بقلم: فوزي النوري
*إن المسافة الفاصلة بين الارهاب التكفيري والاسلام السياسي هي في أفضل الحالات أقل بكثير من المسافة التي تفصل أحزاب اليمين عن بعضها أو التنويعات داخل اليسار
لعلنا نتفق على التعقيد المفهومي الذي يلف هذه الظاهرة : هل هي حادثة خارج سياق التاريخ من زاوية كونها تتنافي كليا مع كل الأطر القائمة (القانونية ،السياسية،الاجتماعية)هل هو ظاهرة دينية ام سياسية أم الاثنين معا و ما حقيقة علاقته بالليبرالية و بالعولمة وكل هذه التساؤلات قد تمكننا من التعرف ولو جزئيا على الملامح العامة للإرهاب و" لتجربة الرعب" التي تنبثق منه .
لا يمكن أن ننكر أن الارهاب وجد سابقا كأحداث معزولة في التاريخ لكن وجوده كظاهرة متواترة ومؤثرة وكونية وجماعات تؤسس نظريا للفعل الارهابي من خلال مرجعيات دينية محددة كان في نهاية القرن العشرين و بداية هذا القرن وهو ما يدفعنا إلى تحديد السياقات العامة والمنظومات وفي تقديرنا لا يمكن ان نعض النظر عن الاحالات التي ترسلها تزامن ظهور العولمة بالإرهاب المعولم بصعود الاسلام السياسي لسدة الحكم وكل ذلك يدفعنا إلى تبيان الأساس مشترك الذي ساهم وأعد لكي تطفو هذه الظواهر على السطح، إن المقدمة الموضوعية لكل هذا هي الشكل الذي اتخذته الليبرالية والذي يتيح للفرد التفكير خارج القيد الانساني الأخلاقي والاجتماعي مما أدى نسف مفهوم المسؤولية الأخلاقية للخيارات السياسية وللعمل السياسي.
لمزيد من التعمق في التحليل لا بد تحديد المسافات إن وجدت والتي تفصل الاسلام السياسي عن الارهاب دون إغفال علاقتهما بالمنظومة اليبرالية وبصفة أدق بالاختلال الحاصل في من خلال رغبة هذه المنظومة في نشر قيمها في مناطق غير مؤهلة للتقبل الفوري للتعددية الاختلافية من جهة ومن جهة أخرى قصورها عن صياغة تصورات تتجاوز التجريد البراغماتي وتقديم تصور يستبطن الأمل ويشيع شيئا من الغائية في الوجود الانساني أدى كل ذلك إلى صعود المحافظون الجدد الذين أسندوا لأنفسهم مهمة إيصال "رسالة" القيم الامريكية بمنطق لا يختلف كثيرا عن التصور الجهادي .
هذا المأزق مثل تربة خصبة لصعود الاسلام السياسي باعتباره منظومة تدعي الإجابة عن كل هذه الاحراجات ولا تتصادم مع التوجه الليبرالي في شيء من الناحية الاقتصادية لكنه كان لزاما عليها ان أن تلف إسلامها بمسحة مدنية معتدلة تسهل تسويقها للرأي العام الدولي وللمجتمع السياسي الغربي وذلك ما حصل لتؤمن وصولها لسدة الحكم ،لكن الاشكال هو التساؤل عن الصعود الموازي للتيارات الجهادية و فيما تتمايز مع الاسلام السياسي في اعتقادنا و نحن نعلم أن المرجعية هي ذاتها فإن الاختلافات هي جزئية تتعلق بإدارة الحرب المقدسة فإذا كان الاسلام السياسي يتصادم مع المختلف ويدير هذا التصادم بشكل سياسوي فإن التيارات الجهادية تتخذ منهج الاستئصال المباشر والمرعب للمختلف والوجه الثاني للاختلاف هو أن للتيارات الجهادية أدوار و ليس لها مشاريع هذه الادوار تسندها إياها اجهزة المخابرات أو الاسلام السياسي أو غير ذلك من الدوائر المشبوهة المالية والسياسية وكل ذلك لا يحتاج إلى دليل إذا كنا نعلم سهولة تنقل هذه الجماعات والاموال الطائلة التي تحتكمها وطبيعة العمليات التي تقوم بها.
إن المسافة الفاصلة بين الارهاب التكفيري والاسلام السياسي هي في أفضل الحالات أقل بكثير من المسافة التي تفصل أحزاب اليمين عن بعضها أو التنويعات داخل اليسار فإذا كان الاختلاف طفيفا داخل الااحزاب الايديولوجية والسياسية فهو أقل بكثير بين التيارات والأحزاب العقائدية التي لها مرجعية واحدة ثابتة ومقدسة. ورغم محاولات التنصل التي تطبع الرسائل السياسية لحركات الاسلام السياسي في علاقة بالارهاب التكفيري وبالحركات الجهادية فإن التقاء الحركات الاسلامية ذات الطابع السياسي أو الجهادي هو لقاء موضوعي تفرضه طبيعة المرجعية أي "المقدسة" و طبيعة الأهداف المنشودة أي "دولة الخلافة".
ولمزيد من التوضيح نتساءل عما إذا ألغت الحركات السياسية الاسلامية بكافة تفريعاتها قاعدة الجهاد من أدبياتها؟
إن هيمنة الرأسمال المالي وقدرته على اختراق الدول والمجتمعات وتفكيكها (المال السياسي والأموال التي تضخ للجمعيات المشبوهة..) وإخضاع الحكومات لمطالبه وإملاءاته لم تعد خافية والتي تتجاوز ذلك إلى محاولة فرض قيمها جعلت منه أشبه بالأحزاب العقائدية من حيث تصورها لدورها ( رسالة القيم، الوصي) وقناعتها بامتلاك الحقيقة والرغبة في فرضها مهما كانت السبل وكل ذلك سهل انخراط الرأسمال المالي في أحلاف تكتيكية بدءا بعلاقة الأمريكان بدعم شبكة الخدمات العالمية وصولا إلى الدور الذي أسند للدولة الاسلامية في العراق وسوريا وفي شمال إفريقيا .
كل ذلك يظهر جليا في استثناء دولة اسرائيل من العمليات التي قاموا بها مع العلم انه حسب مرجعيات الاسلام السياسي أن فإن الجهاد هناك أولولية الأولويات ،إنهم كما قال التوحيدي "يكذبون عن أنفسهم بصدق وكل شيء واضح "غير أن العيون عمياء" على حد تعبير ابن رشد.
هذا المشهد لا يمكن إلا أن ينتهي إلا بإعلان علاقة التيارات الجهادية بالإسلام السياسي التي ظلت دوما تخفيها وهي في ذلك اشبه بعلاقتها بعشيقها حين تتوفر الظروف الملائمة وحين يجد الاسلام السياسي والتيارات الجهادية في صراع مباشر مع الحليف الموضوعي ومع الرياح الجيوسياسية الدولية التي ستهب عكس ما يشتهون حينها سيتراجعون وهم في ذلك أشبه بـ"بول البعير" وسيمضون مكرهين إلى غياب التاريخ وستتحول البشاعات التي ارتكبوها إلى ترياق يحمي الانسانية من انزلاقات أخرى وسيتركون وراءهم إنجازاتهم الخالدة والتي هي أشبه بما بناه الاغريق والرومان والقرطاجيين بدءا بإرضاع الكبير إلى جهاد النكاح وصولا إلى ختان البنات وغير ذلك من الانجازات.
بقلم: فوزي النوري
*إن المسافة الفاصلة بين الارهاب التكفيري والاسلام السياسي هي في أفضل الحالات أقل بكثير من المسافة التي تفصل أحزاب اليمين عن بعضها أو التنويعات داخل اليسار
لعلنا نتفق على التعقيد المفهومي الذي يلف هذه الظاهرة : هل هي حادثة خارج سياق التاريخ من زاوية كونها تتنافي كليا مع كل الأطر القائمة (القانونية ،السياسية،الاجتماعية)هل هو ظاهرة دينية ام سياسية أم الاثنين معا و ما حقيقة علاقته بالليبرالية و بالعولمة وكل هذه التساؤلات قد تمكننا من التعرف ولو جزئيا على الملامح العامة للإرهاب و" لتجربة الرعب" التي تنبثق منه .
لا يمكن أن ننكر أن الارهاب وجد سابقا كأحداث معزولة في التاريخ لكن وجوده كظاهرة متواترة ومؤثرة وكونية وجماعات تؤسس نظريا للفعل الارهابي من خلال مرجعيات دينية محددة كان في نهاية القرن العشرين و بداية هذا القرن وهو ما يدفعنا إلى تحديد السياقات العامة والمنظومات وفي تقديرنا لا يمكن ان نعض النظر عن الاحالات التي ترسلها تزامن ظهور العولمة بالإرهاب المعولم بصعود الاسلام السياسي لسدة الحكم وكل ذلك يدفعنا إلى تبيان الأساس مشترك الذي ساهم وأعد لكي تطفو هذه الظواهر على السطح، إن المقدمة الموضوعية لكل هذا هي الشكل الذي اتخذته الليبرالية والذي يتيح للفرد التفكير خارج القيد الانساني الأخلاقي والاجتماعي مما أدى نسف مفهوم المسؤولية الأخلاقية للخيارات السياسية وللعمل السياسي.
لمزيد من التعمق في التحليل لا بد تحديد المسافات إن وجدت والتي تفصل الاسلام السياسي عن الارهاب دون إغفال علاقتهما بالمنظومة اليبرالية وبصفة أدق بالاختلال الحاصل في من خلال رغبة هذه المنظومة في نشر قيمها في مناطق غير مؤهلة للتقبل الفوري للتعددية الاختلافية من جهة ومن جهة أخرى قصورها عن صياغة تصورات تتجاوز التجريد البراغماتي وتقديم تصور يستبطن الأمل ويشيع شيئا من الغائية في الوجود الانساني أدى كل ذلك إلى صعود المحافظون الجدد الذين أسندوا لأنفسهم مهمة إيصال "رسالة" القيم الامريكية بمنطق لا يختلف كثيرا عن التصور الجهادي .
هذا المأزق مثل تربة خصبة لصعود الاسلام السياسي باعتباره منظومة تدعي الإجابة عن كل هذه الاحراجات ولا تتصادم مع التوجه الليبرالي في شيء من الناحية الاقتصادية لكنه كان لزاما عليها ان أن تلف إسلامها بمسحة مدنية معتدلة تسهل تسويقها للرأي العام الدولي وللمجتمع السياسي الغربي وذلك ما حصل لتؤمن وصولها لسدة الحكم ،لكن الاشكال هو التساؤل عن الصعود الموازي للتيارات الجهادية و فيما تتمايز مع الاسلام السياسي في اعتقادنا و نحن نعلم أن المرجعية هي ذاتها فإن الاختلافات هي جزئية تتعلق بإدارة الحرب المقدسة فإذا كان الاسلام السياسي يتصادم مع المختلف ويدير هذا التصادم بشكل سياسوي فإن التيارات الجهادية تتخذ منهج الاستئصال المباشر والمرعب للمختلف والوجه الثاني للاختلاف هو أن للتيارات الجهادية أدوار و ليس لها مشاريع هذه الادوار تسندها إياها اجهزة المخابرات أو الاسلام السياسي أو غير ذلك من الدوائر المشبوهة المالية والسياسية وكل ذلك لا يحتاج إلى دليل إذا كنا نعلم سهولة تنقل هذه الجماعات والاموال الطائلة التي تحتكمها وطبيعة العمليات التي تقوم بها.
إن المسافة الفاصلة بين الارهاب التكفيري والاسلام السياسي هي في أفضل الحالات أقل بكثير من المسافة التي تفصل أحزاب اليمين عن بعضها أو التنويعات داخل اليسار فإذا كان الاختلاف طفيفا داخل الااحزاب الايديولوجية والسياسية فهو أقل بكثير بين التيارات والأحزاب العقائدية التي لها مرجعية واحدة ثابتة ومقدسة. ورغم محاولات التنصل التي تطبع الرسائل السياسية لحركات الاسلام السياسي في علاقة بالارهاب التكفيري وبالحركات الجهادية فإن التقاء الحركات الاسلامية ذات الطابع السياسي أو الجهادي هو لقاء موضوعي تفرضه طبيعة المرجعية أي "المقدسة" و طبيعة الأهداف المنشودة أي "دولة الخلافة".
ولمزيد من التوضيح نتساءل عما إذا ألغت الحركات السياسية الاسلامية بكافة تفريعاتها قاعدة الجهاد من أدبياتها؟
إن هيمنة الرأسمال المالي وقدرته على اختراق الدول والمجتمعات وتفكيكها (المال السياسي والأموال التي تضخ للجمعيات المشبوهة..) وإخضاع الحكومات لمطالبه وإملاءاته لم تعد خافية والتي تتجاوز ذلك إلى محاولة فرض قيمها جعلت منه أشبه بالأحزاب العقائدية من حيث تصورها لدورها ( رسالة القيم، الوصي) وقناعتها بامتلاك الحقيقة والرغبة في فرضها مهما كانت السبل وكل ذلك سهل انخراط الرأسمال المالي في أحلاف تكتيكية بدءا بعلاقة الأمريكان بدعم شبكة الخدمات العالمية وصولا إلى الدور الذي أسند للدولة الاسلامية في العراق وسوريا وفي شمال إفريقيا .
كل ذلك يظهر جليا في استثناء دولة اسرائيل من العمليات التي قاموا بها مع العلم انه حسب مرجعيات الاسلام السياسي أن فإن الجهاد هناك أولولية الأولويات ،إنهم كما قال التوحيدي "يكذبون عن أنفسهم بصدق وكل شيء واضح "غير أن العيون عمياء" على حد تعبير ابن رشد.
هذا المشهد لا يمكن إلا أن ينتهي إلا بإعلان علاقة التيارات الجهادية بالإسلام السياسي التي ظلت دوما تخفيها وهي في ذلك اشبه بعلاقتها بعشيقها حين تتوفر الظروف الملائمة وحين يجد الاسلام السياسي والتيارات الجهادية في صراع مباشر مع الحليف الموضوعي ومع الرياح الجيوسياسية الدولية التي ستهب عكس ما يشتهون حينها سيتراجعون وهم في ذلك أشبه بـ"بول البعير" وسيمضون مكرهين إلى غياب التاريخ وستتحول البشاعات التي ارتكبوها إلى ترياق يحمي الانسانية من انزلاقات أخرى وسيتركون وراءهم إنجازاتهم الخالدة والتي هي أشبه بما بناه الاغريق والرومان والقرطاجيين بدءا بإرضاع الكبير إلى جهاد النكاح وصولا إلى ختان البنات وغير ذلك من الانجازات.