صور قاتمة بل وحتى "قاتلة" تطالعنا عن قلاع وحصون الأمس التي شيدت على مر العصور لدرء هجومات الغزاة عن " إفريقية " قلاع وحصون حمت تونس من غزاة الخارج قديما إلا أنها انهارت واستبيحت من قبل "تتار" الداخل حيث طالها النهب والتهديم والإحراق..وغيرها من الاعتداءات الموثقة من قبل مراسلو "الصباح" في كل من قفصة وبنزرت والقيروان وسوسة وهي غيض من فيض على ما يشهده باقي الأسوار والقلاع في مختلف ولايات البلاد من انتهاكات سافرة قابلها صمت مريب من المسؤولين.
حنان قيراط
بنزرت.. الإهمال يدك أبراج غار الملح
عند بلوغ شبه جزيرة سيدي علي المكي ينتهي الحاضر لتنطلق رحلة اكتشاف التاريخ في غار الملح المدينة - المتحف التي تخترقها موسيقى البحر وتعبق مساراتها بعطر الحضارات الفينيقية ، الرومانية والمرويسكية والعثمانية التي تنتشر في عشرات المواقع ومنها الميناء والأبراج الأربعة التي حمتها لقرون من غدر الغزاة و مثلت عصب حياة الآلاف من المتساكنين من مختلف الاثنيات والديانات مزجوا معارفهم لتطوير أنشطة الصيد والفلاحة وإنتاج الملح فعانقت مدينة التسامح المجد الى غاية بداية القرن 18 ميلادي حين تراجعت أهميتها فهجرت قصورها و تحولت أبراجها الى سجون او مراكز إيواء في وضعية تواصلت الى غاية سنة 1995 حين أطلقت وزارة الثقافة محاولة جدية لترميم الأبراج يبدو انها اصطدمت بعديد العراقيل حسب " حسين فدًاوي" ناظر أشغال بالمعهد الوطني التراث مشرف على مشروع ترميم أبراج غار الملح لـ"الصباح ".
تاريخ عريق
وحسب محدثنا فقد كشفت الحفريات في منطقة "الخربة " الارتباط الوثيق بين غار الملح او RESCAMONA بجارتها اوتيكا ( عتيقة ) عاصمة الحضارة الفنيقية وازدادت أهمية المنطقة خلال الحروب البونية الثلاثة التي انتهت بهيمنة الرومان على الموقع الاستراتيجي وتسميته رأس ابولون او آلهة الجمال الذي جذب الأسبان حين استنجد بهم الحفصيون لدحر العثمانيين لكن سحرها اسر احد القادة العسكريين الإبريين لتتحول غار الملح سنة 1535 ميلادي الى PORTOFARINA وبعد سلسلة من الحروب الخاطفة تم طرد الأسبان ومقايضة استغلال المنطقة بنسبة من غنائم عمليات القرصنة البحرية في المتوسط التي باركها القادة الحفصيون..
ويضيف الفدًاوي بالقول أن سنة 1637 ميلادي أمر اسطا مراد بن عبد الله باي ببناء "البرج الوسطاني" بغار الملح التي شهدت توافد موجات المهاجرين الأندلسيين ومن بينهم عائلة المهندس اسطا موزا الغرناطي الأندلسي الذي اشرف على بناء أبراج " باب تونس " و"اللوطاني " و" الناظور" المخصص للأغراض العسكرية مستخدما نوعية خاصة من مواد البناء من سيدي علي المكي و تم الإنجاز وفق تقنية رصف جدران بعمق 1.60 م الى 1.80 م وقد استغلت بعدها الأبراج كحصون ومناطق عزل صحي وفضاءات تجميع العبيد القادمين من مناطق الساحل الإفريقي .
وبعد فترة من الركود ضجت المنطقة مجددا بالحياة في عهد علي داي (1665 -1685 م) الذي استأنس بالتجارب الفرنسية والإيطالية وحول غار الملح الى عمل (ما يوازي ولاية بالتقسيم الجغرافي الحالي) بها حامية تضم قرابة 10000 جندي وميناء عصري وورشات إصلاح السفن التي تطورت بصفة ملحوظة خلال القرن 17 الى وبداية القرن 18 ميلادي.
حاضر بائس..وحلول ممكنة
وبعد فترة المجد حولت الحماية الفرنسية الحصون التاريخية إلى منفى للمقاومين في تقليد رسخته حكومات الاستقلال التي غيرت تسمية البرج اللوطاني الى" كراكة المعارضين من اليوسفيين" زنازين أبوابها ونوافذها حديدية بنيت بمواد تتناسب مع أوجه الاستغلال لكنها طمست التحفة الموريسكية ومما زاد الطين بلة استغلال الأبراج لإيواء المتضررين من الفيضانات التي اجتاحت المنطقة سنة 1969.
وضعية لم تتغير رغم إعلان برنامج رئاسي لترميم الأبراج سنة 1995 برنامج لم يحظ بالدعم الكافي فتوقف سنة 2005 وضاعت معه 11 سنة من أولى المحاولات الجدية لإصلاح الواقع الذي لم يتغير بعد الثورة رغم الهالة الإعلامية التي رافقت تحركات المسؤولين الجهويين وبعض جمعيات المجتمع المدني ووعود وزراء الثقافة الذين تمتعوا بخيرات المنطقة ونسوا رد الجميل عند عودتهم إلى العاصمة التي حمتها غار الملح طيلة قرون. وفي الإثناء يقول الفداوي " واصل أعوان المعهد الوطني للتراث محاولاتهم لحماية حصون غار الملح بكل حرفية و"غرام " بهدف المحافظة على شواهد جذور التونسيين لان الشعب المُنبت يضيع الماضي والحاضر وليس له مستقبل وأضاف المتحدث ان المعهد قادر على كبح نزيف الخسائر الحضارية التي لا تقدر بثمن بعد حقبات من الإهمال والتخريب وتشبع هواء المدينة الساحلية بنسبة عالية من الرطوبة أثرت على البناءات لكن عمليات الترميم ستكون مكلفة ومعقدة ويمكن الاستعاضة عنها او دعمها باستنساخ تجربة إحياء قصور البايات المهملة في المدينة العتيقة بتونس التي تحولت إلى مطاعم واقامات راقية وفضاءات للإبداع تكفل مستثمرون بترميمها نظير استغلالها في إطار لزمات تمتد 30 سنة .
وحول التنسيق مع معاهد التراث والجمعيات الأجنبية المختصة خاصة التركية والاسبانية لحماية وترميم وتثمين الأبراج شدد محدثنا على أن إدارة المعهد الوطني منفتحة عادة على هذه الشراكات التي تتم وفق الأعراف وعبر القنوات الدبلوماسية المعروفة ..
من جهتنا نستغرب عجز الدولة على تثمين آثار غار الملح التي كانت ولازالت تمثل نواة لحركية سياحية بيئية-ثقافية في المنطقة المرسمة باتفاقية "رمسار" العالمية للحفاظ على المناطق الرطبة وزينت مؤخرا قائمة اليونسكو للمناطق الايكوهيدرولوجية مما زاد إشعاعها دوليا مقابل تواصل الإهمال المحلي الذي نسف تدريجيا أبراجها النادرة.
ساسي الطرابلسي
قفصة.. نهب ممنهج لمدرج النحاس والحجارة ..والحصن البيزنطي يتطلب الترميم
قفصة-الصباح
" قفصة مدينة عظيمة .. وجودها قديم جدا ..أسسها الإله اللوبي هرقل وهي تحيط بها أسوار كبيرة ..." هذا الوصف للكاتب اللاتيني " سالوست " يأتي تدعيما لأراء المؤرخين والرحالة الذين زاروا مدينة قفصة التي تحمل اسم إحدى أقدم الحضارات في العالم ، الحضارة "الكبصية" وهو ما يحيلنا الى الخصوصية التي ارتبطت بهذه المدينة طيلة المراحل التاريخية التي مرت بها عبر العصور ألا وهي الواحة وكذلك العمارة التي نذكر منها الحصون والأبراج.
ففي القرن التاسع ذكر احد المؤرخين ( اليعقوبي ) ان مدينة قفصة " حصينة " " يحيط بها سور من الحجارة" ليتواصل هذا الوصف الى مطلع القرن الحادي عشر حين ذكر المؤرخ ابو محمد الوراق بان مدينة قفصة "مبنية على اساطين وطيقان رخام وسورها ما يزال على أحسن حال كأنما قد فرغ من عمله بالأمس " .
الحصن البيزنطي .. نبض الحياة
الحصن البيزنطي او كما يميل أهالي قفصة إلى تسميته بالبرج او القصبة ظل شاهدا على العصر من خلال الأحداث التي مرت بها الجهة وهو ما ينقله لنا الدكتور مصطفى التليلي عضو بمخبر البحث " دراسات مغاربية " حيث شدد على اهمية برج القصبة الذي ذكر بأنه مقام منذ القديم بغربي المدينة حيث اتخذ حصنها الشكل الذي عليه في الفترة الحديثة منذ نهاية الثلث الأول من القرن الخامس عشر، ملاحظا بأنه حضي باهتمام كبير لدى الرحالة الأوروبيين وتركوا لنا وصفا مدققا من خلال التخطيط الذي أنجزه النقيب الفرنسي سانت ماري عام 1843. وأوضح محدثنا ان البرج على شكل شبه منحرف ويبلغ طوله حوالي 120 متر وعرضه 90 مترا ويتوسط الساحة الداخلية لهذا المعلم إبان الحقبة الاستعمارية سجن، به 3 أبراج مرتفعة أهمها برج المدافع الذي يحتل الزاوية الشمالية الشرقية وتحتوي الزاوية الشمالية الغربية على مخزن للأسلحة وثان للرصاص . هذا المعلم كان يحتوي على خزان ماء قرب العين المائية المعروفة بعين القصبة التي تنبع ماء بالزاوية الجنوبية الغربية القريبة من الترميل الملاصق لجدار البرج ناحية الواحة.. وتشتمل قصبة البرج أثناء الاحتلال الفرنسي ، وفق ذكر محدثنا، على طاحونة وفرن لقضاء شؤون العسكر المرابط به كما يوجد محلا لأداء الشعائر الدينية يتمثل في الجامع الحنفي وكان يعتبر آنذاك من أهم الجوامع في المدينة برمتها من حيث القيمة وهو مجهز بصومعة ويحمل تسمية جامع البرج فيما أطلق عليه البعض تسمية الجامع الكبير باعتباره الإطار الذي تنظم فيه الصلوات الخمس بالنسبة لاتباع المذهب الحنفي، ملاحظا أن المدينة كانت تعيش بها جماعة منحدرة من أصل تركي وكرغلي فيما كان الجامع الكبير أو جامع سيدي صاحب الوقت فقد كان مخصصا لأتباع المذهب المالكي من بين الأهالي ..
ميدان للرياضة وسلم
مظاهر الحياة كانت بارزة للعيان في حضن البرج الأثري وهي تمتد - الى جانب ما ذكره لنا الباحث مصطفى التليلي - نحو البعد الترفيهي حيث كان يتوسط هذا المعلم ملعب لكرة القدم أين انبثقت اللبنة الأولى لهذه الرياضة بربوع قفصة حيث كانت تقام اللقاءات الكروية التي جمعت نوادي الجهة وهي الخنفوس الرياضي بالرديف وسبورتينغ قفصة ونادي كرة القدم بالمظيلة ونجم المتلوي إذ رافق إقامة هذه المباراة حضورا متميزا لمتساكني المدينة الذين دفعت بهم الرغبة إلى اكتشاف هذه الرياضة ليمتد فضولهم من الفرجة إلى الممارسة وسط حماس لا نظير له من قبل المتخرجين وأنصار نوادي المدن المنجمية وأنصار الفريق المحلي ..
من القطع التاريخية التي اندثرت نذكر المدرج المصنوع من النحاس وهو قطعة أثرية لها قيمة كبيرة في نفوس أهالي الجهة نظرا لندرتها حيث يؤكد اغلب المتساكنين على ان أصحاب القرار السياسي فجر الاستقلال هم من يمثلون وراء جلبها من قفصة نحو مدينة ساحلية - نفضل عدم ذكرها لما يمثله الموضوع من مس للمشاعر - أين تم تركيز هذه القطعة الأثرية الثمينة بقصر احد الزعماء السياسيين آنذاك .
نهب الحجارة وتحويل وجهتها
من المراحل التاريخية الأخرى التي مر بها الحصن البيزنطي بقفصة نذكر تلك التي تعرض خلالها للقصف أثناء الحرب العالمية الثانية بعد أن اتخذت قوات المحور والحلفاء من تونس مسرحا لحروبها، حيث أدت الانفجارات التي طالت مخزن الرصاص والأسلحة التي كانت داخل الحصن إلى تدمير جزء كبير من السور لترسم في مرحلة لاحقة واحدة من أشنع الجرائم التي لحقت بهذا المعلم التاريخي البارز حيث عمدت بعض الأطراف والدوائر المقربة من أصحاب القرار السياسي خلال ستينيات القرن الماضي إلى نقل أطنان من الحجارة التي هوت من على السور نحو القصور والمقرات السكنية لشخصيات نافذة خلال الفترة المذكورة عوضا عن ترميم هذا المعلم التاريخي الذي تم تشييده سنة 1434 في عهد الدولة الحفصية على أنقاض الحصن البيزنطي القديم ..
الحصن البيزنطي ينشد الترميم
الحالة التي عليها الآن هذا المعلم التاريخي تتطلب تدخلا ناجعا من قبل أصحاب القرار وينبغي مسابقة الوقت للمحافظة عليه لما يمثله من أهمية في نفوس متساكني مدينة قفصة، من ناحية ، وفي سبيل عدم تعمق الشقوق التي تعلو جانبا من جداره - وهو ما تمثله الصورة المرافقة للمقال - كما ينبغي المسارعة بشفط المياه التي ترسو بجانبه الجنوبي كلما تساقطت الأمطار لما تمثله المياه الراكدة من خطورة على أسس هذا المعلم التاريخي المهم الذي طالته أيادي التهديم أكثر من الترميم .
رؤوف العياري
القيروان.. تشويه..تخريب ودعوات للإنقاذ
القيروان-الصباح
سور القيروان يحيط بالمدينة العتيقة (العربي) من أغلب جهاتها ،يفوق طوله 2.3 كلم ، ومن الأبواب الجميلة بالسور نذكر باب الجلادين (باب الشهداء حاليا) وهو مكون من عقدين مقامين على تيجان وأعمدة من الطراز العثماني وتؤرخ لوحة رخامية بها أبيات شعرية تاريخ تجديد البناء في سنة 1185هجري الموافق لسنة 1772ميلادي ، وسور باب تونس..
سور "باب تونس" تحول إلى مصب للفضلات!
ويعتبر باب تونس من الأماكن التاريخية والمعالم السياحية التي تعكس جدرانه الحضارات القديمة المتعاقبة على المدينة حيث انه ثاني أهم الأبواب المتواجدة على سور مدينة "القيروان" بعد "باب الجلادين" ويُعتبر هذا الباب المدخل الرئيسي للمدينة كما إنه أكثر الأبواب حركية وتزاحما مقارنة بالأبواب الأخرى التي تُحيط بالمدينة.
إلا أن المار بجانب السور يصدم بالكم الهائل من القمامة والأوساخ وآثار التبول مما يطرح أكثر من سؤال عن دور بلدية القيروان وجمعية صيانة المدينة والوكالة الوطنية لحماية التراث إزاء هذه الاعتداءات الصارخة على هذا التراث الإنساني المادي وأكد المواطن عثمان البرجيني لـ"الصباح" بأن سور القيروان يعد من أهم المعالم التاريخية في العالم الإسلامي وخاصة في شمال إفريقيا، مشيرا انه بالرغم من تسجيل السور كتراث عالمي من طرف اليونسكو ورغم ما رصد له من هبات من قبل دول عربية كالمملكة السعودية وعمان وغيرها من الدول الداعمة الا أنه يتعرض لعملية تشويه وتخريب منها المتعمد من طرف المواطنين المستهترين أو من طرف المسؤولين القائمين على التراث حيث حامت حول البعض عدة شبهات خاصة عند القيام بعملية الترميم الأخيرة عندما رصدت الهبة العمانية حيث رفضت دولة عمان تكملة القسط الثاني لأن المسؤول على المشروع لم يقدم تقريرا مفصلا ونزيها عن تكلفة الأشغال وسيرها، زد على ذلك طريقة العمل والصيانة حسب قوله لم تكن على أسس علمية وثابتة والدليل ان "الليقة"على سبيل المثال كانت تقام بجير الشكارة "بوتن" وكانت الخلطة تعد بطريقة فيها الكثير من العبث زد على ذلك استعمال أداة ما يسمي بـ"الفرطاسة" التي طمست هوية السور وصار وكأنه جدار أملس. وأضاف :البرجيني" بأن هناك معضلة أخرى وهي التسربات المائية من طرف الصوناد وعدم الصيانة مما تسبب في تشقق السور من جهة منقاص بن رجب وعدة أماكن أخرى.
وفي نفس السياق،أكد الناشط في المجتمع المدني فؤاد العلاني تكاثر الاعتداءات الشنيعة على سور المدينة مشيرا إلى أن هذا المعلم العريق تحول إلى مكان يستغل من قبل الباعة كواجهة لعرض السلع حيث تستعمل المسامير والدهن واللافتات للإشهار . وذكر العلاني لـ"الصباح" بأن الدكاكين المتواجدة على يمين باب الجلادين في اتجاه السوق زادت في تشويهه.
دعوات للإنقاذ
ودعا البرجيني السلطات المختصة إلى تسخير خبراء مختصين والاستعانة بقدماء العمال من دار الآثار لترميم السور قصد المحافظة على هذا التراث اللامادي والعمل من قبل وزارة الإشراف لاستغلال المعلم ثقافيا واقتصاديا علي غرار ما حدث مع البريجة.
مروان الدعلول
سوسة.. حصون وأسوار تبكي حاضرها وتتوق لماضيها
سوسة-الصباح
يتواصل شريط الاعتداءات الممنهجة على عدد من المعالم الأثرية والتاريخية بالمدينة العتيقة بسوسة، اعتداءات اتّخذت أشكالا متنوّعة غير أنّ نتائجها واحدة تنال من تاريخ المدينة ومن أمجاد صنعها السّلف وتخاذل عن الدفاع وحمايتها الخلف.
البلدية تلجأ إلى القضاء
أمام تكرّر عمليّات الاعتداء على المعالم الأثرية التاريخية قامت مصالح بلدية سوسة الأحد 30 أفريل 2023 بالتدخّل على مستوى عدد من النقاط المستهدفة بسور المدينة العتيقة التي تمّ تشويهها وإضرام النار فيها وذلك بعد إجراء معاينة ميدانية شُفعت بتقديم شكوى جزائية لدى وكيل الجمهورية من أجل إضرام النار عمدا بملك الغير وإضرام النار بمنقولات وذلك إثر استيفاء مختلف الإجراءات القانونية وحُسن التّنسيق مع الأطراف المتداخلة من وزارة الثقافة ووكالة حماية التراث.
الأهالي بالمحاسبة يطالبون
تكرّر حالات الاعتداء على رباط سوسة على مستوى الباب الجبلي والباب الغربي بصفة خاصة سواء من خلال التبوّل بالمحيط أو استباحة سوره بتحويله الى منصّة لعرض الملابس المستعملة " فريب " من قبل منتصبين فوضويين أو بإضرام النّار في جدرانه وتشويهها وطمسها أثار حفيظة أهالي المدينة وعددا من الناشطين بالنسيج الجمعياتي بالمدينة الذين استنكروا الاعتداءات الممنهجة على المعالم الأثرية للمدينة العتيقة واستباحتها بشكل مقزّز ومستفزّ لم يلق إلى حدّ اليوم تدخّلا ناجعا يُنهي مأساة حقيقية ما فتئت تتعرّض لها معالم أثرية مصنّفة أصبحت مهدّدة جديّا بالسّحب من قائمة اليونسكو للتراث العالمي ورأوا بضرورة أن تتحرّك السلط الجهويّة ومختلف المصالح المعنيّة من أجل وضع حدّ لمثل هذه الانتهاكات الصّارخة مُعتبرين أنّ استفحال ظاهرة الانتصاب الفوضوي بالمدينة العتيقة بسوسة وسوء إدارة ملفّ مقاومة الظاهرة والتّصدّي لها يُعدّ واحدا من أهم الأسباب المباشرة التي تفسّر تكرّر هذه الاعتداءات التي غالبا ما تمرّ دون الكشف عمّن يقف وراءها والقبض عن المفسدين الضالعين رغم توفّر عديد كاميرات المراقبة المتطورة بالمكان،اعتداءات تطال حصونا وأسوارا تاريخية شكّلت فيما مضى قلاعا صعبة الاختراق في حين أضحت اليوم موروثا حضاريّا مُستباحا ومفعولا به بحجج وتعلّات مقاربة اجتماعية واهية فطلب الرزق له نواميسه وأصوله وآدابه والشعوب التي لا يحرص مسؤولوها على تمجيد تاريخ بلدانهم وحمايته لا يمكن لهم أن يُسهموا في بناء مستقبلها والاعتزاز بأمجادها.
أنور قلالة
تونس-الصباح
صور قاتمة بل وحتى "قاتلة" تطالعنا عن قلاع وحصون الأمس التي شيدت على مر العصور لدرء هجومات الغزاة عن " إفريقية " قلاع وحصون حمت تونس من غزاة الخارج قديما إلا أنها انهارت واستبيحت من قبل "تتار" الداخل حيث طالها النهب والتهديم والإحراق..وغيرها من الاعتداءات الموثقة من قبل مراسلو "الصباح" في كل من قفصة وبنزرت والقيروان وسوسة وهي غيض من فيض على ما يشهده باقي الأسوار والقلاع في مختلف ولايات البلاد من انتهاكات سافرة قابلها صمت مريب من المسؤولين.
حنان قيراط
بنزرت.. الإهمال يدك أبراج غار الملح
عند بلوغ شبه جزيرة سيدي علي المكي ينتهي الحاضر لتنطلق رحلة اكتشاف التاريخ في غار الملح المدينة - المتحف التي تخترقها موسيقى البحر وتعبق مساراتها بعطر الحضارات الفينيقية ، الرومانية والمرويسكية والعثمانية التي تنتشر في عشرات المواقع ومنها الميناء والأبراج الأربعة التي حمتها لقرون من غدر الغزاة و مثلت عصب حياة الآلاف من المتساكنين من مختلف الاثنيات والديانات مزجوا معارفهم لتطوير أنشطة الصيد والفلاحة وإنتاج الملح فعانقت مدينة التسامح المجد الى غاية بداية القرن 18 ميلادي حين تراجعت أهميتها فهجرت قصورها و تحولت أبراجها الى سجون او مراكز إيواء في وضعية تواصلت الى غاية سنة 1995 حين أطلقت وزارة الثقافة محاولة جدية لترميم الأبراج يبدو انها اصطدمت بعديد العراقيل حسب " حسين فدًاوي" ناظر أشغال بالمعهد الوطني التراث مشرف على مشروع ترميم أبراج غار الملح لـ"الصباح ".
تاريخ عريق
وحسب محدثنا فقد كشفت الحفريات في منطقة "الخربة " الارتباط الوثيق بين غار الملح او RESCAMONA بجارتها اوتيكا ( عتيقة ) عاصمة الحضارة الفنيقية وازدادت أهمية المنطقة خلال الحروب البونية الثلاثة التي انتهت بهيمنة الرومان على الموقع الاستراتيجي وتسميته رأس ابولون او آلهة الجمال الذي جذب الأسبان حين استنجد بهم الحفصيون لدحر العثمانيين لكن سحرها اسر احد القادة العسكريين الإبريين لتتحول غار الملح سنة 1535 ميلادي الى PORTOFARINA وبعد سلسلة من الحروب الخاطفة تم طرد الأسبان ومقايضة استغلال المنطقة بنسبة من غنائم عمليات القرصنة البحرية في المتوسط التي باركها القادة الحفصيون..
ويضيف الفدًاوي بالقول أن سنة 1637 ميلادي أمر اسطا مراد بن عبد الله باي ببناء "البرج الوسطاني" بغار الملح التي شهدت توافد موجات المهاجرين الأندلسيين ومن بينهم عائلة المهندس اسطا موزا الغرناطي الأندلسي الذي اشرف على بناء أبراج " باب تونس " و"اللوطاني " و" الناظور" المخصص للأغراض العسكرية مستخدما نوعية خاصة من مواد البناء من سيدي علي المكي و تم الإنجاز وفق تقنية رصف جدران بعمق 1.60 م الى 1.80 م وقد استغلت بعدها الأبراج كحصون ومناطق عزل صحي وفضاءات تجميع العبيد القادمين من مناطق الساحل الإفريقي .
وبعد فترة من الركود ضجت المنطقة مجددا بالحياة في عهد علي داي (1665 -1685 م) الذي استأنس بالتجارب الفرنسية والإيطالية وحول غار الملح الى عمل (ما يوازي ولاية بالتقسيم الجغرافي الحالي) بها حامية تضم قرابة 10000 جندي وميناء عصري وورشات إصلاح السفن التي تطورت بصفة ملحوظة خلال القرن 17 الى وبداية القرن 18 ميلادي.
حاضر بائس..وحلول ممكنة
وبعد فترة المجد حولت الحماية الفرنسية الحصون التاريخية إلى منفى للمقاومين في تقليد رسخته حكومات الاستقلال التي غيرت تسمية البرج اللوطاني الى" كراكة المعارضين من اليوسفيين" زنازين أبوابها ونوافذها حديدية بنيت بمواد تتناسب مع أوجه الاستغلال لكنها طمست التحفة الموريسكية ومما زاد الطين بلة استغلال الأبراج لإيواء المتضررين من الفيضانات التي اجتاحت المنطقة سنة 1969.
وضعية لم تتغير رغم إعلان برنامج رئاسي لترميم الأبراج سنة 1995 برنامج لم يحظ بالدعم الكافي فتوقف سنة 2005 وضاعت معه 11 سنة من أولى المحاولات الجدية لإصلاح الواقع الذي لم يتغير بعد الثورة رغم الهالة الإعلامية التي رافقت تحركات المسؤولين الجهويين وبعض جمعيات المجتمع المدني ووعود وزراء الثقافة الذين تمتعوا بخيرات المنطقة ونسوا رد الجميل عند عودتهم إلى العاصمة التي حمتها غار الملح طيلة قرون. وفي الإثناء يقول الفداوي " واصل أعوان المعهد الوطني للتراث محاولاتهم لحماية حصون غار الملح بكل حرفية و"غرام " بهدف المحافظة على شواهد جذور التونسيين لان الشعب المُنبت يضيع الماضي والحاضر وليس له مستقبل وأضاف المتحدث ان المعهد قادر على كبح نزيف الخسائر الحضارية التي لا تقدر بثمن بعد حقبات من الإهمال والتخريب وتشبع هواء المدينة الساحلية بنسبة عالية من الرطوبة أثرت على البناءات لكن عمليات الترميم ستكون مكلفة ومعقدة ويمكن الاستعاضة عنها او دعمها باستنساخ تجربة إحياء قصور البايات المهملة في المدينة العتيقة بتونس التي تحولت إلى مطاعم واقامات راقية وفضاءات للإبداع تكفل مستثمرون بترميمها نظير استغلالها في إطار لزمات تمتد 30 سنة .
وحول التنسيق مع معاهد التراث والجمعيات الأجنبية المختصة خاصة التركية والاسبانية لحماية وترميم وتثمين الأبراج شدد محدثنا على أن إدارة المعهد الوطني منفتحة عادة على هذه الشراكات التي تتم وفق الأعراف وعبر القنوات الدبلوماسية المعروفة ..
من جهتنا نستغرب عجز الدولة على تثمين آثار غار الملح التي كانت ولازالت تمثل نواة لحركية سياحية بيئية-ثقافية في المنطقة المرسمة باتفاقية "رمسار" العالمية للحفاظ على المناطق الرطبة وزينت مؤخرا قائمة اليونسكو للمناطق الايكوهيدرولوجية مما زاد إشعاعها دوليا مقابل تواصل الإهمال المحلي الذي نسف تدريجيا أبراجها النادرة.
ساسي الطرابلسي
قفصة.. نهب ممنهج لمدرج النحاس والحجارة ..والحصن البيزنطي يتطلب الترميم
قفصة-الصباح
" قفصة مدينة عظيمة .. وجودها قديم جدا ..أسسها الإله اللوبي هرقل وهي تحيط بها أسوار كبيرة ..." هذا الوصف للكاتب اللاتيني " سالوست " يأتي تدعيما لأراء المؤرخين والرحالة الذين زاروا مدينة قفصة التي تحمل اسم إحدى أقدم الحضارات في العالم ، الحضارة "الكبصية" وهو ما يحيلنا الى الخصوصية التي ارتبطت بهذه المدينة طيلة المراحل التاريخية التي مرت بها عبر العصور ألا وهي الواحة وكذلك العمارة التي نذكر منها الحصون والأبراج.
ففي القرن التاسع ذكر احد المؤرخين ( اليعقوبي ) ان مدينة قفصة " حصينة " " يحيط بها سور من الحجارة" ليتواصل هذا الوصف الى مطلع القرن الحادي عشر حين ذكر المؤرخ ابو محمد الوراق بان مدينة قفصة "مبنية على اساطين وطيقان رخام وسورها ما يزال على أحسن حال كأنما قد فرغ من عمله بالأمس " .
الحصن البيزنطي .. نبض الحياة
الحصن البيزنطي او كما يميل أهالي قفصة إلى تسميته بالبرج او القصبة ظل شاهدا على العصر من خلال الأحداث التي مرت بها الجهة وهو ما ينقله لنا الدكتور مصطفى التليلي عضو بمخبر البحث " دراسات مغاربية " حيث شدد على اهمية برج القصبة الذي ذكر بأنه مقام منذ القديم بغربي المدينة حيث اتخذ حصنها الشكل الذي عليه في الفترة الحديثة منذ نهاية الثلث الأول من القرن الخامس عشر، ملاحظا بأنه حضي باهتمام كبير لدى الرحالة الأوروبيين وتركوا لنا وصفا مدققا من خلال التخطيط الذي أنجزه النقيب الفرنسي سانت ماري عام 1843. وأوضح محدثنا ان البرج على شكل شبه منحرف ويبلغ طوله حوالي 120 متر وعرضه 90 مترا ويتوسط الساحة الداخلية لهذا المعلم إبان الحقبة الاستعمارية سجن، به 3 أبراج مرتفعة أهمها برج المدافع الذي يحتل الزاوية الشمالية الشرقية وتحتوي الزاوية الشمالية الغربية على مخزن للأسلحة وثان للرصاص . هذا المعلم كان يحتوي على خزان ماء قرب العين المائية المعروفة بعين القصبة التي تنبع ماء بالزاوية الجنوبية الغربية القريبة من الترميل الملاصق لجدار البرج ناحية الواحة.. وتشتمل قصبة البرج أثناء الاحتلال الفرنسي ، وفق ذكر محدثنا، على طاحونة وفرن لقضاء شؤون العسكر المرابط به كما يوجد محلا لأداء الشعائر الدينية يتمثل في الجامع الحنفي وكان يعتبر آنذاك من أهم الجوامع في المدينة برمتها من حيث القيمة وهو مجهز بصومعة ويحمل تسمية جامع البرج فيما أطلق عليه البعض تسمية الجامع الكبير باعتباره الإطار الذي تنظم فيه الصلوات الخمس بالنسبة لاتباع المذهب الحنفي، ملاحظا أن المدينة كانت تعيش بها جماعة منحدرة من أصل تركي وكرغلي فيما كان الجامع الكبير أو جامع سيدي صاحب الوقت فقد كان مخصصا لأتباع المذهب المالكي من بين الأهالي ..
ميدان للرياضة وسلم
مظاهر الحياة كانت بارزة للعيان في حضن البرج الأثري وهي تمتد - الى جانب ما ذكره لنا الباحث مصطفى التليلي - نحو البعد الترفيهي حيث كان يتوسط هذا المعلم ملعب لكرة القدم أين انبثقت اللبنة الأولى لهذه الرياضة بربوع قفصة حيث كانت تقام اللقاءات الكروية التي جمعت نوادي الجهة وهي الخنفوس الرياضي بالرديف وسبورتينغ قفصة ونادي كرة القدم بالمظيلة ونجم المتلوي إذ رافق إقامة هذه المباراة حضورا متميزا لمتساكني المدينة الذين دفعت بهم الرغبة إلى اكتشاف هذه الرياضة ليمتد فضولهم من الفرجة إلى الممارسة وسط حماس لا نظير له من قبل المتخرجين وأنصار نوادي المدن المنجمية وأنصار الفريق المحلي ..
من القطع التاريخية التي اندثرت نذكر المدرج المصنوع من النحاس وهو قطعة أثرية لها قيمة كبيرة في نفوس أهالي الجهة نظرا لندرتها حيث يؤكد اغلب المتساكنين على ان أصحاب القرار السياسي فجر الاستقلال هم من يمثلون وراء جلبها من قفصة نحو مدينة ساحلية - نفضل عدم ذكرها لما يمثله الموضوع من مس للمشاعر - أين تم تركيز هذه القطعة الأثرية الثمينة بقصر احد الزعماء السياسيين آنذاك .
نهب الحجارة وتحويل وجهتها
من المراحل التاريخية الأخرى التي مر بها الحصن البيزنطي بقفصة نذكر تلك التي تعرض خلالها للقصف أثناء الحرب العالمية الثانية بعد أن اتخذت قوات المحور والحلفاء من تونس مسرحا لحروبها، حيث أدت الانفجارات التي طالت مخزن الرصاص والأسلحة التي كانت داخل الحصن إلى تدمير جزء كبير من السور لترسم في مرحلة لاحقة واحدة من أشنع الجرائم التي لحقت بهذا المعلم التاريخي البارز حيث عمدت بعض الأطراف والدوائر المقربة من أصحاب القرار السياسي خلال ستينيات القرن الماضي إلى نقل أطنان من الحجارة التي هوت من على السور نحو القصور والمقرات السكنية لشخصيات نافذة خلال الفترة المذكورة عوضا عن ترميم هذا المعلم التاريخي الذي تم تشييده سنة 1434 في عهد الدولة الحفصية على أنقاض الحصن البيزنطي القديم ..
الحصن البيزنطي ينشد الترميم
الحالة التي عليها الآن هذا المعلم التاريخي تتطلب تدخلا ناجعا من قبل أصحاب القرار وينبغي مسابقة الوقت للمحافظة عليه لما يمثله من أهمية في نفوس متساكني مدينة قفصة، من ناحية ، وفي سبيل عدم تعمق الشقوق التي تعلو جانبا من جداره - وهو ما تمثله الصورة المرافقة للمقال - كما ينبغي المسارعة بشفط المياه التي ترسو بجانبه الجنوبي كلما تساقطت الأمطار لما تمثله المياه الراكدة من خطورة على أسس هذا المعلم التاريخي المهم الذي طالته أيادي التهديم أكثر من الترميم .
رؤوف العياري
القيروان.. تشويه..تخريب ودعوات للإنقاذ
القيروان-الصباح
سور القيروان يحيط بالمدينة العتيقة (العربي) من أغلب جهاتها ،يفوق طوله 2.3 كلم ، ومن الأبواب الجميلة بالسور نذكر باب الجلادين (باب الشهداء حاليا) وهو مكون من عقدين مقامين على تيجان وأعمدة من الطراز العثماني وتؤرخ لوحة رخامية بها أبيات شعرية تاريخ تجديد البناء في سنة 1185هجري الموافق لسنة 1772ميلادي ، وسور باب تونس..
سور "باب تونس" تحول إلى مصب للفضلات!
ويعتبر باب تونس من الأماكن التاريخية والمعالم السياحية التي تعكس جدرانه الحضارات القديمة المتعاقبة على المدينة حيث انه ثاني أهم الأبواب المتواجدة على سور مدينة "القيروان" بعد "باب الجلادين" ويُعتبر هذا الباب المدخل الرئيسي للمدينة كما إنه أكثر الأبواب حركية وتزاحما مقارنة بالأبواب الأخرى التي تُحيط بالمدينة.
إلا أن المار بجانب السور يصدم بالكم الهائل من القمامة والأوساخ وآثار التبول مما يطرح أكثر من سؤال عن دور بلدية القيروان وجمعية صيانة المدينة والوكالة الوطنية لحماية التراث إزاء هذه الاعتداءات الصارخة على هذا التراث الإنساني المادي وأكد المواطن عثمان البرجيني لـ"الصباح" بأن سور القيروان يعد من أهم المعالم التاريخية في العالم الإسلامي وخاصة في شمال إفريقيا، مشيرا انه بالرغم من تسجيل السور كتراث عالمي من طرف اليونسكو ورغم ما رصد له من هبات من قبل دول عربية كالمملكة السعودية وعمان وغيرها من الدول الداعمة الا أنه يتعرض لعملية تشويه وتخريب منها المتعمد من طرف المواطنين المستهترين أو من طرف المسؤولين القائمين على التراث حيث حامت حول البعض عدة شبهات خاصة عند القيام بعملية الترميم الأخيرة عندما رصدت الهبة العمانية حيث رفضت دولة عمان تكملة القسط الثاني لأن المسؤول على المشروع لم يقدم تقريرا مفصلا ونزيها عن تكلفة الأشغال وسيرها، زد على ذلك طريقة العمل والصيانة حسب قوله لم تكن على أسس علمية وثابتة والدليل ان "الليقة"على سبيل المثال كانت تقام بجير الشكارة "بوتن" وكانت الخلطة تعد بطريقة فيها الكثير من العبث زد على ذلك استعمال أداة ما يسمي بـ"الفرطاسة" التي طمست هوية السور وصار وكأنه جدار أملس. وأضاف :البرجيني" بأن هناك معضلة أخرى وهي التسربات المائية من طرف الصوناد وعدم الصيانة مما تسبب في تشقق السور من جهة منقاص بن رجب وعدة أماكن أخرى.
وفي نفس السياق،أكد الناشط في المجتمع المدني فؤاد العلاني تكاثر الاعتداءات الشنيعة على سور المدينة مشيرا إلى أن هذا المعلم العريق تحول إلى مكان يستغل من قبل الباعة كواجهة لعرض السلع حيث تستعمل المسامير والدهن واللافتات للإشهار . وذكر العلاني لـ"الصباح" بأن الدكاكين المتواجدة على يمين باب الجلادين في اتجاه السوق زادت في تشويهه.
دعوات للإنقاذ
ودعا البرجيني السلطات المختصة إلى تسخير خبراء مختصين والاستعانة بقدماء العمال من دار الآثار لترميم السور قصد المحافظة على هذا التراث اللامادي والعمل من قبل وزارة الإشراف لاستغلال المعلم ثقافيا واقتصاديا علي غرار ما حدث مع البريجة.
مروان الدعلول
سوسة.. حصون وأسوار تبكي حاضرها وتتوق لماضيها
سوسة-الصباح
يتواصل شريط الاعتداءات الممنهجة على عدد من المعالم الأثرية والتاريخية بالمدينة العتيقة بسوسة، اعتداءات اتّخذت أشكالا متنوّعة غير أنّ نتائجها واحدة تنال من تاريخ المدينة ومن أمجاد صنعها السّلف وتخاذل عن الدفاع وحمايتها الخلف.
البلدية تلجأ إلى القضاء
أمام تكرّر عمليّات الاعتداء على المعالم الأثرية التاريخية قامت مصالح بلدية سوسة الأحد 30 أفريل 2023 بالتدخّل على مستوى عدد من النقاط المستهدفة بسور المدينة العتيقة التي تمّ تشويهها وإضرام النار فيها وذلك بعد إجراء معاينة ميدانية شُفعت بتقديم شكوى جزائية لدى وكيل الجمهورية من أجل إضرام النار عمدا بملك الغير وإضرام النار بمنقولات وذلك إثر استيفاء مختلف الإجراءات القانونية وحُسن التّنسيق مع الأطراف المتداخلة من وزارة الثقافة ووكالة حماية التراث.
الأهالي بالمحاسبة يطالبون
تكرّر حالات الاعتداء على رباط سوسة على مستوى الباب الجبلي والباب الغربي بصفة خاصة سواء من خلال التبوّل بالمحيط أو استباحة سوره بتحويله الى منصّة لعرض الملابس المستعملة " فريب " من قبل منتصبين فوضويين أو بإضرام النّار في جدرانه وتشويهها وطمسها أثار حفيظة أهالي المدينة وعددا من الناشطين بالنسيج الجمعياتي بالمدينة الذين استنكروا الاعتداءات الممنهجة على المعالم الأثرية للمدينة العتيقة واستباحتها بشكل مقزّز ومستفزّ لم يلق إلى حدّ اليوم تدخّلا ناجعا يُنهي مأساة حقيقية ما فتئت تتعرّض لها معالم أثرية مصنّفة أصبحت مهدّدة جديّا بالسّحب من قائمة اليونسكو للتراث العالمي ورأوا بضرورة أن تتحرّك السلط الجهويّة ومختلف المصالح المعنيّة من أجل وضع حدّ لمثل هذه الانتهاكات الصّارخة مُعتبرين أنّ استفحال ظاهرة الانتصاب الفوضوي بالمدينة العتيقة بسوسة وسوء إدارة ملفّ مقاومة الظاهرة والتّصدّي لها يُعدّ واحدا من أهم الأسباب المباشرة التي تفسّر تكرّر هذه الاعتداءات التي غالبا ما تمرّ دون الكشف عمّن يقف وراءها والقبض عن المفسدين الضالعين رغم توفّر عديد كاميرات المراقبة المتطورة بالمكان،اعتداءات تطال حصونا وأسوارا تاريخية شكّلت فيما مضى قلاعا صعبة الاختراق في حين أضحت اليوم موروثا حضاريّا مُستباحا ومفعولا به بحجج وتعلّات مقاربة اجتماعية واهية فطلب الرزق له نواميسه وأصوله وآدابه والشعوب التي لا يحرص مسؤولوها على تمجيد تاريخ بلدانهم وحمايته لا يمكن لهم أن يُسهموا في بناء مستقبلها والاعتزاز بأمجادها.