إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عرض المشروع في صيغته الاخيرة على البرلمان المنحلّ ثم خيم الصمت ... "قانون الفنان".. متى يرى النور؟

*الطاهر القيزاني لـ"الصباح": هناك مشكل على مستوى طرح المصطلحات و"الفنان" صفة وليس مهنة

*إكرام عزوز لـ"الصباح": الأغلبية الساحقة للفنانين تتوهم أن "قانون الفنان" سيغير الواقع في حين أن الرؤية الاستشرافية هي الأساس لأن القانون يبقى جزءا من الإصلاح

*حاتم القيزاني لـ"الصباح": لا يمكن الحديث حتى عن الاستعداد لفض مشاكل الفنانين في مجلس النواب لوجود تصحر كبير على المستوى المعرفي حول المشهد الثقافي عامة

*وليد الزواغي لـ"الصباح": متى ستحسم  اللجان المتخصصة في وزارة الثقافة في مشروع قانون الفنان ويقع عرضه من جديد على مجلس النواب؟

*ماهر الهمامي لـ"الصباح":  مشروع قانون الفنان  ليس مجرد مشروع قطاعي وإنما مشروع وطني  يعكس اسس النهوض ببلد كامل

*محمد الجبالي لـ"الصباح": من الأولويات اصطفاف النقابيين والفنانين على حد السواء من أجل المصلحة العامة

تونس- الصباح

"يجب أن يكون الفنان وصيا للثقافة".. هكذا يقول روبرت لونغو الفنان التشكيلي الأمريكي المعاصر او هكذا أقر ضمنيا كغيره من الفاعلين في الحياة الثقافية، بأن الفنان ليس كمثل بقية أفراد المجتمع ولا يمكن أن يتمتع بنفس الحقوق والواجبات، طبعا ليس من باب النظرة الفوقية، إنما لأهمية الرسالة التي يحملها، فضلا عن محاولة إيقاظ أعمق الإحساسات الحيوية وتهذيب الذوق العام..

ونحسب أن أغلب الفنانين في تونس أصحاب القدرات الهائلة من حيث الفكر والموهبة لهم من البرامج المعمقة التي من شأنها أن تغير المشهد الثقافي بطريقة جذرية، لكن يبدو أن الأمر- للأسف- سيبقى معلقا إلى أجل غير مسمى باعتبار أن قانون الفنان لا يزال يستجدي "جرة قلم"، رغم المصادقة على صيغة من هذا القانون من طرف لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي في مجلس النواب المنحل على أن يتم عرضه خلال جلسة عامة ثم التصويت عليه نهائيا..علما وأن رئيس اللجنة كان قد عقد يوم 16 جويلية 2021 نقطة إعلامية إثر المصادقة على تقريرها المتعلق بمشروع القانون التوجيهي المتعلق بالفنان والمهن الفنية مؤكدا أنه تم إدخال بعض التعديلات التي قد تحقق إجماع 90%  من الفنانين، كما تطرق الى مسالة التأجير العادل للفنان وتكريس الحماية الاجتماعية للفنان..

وها أنّ النقابات الفنية - التي كان لـ"الصباح" اتصال بكتابها العامين -إثر افتتاح مجلس النواب الجديد - تسعى للمرة الثانية إلى إثارة الموضوع من خلال محاولة لقاء رئيس المجلس إبراهيم بودربالة وهي محاولات لم تلق تجاوبا الى حد كتابة هذا الأسطر..أما الأدهى والأمر هو أنّ "الصباح" كانت قد اتصلت بالملحقة الصحفية بوزارة الثقافة عسى أن يفيدنا أحد المسؤولين بآخر التطورات وما آل إليه قانون الفنان، لنفاجأ بالتملص وعدم التجاوب وكأن عدم الوصول الى مصدر المعلومة بالنسبة للصحفيين أصبح قدرا محتوما.       

ونظرا لأهمية الموضوع كان لا بد من التذكير بأن  مشروع "قانون الفنان" يضم 41 فصلا ملمة بأهم الحقوق والواجبات، اختلف حولها ثلة من الفنانين وتحديدا في ما يتعلق بقوننة إسناد الرخص الفنية الاحترافية من عدمها لأنه في حال اعتمادها يُقصى جزء هام من الحياة الثقافية على غرار أنشطة نوادي الفنون التشكيلية أو فرق مسرح الهواة الناشطة طيلة السنة...

وعليه من الواضح أننا إزاء موضوع متشعب للغاية بدليل أن كل تفصيل يهم القطاع يمكن أن يتفرع إلى العديد من الإشكاليات ناهيك أن الفنانين ودارسي القانون ومقترحي مشروع قانون الفنان مثلا لا يفقهون تفاصيل كل المهن الفنية وبالتالي لا يمكن أن نسن قانونا يشمل كل القوانين الفنية لان كل مهنة تتمتع بخصوصية سواء على المستوى المالي، أو على المستوى اللوجستي.. ونتفهم من يرى أنه من الضروري وضع قانون لكل مهنة على حدى.. خاصة وأن الفصل 37 من المشروع على سبيل المثال يشير إلى أن أي فنان يقوم بنشاط فني ولا يحمل بطاقة مهنية تتعلق بذلك النشاط يتعرض إلى خطية مالية وإن تكرر الأمر يصل به الأمر إلى عقوبة سجنية...

إعداد: وليد عبداللاوي

وبما أنّ النقابات الفنية تلعب دورا هاما بل رئيسيا في إيصال صوت الفنانين إلى سلط الإشراف كان لنا لقاء مع الكاتب العام للمهن الموسيقية وليد الزواغي للوقوف عند أهم الخطوات التي اتبعتها النقابة في ما يتعلق بقانون الفنان المعطل.. لقاء كان مع استاذ اول مميز في وزارة التربية اختصاص موسيقى لم يمنعه الانشغال بالتدريس من متابعة التحصيل الاكاديمي وتحصل على شهادة ماجستير في الموسيقى والعلوم الموسيقية، اضافة إلى أن علاقته بالموسيقى كانت أعمق من أن يكتفي برسالة التدريس فهو عازف عود ومؤلف موسيقي.. كما أن هذا الشغف بالفن كان من بين الأسباب التي دفعته إلى الحقل النقابي..

صمت وزاري ونقابات في التسلل

وقد أكد وليد الزواغي في مستهل حديثه أن وضعية الفنان "للأسف هشة ومزرية في ظل ظهور نقابات غايتها الربح المادي والأجندات المشبوهة.. فضلا عن وجود نقابات وهمية، نقابات موازية غير مراقبة لا حسيب ولا رقيب.. في حين ان ممثلي السلط المعنية سواء وزارة الثقافة او رئاسة الحكومة أقروا من خلال محاضر اتفاق أن الشريك الاجتماعي الوحيد هو الاتحاد العام التونسي للشغل المنضوية تحته نقابتنا التي تحتوي كل الفنون سواء كانت الفنون الدرامية او الفنون التشكيلية أو الفن الشعبي او فئة الشعراء،  اضافة إلى أن نقابتنا تمثل لجنة الفنانين الاجانب ولجنة دعم المصنفات الجديدة ولجنة الاحتراف الفني ولجنة المنح الظرفية(صعوبات صحية واجتماعية) وهي لجنة قارة تنظر في كل مشاكل الفنانين"..

لكن ورغم ما نوه اليه وليد الزواغي تبقى معضلة قانون الفنان شوكة في خاصرة جميع الفنانين بكل أصنافهم لأن عشرات الجلسات التشاورية مع لجان مختصة في وزارة الثقافة وثمرة عمل جماعي لمدة سنوات لم تأت أكلها وكل ما  ذهب  إليها وفق محدثنا سيبقى حبرا على ورق مادام القانون لم يفعل ..

لا نستطيع هنا إنكار سعي النقابات في هذا المجال وان اختلف الكثير حول مردوديتها ولكن الأسئلة الذي تطرح نفسها هو لماذا كل هذه المماطلة؟ متى ستحسم  اللجان المتخصصة في وزارة الثقافة في مشروع قانون الفنان ويقع عرضه من جديد على مجلس النواب؟ أم ان الثقافة من آخر اهتمامات المجلس والوزارة؟ متى سيقرر رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة الرد عن رسائل النقابات الفنية؟

نعتقد اننا ما دمنا نتحدث الى يوم الناس هذا عن التغطية الاجتماعية للفنان وعن منح المساعدة وعن تدهور الوضع الصحي والاجتماعي لفنانين أفنوا أعمارهم في الحياة الإبداعية، لا نظن أن الأمر يدعو إلى التفاؤل، لا سيما أن التجارب السابقة سواء مع المجلس التأسيسي أو مجلس النواب المنحل كشفت غياب الإرادة لتغيير المشهد الثقافي وعن جهل أهل التشريع بمميزات الميدان الثقافي وخباياه والحال أن البلاد تزخر بالمثقفين القادرين على تقديم المشاريع والاقتراحات التي من شأنها أن تحدث منعرجا في الحياة الثقافية تعود بالنفع لجميع الفنانين دون استثناء..

في ذات السياق لم يخف الكاتب العام للمهن الموسيقية وليد الزواغي أنه حان الوقت إلى أن تتحد النقابات إذ من غير المعقول أن يظل كل فنان متمسكا بالهيكل الذي يمثله ولا يمكن -وفق أقواله- أن تعم الفائدة ويتمتع جميع الفنانين بقانون يحميهم ويضمن حقوقهم في ظل التشتت الحاصل.

كما اعتبر  أن اتهام البعض لمشروع القانون بأنه قانون زجري، غايته إفراغ المشروع من محتواه والذهاب بالقطاع لمزيد من الفوضى ، كما دعا مجلس النواب إلى مراعاة مشروع القانون للمصلحة العامة للمشتغلين في الميدان الفني بعيدا عن الشخصنة والمصالح الضيقة وعدم التفاتهم لدعوات البعض إلى حذف وجوبية البطاقة المهنية وذلك بغاية تفصي البعض من تشغيل المحترفين ضمن عروض محترفة والاستعاضة عنهم بالهواة..

هذا وقد بين الكاتب العام للمهن الموسيقية أن كثرة اللجان في وزارة الثقافة وكثرة التفاعلات لا يمكن إلا أن تمثل عائقا على مستوى التواصل مع الفنانين كما أنّ سياسة تنظيم المهرجانات والديون المتخلدة لدى وزارة الثقافة اكل عليها الدهر وشرب، يجب القطع معها لأن الكثير من الفنانين هم  ضحايا هذه السياسات فهم غالبا ما يجدون أنفسهم بانتظار سداد مستحقاتهم إثر الموسم الصيفي.. مشاكل يرى وليد أنه بمجرد بتفعيل قانون الفنان ستضمحل..

"الصباح" كان لها لقاء آخر مع رئيس نقابة المهن الموسيقية والمهن المجاورة ماهر الهمامي والفنان محمد الجبالي احد اعضاء نقابة الفنانين التونسيين التي تأسست برئاسة لطفي بوشناق سنة 2020 وضمت عددا من  ابرز الوجوه الفنية التونسية من فناني الصف الأول حيث تولى الكتابة العامة صابر الرباعي مع كل من نبيهة الكراولي ونوال غشام وغازي العيادي والشاعر الغنائي حاتم القيزاني والمايسترو عبد الباسط بلقايد..

أما ماهر الهمامي فقد بين لـ"الصباح" أن من أولويات النقابة إصدار قانون الفنان وأنه راسل رئيس الجمهورية أربع مرات قصد إصدار قانون الفنان بنص أو مرسوم رئاسي ولكن لا حياة لمن تنادي، ورغم عدم الاستجابة أبدى محدثنا تفاؤلا لانه يسعى الى أن يقابل رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة محاولا إيجاد الحلول في ما يتعلق بسن قانون يحفظ كرامة الفنان ويقطع مع التهميش والإقصاء، وقد وجه رسائل من خلال صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي  في أكثر من مناسبة لكن يبدو أن أعين سلط الإشراف غير متجهة نحو استحقاقات الفنان والثقافة.

في حين ان الأمر يبدو واضحا ومن أولويات الدولة ولا يستدعي تحركا نقابيا باعتباره مشروعا وطنيا، لا يهم قطاعا  فنيا أو مهنا فنية  بقدر ما يعكس أسس النهوض ببلد كامل..

الفنان محمد الجبالي كان له رأي مقتضب في المسألة إذ يرى أنه من الأولويات أن يقع اصطفاف النقابيين والفنانين على حد السواء من أجل المصلحة العامة وأنه على استعداد للوقوف إلى جانب أي فنان وأي هيكل نقابي من أجل سن قانون يضمن كرامة الفنانين..

ولكن كأننا بلسان حال كل فنان يستطيع أن يتمتع بمزايا القانون أن يتساءل: هل ان القانون يمثلني فعلا؟ هل ان الفصول منصفة لكل المهن الفنية؟ هل اخذ أهل التشريع معاني مصطلح الفنان بعين الاعتبار أم لا؟

تساؤلات لم تغب عن آراء فنانين مثقفين على غرار مدير مسرح مدينة تونس  إكرام عزوز الذي أكد لـ"الصباح" أن أي قانون يشمل قطاعا فنيا  هاما وهاما جدا، لكن السؤال الذي غالبا ما يخامره هو "ماذا نريد من اي قطاع كان؟ ذلك أننا حين نجد الفنان مساعدا auxiliaire في الحياة الاجتماعية وأنّ وضعه شر لا بد منه وأنه يمثل تنشيطا ثقافيا فحسب وأن الحياة الثقافية بخير والعصافير تزقزق فتلك الطامة الكبرى"..

كما أن السياسيين-حسب إكرام عزوز- لم يأخذوا على عاتقهم  مدى إمكانية الفنان تطوير الحياة المجتمعية، وهو ما نتج عنه تخلف المجتمع نفس الشيء بالنسبة للفنان..

السؤال الاهم وفق تصريح الفنان إكرام هو: لو تمتع الفنان بقانون الفنان الجديد ماذا باستطاعته أن يقدم للمجتمع؟ سؤال يزيد من حيرة محدثنا حين يسوق مثال إنتاج وزارة الثقافة أعمال مسرحية موجهة للطفل رائعة بيداغوجيا وفنيا لكنها لا تعرض في المدارس! أو حين يكون الطفل محور عمل وزارة الطفولة في نواديها ومركباتها ولا علاقة لهذه النوادي والمركبات بما تنتجه وزارة الثقافة والفنانين وكأن وزارة التربية دولة لحالها ووزارة الثقافة دولة أخرى.. يتساءل إكرام عزوز مرة أخرى: ماذا نريد جميعا؟

الفنان الذي اصبح "حالة اجتماعية" لماذا نصر على ان نرمم ما تبقى من بقايا كرامته؟.. لماذا لا تدرس أهم الشخصيات الأدبية في برنامج الباكالوريا وأن توظف في مراكز الفنون الدرامية لتكون طريقة الاستعداد للامتحانات مختلفة؟

هكذا يؤكد الفنان إكرام عزوز على دور الفنان قبل وضعيته .. بتحسر كبير يقول: حين يكون أمثال عز الدين المدني موجودين ولا ترى لهم أثرا في المنابر الإعلامية منذ الثورة وليس لهم رأي في الشأن العام فاعلم أن هناك خللا كبيرا طال الوضع الثقافي عامة.

يعود إكرام عزوز إلى السؤال المباشر قائلا: من هم الفنانون المثقفون؟ ومن هم الفنانون المرتزقون fractisants؟..

ورغم ان إكرام  عزوز من خريجي كلية الحقوق إلا أنه -حسب ما أكده لـ"الصباح"- لم يحضر جميع الاجتماعات التشاورية حول قانون الفنان لأن الأغلبية الساحقة " ترى أن المصادقة على القانون ستغير الواقع.. ما اريد ان اقول هو غياب رؤية استشرافية لأن القانون جزء من التغيير والإصلاح  هو تغيير كل الآليات"..

وعن دور وزارة الثقافة ، بين إكرام عزوز ان الوزارة بصدد تعويض متعهدي الحفلات في الموسم الصيفي، وهو أبعد ما يكون عن الثقافة..كلها آليات مهترئة وجب تغييرها.. خلاصة القول إذن حسب ما جاء به الفنان إكرام عزوز هو مراجعة أخرى لواقع الفنان المثقف كما" يجب التصنيف، لا بد من ارساء مؤسسة تقوم بالتصنيف "باش ما تتساواش الروس" فالفنانون والمثقفون في أغلب البلدان درجات" وعلى المسؤولين في الشأن الثقافي أن يعطوا أولوية للهياكل التنظيمية حتى "نضع الأمور في نصابها "..

من جهته اعتبر الفنان الطاهر القيزاني أنّ "قانون الفنان لن يخدم مصلحة جميع الفنانين وإنما فئة معينة من الفنانين، كما نوه الى أن هناك إشكالا في توظيف مصطلح فنان باعتبار أنه يمثل صفة وليس مهنة ثم إن قانون الفنان حسب رأيه"بجب ان يطلع عليه جميع الفنانين ومن جميع الاختصاصات في صلب مؤتمر ضخم بالتنسيق مع النقابات التي تحوم حولها الى حد الآن بعض الشبهات لأنه من الضروري بل من  المفروض ان يضمها هيكل واحد وأن تكون الأهداف واحدة، علما وأنه بين لـ"الصباح" انه اجتمع سنة 2013 مع جميع النقابات المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل قصد التخطيط الى مشروع فني كبير.  ثم إن الميدان الفني حسب الموسيقي طاهر القيزاني "أوسع" بكثير في حال اقترن بمفهوم الفنان لأن الكاتب في النهاية فنان والسيناريست فنان والصحفي فنان والكثير من المهن تلتقي عند مفهوم الفنان..كما أنني أتساءل هنا لماذا لم يقع تسميته "قانون المهن الفنية" أو "الحرف المهنية"؟ اعتقد أنهما أقرب للمنطق.. إضافة الى أنه من الضروري أن نربط المشروع ببطاقة الاحتراف بالنسبة لكل المهن كذلك الأخذ بعين الاعتبار الشهائد العلمية وهنا اتحدث عن جميع المجالات دون استثناء ولا أتحدث هنا كموسيقي، بل أتمنى أن نتمتع يوما ما بعمادة تمثل كل الفنانين مثل الأطباء والمحامين"..

كما أشار الفنان طاهر القيزاني إلى مسألة في غاية الاهمية وهي أن "الموهبة هي التي تحدد مصير اي فنان على غرار فناني الراب فناني الشارع الذين فرضوا نمطا موسيقيا لأننا احببنا ام كرهنا غالبا ما يفرض المجتمع فنانا أو نمطا حديثا.وانا شخصيا لست ضد فن الراب انا ضد الخطاب العنيف للراب.. والراب هو الفن الوحيد الذي يتأقلم مع جميع الثقافات ذلك اننا نجد الراب السوري  والراب المغربي وراب باللغة العربية الفصحى، لسبب واحد ألا وهو الاعتماد على الكلمة والايقاع  وليس الموسيقى.  لهذا السبب  نحن نتحدث عن صفة وليس مهنة وهذه هي الإشكالية المتعلقة بالمصطلحات والمفاهيم،  إذ من غير  المعقول أن نتحدث عن فنان أو فن بصفة عامة لا بد من تحديد المفهوم الذي سيشمل كامل الفروع وكل فرع لابد أن يتمتع بتطبيق القوانين المتعلقة به".

ويضيف محدثنا قائلا: أما عن قانون الفنان والتساؤل حول ما إذا كان سيمثل إشكالا أم لا فهذا يتعلق بمضمون القانون الذي سنطلع عليه ولهذا اعتبر أن رأيي في هذا الموضوع مبتور خاصة وأن أغلب الفنانين الذين اقترحوا المشروع موسيقيون،  لذا أرى أنه من الضروري عقد مؤتمر ضخم يجمع كل الفنانين للنقاش ثم تقديم الحلول. ثم إن المشكل القائم حول تعدد النقابات وتحديدا على مستوى القيادات لا بد أن ينتهي فكل ممثل نقابي "يقلك مني تقْرع ". ومن منا لا يتذكر كيف التقط اعضاء نقابة المطربين صورا مع رئيس الدولة في قصر قرطاج ومن ذلك الحين لم نقتف لهم أثرا على مستوى العمل النقابي. ما يحز في نفسي وما اثلج صدري في الآن نفسه هو اني لما زرت مصر وكانت لي الفرصة بأن ادلي بتصريح فني على الهواء مباشرة كان بتصريح من نقابي فني، حين تأكد من تمكني ودرايتي الواسعة من موضوع الحلقة طلب مني مده بالمعطيات الشخصية ومن ثمة الموافقة على اي تدخل في مناسبات قادمة دون طلب إذن".

الحلول في تونس حسب الطاهر القيزاني متوفرة ذلك "أننا نستطيع ان نختار من يمثلنا من خيرة الفنانين ونؤسس نقابة مستقلة وعلى علاقة بكل الوزارات لأن نقابة الفنانين لا يمكن أن تكون تابعة لوزارة الثقافة فحسب لا بد أن تكون في علاقة مع وزارة البيئة  ومع زارة التربية ووزارة السياحة ووزارة الداخلية..أنا شخصيا حين اؤمن عرضا مسرحيا أو فداوي داخل سجن حتما سيكون ذلك وقعه اكبر من أن اؤمن عرضا بإحدى "الدشر" يكون فيها الجمهور محدودا للغاية..كذلك لا بد أن نتواصل مع المستشفيات من خلال احياء حفلات أو أنشطة ثقافية لفائدة الاطفال المرضى. فنشاط وزارة الثقافة لا بد أن يتسع ويتطور ".

ومن بين المقترحات التي يمكن ان تعزز "قانون الفنان" كذلك حسب الطاهر القيزاني هي منح كل فنان مبدع راحة بسنة من أجل ابتكار اعمال فنية راقية وهو ما كان معتمدا قبل الثورة.  هو يقترح  كذلك عدم استقبال الفنانين الاجانب لمدة ثلاث سنوات على الأقل وأن تعمل وزارة الثقافة على إرساء مشروع ضخم يدعم الفنان التونسي لا سيما أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة..هذا بالإضافة إلى ضرورة اعتماد اللامركزية خاصة وأن العروض الفنية تقريبا تعرض في مدينة الثقافة بالعاصمة في ظل غياب تام لدعم المهرجانات والمسارح ومراكز الفنون الدرامية في الجهات..

تصحر على المستوى المعرفي

المؤلف الموسيقي والمنتمي إلى النقابة الوطنية للموسيقيين حاتم القيزاني يرى أن المشكل الرئيسي هو المستوى الثقافي داخل البرلمان السابق والحالي ذلك أننا-وفق ما صرح به لـ"الصباح "- "لا نستطيع أن نتحدث عن الاستعداد لفض المشاكل المتعلقة بالميدان الفني والحال أن المصادقة يجب أن تحمل معرفة داخل البرلمان والمجلس التشريعي.ثم إن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يمكن فعلا صياغة القانون ثم تطبيقه تزامنا مع الإمكانيات المتاحة؟ رغم ان النقابة الوطنية للفنانين التونسيين على يقين تام من تحقيق كل المقترحات لكن العنصر الغائب هو الإرادة.

كما أن الجهل بحيثيات الأمور المتعلقة بالفنان مهيمن في مجلس النواب وأعتقد أنه من اسباب عدم الإصرار على التسريع في المصادقة على قانون الفنان. ما انجر عنه للأسف تهميش الفنان غياب قانون قان يحميه ويحفظ له حقوقه.. كما أن أغلب السياسيين يصفوننا بالقوة الناعمة ويستقبلوننا لالتقاط بعض الصور لا غير  إضافة إلى أن الفنان بالنسبة إليهم "ديكور" ويمثل نشاطا فنيا لا غير.ثم إن النواب ليس لديهم دراية بمشاكل المعيشة فما بالك بما يهم الفنان".

حاتم القيزاني يرى كذلك أن الكثير من المشاكل يجب أن تدرج ضمن أولويات القانون على غرار حقوق المؤلف ناهيك أنه صاحب 700 اغنية ولا يجني من ورائها سوى القليل من الأموال. وقد نوه أيضا الى اهمية إسناد بطاقة فنان محترف وادراجها  ضمن بنود القانون لكن " يجب ألا ننسى اصحاب المؤهلات الفنية لان كل الفنانين بدأوا كهواة".

     

عرض المشروع في صيغته الاخيرة على البرلمان المنحلّ  ثم  خيم الصمت ...  "قانون الفنان".. متى يرى النور؟

*الطاهر القيزاني لـ"الصباح": هناك مشكل على مستوى طرح المصطلحات و"الفنان" صفة وليس مهنة

*إكرام عزوز لـ"الصباح": الأغلبية الساحقة للفنانين تتوهم أن "قانون الفنان" سيغير الواقع في حين أن الرؤية الاستشرافية هي الأساس لأن القانون يبقى جزءا من الإصلاح

*حاتم القيزاني لـ"الصباح": لا يمكن الحديث حتى عن الاستعداد لفض مشاكل الفنانين في مجلس النواب لوجود تصحر كبير على المستوى المعرفي حول المشهد الثقافي عامة

*وليد الزواغي لـ"الصباح": متى ستحسم  اللجان المتخصصة في وزارة الثقافة في مشروع قانون الفنان ويقع عرضه من جديد على مجلس النواب؟

*ماهر الهمامي لـ"الصباح":  مشروع قانون الفنان  ليس مجرد مشروع قطاعي وإنما مشروع وطني  يعكس اسس النهوض ببلد كامل

*محمد الجبالي لـ"الصباح": من الأولويات اصطفاف النقابيين والفنانين على حد السواء من أجل المصلحة العامة

تونس- الصباح

"يجب أن يكون الفنان وصيا للثقافة".. هكذا يقول روبرت لونغو الفنان التشكيلي الأمريكي المعاصر او هكذا أقر ضمنيا كغيره من الفاعلين في الحياة الثقافية، بأن الفنان ليس كمثل بقية أفراد المجتمع ولا يمكن أن يتمتع بنفس الحقوق والواجبات، طبعا ليس من باب النظرة الفوقية، إنما لأهمية الرسالة التي يحملها، فضلا عن محاولة إيقاظ أعمق الإحساسات الحيوية وتهذيب الذوق العام..

ونحسب أن أغلب الفنانين في تونس أصحاب القدرات الهائلة من حيث الفكر والموهبة لهم من البرامج المعمقة التي من شأنها أن تغير المشهد الثقافي بطريقة جذرية، لكن يبدو أن الأمر- للأسف- سيبقى معلقا إلى أجل غير مسمى باعتبار أن قانون الفنان لا يزال يستجدي "جرة قلم"، رغم المصادقة على صيغة من هذا القانون من طرف لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي في مجلس النواب المنحل على أن يتم عرضه خلال جلسة عامة ثم التصويت عليه نهائيا..علما وأن رئيس اللجنة كان قد عقد يوم 16 جويلية 2021 نقطة إعلامية إثر المصادقة على تقريرها المتعلق بمشروع القانون التوجيهي المتعلق بالفنان والمهن الفنية مؤكدا أنه تم إدخال بعض التعديلات التي قد تحقق إجماع 90%  من الفنانين، كما تطرق الى مسالة التأجير العادل للفنان وتكريس الحماية الاجتماعية للفنان..

وها أنّ النقابات الفنية - التي كان لـ"الصباح" اتصال بكتابها العامين -إثر افتتاح مجلس النواب الجديد - تسعى للمرة الثانية إلى إثارة الموضوع من خلال محاولة لقاء رئيس المجلس إبراهيم بودربالة وهي محاولات لم تلق تجاوبا الى حد كتابة هذا الأسطر..أما الأدهى والأمر هو أنّ "الصباح" كانت قد اتصلت بالملحقة الصحفية بوزارة الثقافة عسى أن يفيدنا أحد المسؤولين بآخر التطورات وما آل إليه قانون الفنان، لنفاجأ بالتملص وعدم التجاوب وكأن عدم الوصول الى مصدر المعلومة بالنسبة للصحفيين أصبح قدرا محتوما.       

ونظرا لأهمية الموضوع كان لا بد من التذكير بأن  مشروع "قانون الفنان" يضم 41 فصلا ملمة بأهم الحقوق والواجبات، اختلف حولها ثلة من الفنانين وتحديدا في ما يتعلق بقوننة إسناد الرخص الفنية الاحترافية من عدمها لأنه في حال اعتمادها يُقصى جزء هام من الحياة الثقافية على غرار أنشطة نوادي الفنون التشكيلية أو فرق مسرح الهواة الناشطة طيلة السنة...

وعليه من الواضح أننا إزاء موضوع متشعب للغاية بدليل أن كل تفصيل يهم القطاع يمكن أن يتفرع إلى العديد من الإشكاليات ناهيك أن الفنانين ودارسي القانون ومقترحي مشروع قانون الفنان مثلا لا يفقهون تفاصيل كل المهن الفنية وبالتالي لا يمكن أن نسن قانونا يشمل كل القوانين الفنية لان كل مهنة تتمتع بخصوصية سواء على المستوى المالي، أو على المستوى اللوجستي.. ونتفهم من يرى أنه من الضروري وضع قانون لكل مهنة على حدى.. خاصة وأن الفصل 37 من المشروع على سبيل المثال يشير إلى أن أي فنان يقوم بنشاط فني ولا يحمل بطاقة مهنية تتعلق بذلك النشاط يتعرض إلى خطية مالية وإن تكرر الأمر يصل به الأمر إلى عقوبة سجنية...

إعداد: وليد عبداللاوي

وبما أنّ النقابات الفنية تلعب دورا هاما بل رئيسيا في إيصال صوت الفنانين إلى سلط الإشراف كان لنا لقاء مع الكاتب العام للمهن الموسيقية وليد الزواغي للوقوف عند أهم الخطوات التي اتبعتها النقابة في ما يتعلق بقانون الفنان المعطل.. لقاء كان مع استاذ اول مميز في وزارة التربية اختصاص موسيقى لم يمنعه الانشغال بالتدريس من متابعة التحصيل الاكاديمي وتحصل على شهادة ماجستير في الموسيقى والعلوم الموسيقية، اضافة إلى أن علاقته بالموسيقى كانت أعمق من أن يكتفي برسالة التدريس فهو عازف عود ومؤلف موسيقي.. كما أن هذا الشغف بالفن كان من بين الأسباب التي دفعته إلى الحقل النقابي..

صمت وزاري ونقابات في التسلل

وقد أكد وليد الزواغي في مستهل حديثه أن وضعية الفنان "للأسف هشة ومزرية في ظل ظهور نقابات غايتها الربح المادي والأجندات المشبوهة.. فضلا عن وجود نقابات وهمية، نقابات موازية غير مراقبة لا حسيب ولا رقيب.. في حين ان ممثلي السلط المعنية سواء وزارة الثقافة او رئاسة الحكومة أقروا من خلال محاضر اتفاق أن الشريك الاجتماعي الوحيد هو الاتحاد العام التونسي للشغل المنضوية تحته نقابتنا التي تحتوي كل الفنون سواء كانت الفنون الدرامية او الفنون التشكيلية أو الفن الشعبي او فئة الشعراء،  اضافة إلى أن نقابتنا تمثل لجنة الفنانين الاجانب ولجنة دعم المصنفات الجديدة ولجنة الاحتراف الفني ولجنة المنح الظرفية(صعوبات صحية واجتماعية) وهي لجنة قارة تنظر في كل مشاكل الفنانين"..

لكن ورغم ما نوه اليه وليد الزواغي تبقى معضلة قانون الفنان شوكة في خاصرة جميع الفنانين بكل أصنافهم لأن عشرات الجلسات التشاورية مع لجان مختصة في وزارة الثقافة وثمرة عمل جماعي لمدة سنوات لم تأت أكلها وكل ما  ذهب  إليها وفق محدثنا سيبقى حبرا على ورق مادام القانون لم يفعل ..

لا نستطيع هنا إنكار سعي النقابات في هذا المجال وان اختلف الكثير حول مردوديتها ولكن الأسئلة الذي تطرح نفسها هو لماذا كل هذه المماطلة؟ متى ستحسم  اللجان المتخصصة في وزارة الثقافة في مشروع قانون الفنان ويقع عرضه من جديد على مجلس النواب؟ أم ان الثقافة من آخر اهتمامات المجلس والوزارة؟ متى سيقرر رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة الرد عن رسائل النقابات الفنية؟

نعتقد اننا ما دمنا نتحدث الى يوم الناس هذا عن التغطية الاجتماعية للفنان وعن منح المساعدة وعن تدهور الوضع الصحي والاجتماعي لفنانين أفنوا أعمارهم في الحياة الإبداعية، لا نظن أن الأمر يدعو إلى التفاؤل، لا سيما أن التجارب السابقة سواء مع المجلس التأسيسي أو مجلس النواب المنحل كشفت غياب الإرادة لتغيير المشهد الثقافي وعن جهل أهل التشريع بمميزات الميدان الثقافي وخباياه والحال أن البلاد تزخر بالمثقفين القادرين على تقديم المشاريع والاقتراحات التي من شأنها أن تحدث منعرجا في الحياة الثقافية تعود بالنفع لجميع الفنانين دون استثناء..

في ذات السياق لم يخف الكاتب العام للمهن الموسيقية وليد الزواغي أنه حان الوقت إلى أن تتحد النقابات إذ من غير المعقول أن يظل كل فنان متمسكا بالهيكل الذي يمثله ولا يمكن -وفق أقواله- أن تعم الفائدة ويتمتع جميع الفنانين بقانون يحميهم ويضمن حقوقهم في ظل التشتت الحاصل.

كما اعتبر  أن اتهام البعض لمشروع القانون بأنه قانون زجري، غايته إفراغ المشروع من محتواه والذهاب بالقطاع لمزيد من الفوضى ، كما دعا مجلس النواب إلى مراعاة مشروع القانون للمصلحة العامة للمشتغلين في الميدان الفني بعيدا عن الشخصنة والمصالح الضيقة وعدم التفاتهم لدعوات البعض إلى حذف وجوبية البطاقة المهنية وذلك بغاية تفصي البعض من تشغيل المحترفين ضمن عروض محترفة والاستعاضة عنهم بالهواة..

هذا وقد بين الكاتب العام للمهن الموسيقية أن كثرة اللجان في وزارة الثقافة وكثرة التفاعلات لا يمكن إلا أن تمثل عائقا على مستوى التواصل مع الفنانين كما أنّ سياسة تنظيم المهرجانات والديون المتخلدة لدى وزارة الثقافة اكل عليها الدهر وشرب، يجب القطع معها لأن الكثير من الفنانين هم  ضحايا هذه السياسات فهم غالبا ما يجدون أنفسهم بانتظار سداد مستحقاتهم إثر الموسم الصيفي.. مشاكل يرى وليد أنه بمجرد بتفعيل قانون الفنان ستضمحل..

"الصباح" كان لها لقاء آخر مع رئيس نقابة المهن الموسيقية والمهن المجاورة ماهر الهمامي والفنان محمد الجبالي احد اعضاء نقابة الفنانين التونسيين التي تأسست برئاسة لطفي بوشناق سنة 2020 وضمت عددا من  ابرز الوجوه الفنية التونسية من فناني الصف الأول حيث تولى الكتابة العامة صابر الرباعي مع كل من نبيهة الكراولي ونوال غشام وغازي العيادي والشاعر الغنائي حاتم القيزاني والمايسترو عبد الباسط بلقايد..

أما ماهر الهمامي فقد بين لـ"الصباح" أن من أولويات النقابة إصدار قانون الفنان وأنه راسل رئيس الجمهورية أربع مرات قصد إصدار قانون الفنان بنص أو مرسوم رئاسي ولكن لا حياة لمن تنادي، ورغم عدم الاستجابة أبدى محدثنا تفاؤلا لانه يسعى الى أن يقابل رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة محاولا إيجاد الحلول في ما يتعلق بسن قانون يحفظ كرامة الفنان ويقطع مع التهميش والإقصاء، وقد وجه رسائل من خلال صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي  في أكثر من مناسبة لكن يبدو أن أعين سلط الإشراف غير متجهة نحو استحقاقات الفنان والثقافة.

في حين ان الأمر يبدو واضحا ومن أولويات الدولة ولا يستدعي تحركا نقابيا باعتباره مشروعا وطنيا، لا يهم قطاعا  فنيا أو مهنا فنية  بقدر ما يعكس أسس النهوض ببلد كامل..

الفنان محمد الجبالي كان له رأي مقتضب في المسألة إذ يرى أنه من الأولويات أن يقع اصطفاف النقابيين والفنانين على حد السواء من أجل المصلحة العامة وأنه على استعداد للوقوف إلى جانب أي فنان وأي هيكل نقابي من أجل سن قانون يضمن كرامة الفنانين..

ولكن كأننا بلسان حال كل فنان يستطيع أن يتمتع بمزايا القانون أن يتساءل: هل ان القانون يمثلني فعلا؟ هل ان الفصول منصفة لكل المهن الفنية؟ هل اخذ أهل التشريع معاني مصطلح الفنان بعين الاعتبار أم لا؟

تساؤلات لم تغب عن آراء فنانين مثقفين على غرار مدير مسرح مدينة تونس  إكرام عزوز الذي أكد لـ"الصباح" أن أي قانون يشمل قطاعا فنيا  هاما وهاما جدا، لكن السؤال الذي غالبا ما يخامره هو "ماذا نريد من اي قطاع كان؟ ذلك أننا حين نجد الفنان مساعدا auxiliaire في الحياة الاجتماعية وأنّ وضعه شر لا بد منه وأنه يمثل تنشيطا ثقافيا فحسب وأن الحياة الثقافية بخير والعصافير تزقزق فتلك الطامة الكبرى"..

كما أن السياسيين-حسب إكرام عزوز- لم يأخذوا على عاتقهم  مدى إمكانية الفنان تطوير الحياة المجتمعية، وهو ما نتج عنه تخلف المجتمع نفس الشيء بالنسبة للفنان..

السؤال الاهم وفق تصريح الفنان إكرام هو: لو تمتع الفنان بقانون الفنان الجديد ماذا باستطاعته أن يقدم للمجتمع؟ سؤال يزيد من حيرة محدثنا حين يسوق مثال إنتاج وزارة الثقافة أعمال مسرحية موجهة للطفل رائعة بيداغوجيا وفنيا لكنها لا تعرض في المدارس! أو حين يكون الطفل محور عمل وزارة الطفولة في نواديها ومركباتها ولا علاقة لهذه النوادي والمركبات بما تنتجه وزارة الثقافة والفنانين وكأن وزارة التربية دولة لحالها ووزارة الثقافة دولة أخرى.. يتساءل إكرام عزوز مرة أخرى: ماذا نريد جميعا؟

الفنان الذي اصبح "حالة اجتماعية" لماذا نصر على ان نرمم ما تبقى من بقايا كرامته؟.. لماذا لا تدرس أهم الشخصيات الأدبية في برنامج الباكالوريا وأن توظف في مراكز الفنون الدرامية لتكون طريقة الاستعداد للامتحانات مختلفة؟

هكذا يؤكد الفنان إكرام عزوز على دور الفنان قبل وضعيته .. بتحسر كبير يقول: حين يكون أمثال عز الدين المدني موجودين ولا ترى لهم أثرا في المنابر الإعلامية منذ الثورة وليس لهم رأي في الشأن العام فاعلم أن هناك خللا كبيرا طال الوضع الثقافي عامة.

يعود إكرام عزوز إلى السؤال المباشر قائلا: من هم الفنانون المثقفون؟ ومن هم الفنانون المرتزقون fractisants؟..

ورغم ان إكرام  عزوز من خريجي كلية الحقوق إلا أنه -حسب ما أكده لـ"الصباح"- لم يحضر جميع الاجتماعات التشاورية حول قانون الفنان لأن الأغلبية الساحقة " ترى أن المصادقة على القانون ستغير الواقع.. ما اريد ان اقول هو غياب رؤية استشرافية لأن القانون جزء من التغيير والإصلاح  هو تغيير كل الآليات"..

وعن دور وزارة الثقافة ، بين إكرام عزوز ان الوزارة بصدد تعويض متعهدي الحفلات في الموسم الصيفي، وهو أبعد ما يكون عن الثقافة..كلها آليات مهترئة وجب تغييرها.. خلاصة القول إذن حسب ما جاء به الفنان إكرام عزوز هو مراجعة أخرى لواقع الفنان المثقف كما" يجب التصنيف، لا بد من ارساء مؤسسة تقوم بالتصنيف "باش ما تتساواش الروس" فالفنانون والمثقفون في أغلب البلدان درجات" وعلى المسؤولين في الشأن الثقافي أن يعطوا أولوية للهياكل التنظيمية حتى "نضع الأمور في نصابها "..

من جهته اعتبر الفنان الطاهر القيزاني أنّ "قانون الفنان لن يخدم مصلحة جميع الفنانين وإنما فئة معينة من الفنانين، كما نوه الى أن هناك إشكالا في توظيف مصطلح فنان باعتبار أنه يمثل صفة وليس مهنة ثم إن قانون الفنان حسب رأيه"بجب ان يطلع عليه جميع الفنانين ومن جميع الاختصاصات في صلب مؤتمر ضخم بالتنسيق مع النقابات التي تحوم حولها الى حد الآن بعض الشبهات لأنه من الضروري بل من  المفروض ان يضمها هيكل واحد وأن تكون الأهداف واحدة، علما وأنه بين لـ"الصباح" انه اجتمع سنة 2013 مع جميع النقابات المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل قصد التخطيط الى مشروع فني كبير.  ثم إن الميدان الفني حسب الموسيقي طاهر القيزاني "أوسع" بكثير في حال اقترن بمفهوم الفنان لأن الكاتب في النهاية فنان والسيناريست فنان والصحفي فنان والكثير من المهن تلتقي عند مفهوم الفنان..كما أنني أتساءل هنا لماذا لم يقع تسميته "قانون المهن الفنية" أو "الحرف المهنية"؟ اعتقد أنهما أقرب للمنطق.. إضافة الى أنه من الضروري أن نربط المشروع ببطاقة الاحتراف بالنسبة لكل المهن كذلك الأخذ بعين الاعتبار الشهائد العلمية وهنا اتحدث عن جميع المجالات دون استثناء ولا أتحدث هنا كموسيقي، بل أتمنى أن نتمتع يوما ما بعمادة تمثل كل الفنانين مثل الأطباء والمحامين"..

كما أشار الفنان طاهر القيزاني إلى مسألة في غاية الاهمية وهي أن "الموهبة هي التي تحدد مصير اي فنان على غرار فناني الراب فناني الشارع الذين فرضوا نمطا موسيقيا لأننا احببنا ام كرهنا غالبا ما يفرض المجتمع فنانا أو نمطا حديثا.وانا شخصيا لست ضد فن الراب انا ضد الخطاب العنيف للراب.. والراب هو الفن الوحيد الذي يتأقلم مع جميع الثقافات ذلك اننا نجد الراب السوري  والراب المغربي وراب باللغة العربية الفصحى، لسبب واحد ألا وهو الاعتماد على الكلمة والايقاع  وليس الموسيقى.  لهذا السبب  نحن نتحدث عن صفة وليس مهنة وهذه هي الإشكالية المتعلقة بالمصطلحات والمفاهيم،  إذ من غير  المعقول أن نتحدث عن فنان أو فن بصفة عامة لا بد من تحديد المفهوم الذي سيشمل كامل الفروع وكل فرع لابد أن يتمتع بتطبيق القوانين المتعلقة به".

ويضيف محدثنا قائلا: أما عن قانون الفنان والتساؤل حول ما إذا كان سيمثل إشكالا أم لا فهذا يتعلق بمضمون القانون الذي سنطلع عليه ولهذا اعتبر أن رأيي في هذا الموضوع مبتور خاصة وأن أغلب الفنانين الذين اقترحوا المشروع موسيقيون،  لذا أرى أنه من الضروري عقد مؤتمر ضخم يجمع كل الفنانين للنقاش ثم تقديم الحلول. ثم إن المشكل القائم حول تعدد النقابات وتحديدا على مستوى القيادات لا بد أن ينتهي فكل ممثل نقابي "يقلك مني تقْرع ". ومن منا لا يتذكر كيف التقط اعضاء نقابة المطربين صورا مع رئيس الدولة في قصر قرطاج ومن ذلك الحين لم نقتف لهم أثرا على مستوى العمل النقابي. ما يحز في نفسي وما اثلج صدري في الآن نفسه هو اني لما زرت مصر وكانت لي الفرصة بأن ادلي بتصريح فني على الهواء مباشرة كان بتصريح من نقابي فني، حين تأكد من تمكني ودرايتي الواسعة من موضوع الحلقة طلب مني مده بالمعطيات الشخصية ومن ثمة الموافقة على اي تدخل في مناسبات قادمة دون طلب إذن".

الحلول في تونس حسب الطاهر القيزاني متوفرة ذلك "أننا نستطيع ان نختار من يمثلنا من خيرة الفنانين ونؤسس نقابة مستقلة وعلى علاقة بكل الوزارات لأن نقابة الفنانين لا يمكن أن تكون تابعة لوزارة الثقافة فحسب لا بد أن تكون في علاقة مع وزارة البيئة  ومع زارة التربية ووزارة السياحة ووزارة الداخلية..أنا شخصيا حين اؤمن عرضا مسرحيا أو فداوي داخل سجن حتما سيكون ذلك وقعه اكبر من أن اؤمن عرضا بإحدى "الدشر" يكون فيها الجمهور محدودا للغاية..كذلك لا بد أن نتواصل مع المستشفيات من خلال احياء حفلات أو أنشطة ثقافية لفائدة الاطفال المرضى. فنشاط وزارة الثقافة لا بد أن يتسع ويتطور ".

ومن بين المقترحات التي يمكن ان تعزز "قانون الفنان" كذلك حسب الطاهر القيزاني هي منح كل فنان مبدع راحة بسنة من أجل ابتكار اعمال فنية راقية وهو ما كان معتمدا قبل الثورة.  هو يقترح  كذلك عدم استقبال الفنانين الاجانب لمدة ثلاث سنوات على الأقل وأن تعمل وزارة الثقافة على إرساء مشروع ضخم يدعم الفنان التونسي لا سيما أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة..هذا بالإضافة إلى ضرورة اعتماد اللامركزية خاصة وأن العروض الفنية تقريبا تعرض في مدينة الثقافة بالعاصمة في ظل غياب تام لدعم المهرجانات والمسارح ومراكز الفنون الدرامية في الجهات..

تصحر على المستوى المعرفي

المؤلف الموسيقي والمنتمي إلى النقابة الوطنية للموسيقيين حاتم القيزاني يرى أن المشكل الرئيسي هو المستوى الثقافي داخل البرلمان السابق والحالي ذلك أننا-وفق ما صرح به لـ"الصباح "- "لا نستطيع أن نتحدث عن الاستعداد لفض المشاكل المتعلقة بالميدان الفني والحال أن المصادقة يجب أن تحمل معرفة داخل البرلمان والمجلس التشريعي.ثم إن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يمكن فعلا صياغة القانون ثم تطبيقه تزامنا مع الإمكانيات المتاحة؟ رغم ان النقابة الوطنية للفنانين التونسيين على يقين تام من تحقيق كل المقترحات لكن العنصر الغائب هو الإرادة.

كما أن الجهل بحيثيات الأمور المتعلقة بالفنان مهيمن في مجلس النواب وأعتقد أنه من اسباب عدم الإصرار على التسريع في المصادقة على قانون الفنان. ما انجر عنه للأسف تهميش الفنان غياب قانون قان يحميه ويحفظ له حقوقه.. كما أن أغلب السياسيين يصفوننا بالقوة الناعمة ويستقبلوننا لالتقاط بعض الصور لا غير  إضافة إلى أن الفنان بالنسبة إليهم "ديكور" ويمثل نشاطا فنيا لا غير.ثم إن النواب ليس لديهم دراية بمشاكل المعيشة فما بالك بما يهم الفنان".

حاتم القيزاني يرى كذلك أن الكثير من المشاكل يجب أن تدرج ضمن أولويات القانون على غرار حقوق المؤلف ناهيك أنه صاحب 700 اغنية ولا يجني من ورائها سوى القليل من الأموال. وقد نوه أيضا الى اهمية إسناد بطاقة فنان محترف وادراجها  ضمن بنود القانون لكن " يجب ألا ننسى اصحاب المؤهلات الفنية لان كل الفنانين بدأوا كهواة".