إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التربية على السلام.. رهان مدرسة المستقبل

 

لا يخلو التطرق إلى ما يعتبر بديهيا من صعوبات ترتبط أساسا بأن الحياة داخل المجتمع الإنساني تقوم على الاختلاف الذي يخترق كل مناحي ومظاهر النشاط الإنساني. والاختلاف يفرض إعادة التفكير في البديهيات ومساءلتها وهذا من بين مهام الفكر التربوي بوصفه الجهد الذي يبذله الإنسان للتوفيق ، في عملية التنشئة الاجتماعية، بين ما يحتاج إليه الاندماج في المجتمع من معارف وقيم ومهارات وبين ما يدعو إليه التفكير في المستقبل من إثراء هذه المعارف والقيم والمهارات بما هو مستجد وبالقدرة على الابتكار والاستباق.

ولا شك أن النزوع إلى السلام يعتبر من الناحية المبدئية أمرا " بديهيا" لا مجال للاختلاف حوله خاصة وأن الأفراد والمجتمعات يدركون أن العنف والعدوانية يمكن أن تكلفهم الكثير. وحين نضيف إلى ذلك أن التطور التقني قد جعل الحروب أشد عنفا ووضع الإنسانية جمعاء تحت خطر الاندثار نتيجة القوة التدميرية الهائلة للأسلحة الحديثة ندرك أهمية التربية على السلام بوصفها ، في مستويين على الأقل، تربية على الحياة. تربية على الحياة كرؤية للعالم تسعى لنزع فتيل الأزمات والحروب ومواجهة العدوانية والتوتر في مستوى الأفراد والمجتمعات والإنسانية جمعاء.وهي أيضا تربية على الحياة لأن التربية على السلام لا تنفصل عن التربية على حقوق الإنسان وعلى الإيمان بالتنمية المستدامة.

ذلك أن الحديث عن التربية على السلام قد بدأ في فترة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وتحول إلى مسألة ملحة بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت استعمال السلاح النووي مع ما يمثله من خطر جسيم على الإنسانية. وانطلاقا من سنة 1974 أصبحت التربية على السلام موضوعا مطروحا كبرنامج يتعين وضع الآليات الكفيلة بتحويله إلى توجهات وسياسات يقع تنزيلها في الحياة المدرسية. وأكد المؤتمر العالمي للتربية في دورته الرابعة والأربعين والتي انعقدت سنة 1994 هذا الرهان.

ولكن هناك عدة إشكاليات تحيط بالتربية على السلام و تكاد تفرغها من محتواها و هو ما يفرض التطرق إليها لأن كل ممارسة تربوية لا تواجه ما يعترضها من عوائق وعراقيل تحكم على نفسها بالفشل وغالبا ما تؤدي إلى نتائج مناقضة تماما لما أرادت تحقيقه. وفي تقديري فإن أهم العوائق التي تنتصب أمام الإيمان بأهمية التربية على السلام في المجال التربوي التونسي تتمثل في:

- هيمنة آليات وعقلية التلقين والنقل على آليات وعقلية التجريب والعقل وهذا يجعل العملية التعليمية والتربوية تتمحور حول مواد و نصوص وتهمل مستجدات تؤثر في حياة المتعلم ولكنه لا يجدها أمامه في الفضاء المدرسي يمكن أن نذكر على سبيل الذكر لا الحصر التربية على حقوق الإنسان والتربية على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وحين نضيف إلى ذلك تراجع التنشيط الرياضي والثقافي في المؤسسات التعليمية في السنوات الأخيرة ندرك أن المجال قد ضاق بشكل كبير أمام فرص التربية على السلام في الوقت الحاضر.

- حضور التفسير التآمري وهو الذي يجعل الكثير من المثقفين والفاعلين في الحقل التربوي ينظرون لكل أمر مستجد على أنه استهداف لمكونات شخصيتنا وثقافتنا ووجودنا. ويتغذى هذا التفسير من نقص الإطلاع على أهداف وفلسفة التربية على السلام ومن السياق الإيديولوجي المتسم أساسا بهيمنة منطق الإقصاء والقطيعة ونفي الاختلاف.

- تصور عدد من المثقفين والفاعلين في الحقل التربوي أن التربية على السلام هي أداة لتنشئة جيل يتخلى عن مقومات هويته وعن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال وللتخلي عن دعم فلسطين وللتطبيع مع الكيان الصهيوني. يفوت هؤلاء أن التربية على السلام تقوم على نبذ العنصرية والتطرف وأن الوعي بالحقوق والواجبات هو من أهم أركانها وأنها لا تقبل أي شكل من أشكال العنف والاستعمار وهو ما يجعلها أداة من أدوات نصرة الشعوب المستعمرة وخاصة الشعب الفلسطيني.

- هناك انطباع لدى البعض أن التربية على السلام لا تنسجم مع تعاليم الدين الإسلام. وهذا الانطباع هو من قبيل الرأي السائد الذي لا يستند إلى معطيات دقيقة وتكفي الإشارة إلى أن السلام هو أحد أسماء الله الحسنى وإلى أن التحية في الإسلام تبدأ بعبارة " السلام" وإلى الآيات القرآنية التي تعتبر أن الاختلاف هو أساس الاجتماع الإنساني لأنه يدفع الناس للتعارف للتأكد من ذلك

التربية على السلام هي مشروع لمجتمعات أقل عنفا وعدوانية لأنها حسب تعريف " اليونيسيف " " تنشئة الأفراد على تفضيل الممارسات السلمية في حياتهم اليومية " وهو ما يتولد عنه عمل تربوي يهدف إلى تنشئة إنسان قادر على:

- التفكير الناقد

- تقبل الآخر

- تحمل الاختلاف

- القيام بالنقد الذاتي وتحمل المسؤولية.

وهذا الإنسان له

- ثقة بالنفس-

- شجاعة في إبداء الرأي

- وعي بحقوقه وواجباته.

هذا يعني أن التربية على السلام هي عمل هدفه التصدي لكل مظاهر التوتر الفردي والاجتماعي وفي العلاقة بين الدول لأن هذه المظاهر تؤدي إلى هدر للجهد و الطاقة والإمكانيات والموارد بما يجعل حياة الأفراد والجماعات في خطر.

هشام الحاجي

اعلامي وبرلماني سابق

 

 

التربية على السلام.. رهان مدرسة المستقبل

 

لا يخلو التطرق إلى ما يعتبر بديهيا من صعوبات ترتبط أساسا بأن الحياة داخل المجتمع الإنساني تقوم على الاختلاف الذي يخترق كل مناحي ومظاهر النشاط الإنساني. والاختلاف يفرض إعادة التفكير في البديهيات ومساءلتها وهذا من بين مهام الفكر التربوي بوصفه الجهد الذي يبذله الإنسان للتوفيق ، في عملية التنشئة الاجتماعية، بين ما يحتاج إليه الاندماج في المجتمع من معارف وقيم ومهارات وبين ما يدعو إليه التفكير في المستقبل من إثراء هذه المعارف والقيم والمهارات بما هو مستجد وبالقدرة على الابتكار والاستباق.

ولا شك أن النزوع إلى السلام يعتبر من الناحية المبدئية أمرا " بديهيا" لا مجال للاختلاف حوله خاصة وأن الأفراد والمجتمعات يدركون أن العنف والعدوانية يمكن أن تكلفهم الكثير. وحين نضيف إلى ذلك أن التطور التقني قد جعل الحروب أشد عنفا ووضع الإنسانية جمعاء تحت خطر الاندثار نتيجة القوة التدميرية الهائلة للأسلحة الحديثة ندرك أهمية التربية على السلام بوصفها ، في مستويين على الأقل، تربية على الحياة. تربية على الحياة كرؤية للعالم تسعى لنزع فتيل الأزمات والحروب ومواجهة العدوانية والتوتر في مستوى الأفراد والمجتمعات والإنسانية جمعاء.وهي أيضا تربية على الحياة لأن التربية على السلام لا تنفصل عن التربية على حقوق الإنسان وعلى الإيمان بالتنمية المستدامة.

ذلك أن الحديث عن التربية على السلام قد بدأ في فترة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وتحول إلى مسألة ملحة بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت استعمال السلاح النووي مع ما يمثله من خطر جسيم على الإنسانية. وانطلاقا من سنة 1974 أصبحت التربية على السلام موضوعا مطروحا كبرنامج يتعين وضع الآليات الكفيلة بتحويله إلى توجهات وسياسات يقع تنزيلها في الحياة المدرسية. وأكد المؤتمر العالمي للتربية في دورته الرابعة والأربعين والتي انعقدت سنة 1994 هذا الرهان.

ولكن هناك عدة إشكاليات تحيط بالتربية على السلام و تكاد تفرغها من محتواها و هو ما يفرض التطرق إليها لأن كل ممارسة تربوية لا تواجه ما يعترضها من عوائق وعراقيل تحكم على نفسها بالفشل وغالبا ما تؤدي إلى نتائج مناقضة تماما لما أرادت تحقيقه. وفي تقديري فإن أهم العوائق التي تنتصب أمام الإيمان بأهمية التربية على السلام في المجال التربوي التونسي تتمثل في:

- هيمنة آليات وعقلية التلقين والنقل على آليات وعقلية التجريب والعقل وهذا يجعل العملية التعليمية والتربوية تتمحور حول مواد و نصوص وتهمل مستجدات تؤثر في حياة المتعلم ولكنه لا يجدها أمامه في الفضاء المدرسي يمكن أن نذكر على سبيل الذكر لا الحصر التربية على حقوق الإنسان والتربية على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وحين نضيف إلى ذلك تراجع التنشيط الرياضي والثقافي في المؤسسات التعليمية في السنوات الأخيرة ندرك أن المجال قد ضاق بشكل كبير أمام فرص التربية على السلام في الوقت الحاضر.

- حضور التفسير التآمري وهو الذي يجعل الكثير من المثقفين والفاعلين في الحقل التربوي ينظرون لكل أمر مستجد على أنه استهداف لمكونات شخصيتنا وثقافتنا ووجودنا. ويتغذى هذا التفسير من نقص الإطلاع على أهداف وفلسفة التربية على السلام ومن السياق الإيديولوجي المتسم أساسا بهيمنة منطق الإقصاء والقطيعة ونفي الاختلاف.

- تصور عدد من المثقفين والفاعلين في الحقل التربوي أن التربية على السلام هي أداة لتنشئة جيل يتخلى عن مقومات هويته وعن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال وللتخلي عن دعم فلسطين وللتطبيع مع الكيان الصهيوني. يفوت هؤلاء أن التربية على السلام تقوم على نبذ العنصرية والتطرف وأن الوعي بالحقوق والواجبات هو من أهم أركانها وأنها لا تقبل أي شكل من أشكال العنف والاستعمار وهو ما يجعلها أداة من أدوات نصرة الشعوب المستعمرة وخاصة الشعب الفلسطيني.

- هناك انطباع لدى البعض أن التربية على السلام لا تنسجم مع تعاليم الدين الإسلام. وهذا الانطباع هو من قبيل الرأي السائد الذي لا يستند إلى معطيات دقيقة وتكفي الإشارة إلى أن السلام هو أحد أسماء الله الحسنى وإلى أن التحية في الإسلام تبدأ بعبارة " السلام" وإلى الآيات القرآنية التي تعتبر أن الاختلاف هو أساس الاجتماع الإنساني لأنه يدفع الناس للتعارف للتأكد من ذلك

التربية على السلام هي مشروع لمجتمعات أقل عنفا وعدوانية لأنها حسب تعريف " اليونيسيف " " تنشئة الأفراد على تفضيل الممارسات السلمية في حياتهم اليومية " وهو ما يتولد عنه عمل تربوي يهدف إلى تنشئة إنسان قادر على:

- التفكير الناقد

- تقبل الآخر

- تحمل الاختلاف

- القيام بالنقد الذاتي وتحمل المسؤولية.

وهذا الإنسان له

- ثقة بالنفس-

- شجاعة في إبداء الرأي

- وعي بحقوقه وواجباته.

هذا يعني أن التربية على السلام هي عمل هدفه التصدي لكل مظاهر التوتر الفردي والاجتماعي وفي العلاقة بين الدول لأن هذه المظاهر تؤدي إلى هدر للجهد و الطاقة والإمكانيات والموارد بما يجعل حياة الأفراد والجماعات في خطر.

هشام الحاجي

اعلامي وبرلماني سابق