة في معاقبة الجريمة  عبرت عنه محكمة التعقيب من خلال إقرارها بأن إصدار الشيك دون رصيد يتوجب عقابين أحدهما مالي والأخر بدني معتبرة الاقتصار على عقاب مالي فيه خرق لأحكام الفصل 411. وبين أن المحاكم لئن كانت صارمة فإنه بمجرد معينة خلاص الديون والمصاريف خارج صورة التسوية القانونية فهي في 99 بالمائة من الحالات لا تقضى جزائيا وذلك باللجوء إلى حيلة قانونية وهي الحكم ببطلان الإجراءات حتى وان كانت الإجراءات صحيحة وذلك شعورا منها بقساوة العقوبة هذه الجريمة الاقتصادية.

وذكر أن النيابة العمومية تصدت لجريمة من قبل شيك دون رصيد أو ناقص رصيد أو معترض عليه بغير الصور المنصوص عليها في القانون مع العلم بذلك وهذا التصدي له مضمون إنساني لان من قبل الشيك يكون هدفه إعانة المدين وإقراضه مع منحه مهلة للخلاص  ويكون من الصعب أخلاقيا تتبعه جزائيا ونتيجة لذلك سقطت هذه الجريمة في حكم النسيان بسبب عدم التطبيق. وذكر أن هذا أدى إلى تكاثر صكوك الضمان والمشكل في صكوك الضمان أنها تتعارض مع الطبيعة القانونية للشيك. واستدل الجامعي بفصول أخرى من المجلة التجارية بهدف تفسير كيف أنه بمجرد الإصدار أو السحب أو التسليم تترتب عن كل عمل نتائج مدنية وجزائية وكيف أن الشيك غير معلق على شرط أو أجل فهو لا يخضع لشرط القبول مثل بقية السندات.

انحراف بالقانون

وبعد حديثه عن الموضوع من الناحية النظرية قال الأستاذ محمد الهادي الأخوة إنه على مستوى التطبيق يمكن معاينة انحرافا بالطبيعة القانونية للشيك فمن أداة خلاص ووفاء حيني يصبح الشيك أداة قرض وضمان مخالفة في ذلك للقانون وذكر أنه من الطبيعي أن من ينحرف بالقانون لا يمكن أن يعارض المشرع عندما يقرر تنقيح القانون بإرجاع الصك إلى طبيعيته ولا يمكن أن يطالب بحماية جزائية للشيك دون رصيد تأييدا للمبدأ القانوني العام القائل بأنه لا يمكن لأحد أن ينتفع من خطئه. كما أن محاولة الاستفادة من الخطأ قد تنطبق كذلك على الساحب نفسه فقبول شيكات الضمان مع العلم بأنها شيكات ضمان قد يعرض المستفيد من الناحية النظرية على الأقل إلى تتبع جزائي لأن الجريمة موجودة وهو ما يعني أن المستفيد بدوره في خطر.

وأضاف قائلا: هناك بعض الساحبين المتحييلين فهم يصدرون صكوكا والحال أنهم يعملون أنها غير ممولة عند إصدارها ويسلمون شيكات ضمان وعند اقتراب أجل دفعها وحتى بمجرد إصدارها وانجاز العملية يوجهون إنذارا عن طريق عدل منفذ للمستفيد ويقولون له فيه ويحك إن تقدم هذا الشيك فهو شيك ضمان ويعاقب عليه القانون وهكذا يصبح تجريم الشيك محل تعفن مفضوح وذلك علاوة على المخاطر التطبيقية والمآسي التي انجرت عن هذا الانحراف والمتمثلة خاصة في اكتظاظ بالمحاكم فكل المحاكم الابتدائية خصصت دوائر لا تنظر إلا في هذه الجريمة ولا بد من التفكير في كيفية التخلص من هذا الاكتظاظ القضائي".

وذكر أنه فضلا عن ذلك فإن تفاقم جرائم الصك دون رصيد أدى الى اكتظاظ السجون مع خطرين قد ينجرا عن هذه الآفة ويتمثل الأول في الكلفة التي تتحملها الدولة لأن السجين الواحد يتطلب حوالي 12 ألف دينار سنويا أما الثاني فيتمثل في أن السجون تعتبر مدرسة إجرام.

وقال الجامعي إنه آن الأوان للتفكير في نزع الصبغة الجزائية عن هذه الجريمة وفي تدعيم المجال المدني لتتبع الدين الذي يكون سنده شيكا.

وبين أنه بمقتضى القانون عدد 37 لسنة 2007 فإن من لديه شيكا دون رصيد يمنه القيام بعقلة تحفظية على مكاسب المدين ثم بيع تلك المكاسب كما يمكن استصدرا أمر بالدفع يمكن تنفيذه على مكاسب المدين ولكن العقلة التحفظية أو العقلة التنفيذية بتوفر أمر بالدفع تفترض توفر مكاسب المدين والمشكل المطروح هو ما هو الحل عندما لا يكون للمدين مكاسب وذكر أن المشرع يمكنه أن يفكر في حلول.

ضمانات

وقدم الجامعي لأعضاء المجلس النيابي جملة من المقترحات التي عنونها بالضمانات، وبين متحدثا عن الضمان الأول أنه زيادة على التنصيص على أن كل الممضين على الشيك متضامنون في خلاصه يمكن سحب نفس القاعدة على الذات المعنوية وفي مقدمتها الشركات واقترح تسلط الإجراء على من أمضى على الشيك. أما الضمان الثاني فيتمثل في إمكانية نزع السقوط على الدعوى المدنية بمرور الزمن بالنسبة للشيك حتى يبقى له امتياز خاص على بقية السندات الأخرى.

ويتمثل المقترح الموالي حسب تعبيره فهو في علاقة بسقوط الحكم الذي لا ينفذ بعد عشرين سنة، ويتمثل في إمكانية تنفيذ الأمر بالدفع الذي يستصدره المستفيد حتى بعد عشرين سنة.  وذكر أن المقترح الأخير يتعلق بالدعوى البليانية التي تمكن الدائن من تتبع دينه على أملاك المدين ولو فرط فيها لكن يجب إثبات التواطؤ الذي قام به المدين مع المستفيد من هذه العملية.  وذكر أن من يقع تتبعه عليه أن يثبت أن شراءه للعقار أو المنقول من المدين كان من ماله الخاص.

وخلص الأستاذ الأخوة قائلا : "لماذا هذا العشق للشيك، حتى نحاول أن نكرس الضمانات المدنية خلافا لكل السندات الأخرى خاصة إذا ما عاينا أن الضامن الوحيد نظريا للملك هو الملك لا الجسد البشري، ففي البلدان المتقدمة كرست نزع الصبغة الزجرية للشيك دون رصيد وأصبح الحديث عن هذه الجريمة كجريمة الرق ويمكن أن نتساءل حتى عن نجاعة تكريس الدعوى المدنية في حين أن التقدم العلمي خاصة على المستوى الالكتروني والرقمنة يمكن أن يكون حلا لكل مشاكل الشيك دون رصيد وذلك بمطالبة المستفيدين من هذا السند بان لا يقبل خلاصه بهذه الوسيلة إلا إذا تثبت من توفر الموارد من خلال وثيقة الخلاص فالمصرفي يجمد المبلغ لفائدة المستفيد في اجل معين وتصبح المؤونة ملكا للمستفيد ولا يمكن أن ينال منها شيئا وفي صورة التفريط فيها فان المصرفي يطالب بخلاص الشيك من ماله الخاص".

وأضاف أن هذا الحل قد يثير اعتراضا لدى البعض بالنظر إلى ثمنه لكن لكل سياسة ثمنها وتطبيق هذه الطريقة بالنسبة لبطاقات الخلاص الموجودة في تونس تجعله يقول إنه يمكن توخي هذه الطريقة. وأوضح أن كل جرائم التحيل من تدليس للشيك دون رصيد أو الجرائم المقترفة من قبل المصرفيين يجب أن تبقى قائمة الذات على النطاق الجزائي والمدني والإداري.

وخلال النقاش أشار عدد من المشاركين في الملتقى إلى ضرورة إعادة التفكير في جريمة الشيك دون رصيد وفي عقوبتها السالبة للحرية.

سعيدة بوهلال