لا يزال الوضع السياسي والاقتصادي في تونس معاديا لمعادلات الاستقرار في ظل اهتزاز مثلث الاقتصاد والتنمية وغياب بوادر القبول بالحوار الوطني وهشاشة الوضع الاجتماعي.
وقد زادت خطوط الاشتباك تعقيدا داخليا وخارجيا مع إعلان الوكالة العالميّة للتصنيف الائتماني "فيتش رايتنغ" أول أمس الجمعة التخفيض من تصنيف تونس طويل الأجل بالعملات الأجنبية من "سي سي سي إيجابي" (CCC+) إلى "سي سي سي سلبي"(CCC-) .
وتتزايد المخاوف أكثر مع الإمكانيات الواسعة والمحتملة من اعتماد صندوق النقد الدولي لهذا التصنيف لإنهاء التواصل مع بلادنا أو الضغط في اتجاه تأخير صرف القرض الدولي الذي طال النقاش فيه.
ولم تكن العوامل الخارجية وحدها دليل عجز عن الخروج من الأزمة بعد أن تكثف الضباب الداخلي ليفقد معه المجتمع المدني والأحزاب القدرة على المقاومة السياسية والاجتماعية وفرض خطط بديلة مناهضة لتمشي السلطة القائمة.
تحت وطأة الفشل أيضا…
ولم يكن أيضا عجز المعارضة وتراجع أداء المنظمات الوطنية العنوان الأبرز لهذه المرحلة إذ تعيش حكومة الرئيس الثالثة أيضا تحت وطأة الفشل المركب أين تغيب بعض السلع الأساسية من الأسواق وارتفاع ملحوظ في عدد العاطلين عن العمل نتيجة غياب كل أشكال الاستثمار إلى جانب الصعود الشاهق للأسعار وما خلفه من حيرة لدى عموم التونسيين.
وكما ردت السلطة على منظومة الأحزاب بالإيقافات والإلغاء وفق المعارضة، فان منظمات المجتمع المدني وأساسا أولئك المبادرين للحوار واجهوا نفس المصير حيث واصلت منظومة 25جويلية سياسة الهروب إلى الأمام ورفض التواصل الحواري مع مقترح الاتحاد العام التونسي للشغل وبقية الشركاء الاجتماعيين.
لحظة الحوار تترنح
على أهميتها في ضمان سياقات الاستقرار واستعادة لحظة الحوار والعودة الجماعية إلى طاولة المفاوضات لا تزال مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل وشركائه الاجتماعيين تترنح.
وإذ يسعى أصحاب المبادرة جاهدين لانطلاق الخطوات الأولى عبر طرح النقاشات داخل هياكل المنظمات الأربع (عمادة المحامين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) فإنها واقعيا لا تعبر عن عموم الوساطات الاجتماعية والسياسية .
ومن المرجح أن تلامس المبادرة الرباعية السراب في ظل ندرة الحديث عنها داخل أحزاب المعارضة الوطنية التي عبرت عن رفضها للبعد الاقصائي للمبادرة عبر التخلي عن الرافضين لسياسة الرئيس قيس سعيد وكل من اعتبر 25جويلية وما لحقها من إجراءات "انقلابا".
ولم يختلف موقف أحزاب الموالاة في رفع الورقة الحمراء في وجه مبادرة الحوار حيث تراوحت الآراء بين من اعتبرها متأخرة جدا وخالية من مضامين النجاح، ومن يرى أنها ولدت ميتة أصلا وأنها فرصة للاتحاد العام التونسي للشغل لاستعادة أنفاسه سياسيا بعد صدمة الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية 2021.
الحوار.. بديل ممكن؟
ويسعى الاتحاد العام التونسي للشغل وبقية الشركاء لتقديم أنفسهم كبديل سياسي عن الأحزاب، وتتهم المبادرة في هذا السياق بأنها محاولة لاحتكار طاولة النقاش وفرض المحاور على الجميع على عكس مبادرة الحوار الوطني سنة2013.
وخلق هذا التوجه تململا داخل الأحزاب التونسية معارضة وموالاة بعد أن عبرت عن رفضها لركوب قطار المبادرة وهو يسير حيث من المقرر أن تعرض عليهم المبادرة في حالة وحيدة وهي رفض قبول رئيس الجمهورية قيس سعيد بها.
استراحة مؤقتة.. أم تراجع دائم
في الوقت الذي كان من المفترض أن تشكل الأحزاب بدائل واضحة، عجزت هي الأخرى في صناعة مقاومة سياسية واكتفت بالتحرك حقوقيا والمطالبة المستمرة بإطلاق سراح المساجين.
وقلص المربع الحقوقي من هامش المناورات السياسية حيث لم تطرح الأحزاب إلى حد الآن برنامجا قادرا على اختراق حالة التشظي وجمع كل الأطراف في ظل تمسك أحزاب بأسبقيتها عن بقية التشكيلات السياسية ليحرمها هذا الموقف من إمكانية الالتقاء حول الأدنى الممكن.
ولم تعد مقارعة السلطة القائمة اليوم وإنهاء حكم سعيد واستعادة الديمقراطية مدخلا لتوحيد الصفوف بعد أن طغت الايديولوجيا في نقاشات القيادات الحزبية ورفضها لأي تعامل محتمل فيما بينها، فهل انتهى عصر الأحزاب والمجتمع المدني في تونس بعد 25جويلية2021؟ أم أن ما يحصل مجرد استراحة مؤقتة؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لا يزال الوضع السياسي والاقتصادي في تونس معاديا لمعادلات الاستقرار في ظل اهتزاز مثلث الاقتصاد والتنمية وغياب بوادر القبول بالحوار الوطني وهشاشة الوضع الاجتماعي.
وقد زادت خطوط الاشتباك تعقيدا داخليا وخارجيا مع إعلان الوكالة العالميّة للتصنيف الائتماني "فيتش رايتنغ" أول أمس الجمعة التخفيض من تصنيف تونس طويل الأجل بالعملات الأجنبية من "سي سي سي إيجابي" (CCC+) إلى "سي سي سي سلبي"(CCC-) .
وتتزايد المخاوف أكثر مع الإمكانيات الواسعة والمحتملة من اعتماد صندوق النقد الدولي لهذا التصنيف لإنهاء التواصل مع بلادنا أو الضغط في اتجاه تأخير صرف القرض الدولي الذي طال النقاش فيه.
ولم تكن العوامل الخارجية وحدها دليل عجز عن الخروج من الأزمة بعد أن تكثف الضباب الداخلي ليفقد معه المجتمع المدني والأحزاب القدرة على المقاومة السياسية والاجتماعية وفرض خطط بديلة مناهضة لتمشي السلطة القائمة.
تحت وطأة الفشل أيضا…
ولم يكن أيضا عجز المعارضة وتراجع أداء المنظمات الوطنية العنوان الأبرز لهذه المرحلة إذ تعيش حكومة الرئيس الثالثة أيضا تحت وطأة الفشل المركب أين تغيب بعض السلع الأساسية من الأسواق وارتفاع ملحوظ في عدد العاطلين عن العمل نتيجة غياب كل أشكال الاستثمار إلى جانب الصعود الشاهق للأسعار وما خلفه من حيرة لدى عموم التونسيين.
وكما ردت السلطة على منظومة الأحزاب بالإيقافات والإلغاء وفق المعارضة، فان منظمات المجتمع المدني وأساسا أولئك المبادرين للحوار واجهوا نفس المصير حيث واصلت منظومة 25جويلية سياسة الهروب إلى الأمام ورفض التواصل الحواري مع مقترح الاتحاد العام التونسي للشغل وبقية الشركاء الاجتماعيين.
لحظة الحوار تترنح
على أهميتها في ضمان سياقات الاستقرار واستعادة لحظة الحوار والعودة الجماعية إلى طاولة المفاوضات لا تزال مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل وشركائه الاجتماعيين تترنح.
وإذ يسعى أصحاب المبادرة جاهدين لانطلاق الخطوات الأولى عبر طرح النقاشات داخل هياكل المنظمات الأربع (عمادة المحامين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) فإنها واقعيا لا تعبر عن عموم الوساطات الاجتماعية والسياسية .
ومن المرجح أن تلامس المبادرة الرباعية السراب في ظل ندرة الحديث عنها داخل أحزاب المعارضة الوطنية التي عبرت عن رفضها للبعد الاقصائي للمبادرة عبر التخلي عن الرافضين لسياسة الرئيس قيس سعيد وكل من اعتبر 25جويلية وما لحقها من إجراءات "انقلابا".
ولم يختلف موقف أحزاب الموالاة في رفع الورقة الحمراء في وجه مبادرة الحوار حيث تراوحت الآراء بين من اعتبرها متأخرة جدا وخالية من مضامين النجاح، ومن يرى أنها ولدت ميتة أصلا وأنها فرصة للاتحاد العام التونسي للشغل لاستعادة أنفاسه سياسيا بعد صدمة الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية 2021.
الحوار.. بديل ممكن؟
ويسعى الاتحاد العام التونسي للشغل وبقية الشركاء لتقديم أنفسهم كبديل سياسي عن الأحزاب، وتتهم المبادرة في هذا السياق بأنها محاولة لاحتكار طاولة النقاش وفرض المحاور على الجميع على عكس مبادرة الحوار الوطني سنة2013.
وخلق هذا التوجه تململا داخل الأحزاب التونسية معارضة وموالاة بعد أن عبرت عن رفضها لركوب قطار المبادرة وهو يسير حيث من المقرر أن تعرض عليهم المبادرة في حالة وحيدة وهي رفض قبول رئيس الجمهورية قيس سعيد بها.
استراحة مؤقتة.. أم تراجع دائم
في الوقت الذي كان من المفترض أن تشكل الأحزاب بدائل واضحة، عجزت هي الأخرى في صناعة مقاومة سياسية واكتفت بالتحرك حقوقيا والمطالبة المستمرة بإطلاق سراح المساجين.
وقلص المربع الحقوقي من هامش المناورات السياسية حيث لم تطرح الأحزاب إلى حد الآن برنامجا قادرا على اختراق حالة التشظي وجمع كل الأطراف في ظل تمسك أحزاب بأسبقيتها عن بقية التشكيلات السياسية ليحرمها هذا الموقف من إمكانية الالتقاء حول الأدنى الممكن.
ولم تعد مقارعة السلطة القائمة اليوم وإنهاء حكم سعيد واستعادة الديمقراطية مدخلا لتوحيد الصفوف بعد أن طغت الايديولوجيا في نقاشات القيادات الحزبية ورفضها لأي تعامل محتمل فيما بينها، فهل انتهى عصر الأحزاب والمجتمع المدني في تونس بعد 25جويلية2021؟ أم أن ما يحصل مجرد استراحة مؤقتة؟