بعد 21 عاما عن الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم "القاعدة" على عشرات السياح والمدنيين التونسيين في كنيس "الغربية" بجربة..
وبعد 22 عاما عن هجمات سبتمبر 2001 على البنتاغون ونيويورك وشن حرب أمريكية بريطانية شاملة ضد التنظيمات المتطرفة المسلحة والمجموعات الإرهابية في أفغانستان والباكستان والمشرق العربي وإفريقيا..
وبعد 20 عاما عن الغزو الأمريكي البريطاني للعراق والإعلان عن "مخطط لنشر التنمية والديمقراطية في كامل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ونشر "القيم الكونية" ونظم سياسية ديمقراطية تدعم الحداثة والاعتدال في "الشرق الأوسط الكبير"، الذي يمتد من نيجيريا غرب إفريقيا إلى اندونيسيا شرقي آسيا..
وبعد أكثر من 12 عاما عن التبشير بـ"ثورات عربية" تدعمها العواصم الغربية بهدف الإطاحة بالملكيات والنظم الاستبدادية في المنطقة وبناء "دول ديمقراطية وتعددية" تنجح في مكافحة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وفي تحقيق التنمية الشاملة لشعوبها..
بعد كل هذا كانت النتائج عكسية.. وازدادت الأوضاع تعفنا والأزمات تعقيدا وبؤسا على كل المستويات.. واستفحل التطرف الفكري والسياسي.. وتعمقت الهوة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين النخب المعتدلة ومعارضيها المتطرفين من جهة ثانية..
وتعمدت حكومات وأحزاب عديدة تهميش رموز الاعتدال وتشجيع التطرف والمتطرفين وإغراق السوق بالذين يروجون للابتذال والرداءة ..
وفي ظل إخفاق أغلب وسائل الإعلام وجل "النخب الثقافية والجامعية المعتدلة" في استقطاب الجيل الجديد من الشباب وغالبية أبناء "الطبقات الشعبية"، تضاعف تأثير "المتطرفين" و"الاستئصاليين" و"التكفيريين" و"السلفيين" من كل الألوان.. ومن مختلف المرجعيات الثقافية والفكرية والدينية.. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار..
ولعل من بين المفارقات أن بلدانا، مثل تونس ومصر وسوريا ولبنان والعراق، شهدت منذ مطلع القرن التاسع عشر ومرحلة ما بين الحربين العالميتين نهضة ثقافية وفكرية وسياسية إصلاحية رائدة، أصبحت اليوم موطن صراعات سياسية و"أيديولوجية" عنيفة بين متطرفين و"سلفيين" من كل الألوان.. ممن يتناقضون في أجنداتهم السياسية وخطابهم "الأيديولوجي"، لكنهم يلتقون حول نبذ العقلانية والاعتدال وقيم التسامح والتعايش والتعدد..
هل يمكن معالجة هذه "الانحرافات" الخطيرة في المشهدين الثقافي والسياسي وطنيا وإقليميا عبر "الحلول الأمنية" وحدها؟
أم أن المطلوب "تصحيح المسار" عبر إعطاء الكلمة للمفكرين والخبراء والمثقفين والسياسيين الذين يفهمون جيدا فسيفساء المشهد الفكري والسياسي والأبعاد الأمنية الخطيرة جدا عاجلا وآجلا لسياسات تشجيع التطرف والمتطرفين والمهرجين وتهميش العقلانيين والمعتدلين والحكماء؟
لقد جربت تونس ودول المنطقة خلال السبعين عاما الماضية سياسات ثقافية وإعلامية وتربوية وتنموية متناقضة.. وتعاقبت مراحل الانفتاح والانغلاق.. وانعكست كل مرحلة على جيل من الشباب والنشطاء بين دفعهم نحو الاعتدال أو نحو التطرف والغلو والتشدد.. وأحيانا نحو "الحلول اليائسة" من بينها العنف والتطرف الديني والسياسي والإرهاب والهجرة غير القانونية والإدمان على المخدرات والبحث عن "الربح السريع" عبر الانخراط في "القطاع الموازي" وتجارة الممنوعات....
ولا شك أن من حق بلد مثل تونس أن يفخر بتجارب الحوار الفكري الثقافي التعددي الرائدة التي نظمت فيه قبل الحرب العالمية الثانية ومنذ 1956..
ويكفي أن نستدل بالحوارات الفلسفية والفكرية التعددية التي نشرتها وسائل الإعلام ودور النشر التونسية ومؤسسات البحث المختصة، من بينها بعض البرامج الحوارية الرصينة الإذاعية والتلفزية ومنشورات الجامعة التونسية و مجلة "الفكر" ما بين 1956و1986 بقيادة الثنائي محمد المزالي والبشير بن سلامة وسلسة منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والدراسات والمجلة التاريخية المغاربية..، أو في الملاحق الثقافية التعددية لصحف "دار الصباح" والرأي والمستقبل والطريق الجديد والمستقبل والموقف والعمل والمغرب.. الخ
وإذ توحي مؤشرات عديدة اليوم باحتمال انتعاش الفكر المتطرف ولإقصائي، فلا بد أن يقترن الرد على العمليات الإجرامية والإرهابية بإستراتيجية ثقافية فكرية سياسية جديدة.. إلى جانب معالجة الأسباب العميقة للغلو والتطرف والانحراف بأنواعه وبينها الأسباب الاقتصادية الاجتماعية والإخفاقات الإعلامية والسياسية.. كما لا مفر من تسوية الحروب والنزاعات التي تدمر المنطقة وتستفز مشاعر مئات ملايين العرب والمسلمين والأفارقة منذ عقود وعلى رأسها قضايا احتلال فلسطين والقدس..
بقلم: كمال بن يونس
بعد 21 عاما عن الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم "القاعدة" على عشرات السياح والمدنيين التونسيين في كنيس "الغربية" بجربة..
وبعد 22 عاما عن هجمات سبتمبر 2001 على البنتاغون ونيويورك وشن حرب أمريكية بريطانية شاملة ضد التنظيمات المتطرفة المسلحة والمجموعات الإرهابية في أفغانستان والباكستان والمشرق العربي وإفريقيا..
وبعد 20 عاما عن الغزو الأمريكي البريطاني للعراق والإعلان عن "مخطط لنشر التنمية والديمقراطية في كامل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ونشر "القيم الكونية" ونظم سياسية ديمقراطية تدعم الحداثة والاعتدال في "الشرق الأوسط الكبير"، الذي يمتد من نيجيريا غرب إفريقيا إلى اندونيسيا شرقي آسيا..
وبعد أكثر من 12 عاما عن التبشير بـ"ثورات عربية" تدعمها العواصم الغربية بهدف الإطاحة بالملكيات والنظم الاستبدادية في المنطقة وبناء "دول ديمقراطية وتعددية" تنجح في مكافحة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وفي تحقيق التنمية الشاملة لشعوبها..
بعد كل هذا كانت النتائج عكسية.. وازدادت الأوضاع تعفنا والأزمات تعقيدا وبؤسا على كل المستويات.. واستفحل التطرف الفكري والسياسي.. وتعمقت الهوة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين النخب المعتدلة ومعارضيها المتطرفين من جهة ثانية..
وتعمدت حكومات وأحزاب عديدة تهميش رموز الاعتدال وتشجيع التطرف والمتطرفين وإغراق السوق بالذين يروجون للابتذال والرداءة ..
وفي ظل إخفاق أغلب وسائل الإعلام وجل "النخب الثقافية والجامعية المعتدلة" في استقطاب الجيل الجديد من الشباب وغالبية أبناء "الطبقات الشعبية"، تضاعف تأثير "المتطرفين" و"الاستئصاليين" و"التكفيريين" و"السلفيين" من كل الألوان.. ومن مختلف المرجعيات الثقافية والفكرية والدينية.. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار..
ولعل من بين المفارقات أن بلدانا، مثل تونس ومصر وسوريا ولبنان والعراق، شهدت منذ مطلع القرن التاسع عشر ومرحلة ما بين الحربين العالميتين نهضة ثقافية وفكرية وسياسية إصلاحية رائدة، أصبحت اليوم موطن صراعات سياسية و"أيديولوجية" عنيفة بين متطرفين و"سلفيين" من كل الألوان.. ممن يتناقضون في أجنداتهم السياسية وخطابهم "الأيديولوجي"، لكنهم يلتقون حول نبذ العقلانية والاعتدال وقيم التسامح والتعايش والتعدد..
هل يمكن معالجة هذه "الانحرافات" الخطيرة في المشهدين الثقافي والسياسي وطنيا وإقليميا عبر "الحلول الأمنية" وحدها؟
أم أن المطلوب "تصحيح المسار" عبر إعطاء الكلمة للمفكرين والخبراء والمثقفين والسياسيين الذين يفهمون جيدا فسيفساء المشهد الفكري والسياسي والأبعاد الأمنية الخطيرة جدا عاجلا وآجلا لسياسات تشجيع التطرف والمتطرفين والمهرجين وتهميش العقلانيين والمعتدلين والحكماء؟
لقد جربت تونس ودول المنطقة خلال السبعين عاما الماضية سياسات ثقافية وإعلامية وتربوية وتنموية متناقضة.. وتعاقبت مراحل الانفتاح والانغلاق.. وانعكست كل مرحلة على جيل من الشباب والنشطاء بين دفعهم نحو الاعتدال أو نحو التطرف والغلو والتشدد.. وأحيانا نحو "الحلول اليائسة" من بينها العنف والتطرف الديني والسياسي والإرهاب والهجرة غير القانونية والإدمان على المخدرات والبحث عن "الربح السريع" عبر الانخراط في "القطاع الموازي" وتجارة الممنوعات....
ولا شك أن من حق بلد مثل تونس أن يفخر بتجارب الحوار الفكري الثقافي التعددي الرائدة التي نظمت فيه قبل الحرب العالمية الثانية ومنذ 1956..
ويكفي أن نستدل بالحوارات الفلسفية والفكرية التعددية التي نشرتها وسائل الإعلام ودور النشر التونسية ومؤسسات البحث المختصة، من بينها بعض البرامج الحوارية الرصينة الإذاعية والتلفزية ومنشورات الجامعة التونسية و مجلة "الفكر" ما بين 1956و1986 بقيادة الثنائي محمد المزالي والبشير بن سلامة وسلسة منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والدراسات والمجلة التاريخية المغاربية..، أو في الملاحق الثقافية التعددية لصحف "دار الصباح" والرأي والمستقبل والطريق الجديد والمستقبل والموقف والعمل والمغرب.. الخ
وإذ توحي مؤشرات عديدة اليوم باحتمال انتعاش الفكر المتطرف ولإقصائي، فلا بد أن يقترن الرد على العمليات الإجرامية والإرهابية بإستراتيجية ثقافية فكرية سياسية جديدة.. إلى جانب معالجة الأسباب العميقة للغلو والتطرف والانحراف بأنواعه وبينها الأسباب الاقتصادية الاجتماعية والإخفاقات الإعلامية والسياسية.. كما لا مفر من تسوية الحروب والنزاعات التي تدمر المنطقة وتستفز مشاعر مئات ملايين العرب والمسلمين والأفارقة منذ عقود وعلى رأسها قضايا احتلال فلسطين والقدس..