إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بمناسبة الاحتفال بيومها الوطني في 3 ماي من كل سنة.. "الدبلوماسية التونسية بين واقع الحال و التحديات المستقبلية" 2/1

 

بقلم : الحبيب الذوادي

استندت السياسة الخارجية التونسية بعد بعث وزارة الشؤون الخارجية التونسية سنة 1956 وعلى اثر تولي الحبيب بورقيبة حقيبة وزارة الشؤون الخارجية في 15/04/1956 برسمه توجهات الدبلوماسية التونسية على المدى البعيد على جملة من المبادئ والثوابت التي تركزت حول حرص تونس الدائم كدولة محبة للسلام بالتعلق بالشرعية الدولية لأجل تقوية أسباب التسامح والتضامن بين الشعوب والدول ،مع حرصها على تغليب منطق الحوار والتفاوض ، واستعمال الوسائل السلمية لفض الخلافات والنزاعات الدولية ، والتزامها بعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية ، ومحافظتها على نصرة القضايا العادلة من أهمها القضية الفلسطينية ، والشعوب الإفريقية في قضياها ضد الاستعمار والتمييز العنصري ...هكذا تحركت الدبلوماسية التونسية منذ انبعاثها مؤكدة حضورها القوي قصد إشعاعها مغاربيا ،عربيا ، إفريقيا متوسطيا وعالميا بعد أن نجحت بربط علاقات صداقة وتعاون مع البلدان الأجنبية ، والمؤسسات والمنظمات الدولية في عديد الميادين منها السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...

 تعتبر الدبلوماسية التونسية خط الدفاع الأول عن تونس ،وأمنها وسيادتها ، إلا أن تونس عرفت مأزقا تمثل في بروز الدبلوماسية الموازية في إطار النشوة بالثورة التونسية ، وقد تجسد ذلك حينها من خلال زيارة بعض النواب سنة 2012 دمشق دون إعلام رئاسة الجمهورية أو الخارجية التونسية والالتقاء برئيس النظام السوري ، وما لاحظناه أيضا من تسابق لقيادات حزبية حينها ، وأعضاء البرلمان لإصدار مواقف دبلوماسية وفق أجنداتهم الخاصة في بعض الأزمات السياسية والحروب التي عصفت بدول عربية (ليبيا ، اليمن ، سوريا ) الشيء الذي شكل حينها تجاوزات للدولة التونسية التي كان يمكن حينها أن تقوض علاقات تونس الخارجية .

لذا عملت بلادنا إثرها إلى إن الارتقاء بالدبلوماسية التونسية، واغتنام كل الأطر والآليات على المستوى الإقليمي والدولي من أجل مزيد الدفاع عن مصالح بلادنا وكسب مزيد من الدعم لتجربتها الديمقراطية ولمزيد إشعاع حضورها الدولي الذي من شأنه أن يسهم في مزيد الاعتراف الدولي بمكاسبها ، شاركت تونس في أفريل 2020 في الخصوص بجلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي حول تداعيات جائحة كورونا على الأمن والسلام الدولي ، حيث أكد حينها موقف الوفد التونسي بمبادرة رئيس الجمهورية التونسية منذ انتشار الوباء إلى ضرورة اضطلاع الأمم المتحدة وفي مقدمتها مجلس الأمن وكل الهيئات الدولية بمسؤولياتها الكاملة في مواجهة هذا الخطرغير المسبوق الذي لا يعترف بالحدود البشرية ، و يتهدد البشرية قاطبة واقتصاديات الشعوب ، فهذا الوباء لا بد من معالجته وفق رؤية جديدة تقوم على تضامن وآليات عمل دولية مستحدثة ترتقي إلى مستوى تحديات المرحلة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات وأوضاع جميع الشعوب دون استثناء .

 أما بخصوص علاقات تونس مع الدول العربية ولمزيد تعزيز حضورها العربي على مختلف الأصعدة و تزامنا مع إحياء ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية 01/11/1954 وتحت شعار " لم الشمل" حضر الرئيس التونسي قيس سعيد القمة العربية التي انعقدت في 01/11/2022 بعد 3 سنوات من قمة تونس سنة 2019 دعا الرئيس التونسي حينها القادة العرب الحاضرون في القمة وخلال تسليم رئاسة أشغال القمة الواحدة والثلاثون للرئيس الجزائري تأكيده على أن الدبلوماسية التونسية لم تدخر جهدا خلال ترؤسها للقمة العربية في دورتها 30 على إعلاء الصوت العربي الموحد ، ولم تدخر جهدا على أن تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات الدولية خلال الاستحقاقات الإقليمية ، والدولية وحتى الثنائية... مع عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن خلال سنتي 2020 و 2021... مستندة في ذلك على ثوابت سياستها الخارجية منذ الاستقلال والدفاع عن قيم الحق والعدل حتى لا تكون المجموعة العربية على الهامش ، فلا حساب لتونس سوى نصرة الشعوب العربية وحشد الدعم لها بالتنسيق مع الأشقاء وفي مقدمة هذه القضايا ملف الحق الفلسطيني الذي كان حاضرا في مختلف الاجتماعات والاستحقاقات حتى لا تغيب فلسطين عن دائرة الاهتمام مؤكدا رئيس الجمهورية قيس سعيد في الخصوص أنه حق لا يسقط بالتقادم والسلام لا يعم إلا بإعلاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، أما بخصوص الملف الليبي فدعا حينها إلى أن الحل لا بد أن يكون ليبيا ليبيا ،يوحد الليبيين حول مشروع وطني بقيادة ليبية بعيدا عن أي تدخل خارجي كما دعا إلى بناء نظام اقتصادي مشترك إزاء التقلبات الدولية لتحقيق الاكتفاء الغذائي إزاء التقلبات الراهنة وإلى مزيد تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة العربية وضرورة إصلاحه ليكون قادرا على تقديم المقترحات للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها شعوبنا حتى يتم استعادة ثقة الشباب ليكون مصدرا لخلق الثروة عوض أن يقع ضحية الإرهاب و بائعي الأوهام في الهجرة غير النظامية .

 ومن جهة أخرى وبخصوص علاقات تونس مع المشروع الفرانكفوني نجدها أولت اهتماما موصولا حيث مثلت الفرانكفونية إطارا ملائما لإثراء الموروث الثقافي والحضاري وأداة ناجحة لتعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع مختلف الدول بهذا الفضاء ، فجزيرة جربة التونسية استضافت يومي 19 و 20 نوفمبر 2022 الأشغال الرسمية للدورة 18 للقمة الفرانكفونية التي تزامنت مع الاحتفال بالذكرى 50 لإنشاء المنظمة بحضور كبار القادة من رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ... ولقد تمت المصادقة في 20/11/2022 على إعلان جربة للقمة الفرانكفونية ومن بين ما تضمنه الإعلان حلولا من أجل الخروج من الأزمات وتدعيم السلم داخل الفضاء الفرانكفوني ومن دون شك ستخول هاته القمة لتونس لتدخل في شراكات و برامج تعاون واستثمار مع عديد البلدان لما يتوفر لها من مكاسب طبيعية ومناخية وبشرية ، مما يجعلها قبلة للاستثمار الأجنبي في ظل ما يعرفه عالمنا من تغيرات وإعادة تشبك دولي جديد.

إن عالمنا اليوم يعرف أزمة استعراض قوة تموقع جديد على الساحة الجيوسياسية هي بالأساس بين روسيا وأمريكا ، وبالتأكيد فان المعركة الحاصلة اليوم في شرق أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا هي نزال من أجل نظام عالمي جديد لكن نلحظ من الجهة الأخرى صعود الصين كقوة فاعلة سياسيا على المسرح الدولي وسعيها للتموقع على الساحة الجيوسياسية ومزيد سعيها لتعميق روابطها مع موسكو وسعيها لإرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يقطع مع الأحادية القطبية ، ففي ظل التحديات التي تعرفها المنطقة العربية اليوم ، حضرت تونس القمة العربية الصينية للتعاون و التنمية المنعقدة بالرياض بالمملكة السعودية من 8 إلى 10 ديسمبر 2022 والتي يمكن اعتبارها تؤسس لمرحلة جديدة بين الدول العربية والصين القائمة على التعاون والصداقة والاحترام المتبادل في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك لتحقيق مستقبل الشعوب العربية مع الطرف الصيني ،ومن أجل فتح طريق جديدة في التاريخ خصوصا بعد بلوغ العولمة مداها ،وقد أكد الرئيس التونسي في كلمته خلال هاته القمة أنه لا تنمية دون سلام ولا سلام للجميع دون تنمية عادلة حقيقية وملموسة في عالمنا اليوم الذي عانى من ويلات الحروب والنزاعات والمجاعات ودون شك فان التكتل العربي الصيني الحاصلة ولادته بالمملكة العربية السعودية مؤخرا سيعزز مقولة التعددية القطبية .

باحث و ناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

بمناسبة الاحتفال بيومها الوطني في 3 ماي من كل سنة

"الدبلوماسية التونسية بين واقع الحال و التحديات المستقبلية"2/2

بقلم : الحبيب الذوادي

يعتبر العمل الدبلوماسي أداة لخدمة السياسة الخارجية للدولة ،ولقد عرفت الدبلوماسية التونسية منذ انبعاثها فترات متنوعة أولها قبل حصول بلادنا على استقلالها حيث سعى عديد الشخصيات التونسية الفاعلة مثل الحبيب بورقيبة -فرحات حشاد والمنجي سليم... من خلال جهدهم الدبلوماسي بالتعريف بالقضية الوطنية بمختلف المحافل الدولية أثمر ذلك بحصول بلادنا على استقلالها حينها أسس بورقيبة لدبلوماسية الدولة التونسية وثوابتها المعروفة وأبرزها انخراطها في الدور العالمي وبدورها الايجابي وخصوصا مواقفها الصائبة في القضايا العادلة ، إلا أن الدبلوماسية التونسية تراجعت مع بن علي وأصبحت في خدمة شخصنة الحكم ، فكانت خافتة اللون فتونس عرفت حينها عدم احترام حقوق الإنسان ... نتج على إثرها اضمحلال وانحدار للدور الديبلوماسي التونسي ، و في فترة ما بعد الثورة كانت لتونس فرصة لإعادة مكانتها في العالم ، و لكن بسرعة كبيرة لما استقر حكم الترويكا انخرطت دبلوماسيتها في سياسة المحاور ، وأخذت مواقف غير محايدة ، ما خلق نوع من الرداءة لسياسة الخارجية التونسية والتي كانت غير مجدية من الناحية الوطنية .

بعد 25 جويلية 2021 توفرت للدبلوماسية التونسية مناخات سياسية جديدة ، فرغم أن البعض يرى أن تونس انعزل عن سياقها الدولي خصوصا بعد أن طالب سياسيون أمريكيون في رسالة وجهوها إلى الرئيس الأمريكي جون بإيدن بضرورة الضغط على الرئيس التونسي من جديد بهدف إعادة تونس إلى الحكم الديمقراطي ومعارضتها للنظام السياسي الحالي، والعمل على جر الدولة التونسية إلى مربع التطبيع مع إسرائيل بسعي أمريكا المتواصل من خلال عملية الابتزاز لإدامة الأزمة الاقتصادية بتونس ، الشيء الذي يعتبر تدخلا سافرا من طرفها في شؤوننا الوطنية وخرقا للمواثيق الدولية التي تمنع هاته الممارسات بهدف عدم منح بلادنا قرضا من صندوق النقد الدولي أو فرض أملاءات في الغرض ، فلا تنازل عن السيادة الوطنية الشيء الذي أكده رئيس الجمهورية التونسية في عديد المناسبات ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا من خلال تحصين بلادنا اقتصاديا حتى لا تكون رهينة الابتزاز الدولي إلى جانب المحافظة على السيادة المعرفية والعلمية والثقافية التي تكون هوية الأوطان وخصوصية الشعوب .

كذلك الشأن بالنسبة لملف الهجرة غير النظامية فتونس دولة حرة وذات سيادة تدافع دوما عن حدودها مع الطرف الأوروبي ولا تريد أن تقبل أية محاولة لفرض الأمر الواقع بعد أن عرفت بلادنا دعاية صاخبة التي حولتها لدولة عنصرية ، وحولت تونس لبلد مغلق ، وهو البلد الذي تتعايش فيه الثقافات بسلام على اختلافها ، فمن الضروري مضاعفة الجهود للتصدي للدعاية المعادية فتونس تؤكد دوما بأنها جزء من الحل في علاقة بقصية الهجرة عير النظامية وأنها لن تنقاد إلى تنفيذ السياسات الأجنبية التي تنضج بالأنانية والتي تريد أن ترمي بكل الثقل على البلاد التونسية التي تعاني من المشاكل ، و تحولها إلى دور الشرطي دون مرتب يحرس المياه الأوروبية ويمنع تدفق اللاجئين إليها ، ففي الخصوص تدعو تونس الدول الأوروبية إلى ضرورة تحملها مسؤولية الهجرة غير النظامية كبقية الدول بحيث تحولت أنظار الغرب لاحقا لتونس وخلال الفترة الحالية بدعوتها لضخ التمويلات لدفع الاقتصاد التونسي بدل الاقتصار على التغافل مع هذا الملف من الجانب الأمني فقط .

كما قامت تونس بعد اتهامها بالعنصرية بأنه أمر لا يستقيم ومرفوض بل إن تونس تحرص على تطبيق قوانينها على غرار قانون إقامة الأجانب بوصفها دولة ذات سيادة مسؤولة على سلامة كل من يعيش على أراضيها وقد قامت الدبلوماسية التونسية بعديد التحركات مع سفراء البلدان الإفريقية لتوضيح الموقف التونسي ،كما تمكنت تونس من إعادة العلاقات التونسية السورية مؤخرا إلى مسارها الطبيعي ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في الخصوص ، إلى جانب الدور الذي تلعبه الدبلوماسية التونسية اليوم لتوضيح ورفع اللبس بخصوص الإيقافات الأخيرة على خلفية التآمر على امن الدولة الداخلي حيث اعتبرت تونس أن تصريحات الجهات الأجنبية بخصوص الإيقافات الأخيرة مجانبة للصواب وتمس من استقلال القضاء التونسي وتونس لم تنتقد الوضع الحقوقي في أية دولة أخرى . من دون شك نتعرض تونس اليوم لانتقادات إقليمية ودولية حادة في ظل توتر علاقاتها الدبلوماسية بأطراف عدة بعضها حليف البلاد منذ استقلالها سنة 1956 ومن المؤكد أن البيت الدبلوماسي التونسي بصدد الترميم اليوم ومتجها في الاتجاه الصحيح من خلال التمسك بعدم السماح للتدخل الأجنبي في شأننا الوطني إيمانا من بلادنا أنه باحترام السيادة الوطنية يتم الانفتاح على السياسة الدولية وفهم المعضلات الإقليمية والدولية (اقتصاد-بيئة تعاون دولي....) من أجل علاقات وتعاون دولي قويين ومن دون شك فان الدبلوماسية الذكية هي التي تصنع الشركاء والأصدقاء وتضيق حلقة الأعداء والخصوم ،ففي الصدد دعا وزير الخارجية الايطالي وحث المانحة على دعم الاقتصاد التونسي للحيلولة دون وقوعها في دائرة النفوذ الروسي والصيني وذلك على اثر المخاوف الغربية من توجه تونس شرقا وهي الحليف التقليدي في منطقة شمال إفريقيا للولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي .

فملفات عديدة مطروحة على طاولة وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج اليوم لعل أهمها ملف الحركة الدبلوماسية المعطلة باعتبارها أنها لم تجر كما هو متعارف عليه خلال سنتين 2021 و 2022 إضافة إلى الإصلاحات ، وملف الحارق المتعلق بالشغورات المسجلة في السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية باعتبارانه لدى تونس علاقات خارجية مع أكثر من 120 دولة حول العالم ، مع ضرورة حرص الوزارة بضرورة تغيير طريقة التعاطي مع السياسة الدبلوماسية وإعطائها النجاعة المطلوبة سياسيا واقتصاديا بالأساس لا سيما في ظل الصعوبات التي تعرفها بلادنا اليوم وانتظارات الجميع لتفعيل اتفاقيات التعاون والشراكة التي تم إبرامها في ظل قمة "تيكاد 8" التي احتضنتها بلادنا في أوت الماضي ، وأيضا الاتفاقيات المبرمة مع البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان باللغة الفرنسية في إطار القمة الفرانكفونية الأخيرة بجربة ، إضافة للدور المهم المتعين على الدبلوماسية لعبه في حلحلة الأزمة الاقتصادية التي تعرفها بلادنا ودورها في جلب الاستثمارات الخارجية ومعالجة القضايا العالقة في علاقة بالملفات التونسية وفي مقدمتها ما يتعلق بالجهات المانحة أو ما يتعلق بالجالية التونسية بالخارج بشكل عام.

باحث و ناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

 

 

 

 

 

بمناسبة الاحتفال بيومها الوطني في 3 ماي من كل سنة..  "الدبلوماسية التونسية بين واقع الحال و التحديات المستقبلية" 2/1

 

بقلم : الحبيب الذوادي

استندت السياسة الخارجية التونسية بعد بعث وزارة الشؤون الخارجية التونسية سنة 1956 وعلى اثر تولي الحبيب بورقيبة حقيبة وزارة الشؤون الخارجية في 15/04/1956 برسمه توجهات الدبلوماسية التونسية على المدى البعيد على جملة من المبادئ والثوابت التي تركزت حول حرص تونس الدائم كدولة محبة للسلام بالتعلق بالشرعية الدولية لأجل تقوية أسباب التسامح والتضامن بين الشعوب والدول ،مع حرصها على تغليب منطق الحوار والتفاوض ، واستعمال الوسائل السلمية لفض الخلافات والنزاعات الدولية ، والتزامها بعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية ، ومحافظتها على نصرة القضايا العادلة من أهمها القضية الفلسطينية ، والشعوب الإفريقية في قضياها ضد الاستعمار والتمييز العنصري ...هكذا تحركت الدبلوماسية التونسية منذ انبعاثها مؤكدة حضورها القوي قصد إشعاعها مغاربيا ،عربيا ، إفريقيا متوسطيا وعالميا بعد أن نجحت بربط علاقات صداقة وتعاون مع البلدان الأجنبية ، والمؤسسات والمنظمات الدولية في عديد الميادين منها السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...

 تعتبر الدبلوماسية التونسية خط الدفاع الأول عن تونس ،وأمنها وسيادتها ، إلا أن تونس عرفت مأزقا تمثل في بروز الدبلوماسية الموازية في إطار النشوة بالثورة التونسية ، وقد تجسد ذلك حينها من خلال زيارة بعض النواب سنة 2012 دمشق دون إعلام رئاسة الجمهورية أو الخارجية التونسية والالتقاء برئيس النظام السوري ، وما لاحظناه أيضا من تسابق لقيادات حزبية حينها ، وأعضاء البرلمان لإصدار مواقف دبلوماسية وفق أجنداتهم الخاصة في بعض الأزمات السياسية والحروب التي عصفت بدول عربية (ليبيا ، اليمن ، سوريا ) الشيء الذي شكل حينها تجاوزات للدولة التونسية التي كان يمكن حينها أن تقوض علاقات تونس الخارجية .

لذا عملت بلادنا إثرها إلى إن الارتقاء بالدبلوماسية التونسية، واغتنام كل الأطر والآليات على المستوى الإقليمي والدولي من أجل مزيد الدفاع عن مصالح بلادنا وكسب مزيد من الدعم لتجربتها الديمقراطية ولمزيد إشعاع حضورها الدولي الذي من شأنه أن يسهم في مزيد الاعتراف الدولي بمكاسبها ، شاركت تونس في أفريل 2020 في الخصوص بجلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي حول تداعيات جائحة كورونا على الأمن والسلام الدولي ، حيث أكد حينها موقف الوفد التونسي بمبادرة رئيس الجمهورية التونسية منذ انتشار الوباء إلى ضرورة اضطلاع الأمم المتحدة وفي مقدمتها مجلس الأمن وكل الهيئات الدولية بمسؤولياتها الكاملة في مواجهة هذا الخطرغير المسبوق الذي لا يعترف بالحدود البشرية ، و يتهدد البشرية قاطبة واقتصاديات الشعوب ، فهذا الوباء لا بد من معالجته وفق رؤية جديدة تقوم على تضامن وآليات عمل دولية مستحدثة ترتقي إلى مستوى تحديات المرحلة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات وأوضاع جميع الشعوب دون استثناء .

 أما بخصوص علاقات تونس مع الدول العربية ولمزيد تعزيز حضورها العربي على مختلف الأصعدة و تزامنا مع إحياء ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية 01/11/1954 وتحت شعار " لم الشمل" حضر الرئيس التونسي قيس سعيد القمة العربية التي انعقدت في 01/11/2022 بعد 3 سنوات من قمة تونس سنة 2019 دعا الرئيس التونسي حينها القادة العرب الحاضرون في القمة وخلال تسليم رئاسة أشغال القمة الواحدة والثلاثون للرئيس الجزائري تأكيده على أن الدبلوماسية التونسية لم تدخر جهدا خلال ترؤسها للقمة العربية في دورتها 30 على إعلاء الصوت العربي الموحد ، ولم تدخر جهدا على أن تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات الدولية خلال الاستحقاقات الإقليمية ، والدولية وحتى الثنائية... مع عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن خلال سنتي 2020 و 2021... مستندة في ذلك على ثوابت سياستها الخارجية منذ الاستقلال والدفاع عن قيم الحق والعدل حتى لا تكون المجموعة العربية على الهامش ، فلا حساب لتونس سوى نصرة الشعوب العربية وحشد الدعم لها بالتنسيق مع الأشقاء وفي مقدمة هذه القضايا ملف الحق الفلسطيني الذي كان حاضرا في مختلف الاجتماعات والاستحقاقات حتى لا تغيب فلسطين عن دائرة الاهتمام مؤكدا رئيس الجمهورية قيس سعيد في الخصوص أنه حق لا يسقط بالتقادم والسلام لا يعم إلا بإعلاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، أما بخصوص الملف الليبي فدعا حينها إلى أن الحل لا بد أن يكون ليبيا ليبيا ،يوحد الليبيين حول مشروع وطني بقيادة ليبية بعيدا عن أي تدخل خارجي كما دعا إلى بناء نظام اقتصادي مشترك إزاء التقلبات الدولية لتحقيق الاكتفاء الغذائي إزاء التقلبات الراهنة وإلى مزيد تعزيز المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة العربية وضرورة إصلاحه ليكون قادرا على تقديم المقترحات للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها شعوبنا حتى يتم استعادة ثقة الشباب ليكون مصدرا لخلق الثروة عوض أن يقع ضحية الإرهاب و بائعي الأوهام في الهجرة غير النظامية .

 ومن جهة أخرى وبخصوص علاقات تونس مع المشروع الفرانكفوني نجدها أولت اهتماما موصولا حيث مثلت الفرانكفونية إطارا ملائما لإثراء الموروث الثقافي والحضاري وأداة ناجحة لتعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع مختلف الدول بهذا الفضاء ، فجزيرة جربة التونسية استضافت يومي 19 و 20 نوفمبر 2022 الأشغال الرسمية للدورة 18 للقمة الفرانكفونية التي تزامنت مع الاحتفال بالذكرى 50 لإنشاء المنظمة بحضور كبار القادة من رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ... ولقد تمت المصادقة في 20/11/2022 على إعلان جربة للقمة الفرانكفونية ومن بين ما تضمنه الإعلان حلولا من أجل الخروج من الأزمات وتدعيم السلم داخل الفضاء الفرانكفوني ومن دون شك ستخول هاته القمة لتونس لتدخل في شراكات و برامج تعاون واستثمار مع عديد البلدان لما يتوفر لها من مكاسب طبيعية ومناخية وبشرية ، مما يجعلها قبلة للاستثمار الأجنبي في ظل ما يعرفه عالمنا من تغيرات وإعادة تشبك دولي جديد.

إن عالمنا اليوم يعرف أزمة استعراض قوة تموقع جديد على الساحة الجيوسياسية هي بالأساس بين روسيا وأمريكا ، وبالتأكيد فان المعركة الحاصلة اليوم في شرق أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا هي نزال من أجل نظام عالمي جديد لكن نلحظ من الجهة الأخرى صعود الصين كقوة فاعلة سياسيا على المسرح الدولي وسعيها للتموقع على الساحة الجيوسياسية ومزيد سعيها لتعميق روابطها مع موسكو وسعيها لإرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يقطع مع الأحادية القطبية ، ففي ظل التحديات التي تعرفها المنطقة العربية اليوم ، حضرت تونس القمة العربية الصينية للتعاون و التنمية المنعقدة بالرياض بالمملكة السعودية من 8 إلى 10 ديسمبر 2022 والتي يمكن اعتبارها تؤسس لمرحلة جديدة بين الدول العربية والصين القائمة على التعاون والصداقة والاحترام المتبادل في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك لتحقيق مستقبل الشعوب العربية مع الطرف الصيني ،ومن أجل فتح طريق جديدة في التاريخ خصوصا بعد بلوغ العولمة مداها ،وقد أكد الرئيس التونسي في كلمته خلال هاته القمة أنه لا تنمية دون سلام ولا سلام للجميع دون تنمية عادلة حقيقية وملموسة في عالمنا اليوم الذي عانى من ويلات الحروب والنزاعات والمجاعات ودون شك فان التكتل العربي الصيني الحاصلة ولادته بالمملكة العربية السعودية مؤخرا سيعزز مقولة التعددية القطبية .

باحث و ناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

بمناسبة الاحتفال بيومها الوطني في 3 ماي من كل سنة

"الدبلوماسية التونسية بين واقع الحال و التحديات المستقبلية"2/2

بقلم : الحبيب الذوادي

يعتبر العمل الدبلوماسي أداة لخدمة السياسة الخارجية للدولة ،ولقد عرفت الدبلوماسية التونسية منذ انبعاثها فترات متنوعة أولها قبل حصول بلادنا على استقلالها حيث سعى عديد الشخصيات التونسية الفاعلة مثل الحبيب بورقيبة -فرحات حشاد والمنجي سليم... من خلال جهدهم الدبلوماسي بالتعريف بالقضية الوطنية بمختلف المحافل الدولية أثمر ذلك بحصول بلادنا على استقلالها حينها أسس بورقيبة لدبلوماسية الدولة التونسية وثوابتها المعروفة وأبرزها انخراطها في الدور العالمي وبدورها الايجابي وخصوصا مواقفها الصائبة في القضايا العادلة ، إلا أن الدبلوماسية التونسية تراجعت مع بن علي وأصبحت في خدمة شخصنة الحكم ، فكانت خافتة اللون فتونس عرفت حينها عدم احترام حقوق الإنسان ... نتج على إثرها اضمحلال وانحدار للدور الديبلوماسي التونسي ، و في فترة ما بعد الثورة كانت لتونس فرصة لإعادة مكانتها في العالم ، و لكن بسرعة كبيرة لما استقر حكم الترويكا انخرطت دبلوماسيتها في سياسة المحاور ، وأخذت مواقف غير محايدة ، ما خلق نوع من الرداءة لسياسة الخارجية التونسية والتي كانت غير مجدية من الناحية الوطنية .

بعد 25 جويلية 2021 توفرت للدبلوماسية التونسية مناخات سياسية جديدة ، فرغم أن البعض يرى أن تونس انعزل عن سياقها الدولي خصوصا بعد أن طالب سياسيون أمريكيون في رسالة وجهوها إلى الرئيس الأمريكي جون بإيدن بضرورة الضغط على الرئيس التونسي من جديد بهدف إعادة تونس إلى الحكم الديمقراطي ومعارضتها للنظام السياسي الحالي، والعمل على جر الدولة التونسية إلى مربع التطبيع مع إسرائيل بسعي أمريكا المتواصل من خلال عملية الابتزاز لإدامة الأزمة الاقتصادية بتونس ، الشيء الذي يعتبر تدخلا سافرا من طرفها في شؤوننا الوطنية وخرقا للمواثيق الدولية التي تمنع هاته الممارسات بهدف عدم منح بلادنا قرضا من صندوق النقد الدولي أو فرض أملاءات في الغرض ، فلا تنازل عن السيادة الوطنية الشيء الذي أكده رئيس الجمهورية التونسية في عديد المناسبات ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا من خلال تحصين بلادنا اقتصاديا حتى لا تكون رهينة الابتزاز الدولي إلى جانب المحافظة على السيادة المعرفية والعلمية والثقافية التي تكون هوية الأوطان وخصوصية الشعوب .

كذلك الشأن بالنسبة لملف الهجرة غير النظامية فتونس دولة حرة وذات سيادة تدافع دوما عن حدودها مع الطرف الأوروبي ولا تريد أن تقبل أية محاولة لفرض الأمر الواقع بعد أن عرفت بلادنا دعاية صاخبة التي حولتها لدولة عنصرية ، وحولت تونس لبلد مغلق ، وهو البلد الذي تتعايش فيه الثقافات بسلام على اختلافها ، فمن الضروري مضاعفة الجهود للتصدي للدعاية المعادية فتونس تؤكد دوما بأنها جزء من الحل في علاقة بقصية الهجرة عير النظامية وأنها لن تنقاد إلى تنفيذ السياسات الأجنبية التي تنضج بالأنانية والتي تريد أن ترمي بكل الثقل على البلاد التونسية التي تعاني من المشاكل ، و تحولها إلى دور الشرطي دون مرتب يحرس المياه الأوروبية ويمنع تدفق اللاجئين إليها ، ففي الخصوص تدعو تونس الدول الأوروبية إلى ضرورة تحملها مسؤولية الهجرة غير النظامية كبقية الدول بحيث تحولت أنظار الغرب لاحقا لتونس وخلال الفترة الحالية بدعوتها لضخ التمويلات لدفع الاقتصاد التونسي بدل الاقتصار على التغافل مع هذا الملف من الجانب الأمني فقط .

كما قامت تونس بعد اتهامها بالعنصرية بأنه أمر لا يستقيم ومرفوض بل إن تونس تحرص على تطبيق قوانينها على غرار قانون إقامة الأجانب بوصفها دولة ذات سيادة مسؤولة على سلامة كل من يعيش على أراضيها وقد قامت الدبلوماسية التونسية بعديد التحركات مع سفراء البلدان الإفريقية لتوضيح الموقف التونسي ،كما تمكنت تونس من إعادة العلاقات التونسية السورية مؤخرا إلى مسارها الطبيعي ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في الخصوص ، إلى جانب الدور الذي تلعبه الدبلوماسية التونسية اليوم لتوضيح ورفع اللبس بخصوص الإيقافات الأخيرة على خلفية التآمر على امن الدولة الداخلي حيث اعتبرت تونس أن تصريحات الجهات الأجنبية بخصوص الإيقافات الأخيرة مجانبة للصواب وتمس من استقلال القضاء التونسي وتونس لم تنتقد الوضع الحقوقي في أية دولة أخرى . من دون شك نتعرض تونس اليوم لانتقادات إقليمية ودولية حادة في ظل توتر علاقاتها الدبلوماسية بأطراف عدة بعضها حليف البلاد منذ استقلالها سنة 1956 ومن المؤكد أن البيت الدبلوماسي التونسي بصدد الترميم اليوم ومتجها في الاتجاه الصحيح من خلال التمسك بعدم السماح للتدخل الأجنبي في شأننا الوطني إيمانا من بلادنا أنه باحترام السيادة الوطنية يتم الانفتاح على السياسة الدولية وفهم المعضلات الإقليمية والدولية (اقتصاد-بيئة تعاون دولي....) من أجل علاقات وتعاون دولي قويين ومن دون شك فان الدبلوماسية الذكية هي التي تصنع الشركاء والأصدقاء وتضيق حلقة الأعداء والخصوم ،ففي الصدد دعا وزير الخارجية الايطالي وحث المانحة على دعم الاقتصاد التونسي للحيلولة دون وقوعها في دائرة النفوذ الروسي والصيني وذلك على اثر المخاوف الغربية من توجه تونس شرقا وهي الحليف التقليدي في منطقة شمال إفريقيا للولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي .

فملفات عديدة مطروحة على طاولة وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج اليوم لعل أهمها ملف الحركة الدبلوماسية المعطلة باعتبارها أنها لم تجر كما هو متعارف عليه خلال سنتين 2021 و 2022 إضافة إلى الإصلاحات ، وملف الحارق المتعلق بالشغورات المسجلة في السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية باعتبارانه لدى تونس علاقات خارجية مع أكثر من 120 دولة حول العالم ، مع ضرورة حرص الوزارة بضرورة تغيير طريقة التعاطي مع السياسة الدبلوماسية وإعطائها النجاعة المطلوبة سياسيا واقتصاديا بالأساس لا سيما في ظل الصعوبات التي تعرفها بلادنا اليوم وانتظارات الجميع لتفعيل اتفاقيات التعاون والشراكة التي تم إبرامها في ظل قمة "تيكاد 8" التي احتضنتها بلادنا في أوت الماضي ، وأيضا الاتفاقيات المبرمة مع البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان باللغة الفرنسية في إطار القمة الفرانكفونية الأخيرة بجربة ، إضافة للدور المهم المتعين على الدبلوماسية لعبه في حلحلة الأزمة الاقتصادية التي تعرفها بلادنا ودورها في جلب الاستثمارات الخارجية ومعالجة القضايا العالقة في علاقة بالملفات التونسية وفي مقدمتها ما يتعلق بالجهات المانحة أو ما يتعلق بالجالية التونسية بالخارج بشكل عام.

باحث و ناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت