رغم تأكيد وإجماع عديد الجهات والمتابعين للشأن العام في تونس على أن الملفات الحارقة التي تستدعي التدخل والمعالجة السريعة وإيجاد الحلول هي اقتصادية واجتماعية بالأساس. ولكن الأزمة القائمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل من ناحية وسلطة الإشراف من ناحية ثانية، تتلخص في تواصل حالة الجفاء بين الطرفين، والتي من شأنها التأثير على الوضع وكل المبادرات والمشاريع التي تقدم في هذا السياق، وتدفع للتساؤل عن مدى جدوى ومآلات الملف الاجتماعي في بلادنا في هذه المرحلة الصعبة تحديدا، باعتبار أن المنظمة الشغيلة التي تعنى أكثر من أي جهة مهنية وقطاعية أخرى بالمطالب الاجتماعية، الأمر الذي يجعل المنظمات الوطنية والهياكل المهنية والقطاعية طرفا وشريكا فاعلا في كل مبادرة أو مشروع أو برنامج ذو أهداف وأبعاد اجتماعية لاسيما في هذه المرحلة التي تروم فيها بلادنا الخروج من دائرة الصعوبات والأزمات بالجملة التي تتخبط فيها من ناحية، ونزعة رئيس الجمهورية قيس سعيد لتكريس سياسة اجتماعية من ناحية أخرى، سبق أن شدد على تأكيدها في عديد المناسبات.
وتتجه الأنظار إلى الدخول عمليا في تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية بعد مباشرة مجلس نواب الشعب لمهامه وما تتيحه هذه المؤسسة التشريعية من إمكانيات وتحمله من تطلعات لمراجعة التشريعات المنظمة للحياة المهنية والحافظة لحقوق الطبقة الشغيلة في مختلف المواقع والقطاعات والمدافعة أيضا عن حقوق الطبقات الكادحة وذلك بمراعاة التطورات والتغييرات التي تمر بها بلادنا كما العالم أجمع. وهو ما يذهب له المتابعون للشأن الوطني في قراءتهم لهذا الجانب لعدة اعتبارات من أبرزها أن نواب البرلمان الحالي باختلاف توجهاتهم وجهاتهم يتقاطعون تقريبا عند أغلب الأهداف التي ينبني عليها مسار ما بعد 25 جويلية 2021، ثم أن شكل البرلمان من ناحية ومجلس الأقاليم والجهات المنتظر انتخابه بعد أشهر من ناحية ثانية والقانون المحدد لمهام ذلك سواء في دستور أوت 2022 أو ما يفرزه القانون الانتخابي ويتم التنصيص عليه في مهام المؤسسة والوظيفة التشريعية، هي كلها خادمة لهذا التوجه الإصلاحي الاجتماعي والاقتصادي الشامل لكل جهات الجمهورية.
لكن يبدو أن السياسة الإصلاحية المتبعة إلى حد الآن في هذا المسار الاجتماعي مختلفة وتسير على غير ما هو متعارف عليه في مثل هذه الوضعيات والظروف. فمنذ مباشرة مجلس نواب الشعب لمهامه في مارس الماضي، وبعد الدخول في مرحلة طرح ومناقشة مشاريع القوانين منذ مطلع الأسبوع الماضي، لم تطأ أقدام أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل أو أي طرف ممثل للمكتب التنفيذي لهذه المنظمة الوطنية، قصر باردو سواء لتهنئة البرلمان الجديد على الصيغ المعمول بها في مثل هذه المناسبات، أو في أي سياق آخر. ولم تبد المنظمة الشغيلة إلى حد الآن أي مبادرة للتعامل مع هذه المؤسسة التشريعية، رغم أن رئيس الجمهورية كان قد وجه الاتحاد إلى جهة باردو بشكل غير مباشر، وذلك في رده على مبادرة الحوار الوطني التي يقودها الاتحاد وشاركت فيها عدة منظمات وهياكل أخرى، مؤكدا أنه غير مستعد لقبول هذه المبادرة وأنه حري بأصحابها التوجه بها إلى مجلس نواب الشعب.
في المقابل لم تفوت منظمات وهياكل وجهات أخرى مثل هذه المناسبات لتعبر عن نيتها في الانخراط في أي مشروع للإصلاح والتأسيس والبناء للمرحلة القادمة لاسيما منها الإصلاحات الاجتماعية وكل ما يخدم المصلحة العليا للوطن. وهو ما أكده كل من سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، في أكثر من مناسبة إضافة إلى الحبيب قيزة أمين عام الكنفدرالية العامة التونسية للشغل وإسماعيل السحباني أمين عام اتحاد عمال تونس وغيرهم من ممثلي بعض المنظمات الوطنية والهياكل القطاعية والجمعيات وغيرها على غرار الاتحاد الوطني للمرأة التونسية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، باعتبارها جهات تمثل قطاعات ومجالات مختلفة من الطبقة الشغيلة. وهو ما اعتبره البعض بدائل يمكن أن تلعب دورها في طرح المطالب أو الملفات الاجتماعية في ظل تواصل غياب الاتحاد العام التونسي للشغل عن "الركب" الرسمي في هذه المرحلة، رغم أن تمثيليات هذه المنظمة الشغيلة تواصل تحركها ونضالها في الدفاع عن مطالب منظوريها في قطاعات مهنية مختلفة وتحت عناوين مختلفة أيضا.
ويذكر أيضا أن رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة سبق أن أكد أن أبواب البرلمان مفتوحة للجميع إلا من اختار أن يقصي نفسه معتبرا أن بعض المنظمات والهياكل الوطنية والقطاعية قد عبرت عن رغبتها في التعاطي الإيجابي مع المبادرات والبرامج التي تخدم المصلحة الوطنية وفي مقدمتها المطالب الاجتماعية ومراعاة استحقاقات المواطنين لاسيما الطبقات الشغيلة والكادحة. وراهن البعض الآخر عن تواصل "حالة الجفاء" بين المنظمة الشغيلة العريقة والسلطة الرسمية في هذه المرحلة للدفع بدخول بدائل أخرى في المشهد تتصدر الدفاع عن المطالب الاجتماعية على غرار اتحاد عمال تونس الذي احتفل مؤخرا بمرور عقد على تأسيسه ويضم قيادات سابقة في الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة بعد تأكيد بعض أعضائه على ما تشهده هذه المنظمة الشغيلة من إقبال أعداد كبيرة من الطبقة الشغيلة في الفترة الأخيرة في قطاعات مهنية مختلفة للانخراط على نحو أصبحت من خلال منظوريها تسيطر على قطاعات النسيج والجلود وغيرها من الصناعات المعملية لتتوسع لتشمل مختلف القطاعات المهنية تقريبا.
ولئن سبق أن أكد بعض أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد عمال تونس أنه لا يمكن لعب دور البديل للمنظمة الشغيلة التقليدية والعريقة في تونس، في حين أنه يمكن لهذا الاتحاد الفتي أن يعزز المشهد ويكرس مفهوم التعددية النقابية على أرض الواقع، إلا أن خفوت صوت الاتحاد العام التونسي للشغل في هذه الفترة، رغم محاولات عديد الجهات السياسية استنهاضه والاستنجاد به بشكل غير مباشر في صراعها السياسي مع منظومة قيس سعيد، فتح باب التأويلات والقراءات والانتظارات ليقين الجميع بدور ووزن هذه المنظمة الوطنية.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
رغم تأكيد وإجماع عديد الجهات والمتابعين للشأن العام في تونس على أن الملفات الحارقة التي تستدعي التدخل والمعالجة السريعة وإيجاد الحلول هي اقتصادية واجتماعية بالأساس. ولكن الأزمة القائمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل من ناحية وسلطة الإشراف من ناحية ثانية، تتلخص في تواصل حالة الجفاء بين الطرفين، والتي من شأنها التأثير على الوضع وكل المبادرات والمشاريع التي تقدم في هذا السياق، وتدفع للتساؤل عن مدى جدوى ومآلات الملف الاجتماعي في بلادنا في هذه المرحلة الصعبة تحديدا، باعتبار أن المنظمة الشغيلة التي تعنى أكثر من أي جهة مهنية وقطاعية أخرى بالمطالب الاجتماعية، الأمر الذي يجعل المنظمات الوطنية والهياكل المهنية والقطاعية طرفا وشريكا فاعلا في كل مبادرة أو مشروع أو برنامج ذو أهداف وأبعاد اجتماعية لاسيما في هذه المرحلة التي تروم فيها بلادنا الخروج من دائرة الصعوبات والأزمات بالجملة التي تتخبط فيها من ناحية، ونزعة رئيس الجمهورية قيس سعيد لتكريس سياسة اجتماعية من ناحية أخرى، سبق أن شدد على تأكيدها في عديد المناسبات.
وتتجه الأنظار إلى الدخول عمليا في تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية بعد مباشرة مجلس نواب الشعب لمهامه وما تتيحه هذه المؤسسة التشريعية من إمكانيات وتحمله من تطلعات لمراجعة التشريعات المنظمة للحياة المهنية والحافظة لحقوق الطبقة الشغيلة في مختلف المواقع والقطاعات والمدافعة أيضا عن حقوق الطبقات الكادحة وذلك بمراعاة التطورات والتغييرات التي تمر بها بلادنا كما العالم أجمع. وهو ما يذهب له المتابعون للشأن الوطني في قراءتهم لهذا الجانب لعدة اعتبارات من أبرزها أن نواب البرلمان الحالي باختلاف توجهاتهم وجهاتهم يتقاطعون تقريبا عند أغلب الأهداف التي ينبني عليها مسار ما بعد 25 جويلية 2021، ثم أن شكل البرلمان من ناحية ومجلس الأقاليم والجهات المنتظر انتخابه بعد أشهر من ناحية ثانية والقانون المحدد لمهام ذلك سواء في دستور أوت 2022 أو ما يفرزه القانون الانتخابي ويتم التنصيص عليه في مهام المؤسسة والوظيفة التشريعية، هي كلها خادمة لهذا التوجه الإصلاحي الاجتماعي والاقتصادي الشامل لكل جهات الجمهورية.
لكن يبدو أن السياسة الإصلاحية المتبعة إلى حد الآن في هذا المسار الاجتماعي مختلفة وتسير على غير ما هو متعارف عليه في مثل هذه الوضعيات والظروف. فمنذ مباشرة مجلس نواب الشعب لمهامه في مارس الماضي، وبعد الدخول في مرحلة طرح ومناقشة مشاريع القوانين منذ مطلع الأسبوع الماضي، لم تطأ أقدام أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل أو أي طرف ممثل للمكتب التنفيذي لهذه المنظمة الوطنية، قصر باردو سواء لتهنئة البرلمان الجديد على الصيغ المعمول بها في مثل هذه المناسبات، أو في أي سياق آخر. ولم تبد المنظمة الشغيلة إلى حد الآن أي مبادرة للتعامل مع هذه المؤسسة التشريعية، رغم أن رئيس الجمهورية كان قد وجه الاتحاد إلى جهة باردو بشكل غير مباشر، وذلك في رده على مبادرة الحوار الوطني التي يقودها الاتحاد وشاركت فيها عدة منظمات وهياكل أخرى، مؤكدا أنه غير مستعد لقبول هذه المبادرة وأنه حري بأصحابها التوجه بها إلى مجلس نواب الشعب.
في المقابل لم تفوت منظمات وهياكل وجهات أخرى مثل هذه المناسبات لتعبر عن نيتها في الانخراط في أي مشروع للإصلاح والتأسيس والبناء للمرحلة القادمة لاسيما منها الإصلاحات الاجتماعية وكل ما يخدم المصلحة العليا للوطن. وهو ما أكده كل من سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، في أكثر من مناسبة إضافة إلى الحبيب قيزة أمين عام الكنفدرالية العامة التونسية للشغل وإسماعيل السحباني أمين عام اتحاد عمال تونس وغيرهم من ممثلي بعض المنظمات الوطنية والهياكل القطاعية والجمعيات وغيرها على غرار الاتحاد الوطني للمرأة التونسية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، باعتبارها جهات تمثل قطاعات ومجالات مختلفة من الطبقة الشغيلة. وهو ما اعتبره البعض بدائل يمكن أن تلعب دورها في طرح المطالب أو الملفات الاجتماعية في ظل تواصل غياب الاتحاد العام التونسي للشغل عن "الركب" الرسمي في هذه المرحلة، رغم أن تمثيليات هذه المنظمة الشغيلة تواصل تحركها ونضالها في الدفاع عن مطالب منظوريها في قطاعات مهنية مختلفة وتحت عناوين مختلفة أيضا.
ويذكر أيضا أن رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة سبق أن أكد أن أبواب البرلمان مفتوحة للجميع إلا من اختار أن يقصي نفسه معتبرا أن بعض المنظمات والهياكل الوطنية والقطاعية قد عبرت عن رغبتها في التعاطي الإيجابي مع المبادرات والبرامج التي تخدم المصلحة الوطنية وفي مقدمتها المطالب الاجتماعية ومراعاة استحقاقات المواطنين لاسيما الطبقات الشغيلة والكادحة. وراهن البعض الآخر عن تواصل "حالة الجفاء" بين المنظمة الشغيلة العريقة والسلطة الرسمية في هذه المرحلة للدفع بدخول بدائل أخرى في المشهد تتصدر الدفاع عن المطالب الاجتماعية على غرار اتحاد عمال تونس الذي احتفل مؤخرا بمرور عقد على تأسيسه ويضم قيادات سابقة في الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة بعد تأكيد بعض أعضائه على ما تشهده هذه المنظمة الشغيلة من إقبال أعداد كبيرة من الطبقة الشغيلة في الفترة الأخيرة في قطاعات مهنية مختلفة للانخراط على نحو أصبحت من خلال منظوريها تسيطر على قطاعات النسيج والجلود وغيرها من الصناعات المعملية لتتوسع لتشمل مختلف القطاعات المهنية تقريبا.
ولئن سبق أن أكد بعض أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد عمال تونس أنه لا يمكن لعب دور البديل للمنظمة الشغيلة التقليدية والعريقة في تونس، في حين أنه يمكن لهذا الاتحاد الفتي أن يعزز المشهد ويكرس مفهوم التعددية النقابية على أرض الواقع، إلا أن خفوت صوت الاتحاد العام التونسي للشغل في هذه الفترة، رغم محاولات عديد الجهات السياسية استنهاضه والاستنجاد به بشكل غير مباشر في صراعها السياسي مع منظومة قيس سعيد، فتح باب التأويلات والقراءات والانتظارات ليقين الجميع بدور ووزن هذه المنظمة الوطنية.