إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. سترة النجاة .. إن وجد لها سبيل ...

 

إلى أحد مستودعات الإيواء تم نقل الناجين من حادثة غرق سفينة مهاجرين على السواحل اليونانية إلى حين التعرف على هوياتهم... وفق ما أعلنته السلطات الرسمية التي أعلنت الحداد ثلاثة أيام بعد الكشف عن أسوإ حادثة غرق تعرفها السواحل اليونانية منذ سنوات... تختلف الأسماء والأحداث والتواريخ والمحطات وتتكرر المآسي والعناوين، وسفن الموت تواصل شق المتوسط محملة بالحالمين بالعبور إلى الجنة الموعودة التي حلموا بها أو ربما التي أوهمهم سماسرة البشر بأنها تنتظرهم هناك في نهاية الرحلة لتعوضهم عن كل الحرمان والمعاناة التي تلاحقهم منذ ولادتهم.. تختلف هوياتهم وجنسياتهم وجذورهم ولغاتهم وتلتقي أهدافهم وأحلامهم في الهروب من جحيم أوطان ضاقت بأبنائها ولم تدخر جهدا في دفعهم إلى الهروب مهما كان الثمن...  والانطلاق بعيدا عن قيود أنظمة وحكام عاجزين عن تحويل الأوطان من سجون تخنق أبناءها إلى مشاريع واعدة تجذبهم إليها وتغريهم بالبقاء على أرضها والتنقيب بين ثنايا رمالها وجبالها وتحثهم على الابتكار والإبداع في كل مجالات الحياة الفنية والثقافية والمعرفية والاقتصادية وغيرها... أو هذا ما يفترض لو توفر الحد الأدنى من الإرادة السياسية والمسؤولية والحوكمة ...إلى أن تزول الأسباب والدوافع التي تفاقم المآسي وتدفع بالشباب والأطفال والنساء إلى المخاطرة بركوب البحر في ظروف لا تتوفر فيها ابسط الضمانات بحثا عن واقع أفضل فسيتعين انتظار مزيد المآسي وربما بشكل يفوق ما تم تسجيله حتى الآن.. والأكيد أنه كلما اشتد الإحباط والبؤس وغابت الآفاق وتراجعت الفرص كلما اشتدت الرغبة للباحثين عن الهجرة في ركوب البحر مهما كانت ضالة الفرص المتاحة للوصول إلى شاطئ السلام والأكيد أيضا أنه كلما استوت حظوظ  الموت والحياة كلما اختنق المتوسط بسفن الموت وانتشرت رائحة الموت وتضخمت أرصدة تجار البشر والمستثمرين في مآسي القانطين من الحياة ...

مآسي المهاجرين تتواتر في عرض المتوسط الذي تحول من جسر لتلاقح الثقافات والحضارات وتقارب الشعوب والأمم إلى مقبرة لقوافل اللاجئين الأفارقة والآسيويين من كل الأعمار ممن كانوا يحلمون بواقع أفضل على الضفة الشمالية للمتوسط وانتهت بهم الرحلة ليتحولوا إلى مجرد رقم في سجلات الضحايا إذا ما أمكن التعرف على هوياتهم... قاسية وثقيلة الأنباء المتواترة عن غرق عشرات المهاجرين على السواحل اليونانية الذين انتهت بهم الرحلة قبل الوصول إلى حيث كانوا يخططون لكتابة فصل جديد من حياتهم انطلاقا بعيدا عن البؤس اليومي والجوع والموت البطيء وبمنأى عن الظلم والفساد والترهيب وكل مظاهر الاستعباد القديم والجديد ...

ولاشك أن ما حدث هذا الأسبوع على السواحل اليونانية يعد فصلا إضافيا من معاناة لا تتوقف حيث لقي عشرات المهاجرين حتفهم بعد غرق سفينتهم المحملة بالمئات من المهاجرين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا... ما جعل السلطات اليونانية تعلن الحداد وتعتبر أن الكارثة واحدة من اكبر مآسي المهاجرين.. المصيبة أنه لا احد من المهاجرين كان يرتدي سترة نجاة... مؤشر إضافي على توحش تجار البشر وتعمدهم تعريض ضحاياهم لخطر الموت.. بعض المنظمات الإنسانية تقول أن خفر السواحل كانوا على علم بالخطر المحدق بالسفينة وبان من كانوا على متنها في محنة ولكنهم تأخروا لساعات قبل مد يد المساعدة... هل تعمدت السلطات اليونانية عدم التدخل في الإبان وهل كان بالإمكان تفادي ما حصل؟ تساؤلات كثيرة تحيط بالمأساة التي تتكرر يوميا على سواحل المتوسط  مخلفة الحرقة والألم في نفوس عائلات  تتطلع إلى معرفة الحقيقة بشأن مصير أبنائها ولا تجد لها سبيلا.. تساؤلات ستظل تتكرر مع كل مأساة جديدة لا يرى منها حكام الأرض الموعودة أو الضفة الشمالية للمتوسط غير الخطر الداهم لسفن الموت التي يتعين إيقافها ومنعها من الوصول إلى أراضيها.. وهذا ما تتم مناقشته وطرحه في مختلف اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي المستنفرين إلى درجة الهوس بملف الهجرة غير الشرعية التي تؤرقهم وتجعلهم يقفزون على كل الجوانب الإنسانية في هذا الملف  ولا يتحرجون من قبر المهاجرين أحياء على سواحلهم فالأهم ألا تطأ أقدامهم تراب القارة العجوز التي أسقطت القيم الإنسانية المشتركة من حساباتها كلما تعلق الأمر بمصير اللاجئين الهاربين من الجحيم...

اسيا العتروس

ممنوع من الحياد..  سترة النجاة .. إن وجد لها سبيل ...

 

إلى أحد مستودعات الإيواء تم نقل الناجين من حادثة غرق سفينة مهاجرين على السواحل اليونانية إلى حين التعرف على هوياتهم... وفق ما أعلنته السلطات الرسمية التي أعلنت الحداد ثلاثة أيام بعد الكشف عن أسوإ حادثة غرق تعرفها السواحل اليونانية منذ سنوات... تختلف الأسماء والأحداث والتواريخ والمحطات وتتكرر المآسي والعناوين، وسفن الموت تواصل شق المتوسط محملة بالحالمين بالعبور إلى الجنة الموعودة التي حلموا بها أو ربما التي أوهمهم سماسرة البشر بأنها تنتظرهم هناك في نهاية الرحلة لتعوضهم عن كل الحرمان والمعاناة التي تلاحقهم منذ ولادتهم.. تختلف هوياتهم وجنسياتهم وجذورهم ولغاتهم وتلتقي أهدافهم وأحلامهم في الهروب من جحيم أوطان ضاقت بأبنائها ولم تدخر جهدا في دفعهم إلى الهروب مهما كان الثمن...  والانطلاق بعيدا عن قيود أنظمة وحكام عاجزين عن تحويل الأوطان من سجون تخنق أبناءها إلى مشاريع واعدة تجذبهم إليها وتغريهم بالبقاء على أرضها والتنقيب بين ثنايا رمالها وجبالها وتحثهم على الابتكار والإبداع في كل مجالات الحياة الفنية والثقافية والمعرفية والاقتصادية وغيرها... أو هذا ما يفترض لو توفر الحد الأدنى من الإرادة السياسية والمسؤولية والحوكمة ...إلى أن تزول الأسباب والدوافع التي تفاقم المآسي وتدفع بالشباب والأطفال والنساء إلى المخاطرة بركوب البحر في ظروف لا تتوفر فيها ابسط الضمانات بحثا عن واقع أفضل فسيتعين انتظار مزيد المآسي وربما بشكل يفوق ما تم تسجيله حتى الآن.. والأكيد أنه كلما اشتد الإحباط والبؤس وغابت الآفاق وتراجعت الفرص كلما اشتدت الرغبة للباحثين عن الهجرة في ركوب البحر مهما كانت ضالة الفرص المتاحة للوصول إلى شاطئ السلام والأكيد أيضا أنه كلما استوت حظوظ  الموت والحياة كلما اختنق المتوسط بسفن الموت وانتشرت رائحة الموت وتضخمت أرصدة تجار البشر والمستثمرين في مآسي القانطين من الحياة ...

مآسي المهاجرين تتواتر في عرض المتوسط الذي تحول من جسر لتلاقح الثقافات والحضارات وتقارب الشعوب والأمم إلى مقبرة لقوافل اللاجئين الأفارقة والآسيويين من كل الأعمار ممن كانوا يحلمون بواقع أفضل على الضفة الشمالية للمتوسط وانتهت بهم الرحلة ليتحولوا إلى مجرد رقم في سجلات الضحايا إذا ما أمكن التعرف على هوياتهم... قاسية وثقيلة الأنباء المتواترة عن غرق عشرات المهاجرين على السواحل اليونانية الذين انتهت بهم الرحلة قبل الوصول إلى حيث كانوا يخططون لكتابة فصل جديد من حياتهم انطلاقا بعيدا عن البؤس اليومي والجوع والموت البطيء وبمنأى عن الظلم والفساد والترهيب وكل مظاهر الاستعباد القديم والجديد ...

ولاشك أن ما حدث هذا الأسبوع على السواحل اليونانية يعد فصلا إضافيا من معاناة لا تتوقف حيث لقي عشرات المهاجرين حتفهم بعد غرق سفينتهم المحملة بالمئات من المهاجرين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا... ما جعل السلطات اليونانية تعلن الحداد وتعتبر أن الكارثة واحدة من اكبر مآسي المهاجرين.. المصيبة أنه لا احد من المهاجرين كان يرتدي سترة نجاة... مؤشر إضافي على توحش تجار البشر وتعمدهم تعريض ضحاياهم لخطر الموت.. بعض المنظمات الإنسانية تقول أن خفر السواحل كانوا على علم بالخطر المحدق بالسفينة وبان من كانوا على متنها في محنة ولكنهم تأخروا لساعات قبل مد يد المساعدة... هل تعمدت السلطات اليونانية عدم التدخل في الإبان وهل كان بالإمكان تفادي ما حصل؟ تساؤلات كثيرة تحيط بالمأساة التي تتكرر يوميا على سواحل المتوسط  مخلفة الحرقة والألم في نفوس عائلات  تتطلع إلى معرفة الحقيقة بشأن مصير أبنائها ولا تجد لها سبيلا.. تساؤلات ستظل تتكرر مع كل مأساة جديدة لا يرى منها حكام الأرض الموعودة أو الضفة الشمالية للمتوسط غير الخطر الداهم لسفن الموت التي يتعين إيقافها ومنعها من الوصول إلى أراضيها.. وهذا ما تتم مناقشته وطرحه في مختلف اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي المستنفرين إلى درجة الهوس بملف الهجرة غير الشرعية التي تؤرقهم وتجعلهم يقفزون على كل الجوانب الإنسانية في هذا الملف  ولا يتحرجون من قبر المهاجرين أحياء على سواحلهم فالأهم ألا تطأ أقدامهم تراب القارة العجوز التي أسقطت القيم الإنسانية المشتركة من حساباتها كلما تعلق الأمر بمصير اللاجئين الهاربين من الجحيم...

اسيا العتروس