إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد .. زيلنسكي في القمة العربية والبحث عن تحويل فواتير الحرب

 بعد أن كانت الأنظار متجهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد كأبرز المشاركين في القمة العربية بجدة مع إعلان عودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد غياب استمر اثني عشر عاما، وبعد أن كانت مختلف المنابر الإعلامية ترصد وصول الرئيس السوري والوفد المرافق له وتبحث عن إشارات ودلائل قد تحملها هذه العودة نحو تضميد الجراح العميقة وتجاوز الخلافات الكبرى التي سبقت أو رافقت شروط عودة سوريا إلى موقعها الطبيعي جاء الإعلان عن حضور الرئيس الأوكراني زيلنسكي لإلقاء كلمة في القمة العربية.. الخبر الذي بدأ وكأنه مجرد إشاعة سرعان ما تأكد مع تواتر التعليقات من الصحافة الجزائرية أولا ثم مع وصول ضيف الشرف الأوكراني إلى مدينة جدة بعد أن أكد بنفسه الخبر على موقعه على تويتر.. وحظي زيلنسكي بطائرة فرنسية رسمية لنقله لحضور القمة العربية قبل أن يحلق إلى  مدينة هيروشيما في اليابان لحضور قمة مجموعة السبع...

وتواترت بذلك التأويلات والقراءات حول أسباب ودوافع هذا الحضور الذي كان واضحا أن اغلب الدول العربية لم تكن على علم مسبق به، ويبدو أن التعتيم فرضته أسباب أمنية ولكن دون إسقاط لعديد الأسباب وراء هذا الحضور للرئيس الأوكراني الذي تعاطى معه الملاحظون بانتقادات معلنة وأخرى خفية في غياب أدنى معلومة رسمية من البلد المضيف  في هذا الشأن قبل أن تعلن جامعة الدول العربية أن السعودية وليست الجامعة وراء هذه الدعوة.. وإذا كان البعض اعتبر أن في حضور زيلنسكي قمة جدة تحويل للأنظار عن القضايا الأساسية وابتزاز أمريكي صريح يأتي نتيجة لضعف المناعة العربية وعلى خلفية مشروع القانون الأمريكي لفرض عقوبات على مسار التطبيع مع سوريا بعد عودتها إلى الجامعة العربية، فان البعض اعتبر أن في هذا الحضور إقرار بالدور السعودي في جهود الوساطة بين موسكو وكييف لإنهاء الصراع في أوكرانيا بل أن هناك من ذهب إلى أن حضور زيلنسكي كان بالتنسيق مع روسيا التي وجهت رسالة مفتوحة للقمة العربية تشيد بعلاقات روسيا مع العالم العربي.. حتى أن الرئيس السوري بشار الأسد حليف روسيا وصديق بوتين العائد إلى حضن الجامعة بعد طول غياب لم ينتقد ولم يتعرض لحضور زيلنسكي في قمة جدة.. لن نتوقف طويلا عند مسألة الحضور والمقاطعة وهي تتنزل في إطار القديم الجديد في كل القمم العربية وأهواء وحسابات الحكام أو عدم رضاهم.. ولكن يبدو أن أسباب غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رئيس القمة السابقة التي لم تستمر أكثر من سبعة أشهر بدأ يتضح والأرجح أن هذا الغياب مرتبط بمشاركة زيلنسكي التي تمت  على ما يبدو إلى أن يأتي ما يخالف ذلك دون سابق إعلام أو تشاور وليس  على الأرجح بعدم حضور ولي العهد بن سلمان قمة الجزائر ..

الملاحظة الأولى التي يمكن الإشارة إليها بشأن حضور زيلنسكي وهو المعروف بموقفه الداعم والمؤيد لإسرائيل  مثاله الأعلى، أن الرئيس الأوكراني لم يكن في حجم الدعوة التي حظي بها حيث لم تخل كلمته من اتهامات صريحة لدول عربية بعدم إعلان تضامنها مع بلاده في مواجهة روسيا وكان كعادته مكابرا ولم يتغير خطابه عما دأب عليه في لقاءاته مع المسؤولين الغربيين من مطالب لا تنتهي بدعمه عسكريا وماليا...

الملاحظة الثانية والاهم في قناعتنا أنه كان يمكن لمشاركة زيلنسكي أن تكون خطوة جريئة تعلن تحولا جذريا في النظام العالمي الجديد وتعيد تحديد البوصلة نحو رفض كل المظالم ورفض كل أنواع الاحتلال العسكري سواء كان يحمل توقيع روسيا أو توقيع إسرائيل بنفس  درجة الدعم وبنفس درجة الاعتراف.. وكان يمكن لحضور زيلنسكي أن يشكل منعرجا حاسما لو وقف زيلنسكي جنبا إلى جنب مع الرئيس الفلسطيني مطالبا بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة.. ندرك جيدا أنه لا مفاضلة بين احتلال وآخر وكل احتلال هو جريمة في حق الشعوب ويستحق أن يتصدى له العالم بكل قوة وعلى نفس الدرجة من العدالة والاهتمام.. والسؤال الذي يفرض نفسه أيهما أخطر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطيني أم الاحتلال الروسي لأوكرانيا؟ لا خلاف أن معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال تبقى الأخطر والأبشع والأطول على الإطلاق  وهي قائمة اليوم في كل شبر من فلسطين المحتلة ومن الجرائم اليومية المقترفة في حق أبناء الشعب الفلسطيني وفي حق المهجرين والمشردين والأسرى لكن وهنا مكمن الداء الأقل مساندة والأقل دعما إعلاميا وسياسيا وماليا وعسكريا إلا عندما يتعلق الأمر ببيانات التأييد فان السخاء العربي والدولي لا حد له ولكن على أرض الواقع لا دور له...

الواقع أيضا وهذا يتعين الاعتراف به أن العالم يتغير وأن لعبة المصالح والعلاقات تتغير إقليميا ودوليا وأن الاستقطاب من القوى الكبرى أمريكا وروسيا والصين لا تتوقف وأن في خضم كل هذا تبدو المملكة العربية السعودية متأهبة لاستعادة دورها في الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط، وأن المملكة تتجه وبعد نجاح الوساطة الصينية في عودة العلاقات بين الرياض وطهران إلى دور مؤثر وأكثر فعالية في الأزمات في المنطقة من الجوار اليمني الى العراق وسوريا ولبنان.. وربما بات واضحا أيضا أن لولى العهد محمد بن سلمان طموحاته الواسعة وتوجهاته للحفاظ على علاقات بلاده مع حلفاء المملكة الكلاسيكيين وأساسها واشنطن كما غيرها لا سيما روسيا والصين عنوانها الواقعية والبراغماتية.. ليس من الواضح حتى الآن ما الهدف من حضور زيلنسكي أشغال القمة العربية التي أريد لها أن تكون قمة لم الشمل وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.. وكل ما نأمله ألا يكون حضور زيلنسكي تخطيطا مسبقا لتحويل الأنظار عن الأهم وتحويل دفع فواتير الحرب الروسية  الثقيلة في أوكرانيا إلى المملكة وإلى بقية دول الخليج بعد أن أنهكت أرصدة الغرب..

اسيا العتروس 

ممنوع من الحياد ..  زيلنسكي في القمة العربية والبحث عن تحويل فواتير الحرب

 بعد أن كانت الأنظار متجهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد كأبرز المشاركين في القمة العربية بجدة مع إعلان عودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد غياب استمر اثني عشر عاما، وبعد أن كانت مختلف المنابر الإعلامية ترصد وصول الرئيس السوري والوفد المرافق له وتبحث عن إشارات ودلائل قد تحملها هذه العودة نحو تضميد الجراح العميقة وتجاوز الخلافات الكبرى التي سبقت أو رافقت شروط عودة سوريا إلى موقعها الطبيعي جاء الإعلان عن حضور الرئيس الأوكراني زيلنسكي لإلقاء كلمة في القمة العربية.. الخبر الذي بدأ وكأنه مجرد إشاعة سرعان ما تأكد مع تواتر التعليقات من الصحافة الجزائرية أولا ثم مع وصول ضيف الشرف الأوكراني إلى مدينة جدة بعد أن أكد بنفسه الخبر على موقعه على تويتر.. وحظي زيلنسكي بطائرة فرنسية رسمية لنقله لحضور القمة العربية قبل أن يحلق إلى  مدينة هيروشيما في اليابان لحضور قمة مجموعة السبع...

وتواترت بذلك التأويلات والقراءات حول أسباب ودوافع هذا الحضور الذي كان واضحا أن اغلب الدول العربية لم تكن على علم مسبق به، ويبدو أن التعتيم فرضته أسباب أمنية ولكن دون إسقاط لعديد الأسباب وراء هذا الحضور للرئيس الأوكراني الذي تعاطى معه الملاحظون بانتقادات معلنة وأخرى خفية في غياب أدنى معلومة رسمية من البلد المضيف  في هذا الشأن قبل أن تعلن جامعة الدول العربية أن السعودية وليست الجامعة وراء هذه الدعوة.. وإذا كان البعض اعتبر أن في حضور زيلنسكي قمة جدة تحويل للأنظار عن القضايا الأساسية وابتزاز أمريكي صريح يأتي نتيجة لضعف المناعة العربية وعلى خلفية مشروع القانون الأمريكي لفرض عقوبات على مسار التطبيع مع سوريا بعد عودتها إلى الجامعة العربية، فان البعض اعتبر أن في هذا الحضور إقرار بالدور السعودي في جهود الوساطة بين موسكو وكييف لإنهاء الصراع في أوكرانيا بل أن هناك من ذهب إلى أن حضور زيلنسكي كان بالتنسيق مع روسيا التي وجهت رسالة مفتوحة للقمة العربية تشيد بعلاقات روسيا مع العالم العربي.. حتى أن الرئيس السوري بشار الأسد حليف روسيا وصديق بوتين العائد إلى حضن الجامعة بعد طول غياب لم ينتقد ولم يتعرض لحضور زيلنسكي في قمة جدة.. لن نتوقف طويلا عند مسألة الحضور والمقاطعة وهي تتنزل في إطار القديم الجديد في كل القمم العربية وأهواء وحسابات الحكام أو عدم رضاهم.. ولكن يبدو أن أسباب غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رئيس القمة السابقة التي لم تستمر أكثر من سبعة أشهر بدأ يتضح والأرجح أن هذا الغياب مرتبط بمشاركة زيلنسكي التي تمت  على ما يبدو إلى أن يأتي ما يخالف ذلك دون سابق إعلام أو تشاور وليس  على الأرجح بعدم حضور ولي العهد بن سلمان قمة الجزائر ..

الملاحظة الأولى التي يمكن الإشارة إليها بشأن حضور زيلنسكي وهو المعروف بموقفه الداعم والمؤيد لإسرائيل  مثاله الأعلى، أن الرئيس الأوكراني لم يكن في حجم الدعوة التي حظي بها حيث لم تخل كلمته من اتهامات صريحة لدول عربية بعدم إعلان تضامنها مع بلاده في مواجهة روسيا وكان كعادته مكابرا ولم يتغير خطابه عما دأب عليه في لقاءاته مع المسؤولين الغربيين من مطالب لا تنتهي بدعمه عسكريا وماليا...

الملاحظة الثانية والاهم في قناعتنا أنه كان يمكن لمشاركة زيلنسكي أن تكون خطوة جريئة تعلن تحولا جذريا في النظام العالمي الجديد وتعيد تحديد البوصلة نحو رفض كل المظالم ورفض كل أنواع الاحتلال العسكري سواء كان يحمل توقيع روسيا أو توقيع إسرائيل بنفس  درجة الدعم وبنفس درجة الاعتراف.. وكان يمكن لحضور زيلنسكي أن يشكل منعرجا حاسما لو وقف زيلنسكي جنبا إلى جنب مع الرئيس الفلسطيني مطالبا بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة.. ندرك جيدا أنه لا مفاضلة بين احتلال وآخر وكل احتلال هو جريمة في حق الشعوب ويستحق أن يتصدى له العالم بكل قوة وعلى نفس الدرجة من العدالة والاهتمام.. والسؤال الذي يفرض نفسه أيهما أخطر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطيني أم الاحتلال الروسي لأوكرانيا؟ لا خلاف أن معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال تبقى الأخطر والأبشع والأطول على الإطلاق  وهي قائمة اليوم في كل شبر من فلسطين المحتلة ومن الجرائم اليومية المقترفة في حق أبناء الشعب الفلسطيني وفي حق المهجرين والمشردين والأسرى لكن وهنا مكمن الداء الأقل مساندة والأقل دعما إعلاميا وسياسيا وماليا وعسكريا إلا عندما يتعلق الأمر ببيانات التأييد فان السخاء العربي والدولي لا حد له ولكن على أرض الواقع لا دور له...

الواقع أيضا وهذا يتعين الاعتراف به أن العالم يتغير وأن لعبة المصالح والعلاقات تتغير إقليميا ودوليا وأن الاستقطاب من القوى الكبرى أمريكا وروسيا والصين لا تتوقف وأن في خضم كل هذا تبدو المملكة العربية السعودية متأهبة لاستعادة دورها في الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط، وأن المملكة تتجه وبعد نجاح الوساطة الصينية في عودة العلاقات بين الرياض وطهران إلى دور مؤثر وأكثر فعالية في الأزمات في المنطقة من الجوار اليمني الى العراق وسوريا ولبنان.. وربما بات واضحا أيضا أن لولى العهد محمد بن سلمان طموحاته الواسعة وتوجهاته للحفاظ على علاقات بلاده مع حلفاء المملكة الكلاسيكيين وأساسها واشنطن كما غيرها لا سيما روسيا والصين عنوانها الواقعية والبراغماتية.. ليس من الواضح حتى الآن ما الهدف من حضور زيلنسكي أشغال القمة العربية التي أريد لها أن تكون قمة لم الشمل وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.. وكل ما نأمله ألا يكون حضور زيلنسكي تخطيطا مسبقا لتحويل الأنظار عن الأهم وتحويل دفع فواتير الحرب الروسية  الثقيلة في أوكرانيا إلى المملكة وإلى بقية دول الخليج بعد أن أنهكت أرصدة الغرب..

اسيا العتروس