عاد الحديث عن مخاطر تنظيم "داعش" ليطغى على المشهد على وقع الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد التنظيم أمس بمدينة الرياض السعودية، بحضور وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بعد أن اعتقدنا واهمين أن مخاطر التنظيم وفلوله أوشكت على الانقراض بعد هدم طموحاته وأحلامه الوهمية في إقامة مشروع دولة الخلافة في سوريا والعراق وتداعي "سلطانه" في المواقع التي سيطر عليها في البلدين في لحظة فراغ أمني وفشل إقليمي ودولي ذريع في استباق الخطر.. المخاطر وإن بدت مختلفة عما كانت عليه عندما تشكل التحالف الدولي بمشارك 86 دولة قبل عشر سنوات بعد أن امتدت هيمنة التنظيم على مواقع إستراتيجية في العراق وأحكمت قبضتها على الموصل وتكريت وبيجي والفلوجة ومنها امتدت لتفرض قبضتها على الرقة ودير الزور والحسكة وديالي واقترفت ما اقترفته من جرائم وفظاعات وتوحش ونحر للآدميين وحرق للأحياء وتدمير ونسف للمتاحف.. ولكنها قائمة وتشكل تهديدا لا يمكن التهوين منه..
العودة الى خطر "الدواعش" تفرضها اليوم حقيقة الأرقام القادمة من المخيمات التي يجتمع فيها آلاف المقاتلين وعائلاتهم إذ وإلى جانب وجود عشرة آلاف من مقاتلي "الدواعش" ممن تدربوا على السلاح والتفجيرات من مختلف دول العالم فهناك خمسين ألفا من عائلات هؤلاء وبينهم نساء ولكن وهنا مكمن الداء أطفال لم يعرفوا غير حياة المخيم بكل ما يعنيه ذلك من قيود وإعدام لأي فرصة للتعلم أو التعود على الحياة اللاعائلية والاجتماعية الطبيعية بعيدا عن القتامة والسواد وثقافة القيود ومعاداة كل ما يتواجد خارج المخيم والتسليم بعدوانيته وتعارضه مع ما نشأ عليه من أفكار ظلامية وآراء وقناعات تكفيرية.. مخيم الهول حسب تصريحات وزير الخارجية السعودي بن فرحان يضم حاليا 50 ألف نازح معظمهم من النساء والأطفال ونصفهم ما دون سن الثانية عشرة.. لا يعرف بعض من هؤلاء الأطفال شيئا سوى الحياة في المخيم بما يعني أن عقولهم تم استلابها وأنهم تدربوا قسرا أو طوعا على معاداة كل ما هو خارج المخيم وما يعني أيضا أنه عندما تتوفر لهؤلاء وهم من الأحداث الذين لم يعرفوا مدرسة أو رعاية صحية أو حياة عائلية واجتماعية طبيعية ولا يعرفون معنى اللعب والفرح والأمل أو المطوح، أنهم سيكبرون وتكبر معهم الرغبة في الانتقام من كل من وضعهم وفرض عليهم العيش في مخيمات الإرهابيين.. السؤال المطروح كيف يمكن التعاطي مع هؤلاء وكيف يمكن تجنب تحولهم الى قنابل موقوتة وهل أن استعادة كل دولة لمواطنيها لمحاكمة من يستوجب المحاكمة وإعادة تأهيل من يستوجب التأهيل يمثل الحل الأسلم؟
حتى الآن يبدو أن أربعة عشرة دولة استعادت أكثر من ألفين من مواطنيها في العام 2023، بما فيهم مئات الأطفال.. منها العراق التي استعادت حوالي خمسة آلاف من مواطنيها من شمال شرق سوريا، بينهم مئات المقاتلين. الى جانب الكويت ودول في وسط آسيا.. ما هي نتائج هذه العملية وهل أن عدد الذين أبدوا الندم على الانضمام الى التنظيم الإرهابي، عدد كبير أم أنه هامشي وأين مكمن الخلل وكيف يمكن التعاطي مع هذه المعضلة والعمل في ذات الوقت على احترام حقوق الإنسان؟ أسئلة كثيرة محيرة يفرضها لقاء الرياض ولكن أيضا تفرضها لغة الأرقام مع عودة تحركات الجماعات الإرهابية من أفغانستان طالبان الى إفريقيا الساحل والصحراء ..
طبعا من المهم أن تكون أمريكا مستعدة للمساعدة في عمليات الإعادة وتوفير المساعدة الدبلوماسية واللوجستية لتيسير عودة هؤلاء والمساعدة في إعادة التأهيل وإعادة الدمج والتحقيق وجهود ضمان المساءلة من خلال المحاكمة متى دعت الحاجة. ولكن كل هذا لا يلغي مسؤولية أمريكا ومعها القوى الكبرى في ظهور وانتشار هذه التنظيمات مع انهيار العراق وعودة ظهور القاعدة وتسرب الخطر من أفغانستان الى العراق وسوريا ومنه الى دول الساحل والى مختلف الدول التي امتدت إليها يد التنظيم الإرهابي وتفجيراته ..
التنظيم يتأقلم ويتطور ويبحث عن وسائل جديدة ومواقع جديدة لإعادة التموقع واستعادة دوره الإرهابي انطلاقا من دول الساحل ومعظم غرب إفريقيا التي تنزف اليوم نتيجة هذه الجرائم التي تستهدف النساء والأطفال والمزارعين..
الأكيد أن مواجهة الفكر المتطرف الذي يتناقض مع كل القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية على أهميته يحتاج لخيارات وسياسات أكثر وضوحا في مواصلة الحرب على الإرهاب واعتماد الجرأة في القضاء على أسباب الظلم والفساد والدفع الى المساواة بين الأجناس وبين المواطنين وإرساء قوة القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية وما تفترضه من تنمية وازدهار وتعزيز لمشاعر المواطنة.. قد نكون واهمين في تحديد هذه الأولويات ولكن سحب البساط أمام الفكر الظلامي وثقافة العقول المتحجرة والمتاجرة بالدين تبدأ من إرساء مدرسة الغد مدرسة الحداثة التي يقبل عليها الإناث والذكور دون رهبة أو خوف فيجدون فيها ما يجذبهم الى الإقبال على الحياة والعلم والمعرفة وينفرهم من الجهل والتخلف وعيشه أهل الكهف ..
آسيا العتروس
عاد الحديث عن مخاطر تنظيم "داعش" ليطغى على المشهد على وقع الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد التنظيم أمس بمدينة الرياض السعودية، بحضور وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بعد أن اعتقدنا واهمين أن مخاطر التنظيم وفلوله أوشكت على الانقراض بعد هدم طموحاته وأحلامه الوهمية في إقامة مشروع دولة الخلافة في سوريا والعراق وتداعي "سلطانه" في المواقع التي سيطر عليها في البلدين في لحظة فراغ أمني وفشل إقليمي ودولي ذريع في استباق الخطر.. المخاطر وإن بدت مختلفة عما كانت عليه عندما تشكل التحالف الدولي بمشارك 86 دولة قبل عشر سنوات بعد أن امتدت هيمنة التنظيم على مواقع إستراتيجية في العراق وأحكمت قبضتها على الموصل وتكريت وبيجي والفلوجة ومنها امتدت لتفرض قبضتها على الرقة ودير الزور والحسكة وديالي واقترفت ما اقترفته من جرائم وفظاعات وتوحش ونحر للآدميين وحرق للأحياء وتدمير ونسف للمتاحف.. ولكنها قائمة وتشكل تهديدا لا يمكن التهوين منه..
العودة الى خطر "الدواعش" تفرضها اليوم حقيقة الأرقام القادمة من المخيمات التي يجتمع فيها آلاف المقاتلين وعائلاتهم إذ وإلى جانب وجود عشرة آلاف من مقاتلي "الدواعش" ممن تدربوا على السلاح والتفجيرات من مختلف دول العالم فهناك خمسين ألفا من عائلات هؤلاء وبينهم نساء ولكن وهنا مكمن الداء أطفال لم يعرفوا غير حياة المخيم بكل ما يعنيه ذلك من قيود وإعدام لأي فرصة للتعلم أو التعود على الحياة اللاعائلية والاجتماعية الطبيعية بعيدا عن القتامة والسواد وثقافة القيود ومعاداة كل ما يتواجد خارج المخيم والتسليم بعدوانيته وتعارضه مع ما نشأ عليه من أفكار ظلامية وآراء وقناعات تكفيرية.. مخيم الهول حسب تصريحات وزير الخارجية السعودي بن فرحان يضم حاليا 50 ألف نازح معظمهم من النساء والأطفال ونصفهم ما دون سن الثانية عشرة.. لا يعرف بعض من هؤلاء الأطفال شيئا سوى الحياة في المخيم بما يعني أن عقولهم تم استلابها وأنهم تدربوا قسرا أو طوعا على معاداة كل ما هو خارج المخيم وما يعني أيضا أنه عندما تتوفر لهؤلاء وهم من الأحداث الذين لم يعرفوا مدرسة أو رعاية صحية أو حياة عائلية واجتماعية طبيعية ولا يعرفون معنى اللعب والفرح والأمل أو المطوح، أنهم سيكبرون وتكبر معهم الرغبة في الانتقام من كل من وضعهم وفرض عليهم العيش في مخيمات الإرهابيين.. السؤال المطروح كيف يمكن التعاطي مع هؤلاء وكيف يمكن تجنب تحولهم الى قنابل موقوتة وهل أن استعادة كل دولة لمواطنيها لمحاكمة من يستوجب المحاكمة وإعادة تأهيل من يستوجب التأهيل يمثل الحل الأسلم؟
حتى الآن يبدو أن أربعة عشرة دولة استعادت أكثر من ألفين من مواطنيها في العام 2023، بما فيهم مئات الأطفال.. منها العراق التي استعادت حوالي خمسة آلاف من مواطنيها من شمال شرق سوريا، بينهم مئات المقاتلين. الى جانب الكويت ودول في وسط آسيا.. ما هي نتائج هذه العملية وهل أن عدد الذين أبدوا الندم على الانضمام الى التنظيم الإرهابي، عدد كبير أم أنه هامشي وأين مكمن الخلل وكيف يمكن التعاطي مع هذه المعضلة والعمل في ذات الوقت على احترام حقوق الإنسان؟ أسئلة كثيرة محيرة يفرضها لقاء الرياض ولكن أيضا تفرضها لغة الأرقام مع عودة تحركات الجماعات الإرهابية من أفغانستان طالبان الى إفريقيا الساحل والصحراء ..
طبعا من المهم أن تكون أمريكا مستعدة للمساعدة في عمليات الإعادة وتوفير المساعدة الدبلوماسية واللوجستية لتيسير عودة هؤلاء والمساعدة في إعادة التأهيل وإعادة الدمج والتحقيق وجهود ضمان المساءلة من خلال المحاكمة متى دعت الحاجة. ولكن كل هذا لا يلغي مسؤولية أمريكا ومعها القوى الكبرى في ظهور وانتشار هذه التنظيمات مع انهيار العراق وعودة ظهور القاعدة وتسرب الخطر من أفغانستان الى العراق وسوريا ومنه الى دول الساحل والى مختلف الدول التي امتدت إليها يد التنظيم الإرهابي وتفجيراته ..
التنظيم يتأقلم ويتطور ويبحث عن وسائل جديدة ومواقع جديدة لإعادة التموقع واستعادة دوره الإرهابي انطلاقا من دول الساحل ومعظم غرب إفريقيا التي تنزف اليوم نتيجة هذه الجرائم التي تستهدف النساء والأطفال والمزارعين..
الأكيد أن مواجهة الفكر المتطرف الذي يتناقض مع كل القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية على أهميته يحتاج لخيارات وسياسات أكثر وضوحا في مواصلة الحرب على الإرهاب واعتماد الجرأة في القضاء على أسباب الظلم والفساد والدفع الى المساواة بين الأجناس وبين المواطنين وإرساء قوة القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية وما تفترضه من تنمية وازدهار وتعزيز لمشاعر المواطنة.. قد نكون واهمين في تحديد هذه الأولويات ولكن سحب البساط أمام الفكر الظلامي وثقافة العقول المتحجرة والمتاجرة بالدين تبدأ من إرساء مدرسة الغد مدرسة الحداثة التي يقبل عليها الإناث والذكور دون رهبة أو خوف فيجدون فيها ما يجذبهم الى الإقبال على الحياة والعلم والمعرفة وينفرهم من الجهل والتخلف وعيشه أهل الكهف ..