بقلم:فوزي النوري
لقد تربّينا جميعا على ثقافة الاعتقاد والتسليم وليس الاعتقاد معطى حضاريا نستحضره في التحليل بل العنصر الرئيسي في تشكيل بنية الوعي برمّتها وهذا ما جعل التطرّف لدينا وجهة نظر مقبولة .
إنّ الجمع بين الاعتقاد وتقبّل " التعدّديّة الاختلافية " يبدو ممكنا للوهلة الأولى لكنّ الاعتقاد يمحو تلك " المسافة النّقديّة" اللاّزمة للتعاطي مع الآخر المختلف ويشلّ كلّ الميكانيزمات التي تسمح بتعايش حقائق متعدّدة و مختلفة ونسبيّة في بنية الوعي الفردي و الجماعي .
حتّى لا أكون أنا أيضا ضحيّة لثقافة الاعتقاد من خلال ما ذكرته وكأنّه نمط آخر من الاعتقاد يجب أن نعلّل كيف يتصادم الاعتقاد مع " التعدّدية الاختلافيّة" .
يتصادم لأنّ المعتقد يختزل الثقافة ويحتوي المعرفة وبصفة أدقّ لا ثقافة تعلو على ثقافة معتقدنا ولا معرفة تختلف أو تناقض ما ورد في المعتقد وهذا يعني بشكل أو بآخر تحديد الأطر والغايات التي يجب أن يتحرّك داخلها العقل وكلّ تصادم بينها يقيّم من خلال المرجعيّة الثابتة أي المعتقد وينتهي بدحض ورفض واقصاء الحقيقة اللاّدينيّة ومن يحملها أو يدافع عنها.
هذه الكائنات الدينيّة على اختلافها تنتج دوائر صراعيّة تقوم على التعصّب وامتلاك الحقيقة ورفض المختلف لكنّ المسألة تكتسي خطورة قصوى حين يتحوّل المعتقد الى أداة للعمل السياسي .
لقد صنع الاسلام السياسي ذلك الاله المخيف المرعب الذي يتربّص بكائناته ويعلن عدوانيّته تجاه المختلف ويعد المؤمنين به بما يلبّي غرائزهم الجنسيّة فيصبح بشكل ما الاها انسانيّا يستميل اللاّأسوياء بالمعنى العلمي للكلمة .
هذا الاله وجد في هذه المنطقة من العالم أرضا خصبة ووجد كلّ "المقدّمات الموضوعيّة" لتكون منصّة متقدّمة لصناعة كلّ أنماط التطرّف والتعصّب ونشرها في كلّ أنحاء العالم هذه المقدّمات هيّ الجهل والشعوذة والديكتاتوريّة ...
الدّول الكبرى استخدمت هذه الأداة الباحثة عن القتل والتدمير في صراعاتها الجيوسياسية من أفغانستان الى سوريا وليبيا وصنعت من داخلها وصفة جديدة تمّ تحضيرها للعمل السياسي وتسويقها على أنّ الاسلام السياسي لا يتعارض مع الديمقراطيّة وأعدّت لها آلة اعلاميّة جبّارة منها قناة الجزيرة وترسانة افتراضيّة ... لتحجب عن هذا الوعي الجمعي المتدنّي خطر هذه التنظيمات على الجميع في الدّاخل والخارج .
إنّ الاسلام السياسي يتعارض تعارضا صارخا مع الديمقراطيّة لأنّ الحقائق المطلقة لا تتعايش مع الحقائق النّسبيّة ولأنّ الديمقراطيّة ليست دساتيرا شكليّة ولا فصولا قانونيّة فحسب هيّ فكرة فلسفيّة لعقلنة الفكر السياسي والتعايش المشترك وفق منظومة قيم انسانيّة كونيّة تتعارض جوهريّا مع كلّ أنماط المعتقد فضلا عن كونها منظومة متكاملة لا تقبل الاختراق والتجزئة تقف تقريبا على الطرف النقيض للتصوّر الديني .
إنّ العداء التاريخي الذي تحمله الحركات الدينيّة لليسار في العالم ليس بسبب المقولات الماركسيّة فيما يتعلّق بالدّين بل لأنّ الماديّة التاريخيّة تصنع نمطا من الوعي يقوّض الأركان الأساسيّة لثقافة الاعتقاد من ذلك أنّ العمق الثوري لهذه النظريّة تمنع تحويل الحياة الى " غرفة انتظار للآخرة" كما أنّ العمق الانساني للماركسيّة ومكانة المرأة في التصوّر الماركسي والدّعوة لتحريرها وهذا ينسف البناء العقدي ويخلق تربة لا تنتج مثل هذه الكائنات الدينيّة .
نحن متطرّفون ببنياتنا الواعية واللاواعية وبتقاليدنا وبوعينا الجماعي وبتاريخنا ومعتقدنا ونظمنا وثقافتنا، إنّ معركة التحرّر من التعصّب ومن العنصريّة تتطلّب عقودا إن لم يكن أكثر ونحن مطالبون بمراجعة حضارة برمّتها تقف على حافة الانسانيّة.
بقلم:فوزي النوري
لقد تربّينا جميعا على ثقافة الاعتقاد والتسليم وليس الاعتقاد معطى حضاريا نستحضره في التحليل بل العنصر الرئيسي في تشكيل بنية الوعي برمّتها وهذا ما جعل التطرّف لدينا وجهة نظر مقبولة .
إنّ الجمع بين الاعتقاد وتقبّل " التعدّديّة الاختلافية " يبدو ممكنا للوهلة الأولى لكنّ الاعتقاد يمحو تلك " المسافة النّقديّة" اللاّزمة للتعاطي مع الآخر المختلف ويشلّ كلّ الميكانيزمات التي تسمح بتعايش حقائق متعدّدة و مختلفة ونسبيّة في بنية الوعي الفردي و الجماعي .
حتّى لا أكون أنا أيضا ضحيّة لثقافة الاعتقاد من خلال ما ذكرته وكأنّه نمط آخر من الاعتقاد يجب أن نعلّل كيف يتصادم الاعتقاد مع " التعدّدية الاختلافيّة" .
يتصادم لأنّ المعتقد يختزل الثقافة ويحتوي المعرفة وبصفة أدقّ لا ثقافة تعلو على ثقافة معتقدنا ولا معرفة تختلف أو تناقض ما ورد في المعتقد وهذا يعني بشكل أو بآخر تحديد الأطر والغايات التي يجب أن يتحرّك داخلها العقل وكلّ تصادم بينها يقيّم من خلال المرجعيّة الثابتة أي المعتقد وينتهي بدحض ورفض واقصاء الحقيقة اللاّدينيّة ومن يحملها أو يدافع عنها.
هذه الكائنات الدينيّة على اختلافها تنتج دوائر صراعيّة تقوم على التعصّب وامتلاك الحقيقة ورفض المختلف لكنّ المسألة تكتسي خطورة قصوى حين يتحوّل المعتقد الى أداة للعمل السياسي .
لقد صنع الاسلام السياسي ذلك الاله المخيف المرعب الذي يتربّص بكائناته ويعلن عدوانيّته تجاه المختلف ويعد المؤمنين به بما يلبّي غرائزهم الجنسيّة فيصبح بشكل ما الاها انسانيّا يستميل اللاّأسوياء بالمعنى العلمي للكلمة .
هذا الاله وجد في هذه المنطقة من العالم أرضا خصبة ووجد كلّ "المقدّمات الموضوعيّة" لتكون منصّة متقدّمة لصناعة كلّ أنماط التطرّف والتعصّب ونشرها في كلّ أنحاء العالم هذه المقدّمات هيّ الجهل والشعوذة والديكتاتوريّة ...
الدّول الكبرى استخدمت هذه الأداة الباحثة عن القتل والتدمير في صراعاتها الجيوسياسية من أفغانستان الى سوريا وليبيا وصنعت من داخلها وصفة جديدة تمّ تحضيرها للعمل السياسي وتسويقها على أنّ الاسلام السياسي لا يتعارض مع الديمقراطيّة وأعدّت لها آلة اعلاميّة جبّارة منها قناة الجزيرة وترسانة افتراضيّة ... لتحجب عن هذا الوعي الجمعي المتدنّي خطر هذه التنظيمات على الجميع في الدّاخل والخارج .
إنّ الاسلام السياسي يتعارض تعارضا صارخا مع الديمقراطيّة لأنّ الحقائق المطلقة لا تتعايش مع الحقائق النّسبيّة ولأنّ الديمقراطيّة ليست دساتيرا شكليّة ولا فصولا قانونيّة فحسب هيّ فكرة فلسفيّة لعقلنة الفكر السياسي والتعايش المشترك وفق منظومة قيم انسانيّة كونيّة تتعارض جوهريّا مع كلّ أنماط المعتقد فضلا عن كونها منظومة متكاملة لا تقبل الاختراق والتجزئة تقف تقريبا على الطرف النقيض للتصوّر الديني .
إنّ العداء التاريخي الذي تحمله الحركات الدينيّة لليسار في العالم ليس بسبب المقولات الماركسيّة فيما يتعلّق بالدّين بل لأنّ الماديّة التاريخيّة تصنع نمطا من الوعي يقوّض الأركان الأساسيّة لثقافة الاعتقاد من ذلك أنّ العمق الثوري لهذه النظريّة تمنع تحويل الحياة الى " غرفة انتظار للآخرة" كما أنّ العمق الانساني للماركسيّة ومكانة المرأة في التصوّر الماركسي والدّعوة لتحريرها وهذا ينسف البناء العقدي ويخلق تربة لا تنتج مثل هذه الكائنات الدينيّة .
نحن متطرّفون ببنياتنا الواعية واللاواعية وبتقاليدنا وبوعينا الجماعي وبتاريخنا ومعتقدنا ونظمنا وثقافتنا، إنّ معركة التحرّر من التعصّب ومن العنصريّة تتطلّب عقودا إن لم يكن أكثر ونحن مطالبون بمراجعة حضارة برمّتها تقف على حافة الانسانيّة.