إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. كي يضيق بك الدّهر.. أو البدائل غير الممكنة

 

يكتبها: محمد معمري

 

قال لي صديقي الذي لم التقيه منذ زمن إنّه كائن شفوي حوّلته المنتجات التكنولوجية الحديثة إلى كائن رقميّ يعشق الصورة ويحاول تفكيكها، ما قاله صديقي المثقّف جدّا حفّزني إلى التفكير في البدائل الممكنة لواقعنا ولواقع عدد من الشعوب التي تعاني التنميط وانسداد الأفق وطرح كلّ فرد نفسه على أنّه غير قابل للتعويض وباعتباري كائنا صوتيّا ذكّرني ذلك بأغنية الفنان التونسي الراحل الصادق ثريا والتي تقول كلماتها "كي يضيق بك الدّهر يا مزيانة وتدور وتدور ما تلقاش غيري أنا" وهي أغنية تترجم ما أريد أن أقوله في هذا المقال ألا وهو انحصار مجال الِاختيار وتضييقه ليشمل فردا واحدا دون غيره، وهي ثقافة ترسّخت لدينا حتى بتنا نقبل بالموجود خوفا من المجهول اعتقادا منّا بأنّ الحفاظ على ما هو كائن خوفا ممّا سيكون، وهو ما يمنح الفرد هامشا من التحرّك يجعله الممكن الوحيد في اللحظة الراهنة .

طريقة التفكير هذه لا تحترم التاريخ ومساره، فالإنسانية لم تتوقّف يوما في صيرورتها على أيّ كائن مهما عظم شأنه وعلت مكانته، وأذكر هنا واقعة رواها أحد المفكّرين الفرنسّيين حيث قال إنّ صديقا وزيرا في الحكومة الفرنسية تمّت إقالته فكان شديد الحنق والغضب معتبرا نفسه غير قابل للتعويض وأنّ برنامجه للوزارة التي يُشرف عليها سيغيّر من وجهتها ما سيجعلها تقطع شوطا تاريخيا أثناء عُهْدَتِه، اِبتسم صديقه ولم يجبه وطلب منه أن يمتطي معه السيارة في جولة قصيرة، كان الأمر كذلك فتوجه المفكر الى إحدى المقابر المعروفة وعندما وصلا نظر إلى الوزير المعزول وقال له: انظر إلى هؤلاء الراقدين تحت التراب منذ عقود، وأغلب الظنّ أنّ عددا غير يسير منهم كانوا يعتقدون أنْ لا بديل عنهم وأنْ لا أحد قادر على تعويضهم، انظر إليهم، لقد غادروا إلى عالم آخر، ومع ذلك واصل التاريخ مساره ولم تحصل انتكاسات تُذكر لا للبلاد ولا للعباد .

يا صديقي، التاريخ حركة وسيرورة لن تتوّقف على أي شخص كائنا من كان، وسيواصل مجرى التاريخ تقدّمه في الاِتجاه المرسوم له من قبل من يعتقدون أنّهم غير قابلين للتعويض، وأذكر أنّ التضييق من هامش البدائل الممكنة إستراتيجية سياسية اعتمدها ويعتمدها الكثير من الحكام الذين يقدّمون أنفسهم لشعوبهم وإلى المجتمع الدولي بأنّهم الضامن الأوحد للاستقرار في ظلّ غياب بدائل قادرة على ضمان هذا الاستقرار والأمن والسلام رغم أنّنا لا ننكر أنّ البعض منهم عند رحيلهم عرفت بلدانهم بعض الهزات ونذكر هنا ما حصل في فضائنا العربي فبعد رحيل من كانوا يتولّون إدارة شؤون هذه البلدان عرفت هذه الأخيرة حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات الخطيرة التي هدّدت وحدتها، ولكن هذا لا يعود في اعتقادي إلى رحيل هؤلاء غير القابلين للتعويض بل لأنّ من تولوا تعويضهم اعتقدوا هم أيضا أنّهم المنقذ والبديل غير القابل للتبديل فكان الصراع من أجل تولّي السلطة وكانت الاضطرابات والصراعات التي عاشتها وتعيشها هذه الدول .

فلو كنّا نمتلك قناعة أّننا جميعنا عابرون ولا أحد منّا قادر على إيقاف عجلة الزمن بمفعول غيابه فلربّما كان في ذلك مخرج من الأزمات التي تعيشها هذه البلدان، قد يبدو للبعض أنّ في هذا التحليل كثير من التسطيح والبساطة، وقد يكون محقّا في ذلك لكنّ هذا لا ينفي أنّ الِاعتقاد بغياب البدائل والترهيب بالغد غير الآمنّ، ما يكبّل حركة الكثيرين ويعيقهم عن التفكير في التغيير سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام .

صباح الجمعة.. كي يضيق بك الدّهر.. أو البدائل غير الممكنة

 

يكتبها: محمد معمري

 

قال لي صديقي الذي لم التقيه منذ زمن إنّه كائن شفوي حوّلته المنتجات التكنولوجية الحديثة إلى كائن رقميّ يعشق الصورة ويحاول تفكيكها، ما قاله صديقي المثقّف جدّا حفّزني إلى التفكير في البدائل الممكنة لواقعنا ولواقع عدد من الشعوب التي تعاني التنميط وانسداد الأفق وطرح كلّ فرد نفسه على أنّه غير قابل للتعويض وباعتباري كائنا صوتيّا ذكّرني ذلك بأغنية الفنان التونسي الراحل الصادق ثريا والتي تقول كلماتها "كي يضيق بك الدّهر يا مزيانة وتدور وتدور ما تلقاش غيري أنا" وهي أغنية تترجم ما أريد أن أقوله في هذا المقال ألا وهو انحصار مجال الِاختيار وتضييقه ليشمل فردا واحدا دون غيره، وهي ثقافة ترسّخت لدينا حتى بتنا نقبل بالموجود خوفا من المجهول اعتقادا منّا بأنّ الحفاظ على ما هو كائن خوفا ممّا سيكون، وهو ما يمنح الفرد هامشا من التحرّك يجعله الممكن الوحيد في اللحظة الراهنة .

طريقة التفكير هذه لا تحترم التاريخ ومساره، فالإنسانية لم تتوقّف يوما في صيرورتها على أيّ كائن مهما عظم شأنه وعلت مكانته، وأذكر هنا واقعة رواها أحد المفكّرين الفرنسّيين حيث قال إنّ صديقا وزيرا في الحكومة الفرنسية تمّت إقالته فكان شديد الحنق والغضب معتبرا نفسه غير قابل للتعويض وأنّ برنامجه للوزارة التي يُشرف عليها سيغيّر من وجهتها ما سيجعلها تقطع شوطا تاريخيا أثناء عُهْدَتِه، اِبتسم صديقه ولم يجبه وطلب منه أن يمتطي معه السيارة في جولة قصيرة، كان الأمر كذلك فتوجه المفكر الى إحدى المقابر المعروفة وعندما وصلا نظر إلى الوزير المعزول وقال له: انظر إلى هؤلاء الراقدين تحت التراب منذ عقود، وأغلب الظنّ أنّ عددا غير يسير منهم كانوا يعتقدون أنْ لا بديل عنهم وأنْ لا أحد قادر على تعويضهم، انظر إليهم، لقد غادروا إلى عالم آخر، ومع ذلك واصل التاريخ مساره ولم تحصل انتكاسات تُذكر لا للبلاد ولا للعباد .

يا صديقي، التاريخ حركة وسيرورة لن تتوّقف على أي شخص كائنا من كان، وسيواصل مجرى التاريخ تقدّمه في الاِتجاه المرسوم له من قبل من يعتقدون أنّهم غير قابلين للتعويض، وأذكر أنّ التضييق من هامش البدائل الممكنة إستراتيجية سياسية اعتمدها ويعتمدها الكثير من الحكام الذين يقدّمون أنفسهم لشعوبهم وإلى المجتمع الدولي بأنّهم الضامن الأوحد للاستقرار في ظلّ غياب بدائل قادرة على ضمان هذا الاستقرار والأمن والسلام رغم أنّنا لا ننكر أنّ البعض منهم عند رحيلهم عرفت بلدانهم بعض الهزات ونذكر هنا ما حصل في فضائنا العربي فبعد رحيل من كانوا يتولّون إدارة شؤون هذه البلدان عرفت هذه الأخيرة حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات الخطيرة التي هدّدت وحدتها، ولكن هذا لا يعود في اعتقادي إلى رحيل هؤلاء غير القابلين للتعويض بل لأنّ من تولوا تعويضهم اعتقدوا هم أيضا أنّهم المنقذ والبديل غير القابل للتبديل فكان الصراع من أجل تولّي السلطة وكانت الاضطرابات والصراعات التي عاشتها وتعيشها هذه الدول .

فلو كنّا نمتلك قناعة أّننا جميعنا عابرون ولا أحد منّا قادر على إيقاف عجلة الزمن بمفعول غيابه فلربّما كان في ذلك مخرج من الأزمات التي تعيشها هذه البلدان، قد يبدو للبعض أنّ في هذا التحليل كثير من التسطيح والبساطة، وقد يكون محقّا في ذلك لكنّ هذا لا ينفي أنّ الِاعتقاد بغياب البدائل والترهيب بالغد غير الآمنّ، ما يكبّل حركة الكثيرين ويعيقهم عن التفكير في التغيير سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام .