إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد | وعادت سوريا ...

 

ماذا يعني حضور الأسد قمة جدة اليوم؟ لعل ما يفرض هذا السؤال هي المواقف التي ارتبطت بالموقف من الرئيس السوري منذ بداية الأزمة في سوريا والتي أجمعت على أن نظام الأسد لم يعد له موقع وأنه يتجه إلى نهايته خلال شهرين على الأكثر  بالقتل أو الأسر أو الهروب إلى الخارج.. وبعد اثني عشر عاما سقطت تلك المواقف تباعا وكذب الاسد بدعم روسي إيراني توقعات الجميع من الشرق إلى الغرب ولم يسقط رغم كل ما حدث في سوريا من نزيف ذهب ضحيته أكثر من ثلاثمائة ألف ضحية ومن أزمات ومن تفكك ومن ظهور للتنظيمات المسلحة والجماعات الإرهابية التي تقاسمت مع قوى دولية وإقليمية أجزاء مهمة من التراب السوري ...

المفارقة اليوم أن الرئيس السوري حاضر في القمة العربية فيما يغيب رئيس لبنان الذي لا يزال قيد المجهول بعد أكثر من عشر جلسات برلمانية فشلت في اختيار رئيس للبنان المنهك..لم يكن تجميد سوريا الذي تم في نوفمبر 2011 سابقة في تاريخ جامعة الدول العربية حتى وان لم يتضمن ميثاقها بندا واضحا في هذا الشأن.. وقد غابت قبل ذلك مصر واستمر غياب مصر عشر سنوات استمرت منذ نوفمبر 1979 بعد توجه الرئيس المصري الراحل انور السادات الى الكنيست الإسرائيلي الأمر الذي دفع الجامعة العربية لا الى تعليق عضوية مصر فحسب ولكن إلى نقل الجامعة ومقرها القاهرة الى تونس ليتولى الامانة العامة الراحل الشاذلي القليبي.. وفي 1989 استعادت مصر مقعدها في الجامعة خلال قمة عمان وانتهت المقاطعة العربية لمصر.. التجميد الثاني فيتعلق بليبيا في نوفمبر2011 واستمر التعليق ثلاثة أشهر.. الواقع ان اكثر من نقطة استفهام تفرض العودة الى مقاطعة سوريا وعودتها وقبل ذلك مقاطعة مصر وعودتها..، فما الذي حققته المقاطعة وماذا بعد هذه العودة..، الاكيد أن عودة مصر الى الجامعة وعودة الجامعة الى مقرها بالقاهرة لم يتحقق بناء على رفع الظلم وانهاء الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولا على عودة المهجرين أو تحرير الأسرى ولم يتوقف منذ ذلك الحين قطار التطبيع الذي ظل يشق الطريق بهدوء ويواصل "الفتوحات" في  عدد من العواصم العربية والإفريقية وتدشين السفارات الإسرائيلية دون أن يحدث تقدم في الحقوق الفلسطينية.. الكثير من الملاحظين والخبراء يعتبرون حتى اليوم أن ما أقدمت عليه مصر كان بمثابة طعنة في الجسد العربي الذي نخرته الأزمات حتى بات اقرب إلى الرجل العليل أو العبء الثقيل.. لا خلاف أن الوضع اليوم غير الوضع قبل أكثر من ثلاثة عقود وأن العالم يتغير بسرعة ومعه تتغير لعبة المصالح والشراكات والتحالفات التي قد لا تتضح أبعادها وتداعياتها أمامنا اليوم والتي سيدفع حتما ثمنها الأجيال القادمة كما دفعت الأجيال السابقة ثمن المظالم المستمرة.. وقد اختارت إسرائيل أن توجه رسائلها المضمونة الوصول إلى قمة جدة بتجاوز كل الخطوط الحمراء بعد العدوان على غزة ومواصلة العربدة وتدنيس الأقصى وتحويل القدس إلى ثكنة عسكرية واستباحة كرامة الفلسطيني وأضافت إلى كل ذلك مسيرة الأعلام والاقتحامات المتكررة للمقدسات مع تبني مشروع قانون يجرم رفع العلم الفلسطيني وهذا ليس إلا غيض من فيض مما تواصل آلة الحرب الإسرائيلية القيام به... ولا ندري صراحة كيف سيرد القادة المشاركون في قمة جدة على كل هذه الجرائم والاستفزازات وهل هناك بدائل قائمة لتغيير المشهد القاتم؟

بعض التسريبات من جدة تشير إلى أن هناك تقدما في المفاوضات بين طرفي الصراع في السودان البرهان وحميدتي وهذا اذا تحقق سيحسب للقمة وسيكون انجازا يحتاجه السودانيون وتحتاجه المنطقة للحد من الصراعات الدموية... والأمر ذاته ينسحب على الازمة في اليمن واذا تقدمت المفاوضات مع الحوثيين وهو أمر محتمل على خلفية التطبيع الحاصل بين السعودية وإيران فقد يكون منعرجا جديدا يؤشر إلى بداية نهاية نزيف طال أمده.. الخطوة التالية التي يمكن أن تشهد تقدما فتتعلق بتحديد الأولويات لمواجهة الأزمة الغذائية التي تهدد عددا من الشعوب العربية التي تواجه أزمات اقتصادية ومالية خانقة ...

حتى المشهد الليبي فهو قابل أيضا للرتق واستعادة البوصلة في حال توفرت الإرادة السياسية وحضرت الحكمة الغائبة.. ومهما حاولنا حصر الأزمات العربية -العربية وهي كثيرة ومعقدة تبقى القضية الفلسطينية الأطول والأخطر والأعقد وكل يوم يمضي تتباين الحلول وتتفاقم الصراعات والخلافات والانقسامات أو الداء الذي أنهك الأجيال المتعاقبة على ارض فلسطين.. من السيناريوهات القديمة الجديدة التي يمكن أن تعيد السعودية حاضنة القمة العربية في دورتها الـ32 إعادة طرح المبادرة العربية التي أطلقتها المملكة في قمة بيروت في 2002  وهي مسألة يمكن أن تكون فاعلة في حالة واحدة قد تبدو حتى الآن خيارا غير مطروح لعدة اعتبارات ..

طبعا الأمر لا يتعلق بالمواجهة العسكرية والعودة إلى خيار الحرب فهذه مسألة لا قبل للعرب وجيوشهم بها وقد خسروا كل الحروب مع إسرائيل الأكثر تسلحا والأكثر تفوقا كما يريد لها حلفاؤها ...

الخيار المتبقي وهو ديبلوماسي وسياسي ويقتضي التلويح صراحة بتجميد أو تعليق التطبيع على ارض الواقع جديا وربطه بالتقدم في تطبيق قرارات الشرعية الدولية وقبول إسرائيل بإنهاء الاحتلال وفق الحدود المعلنة في67... ودون ذلك ستظل القضية الفلسطينية تراوح مكانها ولن تفلح كل بيانات التضامن والتأييد ولا بلاغات الإدانة.. عودة سوريا خطوة مهمة والأهم ماذا بعد..قناعتنا أن الأسد الذي قد يكون وصل جدة مساء أمس لن ينساق وراء خطاب هجومي على القمة ولا على الحضور والأرجح أنه سيسعى لتسليط الأضواء على المستقبل والبحث عن جسور لإعادة بناء وأعمار ما هدمته الحرب الطويلة  فاقمته كارثة الزلزال.. ولاشك أن قراءة في بيان قمة جدة التي سيسدل ستارها في نفس اليوم ستحتاج إلى اختمار الأفكار قبل الحديث عن نتائج القمة وعودة الضيوف هانئين بما تحقق ..

اسيا العتروس

 ممنوع من الحياد | وعادت سوريا ...

 

ماذا يعني حضور الأسد قمة جدة اليوم؟ لعل ما يفرض هذا السؤال هي المواقف التي ارتبطت بالموقف من الرئيس السوري منذ بداية الأزمة في سوريا والتي أجمعت على أن نظام الأسد لم يعد له موقع وأنه يتجه إلى نهايته خلال شهرين على الأكثر  بالقتل أو الأسر أو الهروب إلى الخارج.. وبعد اثني عشر عاما سقطت تلك المواقف تباعا وكذب الاسد بدعم روسي إيراني توقعات الجميع من الشرق إلى الغرب ولم يسقط رغم كل ما حدث في سوريا من نزيف ذهب ضحيته أكثر من ثلاثمائة ألف ضحية ومن أزمات ومن تفكك ومن ظهور للتنظيمات المسلحة والجماعات الإرهابية التي تقاسمت مع قوى دولية وإقليمية أجزاء مهمة من التراب السوري ...

المفارقة اليوم أن الرئيس السوري حاضر في القمة العربية فيما يغيب رئيس لبنان الذي لا يزال قيد المجهول بعد أكثر من عشر جلسات برلمانية فشلت في اختيار رئيس للبنان المنهك..لم يكن تجميد سوريا الذي تم في نوفمبر 2011 سابقة في تاريخ جامعة الدول العربية حتى وان لم يتضمن ميثاقها بندا واضحا في هذا الشأن.. وقد غابت قبل ذلك مصر واستمر غياب مصر عشر سنوات استمرت منذ نوفمبر 1979 بعد توجه الرئيس المصري الراحل انور السادات الى الكنيست الإسرائيلي الأمر الذي دفع الجامعة العربية لا الى تعليق عضوية مصر فحسب ولكن إلى نقل الجامعة ومقرها القاهرة الى تونس ليتولى الامانة العامة الراحل الشاذلي القليبي.. وفي 1989 استعادت مصر مقعدها في الجامعة خلال قمة عمان وانتهت المقاطعة العربية لمصر.. التجميد الثاني فيتعلق بليبيا في نوفمبر2011 واستمر التعليق ثلاثة أشهر.. الواقع ان اكثر من نقطة استفهام تفرض العودة الى مقاطعة سوريا وعودتها وقبل ذلك مقاطعة مصر وعودتها..، فما الذي حققته المقاطعة وماذا بعد هذه العودة..، الاكيد أن عودة مصر الى الجامعة وعودة الجامعة الى مقرها بالقاهرة لم يتحقق بناء على رفع الظلم وانهاء الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولا على عودة المهجرين أو تحرير الأسرى ولم يتوقف منذ ذلك الحين قطار التطبيع الذي ظل يشق الطريق بهدوء ويواصل "الفتوحات" في  عدد من العواصم العربية والإفريقية وتدشين السفارات الإسرائيلية دون أن يحدث تقدم في الحقوق الفلسطينية.. الكثير من الملاحظين والخبراء يعتبرون حتى اليوم أن ما أقدمت عليه مصر كان بمثابة طعنة في الجسد العربي الذي نخرته الأزمات حتى بات اقرب إلى الرجل العليل أو العبء الثقيل.. لا خلاف أن الوضع اليوم غير الوضع قبل أكثر من ثلاثة عقود وأن العالم يتغير بسرعة ومعه تتغير لعبة المصالح والشراكات والتحالفات التي قد لا تتضح أبعادها وتداعياتها أمامنا اليوم والتي سيدفع حتما ثمنها الأجيال القادمة كما دفعت الأجيال السابقة ثمن المظالم المستمرة.. وقد اختارت إسرائيل أن توجه رسائلها المضمونة الوصول إلى قمة جدة بتجاوز كل الخطوط الحمراء بعد العدوان على غزة ومواصلة العربدة وتدنيس الأقصى وتحويل القدس إلى ثكنة عسكرية واستباحة كرامة الفلسطيني وأضافت إلى كل ذلك مسيرة الأعلام والاقتحامات المتكررة للمقدسات مع تبني مشروع قانون يجرم رفع العلم الفلسطيني وهذا ليس إلا غيض من فيض مما تواصل آلة الحرب الإسرائيلية القيام به... ولا ندري صراحة كيف سيرد القادة المشاركون في قمة جدة على كل هذه الجرائم والاستفزازات وهل هناك بدائل قائمة لتغيير المشهد القاتم؟

بعض التسريبات من جدة تشير إلى أن هناك تقدما في المفاوضات بين طرفي الصراع في السودان البرهان وحميدتي وهذا اذا تحقق سيحسب للقمة وسيكون انجازا يحتاجه السودانيون وتحتاجه المنطقة للحد من الصراعات الدموية... والأمر ذاته ينسحب على الازمة في اليمن واذا تقدمت المفاوضات مع الحوثيين وهو أمر محتمل على خلفية التطبيع الحاصل بين السعودية وإيران فقد يكون منعرجا جديدا يؤشر إلى بداية نهاية نزيف طال أمده.. الخطوة التالية التي يمكن أن تشهد تقدما فتتعلق بتحديد الأولويات لمواجهة الأزمة الغذائية التي تهدد عددا من الشعوب العربية التي تواجه أزمات اقتصادية ومالية خانقة ...

حتى المشهد الليبي فهو قابل أيضا للرتق واستعادة البوصلة في حال توفرت الإرادة السياسية وحضرت الحكمة الغائبة.. ومهما حاولنا حصر الأزمات العربية -العربية وهي كثيرة ومعقدة تبقى القضية الفلسطينية الأطول والأخطر والأعقد وكل يوم يمضي تتباين الحلول وتتفاقم الصراعات والخلافات والانقسامات أو الداء الذي أنهك الأجيال المتعاقبة على ارض فلسطين.. من السيناريوهات القديمة الجديدة التي يمكن أن تعيد السعودية حاضنة القمة العربية في دورتها الـ32 إعادة طرح المبادرة العربية التي أطلقتها المملكة في قمة بيروت في 2002  وهي مسألة يمكن أن تكون فاعلة في حالة واحدة قد تبدو حتى الآن خيارا غير مطروح لعدة اعتبارات ..

طبعا الأمر لا يتعلق بالمواجهة العسكرية والعودة إلى خيار الحرب فهذه مسألة لا قبل للعرب وجيوشهم بها وقد خسروا كل الحروب مع إسرائيل الأكثر تسلحا والأكثر تفوقا كما يريد لها حلفاؤها ...

الخيار المتبقي وهو ديبلوماسي وسياسي ويقتضي التلويح صراحة بتجميد أو تعليق التطبيع على ارض الواقع جديا وربطه بالتقدم في تطبيق قرارات الشرعية الدولية وقبول إسرائيل بإنهاء الاحتلال وفق الحدود المعلنة في67... ودون ذلك ستظل القضية الفلسطينية تراوح مكانها ولن تفلح كل بيانات التضامن والتأييد ولا بلاغات الإدانة.. عودة سوريا خطوة مهمة والأهم ماذا بعد..قناعتنا أن الأسد الذي قد يكون وصل جدة مساء أمس لن ينساق وراء خطاب هجومي على القمة ولا على الحضور والأرجح أنه سيسعى لتسليط الأضواء على المستقبل والبحث عن جسور لإعادة بناء وأعمار ما هدمته الحرب الطويلة  فاقمته كارثة الزلزال.. ولاشك أن قراءة في بيان قمة جدة التي سيسدل ستارها في نفس اليوم ستحتاج إلى اختمار الأفكار قبل الحديث عن نتائج القمة وعودة الضيوف هانئين بما تحقق ..

اسيا العتروس