يبدٌو أنه كتٌب عليه العيش من أجل مصارعة ومجابهة سيل المناسبات والاحتفالات والأعياد التي لا تكاد تنتهي.. فرغم أن مقدرته الشرائية اهترأت بالقدر الذي يكاد يسمح له فقط بمجاراة وتامين نسق استهلاكه اليومي إلا انه ومع ذلك تجده في كل مناسبة كانت ومهما كانت حدة مصاريفها في الصفوف الأمامية.. هو التونسي الذي أنهكه اليوم تراكم المناسبات تباعا لكنه في المقابل لا يدخر جهدا للاحتفاء بها كلف ذلك ما كلف...
في هذا الخصوص يصف كثيرون هذه الفترة من كل سنة بـالمضنية والشاقة بالنسبة لكل عائلة تونسية أضحت تعيش اليوم في مهب أو في دوامة كبرى من المناسبات. ففي استعراض سريع لأبرز محطاتها نجد أن أرباب الأسر مطالبين اليوم في هذه الفترة إضافة إلى تأمين مستلزمات الدروس الخصوصية نظرا لان الامتحانات الوطنية خاصة الباكالوريا على الأبواب في عهدتهم أيضا تــأمين مصاريف موسم "النجاحات" وما تقتضيه هذه العادة التي دأبت عليها مختلف الأسر التونسية في إثقال كاهل "الميزانية "..
ومباشرة بعد الانتهاء من فورة التهاني "بالنجاحات" يجد التونسي نفسه وجها لوجه مع مصاريف عيد الأضحى (الذي يتزامن هذه السنة مع موفى شهر جوان المقبل) في ظل توقعات بارتفاع أسعار الأضاحي الى مستويات غير عادية هذه السنة.. والأمور لا تتوقف عن هذا الحد فمن "علوش العيد" الى موسم الخلاعة وما يقتضيه شهر جويلية وأوت من مصاريف سواء للتنقل طلبا للاستجمام في منطقة سياحية أو لكراء منزل على الشاطئ (بعد أن دأب على هذه العادة شق كبير من التونسيين) تتخلله طبعا مواسم حفلات الأعراس التي تتطلب هي الأخرى تخصيص "ميزانية" لا باس بها..
هي إذن أشهر عصيبة تنتظر الأسر التونسية حيث تفوق مصاريفها بكثير مقدرتها الشرائية لكن ومع ذلك تجد السواد الأعظم يقف "الند للند" أمام هذه المناسبات بل يستميت في الاحتفاء بها سواء بمساعدة القروض الاستهلاكية أو عن طريق "الروج" الذي أضحى ملاذ الكثيرين حتى ممن يتجاوز دخلهم الشهري الـ2000 دينار...
في هذا الخصوص يصح التساؤل عن مكامن الخلل الذي يدفع بالبعض الى الغرق في دوامة "الروج" لا لشيء إلاّ بالاحتفاء بعادات ومناسبات كان بإمكانها تتجاوزها: فهل هي شخصية التونسي المفعمة بالحياة وعلى كل مظاهر الفرح والترفيه أم أنها نتاج المجتمع الاستهلاكي الذي نعيش فيه والذي يقود أفراده الى مجاراة نسقه مهما كانت التكاليف؟
تفاعلا مع هذا الطرح يشير الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح أمس لـ"الصباح" الى أننا لا نعيش حالة من الرفاهية وإنما نعيش على وقع أزمة سلوك ترتبط بحالة أزمة في عديد المستويات. وفسر في هذا الإطار أننا نعيش أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقيمية تراجع فيها دور المؤسسات من ذلك تراجع الدور الموكول الى الأسرة والمجتمع والمدرسة وحتى الإعلام. هذه الأزمة خلقت من وجهة نظر عز الدين حالة تعرف باللايقين لدى الأفراد وتقوم هذه الحالة على تبني سلوك غير عقلاني قائم أساسا على المزاجية الى جانب تبني شخصية غير قائمة على تخطيط استراتيجي وعقلاني بما أن المستقبل غير واضح. وبالتالي يتبنى كثيرون سلوكا قائما على المخاطرة في ظل عدم وجود موارد قارة أو عملا في الأفق. هذه الوضعية دفعت الى تبني ما يسمى بالخلاص الفردي بعيدا عن مفهوم الخلاص الجماعي الذي يقتضي مشروعا واضح المعالم. وهذا المشروع هو حاليا غير موجود بسبب المنافسة السياسية وحالة اللايقين الأمر الذي جعل الكثيرين يتوجهون نحو الخلاص الفردي الأمر الذي يفسر هذا السلوك المحفوف بالمخاطر والذي يفتقر الى رؤية وإستراتيجية واضحة المعالم...
في هذا الخضم لا يسعنا إلا القول كان الله في عون "بو العيلة" الذي تختلط عليه في هذه الفترة المناسبات من كل حدب وصوب.. ورغم قلة ذات اليد يجد منفذا للاحتفاء بها غير عابئ لا بتدني مقدرته الشرائية وبلوغها القاع ولا بحجم الديون التي تثقل كاهله.. كل ما يهم هو مجاراة التيار وعدم مخالفة اتجاهه أو السباحة ضده مهما كانت التحديات جسام.. فمن مصاريف الدروس الخصوصية هذه الفترة مرورا بموسم التهاني في الامتحانات الوطنية وصولا الى علوش العيد وموسم الخلاعة والأعراس يظل التونسي صامدا أمام تكاليف ومصاريف يحتار خبراء الاستهلاك في كيفية مجابهتها..
منال حرزي
تونس-الصباح
يبدٌو أنه كتٌب عليه العيش من أجل مصارعة ومجابهة سيل المناسبات والاحتفالات والأعياد التي لا تكاد تنتهي.. فرغم أن مقدرته الشرائية اهترأت بالقدر الذي يكاد يسمح له فقط بمجاراة وتامين نسق استهلاكه اليومي إلا انه ومع ذلك تجده في كل مناسبة كانت ومهما كانت حدة مصاريفها في الصفوف الأمامية.. هو التونسي الذي أنهكه اليوم تراكم المناسبات تباعا لكنه في المقابل لا يدخر جهدا للاحتفاء بها كلف ذلك ما كلف...
في هذا الخصوص يصف كثيرون هذه الفترة من كل سنة بـالمضنية والشاقة بالنسبة لكل عائلة تونسية أضحت تعيش اليوم في مهب أو في دوامة كبرى من المناسبات. ففي استعراض سريع لأبرز محطاتها نجد أن أرباب الأسر مطالبين اليوم في هذه الفترة إضافة إلى تأمين مستلزمات الدروس الخصوصية نظرا لان الامتحانات الوطنية خاصة الباكالوريا على الأبواب في عهدتهم أيضا تــأمين مصاريف موسم "النجاحات" وما تقتضيه هذه العادة التي دأبت عليها مختلف الأسر التونسية في إثقال كاهل "الميزانية "..
ومباشرة بعد الانتهاء من فورة التهاني "بالنجاحات" يجد التونسي نفسه وجها لوجه مع مصاريف عيد الأضحى (الذي يتزامن هذه السنة مع موفى شهر جوان المقبل) في ظل توقعات بارتفاع أسعار الأضاحي الى مستويات غير عادية هذه السنة.. والأمور لا تتوقف عن هذا الحد فمن "علوش العيد" الى موسم الخلاعة وما يقتضيه شهر جويلية وأوت من مصاريف سواء للتنقل طلبا للاستجمام في منطقة سياحية أو لكراء منزل على الشاطئ (بعد أن دأب على هذه العادة شق كبير من التونسيين) تتخلله طبعا مواسم حفلات الأعراس التي تتطلب هي الأخرى تخصيص "ميزانية" لا باس بها..
هي إذن أشهر عصيبة تنتظر الأسر التونسية حيث تفوق مصاريفها بكثير مقدرتها الشرائية لكن ومع ذلك تجد السواد الأعظم يقف "الند للند" أمام هذه المناسبات بل يستميت في الاحتفاء بها سواء بمساعدة القروض الاستهلاكية أو عن طريق "الروج" الذي أضحى ملاذ الكثيرين حتى ممن يتجاوز دخلهم الشهري الـ2000 دينار...
في هذا الخصوص يصح التساؤل عن مكامن الخلل الذي يدفع بالبعض الى الغرق في دوامة "الروج" لا لشيء إلاّ بالاحتفاء بعادات ومناسبات كان بإمكانها تتجاوزها: فهل هي شخصية التونسي المفعمة بالحياة وعلى كل مظاهر الفرح والترفيه أم أنها نتاج المجتمع الاستهلاكي الذي نعيش فيه والذي يقود أفراده الى مجاراة نسقه مهما كانت التكاليف؟
تفاعلا مع هذا الطرح يشير الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح أمس لـ"الصباح" الى أننا لا نعيش حالة من الرفاهية وإنما نعيش على وقع أزمة سلوك ترتبط بحالة أزمة في عديد المستويات. وفسر في هذا الإطار أننا نعيش أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقيمية تراجع فيها دور المؤسسات من ذلك تراجع الدور الموكول الى الأسرة والمجتمع والمدرسة وحتى الإعلام. هذه الأزمة خلقت من وجهة نظر عز الدين حالة تعرف باللايقين لدى الأفراد وتقوم هذه الحالة على تبني سلوك غير عقلاني قائم أساسا على المزاجية الى جانب تبني شخصية غير قائمة على تخطيط استراتيجي وعقلاني بما أن المستقبل غير واضح. وبالتالي يتبنى كثيرون سلوكا قائما على المخاطرة في ظل عدم وجود موارد قارة أو عملا في الأفق. هذه الوضعية دفعت الى تبني ما يسمى بالخلاص الفردي بعيدا عن مفهوم الخلاص الجماعي الذي يقتضي مشروعا واضح المعالم. وهذا المشروع هو حاليا غير موجود بسبب المنافسة السياسية وحالة اللايقين الأمر الذي جعل الكثيرين يتوجهون نحو الخلاص الفردي الأمر الذي يفسر هذا السلوك المحفوف بالمخاطر والذي يفتقر الى رؤية وإستراتيجية واضحة المعالم...
في هذا الخضم لا يسعنا إلا القول كان الله في عون "بو العيلة" الذي تختلط عليه في هذه الفترة المناسبات من كل حدب وصوب.. ورغم قلة ذات اليد يجد منفذا للاحتفاء بها غير عابئ لا بتدني مقدرته الشرائية وبلوغها القاع ولا بحجم الديون التي تثقل كاهله.. كل ما يهم هو مجاراة التيار وعدم مخالفة اتجاهه أو السباحة ضده مهما كانت التحديات جسام.. فمن مصاريف الدروس الخصوصية هذه الفترة مرورا بموسم التهاني في الامتحانات الوطنية وصولا الى علوش العيد وموسم الخلاعة والأعراس يظل التونسي صامدا أمام تكاليف ومصاريف يحتار خبراء الاستهلاك في كيفية مجابهتها..