إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد تغول السلطة وانحسار دور الأحزاب .. هل ينجح المجتمع المدني في استعادة التوازن المفقود؟

 

تونس-الصباح 

مع انحسار أدوار المعارضة الوطنية نتيجة التضييقات والملاحقات والإيقافات في حق قيادات الصف الأول للأحزاب، عاد المجتمع المدني ليخلق نوعا من التوازن الميداني بعد أن استعادت المنظمات والجمعيات توازنها المفقود. 

وتعيش منظمات المجتمع المدني تحت وقع التعبئة المجتمعية لمواجهة قمع السلطة ولتجاوز حالة التهميش التي فرضتها سياسات السلطة التنفيذية.

ويستعيد المجتمع المدني توازنه بعد تردد كبير نتيجة الشيطنة المستمرة والتهديد بتفكيكه واتهامه بالعمالة للخارج خاصة بعد الخطوة التي فاجأت الرأي العام، حيث دعا الرئيس قيس سعيد يوم 25 فيفري 2022 إلى صياغة نص قانوني يحظر التمويل الخارجي للجمعيات.

وقال سعيد وقتها:"في الظاهر هي جمعيات لكنها امتداد لقوى خارجية ولن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للعبث بالدولة أو للقيام بحملات انتخابية".

وأضاف الرئيس:"لا مجال للتلاعب بالقوانين لشراء الذمم وتهريب الأموال عن طريق الجمعيات"، واصفا البعض منها بأنها:"امتداد لأحزاب سياسية أو قوى لفظها التاريخ".

وعلى عكس علاقة سعيد بالمجتمع المدني فان المنظمات لم تكن بالوضوح الكافي بعد أن ترددت في الخروج بموقف موحد إزاء لحظة 25 جويلية2021.

تردد انعكس واقعيا على أداء المنظمات وقياداتها التي انقسمت بين إسناد 25جويلية والبحث عن الحد الأدنى من التقاطعات السياسية معه وبين رفضه والتأكيد على أنها لحظة تاريخية لا يمكن التأسيس عليها.

وفي هذا السياق علقت الباحثة الحقوقية الأستاذة أميمة مهدي في دراسة لها تحت عنوان "مواقف المنظمات المدنية في تونس:اختلاف في تأويل النصّ واشتراك في الخوف على الحريات".

وقالت:"رغم اختلاف المواقف من مدى شرعيّة القرارات المعلَن عنها ومدى احترامها لمقتضيات الدستور والمبادئ الديمقراطية، التقتْ منظّمات المجتمع المدني حول المطالبة بتوفير جملة من الضمانات تحترم الحقوق والحرّيّات وتحافظ على التجربة الديمقراطية ومسارها."

وبالعودة إلى بيانات أبرز المنظمات، فقد اعتبرت الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيات أنّ قيس سعيِّد بالغ في تأويله مقتضيات الفصل 80. 

كما ارتأتْ منظّمة البوصلة أنّ تجميد نشاط مجلس نوّاب الشعب لا يدخل ضمن التدابير الاستثنائية التي يمكن اتّخاذها نظراً إلى وضوح النصّ الدستوري الذي يشير إلى بقاء هذا المجلس بحالة انعقاد دائم.

هذا وعبّرت منظّمة أنا يقظ عن خوفها تجاه ما أُعلِنَ من تدابير لما تحمله من تأويل جرّد الفصل الدستوري ممّا اعتبرته “صمّامات الأمان الضامنة للحدّ الأدنى من الرقابة المتبادَلة بين السلط". 

أما الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فعبّرت عن خشيتها من مَرْكَزَة السّلطات الثلاث لدى رئاسة الجمهوريّة ودعت قيس سعيِّد إلى العودة إلى الشرعيّة الدستورية في أقرب الآجال.

لكنّ مجموعة أخرى من الجمعيّات على رأسها جمعيّة “بيتي” والجمعيّة التونسية للدفاع عن الحرّيّات الفردية، كانت أكثر وضوحاً وصرامة في موقفها الرافض للتدابير الاستثنائية، حيث أعلنت صراحةً في بيان لها أنّ ما قام به قيس سعيِّد انقلاب على الدستور وأنّ تأويله للفصل 80 خاطئ دستورياً وتعسّفي سياسياً ولا يتماشى مع نصّ وروح الدستور.

في المقابل، ساندتْ الجمعيّة التونسية للمحامين الشبّان القرارات المُعلَنة لما تمثّله من استجابة حرفية للمطالب الشعبية على حدّ تعبيرها. 

وطالب الاتّحاد العامّ التونسي للشغل بالتمسّك بالشرعية الدستورية بدون أيّ إشارة أخرى إلى قراءته لمدى ملاءمة التدابير النصّ الدستوري. 

وقد تحفّظت منظّمات كثيرة ورفضت أخرى الخوض في نقاش مدى دستوريّة قرارات رئيس الجمهوريّة، خصوصاً في ظلّ غياب المحكمة الدستورية التي تمثّل المؤسّسة الدستورية الوحيدة المخوَّلة البتّ في هذا الموضوع، بحيث بقيتْ متأثّرة بحالة الاحتفاء الكبير في أوساط شريحة واسعة من المجتمع التونسي عقب الإعلان عن القرارات الرئاسية مساء 25 من جويلية.

وتكشف المواقف السابقة الاختلاف الكبير في تقييم إجراءات 25جويلية بين قابل بها ورافض لها وهو أمر دارج داخل النظم الديمقراطية.

بيد أن حالة الاختلاف، سرعان ما انقشعت وتحولت مواقف المجتمع المدني إلى مواقف موحدة في مواجهة السلطة بعد أن اصطدم الجميع بواقع سياسي مغلق سواء اثر إقرار قيس سعيد للأمر عدد 117 لسنة 2021 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية أو المرسوم عدد 54 لسنة 2022 مؤرخ في 13 سبتمبر 2022 يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. 

وخلقت صدمة الأمر117 أولى ردود الأفعال لأبرز المنظمات حيث أمضت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية القضاة التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أول بيان مشترك للمجتمع المدني ليدخل على إثرها المجتمع المدني دائرة العمل الجبهوي للمنظمات.

وقد زاد المرسوم 54 في تثبتت نقاط الاشتباك السياسي والحقوقي في وجه النظام بعد أن كثفت المنظمات والجمعيات من حضورها الإعلامي والميداني آخرها تحرك أمس بالقرجاني بتونس العاصمة مساندة "لضحايا" هذا المرسوم.

خليل الحناشي

 

تونس-الصباح 

مع انحسار أدوار المعارضة الوطنية نتيجة التضييقات والملاحقات والإيقافات في حق قيادات الصف الأول للأحزاب، عاد المجتمع المدني ليخلق نوعا من التوازن الميداني بعد أن استعادت المنظمات والجمعيات توازنها المفقود. 

وتعيش منظمات المجتمع المدني تحت وقع التعبئة المجتمعية لمواجهة قمع السلطة ولتجاوز حالة التهميش التي فرضتها سياسات السلطة التنفيذية.

ويستعيد المجتمع المدني توازنه بعد تردد كبير نتيجة الشيطنة المستمرة والتهديد بتفكيكه واتهامه بالعمالة للخارج خاصة بعد الخطوة التي فاجأت الرأي العام، حيث دعا الرئيس قيس سعيد يوم 25 فيفري 2022 إلى صياغة نص قانوني يحظر التمويل الخارجي للجمعيات.

وقال سعيد وقتها:"في الظاهر هي جمعيات لكنها امتداد لقوى خارجية ولن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للعبث بالدولة أو للقيام بحملات انتخابية".

وأضاف الرئيس:"لا مجال للتلاعب بالقوانين لشراء الذمم وتهريب الأموال عن طريق الجمعيات"، واصفا البعض منها بأنها:"امتداد لأحزاب سياسية أو قوى لفظها التاريخ".

وعلى عكس علاقة سعيد بالمجتمع المدني فان المنظمات لم تكن بالوضوح الكافي بعد أن ترددت في الخروج بموقف موحد إزاء لحظة 25 جويلية2021.

تردد انعكس واقعيا على أداء المنظمات وقياداتها التي انقسمت بين إسناد 25جويلية والبحث عن الحد الأدنى من التقاطعات السياسية معه وبين رفضه والتأكيد على أنها لحظة تاريخية لا يمكن التأسيس عليها.

وفي هذا السياق علقت الباحثة الحقوقية الأستاذة أميمة مهدي في دراسة لها تحت عنوان "مواقف المنظمات المدنية في تونس:اختلاف في تأويل النصّ واشتراك في الخوف على الحريات".

وقالت:"رغم اختلاف المواقف من مدى شرعيّة القرارات المعلَن عنها ومدى احترامها لمقتضيات الدستور والمبادئ الديمقراطية، التقتْ منظّمات المجتمع المدني حول المطالبة بتوفير جملة من الضمانات تحترم الحقوق والحرّيّات وتحافظ على التجربة الديمقراطية ومسارها."

وبالعودة إلى بيانات أبرز المنظمات، فقد اعتبرت الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيات أنّ قيس سعيِّد بالغ في تأويله مقتضيات الفصل 80. 

كما ارتأتْ منظّمة البوصلة أنّ تجميد نشاط مجلس نوّاب الشعب لا يدخل ضمن التدابير الاستثنائية التي يمكن اتّخاذها نظراً إلى وضوح النصّ الدستوري الذي يشير إلى بقاء هذا المجلس بحالة انعقاد دائم.

هذا وعبّرت منظّمة أنا يقظ عن خوفها تجاه ما أُعلِنَ من تدابير لما تحمله من تأويل جرّد الفصل الدستوري ممّا اعتبرته “صمّامات الأمان الضامنة للحدّ الأدنى من الرقابة المتبادَلة بين السلط". 

أما الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فعبّرت عن خشيتها من مَرْكَزَة السّلطات الثلاث لدى رئاسة الجمهوريّة ودعت قيس سعيِّد إلى العودة إلى الشرعيّة الدستورية في أقرب الآجال.

لكنّ مجموعة أخرى من الجمعيّات على رأسها جمعيّة “بيتي” والجمعيّة التونسية للدفاع عن الحرّيّات الفردية، كانت أكثر وضوحاً وصرامة في موقفها الرافض للتدابير الاستثنائية، حيث أعلنت صراحةً في بيان لها أنّ ما قام به قيس سعيِّد انقلاب على الدستور وأنّ تأويله للفصل 80 خاطئ دستورياً وتعسّفي سياسياً ولا يتماشى مع نصّ وروح الدستور.

في المقابل، ساندتْ الجمعيّة التونسية للمحامين الشبّان القرارات المُعلَنة لما تمثّله من استجابة حرفية للمطالب الشعبية على حدّ تعبيرها. 

وطالب الاتّحاد العامّ التونسي للشغل بالتمسّك بالشرعية الدستورية بدون أيّ إشارة أخرى إلى قراءته لمدى ملاءمة التدابير النصّ الدستوري. 

وقد تحفّظت منظّمات كثيرة ورفضت أخرى الخوض في نقاش مدى دستوريّة قرارات رئيس الجمهوريّة، خصوصاً في ظلّ غياب المحكمة الدستورية التي تمثّل المؤسّسة الدستورية الوحيدة المخوَّلة البتّ في هذا الموضوع، بحيث بقيتْ متأثّرة بحالة الاحتفاء الكبير في أوساط شريحة واسعة من المجتمع التونسي عقب الإعلان عن القرارات الرئاسية مساء 25 من جويلية.

وتكشف المواقف السابقة الاختلاف الكبير في تقييم إجراءات 25جويلية بين قابل بها ورافض لها وهو أمر دارج داخل النظم الديمقراطية.

بيد أن حالة الاختلاف، سرعان ما انقشعت وتحولت مواقف المجتمع المدني إلى مواقف موحدة في مواجهة السلطة بعد أن اصطدم الجميع بواقع سياسي مغلق سواء اثر إقرار قيس سعيد للأمر عدد 117 لسنة 2021 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية أو المرسوم عدد 54 لسنة 2022 مؤرخ في 13 سبتمبر 2022 يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. 

وخلقت صدمة الأمر117 أولى ردود الأفعال لأبرز المنظمات حيث أمضت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية القضاة التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أول بيان مشترك للمجتمع المدني ليدخل على إثرها المجتمع المدني دائرة العمل الجبهوي للمنظمات.

وقد زاد المرسوم 54 في تثبتت نقاط الاشتباك السياسي والحقوقي في وجه النظام بعد أن كثفت المنظمات والجمعيات من حضورها الإعلامي والميداني آخرها تحرك أمس بالقرجاني بتونس العاصمة مساندة "لضحايا" هذا المرسوم.

خليل الحناشي