منظمة "التراث من أجل السلام: عشرات المواقع تعرضت لاضرار
بعد العراق وسوريا.. دور السودان اليوم وكانه محكوم على المنطقة العربية أن يطمس تراثها بالكامل
تونس- الصباح
كتب نفيسة في مكتبات عمومية أو في جامعات، احرقت وتضررت متاحف من بينها المتحف القومي بالخرطوم ومواقع اثرية هامة وقع استهدافها. تلك بعض من الاضرار التي لحقت بتراث دولة السودان بسبب الحرب الاهلية الدائرة بها منذ اشهر.
فالحرب المستعرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في السودان المتواصلة منذ شهر افريل لم تؤثر على البشر فقط وعلى اقتصاد البلاد وإنما انعكست ايضا سلبا على التراث الثقافي الغني للبلاد ويكفي أن نذكر أن السودان تضم مملكة "كوش" القديمة، التي يقول علماء الآثار والمؤرخون أنها كانت تسيطر على التجارة بين جنوب إفريقيا ومصر في عصر الفراعنة، حتى ندرك ذلك. وقد اطلقت العديد من الهيئات والهياكل المهتمة مؤخرا صيحات فزع ترددت صداها في عدة مواقع اعلامية.
فحسب تقرير نشرته "منظمة التراث من أجل السلام"، وهي منظمة غير حكومية للتراث الثقافي على اتصال بباحثين وعلماء آثار محليين، فقد تم استهداف ما لا يقل عن 28 موقعاً ثقافياً وأثريا بأنحاء البلاد، أو تعرضت لأضرار جانبية.
واكد علماء اثار وجامعيون إن بعض المواقع بما فيها جامعات عديدة، باتت تستخدم لأغراض عسكرية.
ونددت عدة هياكل مختصة بما تقوم به القوات المتناحرة من تنكيل بالأثار وبالتراث فقد نشرت قوات الدعم السريع ( في حرب مع الجيش) مقطع فيديو في جوان يظهر قواتها داخل متحف السودان القومي في وسط العاصمة الخرطوم، والذي يضم بعضا من أقدم وأهم المومياوات في العالم. ولم يتسن لموظفي المتحف الوصول إلى هناك للتحقق من الدمار الذي لحق به.
ويقول الملاحظون أن "هناك مشكلة حقيقية في الحصول على معلومات كاملة عن حقيقة ما يحدث، ببساطة لأن معظم هذه المواقع تقع في إطار مناطق القتال".
ولدى السودان موقعان مصنفان على لائحة المنظمة الاممية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) للتراث العالمي هما جزيرة مروي، موطن أحد أكبر مجمعات الأهرام القديمة في إفريقيا، و"جبل البركل" وهو جبل مقدس من الحجر الرملي قرب المقابر والمعابد والقصور التي تنتشر مع مجرى نهر النيل.
وقد لفت الباحث السوداني في "جامعة برمنجهام" البريطانية إسماعيل حامد نور، والذي يوثق المواقع المعرضة للخطر، والذي يعتبر مصدرا مهما في متابعة ما يجري يوميا، إلى أن "احتمالات النهب والسرقة تزيد في الموقع".
متاحف في خطر
واشارت منظمة التراث من أجل السلام في تقريرها إلى أن الاضطرابات في منطقة دارفور بغرب البلاد، ألحقت أضرارا بأربعة متاحف على الأقل.
وأفادت المنظمة بأن سطح المتحف في نيالا، ثاني أكبر مدينة سودانية، وعاصمة ولاية جنوب دارفور، "تعرض لأضرار طفيفة من المقذوفات، مما جعل ما بداخله عرضة لهطول الأمطار مع اقتراب موسم الأمطار في السودان".
ويحتوي المتحف على قطع فخارية ومجوهرات وأدوات، تظهر تنوع الحضارات التي ازدهرت ذات يوم في دارفور. وتعتبر منطقة المتحف واحدة من المناطق المدنية الرئيسية في نيالا.
وقالت الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية، إن النيران أتت على ما لا يقل عن 50 من الكتب النادرة والقيّمة أو المجموعات، في جامعة أم درمان الأهلية، التي تقع في أم درمان إحدى المدن الثلاث التي تشكل عاصمة السودان الأوسع.
وتظهر صور نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكواما من بقايا كتب ومخطوطات متفحمة.
وقد نقلت مواقع اعلامية أنه رغم قلة الموارد المالية، فإن "الهيئة القومية للآثار والمتاحف" قد جمعت اموالا لدفع رواتب 100 حارس ومفتش، ليعودوا إلى مواقعهم عندما يكون ذلك آمنا، وأجرت عمليات تحويل أموال للتدريب على الاستجابة للطوارئ، واتخاذ إجراءات لمنع عمليات التنقيب غير القانونية، وتربية تلاميذ مدارس دارفور على احترام التراث الثقافي والوعي بأهميته.
ويحاول المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية والهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية، وضع خطوات للحفاظ على التراث الثقافي أثناء الحرب، بما في ذلك احتمال إجلاء القطع الأثرية.
وقالت أبارنا تاندون المسؤولة في المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية في تصريحات نقلتها عنها وكالات انباء عالمية إنه "على الرغم من وجود قدر كبير من الوعي بخصوص التراث الثقافي والحاجة إلى حمايته في أوقات الأزمات، فإن أحد أكبر التحديات التي نواجهها يتمثل في أن الثقافة لا تزال غير مدمجة في لغة المساعدات الإنسانية".
وأكدت مصادر اعلامية أن مارلين ديجان خبيرة العلوم الإنسانية الرقمية في بريطانيا وباحثون محليون، احدثوا مشروعا لإنشاء أرشيف رقمي لتاريخ السودان الثقافي، وذلك بعد أن أحرق متمردون بعض المخطوطات القديمة بتمبكتو في مالي.
ومع انطلاق الحرب، كانوا قد أكملوا رقمنة ما يصل إلى 150 ألف صورة لمواد تعود إلى الفترة من 4000 قبل الميلاد.
ويقول خبراء في هذا السياق أن ملايين المواد لا تزال غير مرقمنة، وعرضة لخطر الضياع إلى الأبد.
وطبعا يعود بنا ما يحدث اليوم في السودان إلى ما كان قد حدث في كل من العراق وسوريا الذي مازالت تبعاته إلى اليوم. فالعراق تعرضت اثر الاحتلال الامريكي إلى مأسي حقيقية وإلى ابشع العمليات الانتقامية من تاريخها. فقد تعرض تراثها الثري الذي يعود بعضه إلى آلاف السنين إلى عمليات سطو وسرقة وتدمير ممنهج وذلك بتواطؤ مع القوات الأمريكية والحليفة التي غضت الطرف عن عمليات النهب التي طالت المتحف القومي العراقي وقد تكررت المأساة مع عربدة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في البلاد. هذا التنظيم وغيره من العصابات الارهابية المسلحة استهدف أيضا التراث السوري حيث وقع تدمير مواقع تاريخية واثرية هامة بالكامل وتعرضت المتاحف إلى النهب والسرقة وتعرضت العديد من المواقع إلى التدمير وكأنه حكم على المنطقة العربية الغنية بتراثها الثقافي ان يطمس تاريخها بالكامل وأن تتحول إلى منطقة منبتة بلا تاريخ وبلا ماض.
س ت
منظمة "التراث من أجل السلام: عشرات المواقع تعرضت لاضرار
بعد العراق وسوريا.. دور السودان اليوم وكانه محكوم على المنطقة العربية أن يطمس تراثها بالكامل
تونس- الصباح
كتب نفيسة في مكتبات عمومية أو في جامعات، احرقت وتضررت متاحف من بينها المتحف القومي بالخرطوم ومواقع اثرية هامة وقع استهدافها. تلك بعض من الاضرار التي لحقت بتراث دولة السودان بسبب الحرب الاهلية الدائرة بها منذ اشهر.
فالحرب المستعرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في السودان المتواصلة منذ شهر افريل لم تؤثر على البشر فقط وعلى اقتصاد البلاد وإنما انعكست ايضا سلبا على التراث الثقافي الغني للبلاد ويكفي أن نذكر أن السودان تضم مملكة "كوش" القديمة، التي يقول علماء الآثار والمؤرخون أنها كانت تسيطر على التجارة بين جنوب إفريقيا ومصر في عصر الفراعنة، حتى ندرك ذلك. وقد اطلقت العديد من الهيئات والهياكل المهتمة مؤخرا صيحات فزع ترددت صداها في عدة مواقع اعلامية.
فحسب تقرير نشرته "منظمة التراث من أجل السلام"، وهي منظمة غير حكومية للتراث الثقافي على اتصال بباحثين وعلماء آثار محليين، فقد تم استهداف ما لا يقل عن 28 موقعاً ثقافياً وأثريا بأنحاء البلاد، أو تعرضت لأضرار جانبية.
واكد علماء اثار وجامعيون إن بعض المواقع بما فيها جامعات عديدة، باتت تستخدم لأغراض عسكرية.
ونددت عدة هياكل مختصة بما تقوم به القوات المتناحرة من تنكيل بالأثار وبالتراث فقد نشرت قوات الدعم السريع ( في حرب مع الجيش) مقطع فيديو في جوان يظهر قواتها داخل متحف السودان القومي في وسط العاصمة الخرطوم، والذي يضم بعضا من أقدم وأهم المومياوات في العالم. ولم يتسن لموظفي المتحف الوصول إلى هناك للتحقق من الدمار الذي لحق به.
ويقول الملاحظون أن "هناك مشكلة حقيقية في الحصول على معلومات كاملة عن حقيقة ما يحدث، ببساطة لأن معظم هذه المواقع تقع في إطار مناطق القتال".
ولدى السودان موقعان مصنفان على لائحة المنظمة الاممية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) للتراث العالمي هما جزيرة مروي، موطن أحد أكبر مجمعات الأهرام القديمة في إفريقيا، و"جبل البركل" وهو جبل مقدس من الحجر الرملي قرب المقابر والمعابد والقصور التي تنتشر مع مجرى نهر النيل.
وقد لفت الباحث السوداني في "جامعة برمنجهام" البريطانية إسماعيل حامد نور، والذي يوثق المواقع المعرضة للخطر، والذي يعتبر مصدرا مهما في متابعة ما يجري يوميا، إلى أن "احتمالات النهب والسرقة تزيد في الموقع".
متاحف في خطر
واشارت منظمة التراث من أجل السلام في تقريرها إلى أن الاضطرابات في منطقة دارفور بغرب البلاد، ألحقت أضرارا بأربعة متاحف على الأقل.
وأفادت المنظمة بأن سطح المتحف في نيالا، ثاني أكبر مدينة سودانية، وعاصمة ولاية جنوب دارفور، "تعرض لأضرار طفيفة من المقذوفات، مما جعل ما بداخله عرضة لهطول الأمطار مع اقتراب موسم الأمطار في السودان".
ويحتوي المتحف على قطع فخارية ومجوهرات وأدوات، تظهر تنوع الحضارات التي ازدهرت ذات يوم في دارفور. وتعتبر منطقة المتحف واحدة من المناطق المدنية الرئيسية في نيالا.
وقالت الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية، إن النيران أتت على ما لا يقل عن 50 من الكتب النادرة والقيّمة أو المجموعات، في جامعة أم درمان الأهلية، التي تقع في أم درمان إحدى المدن الثلاث التي تشكل عاصمة السودان الأوسع.
وتظهر صور نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكواما من بقايا كتب ومخطوطات متفحمة.
وقد نقلت مواقع اعلامية أنه رغم قلة الموارد المالية، فإن "الهيئة القومية للآثار والمتاحف" قد جمعت اموالا لدفع رواتب 100 حارس ومفتش، ليعودوا إلى مواقعهم عندما يكون ذلك آمنا، وأجرت عمليات تحويل أموال للتدريب على الاستجابة للطوارئ، واتخاذ إجراءات لمنع عمليات التنقيب غير القانونية، وتربية تلاميذ مدارس دارفور على احترام التراث الثقافي والوعي بأهميته.
ويحاول المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية والهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية، وضع خطوات للحفاظ على التراث الثقافي أثناء الحرب، بما في ذلك احتمال إجلاء القطع الأثرية.
وقالت أبارنا تاندون المسؤولة في المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية في تصريحات نقلتها عنها وكالات انباء عالمية إنه "على الرغم من وجود قدر كبير من الوعي بخصوص التراث الثقافي والحاجة إلى حمايته في أوقات الأزمات، فإن أحد أكبر التحديات التي نواجهها يتمثل في أن الثقافة لا تزال غير مدمجة في لغة المساعدات الإنسانية".
وأكدت مصادر اعلامية أن مارلين ديجان خبيرة العلوم الإنسانية الرقمية في بريطانيا وباحثون محليون، احدثوا مشروعا لإنشاء أرشيف رقمي لتاريخ السودان الثقافي، وذلك بعد أن أحرق متمردون بعض المخطوطات القديمة بتمبكتو في مالي.
ومع انطلاق الحرب، كانوا قد أكملوا رقمنة ما يصل إلى 150 ألف صورة لمواد تعود إلى الفترة من 4000 قبل الميلاد.
ويقول خبراء في هذا السياق أن ملايين المواد لا تزال غير مرقمنة، وعرضة لخطر الضياع إلى الأبد.
وطبعا يعود بنا ما يحدث اليوم في السودان إلى ما كان قد حدث في كل من العراق وسوريا الذي مازالت تبعاته إلى اليوم. فالعراق تعرضت اثر الاحتلال الامريكي إلى مأسي حقيقية وإلى ابشع العمليات الانتقامية من تاريخها. فقد تعرض تراثها الثري الذي يعود بعضه إلى آلاف السنين إلى عمليات سطو وسرقة وتدمير ممنهج وذلك بتواطؤ مع القوات الأمريكية والحليفة التي غضت الطرف عن عمليات النهب التي طالت المتحف القومي العراقي وقد تكررت المأساة مع عربدة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في البلاد. هذا التنظيم وغيره من العصابات الارهابية المسلحة استهدف أيضا التراث السوري حيث وقع تدمير مواقع تاريخية واثرية هامة بالكامل وتعرضت المتاحف إلى النهب والسرقة وتعرضت العديد من المواقع إلى التدمير وكأنه حكم على المنطقة العربية الغنية بتراثها الثقافي ان يطمس تاريخها بالكامل وأن تتحول إلى منطقة منبتة بلا تاريخ وبلا ماض.