إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ظاهرة خطيرة ومدمرة .. الغش "يتغلغل" من الابتدائي إلى التعليم العالي !!

 

مختص في علم الاجتماع:

الغش في الامتحانات دليل على انهيار أخلاقي كبير في تونس

تونس: الصباح

لم تحل العمليات التحسيسية والإجراءات الوقائية والمقاربة الردعية التي توختها وزارة التربية بمناسبة الامتحانات الوطنية لهذا الموسم، دون تسجيل عمليات غش في امتحان الباكالوريا في دورته الرئيسية وهي ظاهرة خطيرة لأنها تمس من المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين لهذا الامتحان من ناحية ومن قيمة الشهائد العلمية من ناحية أخرى. ولعل ما يبعث عن الانشغال هو اتساع دائرة الغش في الامتحانات لتشمل جميع المستويات التعليمية بما فيها العالي وحتى الابتدائي.

الدكتور خليل الزميطي المختص في علم الاجتماع والأستاذ بجامعة السربون سابقا فسر استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات بوجود ما وصفه بالانهيار الأخلاقي الكبير في المجتمع التونسي بشكل عام، وأضاف أن الطفل الذي يتربى في بيئة فيها غش ينشأ على الغش كأداة لتحقيق المكاسب والنجاحات بأقل ما يمكن من الجهود والكلفة.

وأضاف في تصريح لـ"الصباح" أن تنامي هذه الظاهرة مرتبط بشكل كبير بالتحولات الديمغرافية التي عرفتها تونس، فبعد الاستقلال كان عدد السكان في حدود ثلاثة ملايين نسمة وكان جلهم يقطنون في الأرياف حيث كانت هناك روابط قوية بين الناس وكان الصغار يحترمون الكبار وكان المدرس يحظى بالتبجيل والتقدير إلى درجة أن التلميذ لا يجرأ على النظر إليه عندما يراه مارا في الشارع فما بالك بأن يفكر في الغش في الامتحان، وشيئا فشيئا تغير الوضع الديمغرافي وتطور عدد السكان ليصل اليوم إلى 12 مليون نسمة يقيم أغلبهم في المناطق الحضرية وخاصة في العاصمة والمدن الكبرى كما أن الكثير من العائلات أصبحت تفطن في المباني العمودية حيث لا توجد روابط بين الأجوار مثل التي كانت موجودة في السابق وهو ما أدى إلى تراجع القيم الأخلاقية التي تربى عليها التونسيون في ما مضى وأصبحنا نتحدث عن أزمة أخلاقية وهي تتفاقم من سنة إلى أخرى.

ولاحظ المختص في علم الاجتماع أن عمليات الغش في الامتحانات لئن كانت موجودة في السابق فقد كانت حالات قليلة جدا ونادرة وربما شاذة وكانت تعتبر في نظر الأسرة التربوية فضيحة أخلاقية يتعرض مرتكبها إلى عقوبات تأديبية تصل إلى الرفت، ولكن التلميذ التونسي بشكل عام كان يخجل حتى من مجرد التفكير في الغش وأحيانا كان عندما يجد صعوبات في الامتحان يسأل الأستاذ وكان هناك أساتذة يتفاعلون مع التلميذ ويجيبون عن سؤاله، ولكن لم يكن الغش بهذا الشكل المخيف والمنظم الذي أضحى عليه اليوم، إذ أصبح الغش في الامتحانات ظاهرة خطيرة للغاية على المجتمع لأن أثارها ستكون مدمرة وستبدأ هذه الآثار في الظهور بعد سنوات قليلة، وفسر أنه تكفي الإشارة فقط إلى أن التلميذ أو الطالب الذي يغش في الامتحان ولا يقع اكتشاف جريمته يمكن أن يصبح بعد سنوات قليلة جراحا أو مهندسا أو أستاذا فكيف له وقتها أن ينقذ الأرواح البشرية وكيف سيشيد المنشآت وكيف سيدرس الأجيال القادمة؟

وأضاف الجامعي أنه لا بد من إطلاق صرخة فزع لأن ظاهرة الغش في الامتحانات أصبحت موجودة في جميع المستويات الدراسية وفي مختلف المواد دون استثناء كما أصبحت هناك شبكات مافيوزية تؤطر الغش وتوفر له الظروف المناسبة وتورد له المعدات التقنية اللازمة، وهو ما يتطلب اليقظة وتشديد الرقابة وتوخي مقاربة ردعية خاصة مع الأساتذة الذين ينشطون في شبكات الغش لأن الأستاذ من المفروض أن يكون قدوة ونموذجا يحتذي به التلميذ لا أن يكون ضالعا في عمليات الغش.

وشدد المختص في علم الاجتماع على أن الردع مطلوب للغاية في هذه الفترة لمقاومة الظاهرة وأضاف أن العقوبات في بعض البلدان تصل إلى السجن وبين أنه من الضروري أن يتم في تونس تعديل النصوص القانونية المتعلقة بالغش في الامتحانات في اتجاه جعل العقوبات أكثر صرامة بما يؤدي إلى ردع حقيقي. وأضاف أنه في هذا السياق يمكن العمل بمقولة الفيلسوف والمفكر الإيطالي بيكولو دي برناردو دي ماكيافيلي الشهيرة في كتابه "الأمير" ومفادها أنه لا يمكن حكم المجتمع دون توفر شيئين وهما الرحمة والردع، وهي نظرية عمل بها الرئيس بورقيبة وغيره من الرؤساء منذ القدم حتى أن هناك منهم من كان يقول لوزرائه أنا أصفح وأنتم تعاقبون.

الردع ولا شيء غير الردع

وخلص خليل الزميطي إلى دعوة وزارة التربية إلى مراجعة طريقة التعاطي مع عمليات الغش في الامتحان وتوخي الردع لأنه في غياب الردع الحقيقي فستكون النتائج وخيمة على المجتمع بأسره.

ومن جهته كان وزير التربية محمد علي البوغديري قال يوم انطلاق امتحان الباكالوريا إنه يتمنى أن يقع التصدي للغش لأنه للأسف أصبحت هناك لوبيات و"كناطرية" تقف وراء هذه الظاهرة وهناك من يريد التلاعب بهذا الاستحقاق الوطني. وذكر أن قوات الديوانة ضبطت كميات هامة من المواد التي يقع استعمالها للغش سواء على مستوى التوريد أو التخزين وبين أن قوات الأمن ستواصل التصدي لهؤلاء أما على مستوى المؤسسة التربوية وقاعة الامتحان فإن المعلمين والأساتذة يراقبون سير الامتحانات وذكر الوزير أنه حتى وإن وجد غش هذا الموسم فسيكون ضعيفا.

أما مدير عام الامتحانات محمد الميلي فقد أشار في تصريح صحفي يوم الاثنين الماضي على هامش الندوة الصحفية التي عقدها وزير التربية للحديث عن استعدادات الوزارة للامتحانات الوطنية إلى أنه يدعو كل التلاميذ إلى التعويل على الذات والاعتماد على النفس للنجاج، وأكد أن وزارة التربية ستلعب دورها الأساسي في التصدي لمحاولات الغش في الامتحانات الوطنية وهو دور تربوي تحسيسي بيداغوجي انطلقت فيه الوزارة منذ شهر فيفري الماضي حيث تم تمكين التلاميذ بمناسبة الاختبارات التطبيقية من مطويات تضمنت معلومات حول عقوبات الغش إضافة إلى بث الومضات التحسيسية في القناة التلفزية التربوية. وأشار إلى أن هناك أيضا مقاربة تأديبية وفي هذا السياق هناك نص قانوني سيتم تطبيقه على من يرتكبون عمليات الغش. ولاحظ الميلي أن إمكانيات الغش الالكتروني أصبحت متطورة وللتصدي لها تقرر اعتماد التطبيقة التي وقع استعمالها السنة الماضية إضافة إلى إجراءات أخرى خير وزير التربية عدم كشفها للرأي العام. وحسب وصفه أصبحت ظاهرة الغش كبيرة وفاقت إمكانيات وزارة التربية وأكد أنه سيتم التعامل معها بكل صرامة.

وبالعودة إلى الحملات التحسيسية التي قامت بها وزارة التربية للحد من ظاهرة الغش في الامتحانات تجدر الإشارة إلى أنه تم تذكير التلاميذ بالمقاربات التي تعمدها الوزارة للتصدي لهذه الظاهرة، ففيما يتعلق بالمقاربة البيداغوجية التحسيسية فتتمثل في تسليم المترشح للامتحان جذاذة مع كل استدعاء فردي خلال الاختبارات التطبيقية والكتابية ومطوية قبل انطلاق الاختبارات الكتابية وتوجيه مراسلة قصيرة على الهواتف الجوالة لكافة المترشحين والقيام بحملات تحسيسية على مستوى المؤسسات التربوية وتركيز معلقات في مدخل مراكز الاختبارات الكتابية وبث ومضات اشهارية على القناة التربوية.

أما بالنسبة إلى المقاربة التأديبية فتتمثل في تطبيق القرار المؤرخ في 29 مارس لسنة 2021 المتعلق بتنقيح وإتمام القرار المؤرخ في 24 أفريل 2008 المتعلق بضبط نظام امتحان الباكالوريا ومنه الفصل 19 جديد الذي تم بمقتضاه تحجير اصطحاب أي جهاز الكتروني إلى مركز الامتحان بما في ذلك الهاتف الجوال واللوحة الرقمية والحاسوب والساعة الالكترونية والقلم الالكتروني ما عدا الآلة الحاسبة التي يجب أن يكون مؤشر عليها، وكل مخالفة لهذا الإجراء تعتبر محاولة غش يعاقب مرتكبها بإلغاء الدورة وتحجير الترسيم في الامتحان لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات مع الرفت من جميع المؤسسات التربوية العمومية، كما أن كل ارتكاب للغش أو محاولة للغش بما في ذلك اصطحاب جهاز الكتروني أو وسيلة اتصال إلى مركز الامتحان من قبل المترشحين في امتحان الباكالوريا يعرض صاحبه للعقوبات سالفة الذكر. وهناك مقاربة ثالثة باستعمال الأجهزة الالكترونية واعتماد تطبيقة معدة للغرض.

إحصائيات حول الغش

وللتذكير فإن عدد حالات الغش في امتحان الباكالوريا التي سجلتها وزارة التربية سنة 2020 بلغ 1572 وسنة 2021 بلغ 990 وسنة 2022 بلغ 1642. وبالنسبة إلى الحالات المسجلة سنة 2022 فهي تتوزع على 51 بالمائة إناث و49 بالمائة ذكور، وبالنظر إلى توزيع حالات الغش حسب صنف التعليم على كل ألف مترشح اجتاز الامتحان فنجد على كل ألف مترشح في التعليم العمومي 10 حالات غش وفي التعليم الخاص 22 حالة وبالنسبة إلى الترشحات الفردية فقد وصلت إلى 52 حالة.

وفي إحصاء قامت به وزارة التربية لحالات الغش في امتحان الباكالوريا السنة الماضية حسب المندوبيات الجهوية للتربية فنجد ولاية قفصة في الصدارة 368 حالة وتليها القصرين 317 حالة فسيدي بوزيد 228 حالة فجندوبة 124 حالة فالقيروان 121 حالة ثم سليانة 67 حالة فمندوبية تونس واحد 45 حالة ثم بن عروس 32 حالة تليها مندوبية تونس 2، 29 حالة فسوسة 28 ثم المنستير 27 فنابل 26 حالة ثم بنزرت 24 حالة فقابس 23 حالة ونفس العدد تم تسجيله في مندوبية صفاقس واحد تليها أريانة 21 حالة ونفس الشيء بالنسبة إلى منوبة وتوزر، أما في المهدية فتم تسجيل 19 حالة وفي الكاف 18 حالة وفي قبلي 17 حالة وفي باجة 15 حالة وفي مدنين 13 حالة وفي زغوان 8 حالات وفي تطاوين 5 حالات، وتم تسجيل أقل عدد لحالات الغش وهو 2 في مندوبية صفاقس 2 .

 وفي إحصاء لحالات الغش حسب الشعب في امتحان الباكالوريا السنة الماضية يمكن الإشارة إلى أن أغلب الحالات ارتكبها مترشحون من شعبة الاقتصاد والتصرف تليها شعبة الآداب ثم شعبة العلوم التقنية فشعبة العلوم التجريبية فشعبة علوم الإعلامية وأخيرا من شعبتي الرياضيات والرياضة. وتتمثل أكثر مادة سجلت فيها حالات غش في مادة التاريخ والجغرافيا تليها مادة العربية فالرياضيات ثم مادة الفرنسية فالتصرف ثم الإنقليزية وتليها مادة الاقتصاد فالعلوم الفيزيائية ثم الفلسفة فالإعلامية ثم مادة علوم الحياة والأرض فالتفكير الإسلامي ثم التكنولوجيا فالخوارزميات والبرمجة وأخيرا علوم البيولوجيا.

ولا تقتصر عمليات الغش على التعليم الإعدادي والثانوي بل سبق للمرصد التونسي للتعليم العالي والبحث العلمي أن حذر في بيان له خلال السنة الجامعية الحالية من تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات الجامعية ونبه إلى مخاطرها التي تهدد قيمة الشهائــد العلميّة وتصنيف الجامعات التونسية ملاحظا توسّع دائرة الغش في مختلف شعب التعليم العالي وفي جميع المستويات. وحسب المرصد فقد تذمر عدد كبير من الطلبة من اتساع ظاهرة الغش من خلال استعمال العديد من الطلبة للهواتف الجوالة واستعمال البعض منهم وثائق الدروس أو وثائق معدة للغش فضلا عن الكتابة على الطاولات وعلى جدران القاعات وهناك بعض الأساتذة المراقبين الذين يسمحون للطلبة بالتحدث فيما بينهم أو يسمحون باستعمال الوثائق والهواتف الجوالة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

ظاهرة خطيرة ومدمرة .. الغش "يتغلغل" من الابتدائي إلى التعليم العالي !!

 

مختص في علم الاجتماع:

الغش في الامتحانات دليل على انهيار أخلاقي كبير في تونس

تونس: الصباح

لم تحل العمليات التحسيسية والإجراءات الوقائية والمقاربة الردعية التي توختها وزارة التربية بمناسبة الامتحانات الوطنية لهذا الموسم، دون تسجيل عمليات غش في امتحان الباكالوريا في دورته الرئيسية وهي ظاهرة خطيرة لأنها تمس من المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين لهذا الامتحان من ناحية ومن قيمة الشهائد العلمية من ناحية أخرى. ولعل ما يبعث عن الانشغال هو اتساع دائرة الغش في الامتحانات لتشمل جميع المستويات التعليمية بما فيها العالي وحتى الابتدائي.

الدكتور خليل الزميطي المختص في علم الاجتماع والأستاذ بجامعة السربون سابقا فسر استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات بوجود ما وصفه بالانهيار الأخلاقي الكبير في المجتمع التونسي بشكل عام، وأضاف أن الطفل الذي يتربى في بيئة فيها غش ينشأ على الغش كأداة لتحقيق المكاسب والنجاحات بأقل ما يمكن من الجهود والكلفة.

وأضاف في تصريح لـ"الصباح" أن تنامي هذه الظاهرة مرتبط بشكل كبير بالتحولات الديمغرافية التي عرفتها تونس، فبعد الاستقلال كان عدد السكان في حدود ثلاثة ملايين نسمة وكان جلهم يقطنون في الأرياف حيث كانت هناك روابط قوية بين الناس وكان الصغار يحترمون الكبار وكان المدرس يحظى بالتبجيل والتقدير إلى درجة أن التلميذ لا يجرأ على النظر إليه عندما يراه مارا في الشارع فما بالك بأن يفكر في الغش في الامتحان، وشيئا فشيئا تغير الوضع الديمغرافي وتطور عدد السكان ليصل اليوم إلى 12 مليون نسمة يقيم أغلبهم في المناطق الحضرية وخاصة في العاصمة والمدن الكبرى كما أن الكثير من العائلات أصبحت تفطن في المباني العمودية حيث لا توجد روابط بين الأجوار مثل التي كانت موجودة في السابق وهو ما أدى إلى تراجع القيم الأخلاقية التي تربى عليها التونسيون في ما مضى وأصبحنا نتحدث عن أزمة أخلاقية وهي تتفاقم من سنة إلى أخرى.

ولاحظ المختص في علم الاجتماع أن عمليات الغش في الامتحانات لئن كانت موجودة في السابق فقد كانت حالات قليلة جدا ونادرة وربما شاذة وكانت تعتبر في نظر الأسرة التربوية فضيحة أخلاقية يتعرض مرتكبها إلى عقوبات تأديبية تصل إلى الرفت، ولكن التلميذ التونسي بشكل عام كان يخجل حتى من مجرد التفكير في الغش وأحيانا كان عندما يجد صعوبات في الامتحان يسأل الأستاذ وكان هناك أساتذة يتفاعلون مع التلميذ ويجيبون عن سؤاله، ولكن لم يكن الغش بهذا الشكل المخيف والمنظم الذي أضحى عليه اليوم، إذ أصبح الغش في الامتحانات ظاهرة خطيرة للغاية على المجتمع لأن أثارها ستكون مدمرة وستبدأ هذه الآثار في الظهور بعد سنوات قليلة، وفسر أنه تكفي الإشارة فقط إلى أن التلميذ أو الطالب الذي يغش في الامتحان ولا يقع اكتشاف جريمته يمكن أن يصبح بعد سنوات قليلة جراحا أو مهندسا أو أستاذا فكيف له وقتها أن ينقذ الأرواح البشرية وكيف سيشيد المنشآت وكيف سيدرس الأجيال القادمة؟

وأضاف الجامعي أنه لا بد من إطلاق صرخة فزع لأن ظاهرة الغش في الامتحانات أصبحت موجودة في جميع المستويات الدراسية وفي مختلف المواد دون استثناء كما أصبحت هناك شبكات مافيوزية تؤطر الغش وتوفر له الظروف المناسبة وتورد له المعدات التقنية اللازمة، وهو ما يتطلب اليقظة وتشديد الرقابة وتوخي مقاربة ردعية خاصة مع الأساتذة الذين ينشطون في شبكات الغش لأن الأستاذ من المفروض أن يكون قدوة ونموذجا يحتذي به التلميذ لا أن يكون ضالعا في عمليات الغش.

وشدد المختص في علم الاجتماع على أن الردع مطلوب للغاية في هذه الفترة لمقاومة الظاهرة وأضاف أن العقوبات في بعض البلدان تصل إلى السجن وبين أنه من الضروري أن يتم في تونس تعديل النصوص القانونية المتعلقة بالغش في الامتحانات في اتجاه جعل العقوبات أكثر صرامة بما يؤدي إلى ردع حقيقي. وأضاف أنه في هذا السياق يمكن العمل بمقولة الفيلسوف والمفكر الإيطالي بيكولو دي برناردو دي ماكيافيلي الشهيرة في كتابه "الأمير" ومفادها أنه لا يمكن حكم المجتمع دون توفر شيئين وهما الرحمة والردع، وهي نظرية عمل بها الرئيس بورقيبة وغيره من الرؤساء منذ القدم حتى أن هناك منهم من كان يقول لوزرائه أنا أصفح وأنتم تعاقبون.

الردع ولا شيء غير الردع

وخلص خليل الزميطي إلى دعوة وزارة التربية إلى مراجعة طريقة التعاطي مع عمليات الغش في الامتحان وتوخي الردع لأنه في غياب الردع الحقيقي فستكون النتائج وخيمة على المجتمع بأسره.

ومن جهته كان وزير التربية محمد علي البوغديري قال يوم انطلاق امتحان الباكالوريا إنه يتمنى أن يقع التصدي للغش لأنه للأسف أصبحت هناك لوبيات و"كناطرية" تقف وراء هذه الظاهرة وهناك من يريد التلاعب بهذا الاستحقاق الوطني. وذكر أن قوات الديوانة ضبطت كميات هامة من المواد التي يقع استعمالها للغش سواء على مستوى التوريد أو التخزين وبين أن قوات الأمن ستواصل التصدي لهؤلاء أما على مستوى المؤسسة التربوية وقاعة الامتحان فإن المعلمين والأساتذة يراقبون سير الامتحانات وذكر الوزير أنه حتى وإن وجد غش هذا الموسم فسيكون ضعيفا.

أما مدير عام الامتحانات محمد الميلي فقد أشار في تصريح صحفي يوم الاثنين الماضي على هامش الندوة الصحفية التي عقدها وزير التربية للحديث عن استعدادات الوزارة للامتحانات الوطنية إلى أنه يدعو كل التلاميذ إلى التعويل على الذات والاعتماد على النفس للنجاج، وأكد أن وزارة التربية ستلعب دورها الأساسي في التصدي لمحاولات الغش في الامتحانات الوطنية وهو دور تربوي تحسيسي بيداغوجي انطلقت فيه الوزارة منذ شهر فيفري الماضي حيث تم تمكين التلاميذ بمناسبة الاختبارات التطبيقية من مطويات تضمنت معلومات حول عقوبات الغش إضافة إلى بث الومضات التحسيسية في القناة التلفزية التربوية. وأشار إلى أن هناك أيضا مقاربة تأديبية وفي هذا السياق هناك نص قانوني سيتم تطبيقه على من يرتكبون عمليات الغش. ولاحظ الميلي أن إمكانيات الغش الالكتروني أصبحت متطورة وللتصدي لها تقرر اعتماد التطبيقة التي وقع استعمالها السنة الماضية إضافة إلى إجراءات أخرى خير وزير التربية عدم كشفها للرأي العام. وحسب وصفه أصبحت ظاهرة الغش كبيرة وفاقت إمكانيات وزارة التربية وأكد أنه سيتم التعامل معها بكل صرامة.

وبالعودة إلى الحملات التحسيسية التي قامت بها وزارة التربية للحد من ظاهرة الغش في الامتحانات تجدر الإشارة إلى أنه تم تذكير التلاميذ بالمقاربات التي تعمدها الوزارة للتصدي لهذه الظاهرة، ففيما يتعلق بالمقاربة البيداغوجية التحسيسية فتتمثل في تسليم المترشح للامتحان جذاذة مع كل استدعاء فردي خلال الاختبارات التطبيقية والكتابية ومطوية قبل انطلاق الاختبارات الكتابية وتوجيه مراسلة قصيرة على الهواتف الجوالة لكافة المترشحين والقيام بحملات تحسيسية على مستوى المؤسسات التربوية وتركيز معلقات في مدخل مراكز الاختبارات الكتابية وبث ومضات اشهارية على القناة التربوية.

أما بالنسبة إلى المقاربة التأديبية فتتمثل في تطبيق القرار المؤرخ في 29 مارس لسنة 2021 المتعلق بتنقيح وإتمام القرار المؤرخ في 24 أفريل 2008 المتعلق بضبط نظام امتحان الباكالوريا ومنه الفصل 19 جديد الذي تم بمقتضاه تحجير اصطحاب أي جهاز الكتروني إلى مركز الامتحان بما في ذلك الهاتف الجوال واللوحة الرقمية والحاسوب والساعة الالكترونية والقلم الالكتروني ما عدا الآلة الحاسبة التي يجب أن يكون مؤشر عليها، وكل مخالفة لهذا الإجراء تعتبر محاولة غش يعاقب مرتكبها بإلغاء الدورة وتحجير الترسيم في الامتحان لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات مع الرفت من جميع المؤسسات التربوية العمومية، كما أن كل ارتكاب للغش أو محاولة للغش بما في ذلك اصطحاب جهاز الكتروني أو وسيلة اتصال إلى مركز الامتحان من قبل المترشحين في امتحان الباكالوريا يعرض صاحبه للعقوبات سالفة الذكر. وهناك مقاربة ثالثة باستعمال الأجهزة الالكترونية واعتماد تطبيقة معدة للغرض.

إحصائيات حول الغش

وللتذكير فإن عدد حالات الغش في امتحان الباكالوريا التي سجلتها وزارة التربية سنة 2020 بلغ 1572 وسنة 2021 بلغ 990 وسنة 2022 بلغ 1642. وبالنسبة إلى الحالات المسجلة سنة 2022 فهي تتوزع على 51 بالمائة إناث و49 بالمائة ذكور، وبالنظر إلى توزيع حالات الغش حسب صنف التعليم على كل ألف مترشح اجتاز الامتحان فنجد على كل ألف مترشح في التعليم العمومي 10 حالات غش وفي التعليم الخاص 22 حالة وبالنسبة إلى الترشحات الفردية فقد وصلت إلى 52 حالة.

وفي إحصاء قامت به وزارة التربية لحالات الغش في امتحان الباكالوريا السنة الماضية حسب المندوبيات الجهوية للتربية فنجد ولاية قفصة في الصدارة 368 حالة وتليها القصرين 317 حالة فسيدي بوزيد 228 حالة فجندوبة 124 حالة فالقيروان 121 حالة ثم سليانة 67 حالة فمندوبية تونس واحد 45 حالة ثم بن عروس 32 حالة تليها مندوبية تونس 2، 29 حالة فسوسة 28 ثم المنستير 27 فنابل 26 حالة ثم بنزرت 24 حالة فقابس 23 حالة ونفس العدد تم تسجيله في مندوبية صفاقس واحد تليها أريانة 21 حالة ونفس الشيء بالنسبة إلى منوبة وتوزر، أما في المهدية فتم تسجيل 19 حالة وفي الكاف 18 حالة وفي قبلي 17 حالة وفي باجة 15 حالة وفي مدنين 13 حالة وفي زغوان 8 حالات وفي تطاوين 5 حالات، وتم تسجيل أقل عدد لحالات الغش وهو 2 في مندوبية صفاقس 2 .

 وفي إحصاء لحالات الغش حسب الشعب في امتحان الباكالوريا السنة الماضية يمكن الإشارة إلى أن أغلب الحالات ارتكبها مترشحون من شعبة الاقتصاد والتصرف تليها شعبة الآداب ثم شعبة العلوم التقنية فشعبة العلوم التجريبية فشعبة علوم الإعلامية وأخيرا من شعبتي الرياضيات والرياضة. وتتمثل أكثر مادة سجلت فيها حالات غش في مادة التاريخ والجغرافيا تليها مادة العربية فالرياضيات ثم مادة الفرنسية فالتصرف ثم الإنقليزية وتليها مادة الاقتصاد فالعلوم الفيزيائية ثم الفلسفة فالإعلامية ثم مادة علوم الحياة والأرض فالتفكير الإسلامي ثم التكنولوجيا فالخوارزميات والبرمجة وأخيرا علوم البيولوجيا.

ولا تقتصر عمليات الغش على التعليم الإعدادي والثانوي بل سبق للمرصد التونسي للتعليم العالي والبحث العلمي أن حذر في بيان له خلال السنة الجامعية الحالية من تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات الجامعية ونبه إلى مخاطرها التي تهدد قيمة الشهائــد العلميّة وتصنيف الجامعات التونسية ملاحظا توسّع دائرة الغش في مختلف شعب التعليم العالي وفي جميع المستويات. وحسب المرصد فقد تذمر عدد كبير من الطلبة من اتساع ظاهرة الغش من خلال استعمال العديد من الطلبة للهواتف الجوالة واستعمال البعض منهم وثائق الدروس أو وثائق معدة للغش فضلا عن الكتابة على الطاولات وعلى جدران القاعات وهناك بعض الأساتذة المراقبين الذين يسمحون للطلبة بالتحدث فيما بينهم أو يسمحون باستعمال الوثائق والهواتف الجوالة.

سعيدة بوهلال