اليوم لم تعد تُفرق بين أول السوق من آخره وأصبح المكان بلا سور لتضيع هويّته وروحه القديمة
تونس –الصباح
بدا المكان على غير عادته كالسنوات الماضية، فالحال تغيّر منذ ما يقارب السنة وتحديدا منذ يوم 2 ماي 2022 أول أيام العيد حيث نشب حريق أتى على ما يعادل ثلث مكان كان شاهداعلى موروث يعود إلى عشرات السنوات.
سوق "جارة" بمدينة قابس وحُرقة تجاره ومورديه لا تزال تُلقي بضلالها على النفوس وعلى أجواء المكان، ربّما هو الوجع الأكبر بعد أن التهم الحريق مدخل السوق وأتى على 17 محلا ومن ورائه 60 عائلة بين تجار وحرفيين وغيرهم. فالحدث كان بحجم الكارثة التي اهتز لها كل التونسيين وانتفض لها، كما يقال القاصي والداني، وظل خبرا تتناقله وسائل الإعلام الوطنية والدولية لعدة أيام وربما لأسابيع.
متابعة: إيمان عبد اللطيف
بعد سنة تقريبا، لا جديد يُذكر، ولكن هناك قديم يُعاد ويُروى. فما إن تضع قدميك بـ"جارة"، وعن بُعد بضعة أمتار وبمجرد أن تلقي نظرك على المكان تمرّ بمخيلتك تلك المشاهد الأولى المحزنة لسنة 2022..، من آثار للحريق والمحلات التي أتت عليها النيران..، والغبار الأسود الذي كان يغطي ما تبقى من جدران.
كان المدخل وأقواسه ميزة سوق "جارة"، اليوم لم تعد تُفرق بين أوله من آخره، أصبح عبارة عن "بطحاء" لا توجد فيها غير المحلات التي لم تتضرر من الحريق فقد تمت إزالة حطام المحلات وأصبح المكان بلا سور لتضيع هويّته وروحه القديمة.
على يسار السوق وبالجهة المتضررة من الحريق، كان هناك صاحب أحد المحلات يقف حذو حضيرة صغيرة، كان يراقب عمالا يشيدون جدارا ويوجههم من حين إلى آخر، فتارة يحادث زملائه وتارة أخرى يلقي نظرة على الطريق والمارة.
واللافت في هذا السياق أن لا حضائر بناء أخرى غير حضيرة الرجل، يقول محمد المرابط أحد الحرفيين المتضررين من الحريق لـ"الصباح" "بعد سنة من التسويف والمماطلة والأخذ والرد قررت أن أقوم بإعادة بناء محلي بنفسي ومن مالي الخاص، لأنهم أضاعوا علي الكثير من الوقت، ضاع رأسمالي وفي رزقي".
ويضيف "لو تركوني منذ ذلك الوقت أعيد التشييد، لقمت بتعويض خسائري، لكنهم مسؤولون فاشلون سواء بالبلدية أو إدارة الآثار. فنحن نحتاج إلى حلول عاجلة لا إلى أشهر وسنوات بين الاجتماعات والقرارات والأخذ والردّ".
ويوضح "بهذه الطريقة يمكن أن أنقذ مورد رزقي وعائلتي، فقد اضطررت إلى إعادة البناء واضطررت أيضا إلى بيع ذهب زوجتي وبناتي، فعملية البناء قد تكلفني 20 ألف دينار. وعلى كل التجار والحرفيين أن يسعوا إلى إنقاذ أنفسهم بأنفسهم ولا أنصحهم بأن ينتظروا قرارات السلطة".
تحولت بعض المحلات الأخرى إلى "خيام"، فالحال والظروف المالية وفق قولهم لا يسمحان بأن يقدموا على البناء بإمكانياتهم الخاصة، فأشهر كثيرة مرت وخلفت لهم أضرار لا يمكن إحصاؤها دون أن تكون هناك نتائج ملموسة على أرض الواقع.
في ذات المدخل على يسار السوق، اختار عبد المنعم المرابط نائب الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وأحد التجار أن يحافظ على ما تبقى من حجارة من محله الذي أتت عليه النيران، وأقام خيمة في امتداد للجدران التي بقيت تحمل آثار سواد الحريق.
يقول عبد المنعم لـ"الصباح" "تركت محلي كما هو من آثار الحريق، وقمت بنصب خيمة حتى تكون شاهدا على التاريخ وحجم الكارثة وحتى لا ننسى. فالوضعية كما ترونها، على حالها لم يتغير شيء، فأصحاب المحلات المتضررة عوضوا محلاتهم بالخيام، والملف يشهد تأخيرا غير مفهوم وغير مبرر ولا نعلم إلى اليوم مآله".
ويضيف عبد المنعم "ما اتضح لدينا أنه لا وجود لأي رؤية واضحة، فإذا لا يوجد تنفيذ على الأقل نفهم إلى أين تتجه الأمور، فاليوم أصبح هناك خوف كبير من تنفيذ القرارات، فالجميع تراجعوا إلى الوراء ولا أعلم ما الأسباب الكامنة وراء كل ذلك حتى بقت الوضعية كما هي مثل ما ترون ذلك".
ويوضح عبد المنعم "أنا وجميع التجار المتضررين لم تعد تهمنا إن كان السوق مصنفا من الآثار أو لا فهذه مسائل تخص الدولة، نحن ما يهمنا أن تُعاد إلينا محلاتنا حتى نعود إلى العمل في ظروف مواتية لذلك".
ويُبين "الناس ملّت، في الشهر الواحد يتمّ تقديم وعدين على الأقل أي طيلة سنة 24 وعدا، وكل أسبوع أقاويل وأخذ ورد، ونحن لم نعد نتحمل هذا الوضع. وحتى نكون أكثر وضوحا الملف أصبحت معالجته على المستوى الجهوي صعبة جدا لأسباب لا نعلمها، وبالتالي على السلط المركزية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية قيس سعيد أن تتدخل وتأخذ على عاتقها هذه الإشكالية".
ويقول عبد المنعم "صحيح أن هناك خطوات تم القيام بها في ما يخص المشروع الذي تبلغ تكلفته مليار و270 ألف دينار وشرع المقاول في الجزء الأول، ولكن توقف لأنه لم يتم تمكينه من مستحقاته لأن البلدية رفضت إمضاء العقد وبالتالي الإشكالية هي إشكالية مادية".
ويواصل عبد المنعم حديثه قائلا: "تم إحداث صندوق تحت إشراف الاتحاد الوطني للضمان الاجتماعي وتحت تصرف والي الجهة. وعلى ما يبدو أنهم لم يتمكنوا من جمع إلا 470 ألف دينار وفي كل ذلك لا نعلم حقيقة المبلغ الذي تم تجميعه فالوالي السابق كان متكتما جدا على الموضوع لذلك نطلب من رئيس الجمهورية قيس سعيد التدخل ويأذن للتضامن بتبني المشروع".
ذات الوجع والقلق والحيرة يتقاسمه بقية التجار المتضررين من حريق سوق "الجارة" السنة الماضية، وإن تبدو أحيانا على وجوهم ملامح اللامبالاة أو ربما هي ملامح اليأس والإحباط، فبمجرد سؤالهم "عن جديد القرارات والإجراءات" حتى تترسم ابتسامة الاستهزاء وبإجابة واحدة "هل ترين جديدا هنا على أرض الواقع" ..لا جديد يذكر ولكن الكثير من القديم يعيدونه بالملامح وبجولات نظاراتهم في ساحة المكان.
يقول توفيق بن مختار عبود تاجر بسوق جارة "كنا نملك محلاتنا و"عايشين ومتفرهدين"، لكن يوم عيد الرحمان صارت الكارثة ليتحول يوم الاحتفال إلى يوم عزاء. وبعد ذلك تمننينا وحلمنا أن تعود الوضعية كما كانت أو حتى أحسن. ولكن للأسف وكما ترين لم يتغير شيء بل بالعكس أصبح الوضع تحت الصفر".
ويضيف توفيق "يوم الحريق كنا على الأقل نرى محلاتنا أو ما تبقى منها من هيكل اليوم نرى أرضا بيضاء وشخص واحد يقوم بإعادة بناء محله من إمكانياته الخاصة ودون تدخل من الدولة".
ويوضح "بعد التسويف والمماطلة التي وقعت على النطاق الجهوي في ولاية قابس. بان بالكاشف أنه لا يوجد مسؤول يتحمل المسؤولية ويقول أنا أريد أن أخدم الجهة. وقع تحطيم جارة بطريقة موجعة ولا نعلم من وراء هذا التعطيل ومن وراءه أو من هي الأطراف التي تريد أن تبقى جارة في هذه الوضعية".
اليوم لم تعد تُفرق بين أول السوق من آخره وأصبح المكان بلا سور لتضيع هويّته وروحه القديمة
تونس –الصباح
بدا المكان على غير عادته كالسنوات الماضية، فالحال تغيّر منذ ما يقارب السنة وتحديدا منذ يوم 2 ماي 2022 أول أيام العيد حيث نشب حريق أتى على ما يعادل ثلث مكان كان شاهداعلى موروث يعود إلى عشرات السنوات.
سوق "جارة" بمدينة قابس وحُرقة تجاره ومورديه لا تزال تُلقي بضلالها على النفوس وعلى أجواء المكان، ربّما هو الوجع الأكبر بعد أن التهم الحريق مدخل السوق وأتى على 17 محلا ومن ورائه 60 عائلة بين تجار وحرفيين وغيرهم. فالحدث كان بحجم الكارثة التي اهتز لها كل التونسيين وانتفض لها، كما يقال القاصي والداني، وظل خبرا تتناقله وسائل الإعلام الوطنية والدولية لعدة أيام وربما لأسابيع.
متابعة: إيمان عبد اللطيف
بعد سنة تقريبا، لا جديد يُذكر، ولكن هناك قديم يُعاد ويُروى. فما إن تضع قدميك بـ"جارة"، وعن بُعد بضعة أمتار وبمجرد أن تلقي نظرك على المكان تمرّ بمخيلتك تلك المشاهد الأولى المحزنة لسنة 2022..، من آثار للحريق والمحلات التي أتت عليها النيران..، والغبار الأسود الذي كان يغطي ما تبقى من جدران.
كان المدخل وأقواسه ميزة سوق "جارة"، اليوم لم تعد تُفرق بين أوله من آخره، أصبح عبارة عن "بطحاء" لا توجد فيها غير المحلات التي لم تتضرر من الحريق فقد تمت إزالة حطام المحلات وأصبح المكان بلا سور لتضيع هويّته وروحه القديمة.
على يسار السوق وبالجهة المتضررة من الحريق، كان هناك صاحب أحد المحلات يقف حذو حضيرة صغيرة، كان يراقب عمالا يشيدون جدارا ويوجههم من حين إلى آخر، فتارة يحادث زملائه وتارة أخرى يلقي نظرة على الطريق والمارة.
واللافت في هذا السياق أن لا حضائر بناء أخرى غير حضيرة الرجل، يقول محمد المرابط أحد الحرفيين المتضررين من الحريق لـ"الصباح" "بعد سنة من التسويف والمماطلة والأخذ والرد قررت أن أقوم بإعادة بناء محلي بنفسي ومن مالي الخاص، لأنهم أضاعوا علي الكثير من الوقت، ضاع رأسمالي وفي رزقي".
ويضيف "لو تركوني منذ ذلك الوقت أعيد التشييد، لقمت بتعويض خسائري، لكنهم مسؤولون فاشلون سواء بالبلدية أو إدارة الآثار. فنحن نحتاج إلى حلول عاجلة لا إلى أشهر وسنوات بين الاجتماعات والقرارات والأخذ والردّ".
ويوضح "بهذه الطريقة يمكن أن أنقذ مورد رزقي وعائلتي، فقد اضطررت إلى إعادة البناء واضطررت أيضا إلى بيع ذهب زوجتي وبناتي، فعملية البناء قد تكلفني 20 ألف دينار. وعلى كل التجار والحرفيين أن يسعوا إلى إنقاذ أنفسهم بأنفسهم ولا أنصحهم بأن ينتظروا قرارات السلطة".
تحولت بعض المحلات الأخرى إلى "خيام"، فالحال والظروف المالية وفق قولهم لا يسمحان بأن يقدموا على البناء بإمكانياتهم الخاصة، فأشهر كثيرة مرت وخلفت لهم أضرار لا يمكن إحصاؤها دون أن تكون هناك نتائج ملموسة على أرض الواقع.
في ذات المدخل على يسار السوق، اختار عبد المنعم المرابط نائب الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وأحد التجار أن يحافظ على ما تبقى من حجارة من محله الذي أتت عليه النيران، وأقام خيمة في امتداد للجدران التي بقيت تحمل آثار سواد الحريق.
يقول عبد المنعم لـ"الصباح" "تركت محلي كما هو من آثار الحريق، وقمت بنصب خيمة حتى تكون شاهدا على التاريخ وحجم الكارثة وحتى لا ننسى. فالوضعية كما ترونها، على حالها لم يتغير شيء، فأصحاب المحلات المتضررة عوضوا محلاتهم بالخيام، والملف يشهد تأخيرا غير مفهوم وغير مبرر ولا نعلم إلى اليوم مآله".
ويضيف عبد المنعم "ما اتضح لدينا أنه لا وجود لأي رؤية واضحة، فإذا لا يوجد تنفيذ على الأقل نفهم إلى أين تتجه الأمور، فاليوم أصبح هناك خوف كبير من تنفيذ القرارات، فالجميع تراجعوا إلى الوراء ولا أعلم ما الأسباب الكامنة وراء كل ذلك حتى بقت الوضعية كما هي مثل ما ترون ذلك".
ويوضح عبد المنعم "أنا وجميع التجار المتضررين لم تعد تهمنا إن كان السوق مصنفا من الآثار أو لا فهذه مسائل تخص الدولة، نحن ما يهمنا أن تُعاد إلينا محلاتنا حتى نعود إلى العمل في ظروف مواتية لذلك".
ويُبين "الناس ملّت، في الشهر الواحد يتمّ تقديم وعدين على الأقل أي طيلة سنة 24 وعدا، وكل أسبوع أقاويل وأخذ ورد، ونحن لم نعد نتحمل هذا الوضع. وحتى نكون أكثر وضوحا الملف أصبحت معالجته على المستوى الجهوي صعبة جدا لأسباب لا نعلمها، وبالتالي على السلط المركزية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية قيس سعيد أن تتدخل وتأخذ على عاتقها هذه الإشكالية".
ويقول عبد المنعم "صحيح أن هناك خطوات تم القيام بها في ما يخص المشروع الذي تبلغ تكلفته مليار و270 ألف دينار وشرع المقاول في الجزء الأول، ولكن توقف لأنه لم يتم تمكينه من مستحقاته لأن البلدية رفضت إمضاء العقد وبالتالي الإشكالية هي إشكالية مادية".
ويواصل عبد المنعم حديثه قائلا: "تم إحداث صندوق تحت إشراف الاتحاد الوطني للضمان الاجتماعي وتحت تصرف والي الجهة. وعلى ما يبدو أنهم لم يتمكنوا من جمع إلا 470 ألف دينار وفي كل ذلك لا نعلم حقيقة المبلغ الذي تم تجميعه فالوالي السابق كان متكتما جدا على الموضوع لذلك نطلب من رئيس الجمهورية قيس سعيد التدخل ويأذن للتضامن بتبني المشروع".
ذات الوجع والقلق والحيرة يتقاسمه بقية التجار المتضررين من حريق سوق "الجارة" السنة الماضية، وإن تبدو أحيانا على وجوهم ملامح اللامبالاة أو ربما هي ملامح اليأس والإحباط، فبمجرد سؤالهم "عن جديد القرارات والإجراءات" حتى تترسم ابتسامة الاستهزاء وبإجابة واحدة "هل ترين جديدا هنا على أرض الواقع" ..لا جديد يذكر ولكن الكثير من القديم يعيدونه بالملامح وبجولات نظاراتهم في ساحة المكان.
يقول توفيق بن مختار عبود تاجر بسوق جارة "كنا نملك محلاتنا و"عايشين ومتفرهدين"، لكن يوم عيد الرحمان صارت الكارثة ليتحول يوم الاحتفال إلى يوم عزاء. وبعد ذلك تمننينا وحلمنا أن تعود الوضعية كما كانت أو حتى أحسن. ولكن للأسف وكما ترين لم يتغير شيء بل بالعكس أصبح الوضع تحت الصفر".
ويضيف توفيق "يوم الحريق كنا على الأقل نرى محلاتنا أو ما تبقى منها من هيكل اليوم نرى أرضا بيضاء وشخص واحد يقوم بإعادة بناء محله من إمكانياته الخاصة ودون تدخل من الدولة".
ويوضح "بعد التسويف والمماطلة التي وقعت على النطاق الجهوي في ولاية قابس. بان بالكاشف أنه لا يوجد مسؤول يتحمل المسؤولية ويقول أنا أريد أن أخدم الجهة. وقع تحطيم جارة بطريقة موجعة ولا نعلم من وراء هذا التعطيل ومن وراءه أو من هي الأطراف التي تريد أن تبقى جارة في هذه الوضعية".