إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. رحم الله رجلا لا أعرفه

يكتبها: محمد معمري

 

كثيرا منا ولعل من يقرأ هذه الكلمات مثلي عندما يغادرنا رجل أو امرأة إلى عالم أرحب راحلا عن العالم الدنيوي ولا يترك إلا أثره الحميد تجدنا مدفوعين دفعا إلى الحزن عليه أو عليها والترحم على الراحل أو الراحلة وكلنا أسى لأننا لم نعرفه قبل مماته لخصاله المتعددة التي يشهد بها كل من يحبّه وعرفه.

تذكرت ذلك في بداية هذا الأسبوع عندما قرأت ما كُتب عن طبيب القلب والشرايين الراحل مجدي الميموني الذي غادر عالمنا في سن مبكرة (42) سنة،ورغم سنه الصغير نسبيا ترك الرجل أثرا طيبا لمسناه فيما كتبه العديد من سكان منطقة المروج أين توجد عيادته، فالرجل كان طبيبا إنسانا بكل المقاييس يجيب دعوة المريض ويغيثه دون مقابل بل ويسعى إلى تقديم المساعدة المطلوبة إن كان يحتاجها.

ما قرأت عن الدكتور مجدي الميموني وعن خصاله جعلني متأسفا على وفاته ومتأسفا لأنني لم أعرف رجلا مثله فرحمه الله وأحسن وفادته ولعل دعوات كل من قدمت لهم خدماتك بابتسامة ورفق وطيبة ستكون لك إكليلا في العالم الآخر.

هذا الحدث جعلني أتساءل عن جدوى الحياة إذا لم يترك الإنسان أثرا بعده يُذكر به وخصالا محمودة تتحدث عنه في زمن طغت فيه الفردانية والسعي الموتور لجني المكاسب العينية والنقدية، وقد يكون في وفاة الدكتور الميموني درسا للبعض من الأطباء الذين يتعاملون مع مرضاهم وكأنهم مصدر دخل أو آلة سحب آلي جامدة مهمتها أن تمده بالمال فقط، فالطب من أرقى المهن الإنسانية يلتجئ المريض إلى الطبيب باحثا عن شفاء لعلاته، وفى الكثير من الأحيان تكون هذه العلات نفسية أكثر منها فيزيولوجية،فمجرّد الاستقبال الحسن من الطبيب المعالج والابتسامة في وجه المريض والاستماع لشكواه ومحاولة تفسير حالته يمنحه السكينة والطمأنينة، وأذكر هنا ما حدثني به احد من تقاطعت طرقنا في الحياة الراحل الدكتور التيجاني رحمه الله من منطقة القصور في ولاية الكاف وأتأسف عن نسيان لقبه. فقد قال لي رحمه الله أنه أثناء قيامه بتربص في المستشفى العسكري بتونس وكان يومها مكلفا بالعيادات الخارجية لمح زوجة قريب له عسكري متقاعد من الجالسات في العيادة في انتظار دورها، وكان هو يعرفها وهي لا تعرفه. عندما أتى دورها دخلت إلى المكتب وهي تأن فسألها بعد استقبالها عن آلامها فحدثته عن كل أمراض العالم، أخد يضحك طويلا رحمه الله وسألها هل تعرفين فلانة، فقالت نعم، هل تعرفين فلان قالت نعم واستغربت موجهة له السؤال كيف تعرف هؤلاء؟ فابتسم وكانت له ابتسامة محتشمة وقال لها إنه ابن فلانة وابن فلان وهي لا تعرفه، فقال إنها قفزت نحوه تقبل وتضم وتعانق وقد غمرتها سعادة العالم، وبعد حديث قصير عن العائلة وأحوالها سألها حدثيني عن مواطن الألم في جسدك فنظرت له مبتسمة وقالت أنا بخير الآن لا آلام عندي وكانت كلها سرور وحبور باكتشافها أن أحد أقاربها طبيب في المستشفى العسكري.

الحياة مواقف ومواعظ ومن لا يتعظ بما يحصل لن ينال إلا الخسران، وعندما قال العلامة ابن خلدون "إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق"، فهي دعوة إلى التفكر قبل الغرور والتكبر وادعوكم إلى الاستماع إلى أغنية "مشايخ دوارنا" لفرقة أصحاب الكلمة الغنية بالمعاني والحكم.كلنا إلى عالم آخر راحلون ولن يبقى منا إلا بعض الذكر الحسن.

صباح الجمعة.. رحم الله رجلا لا أعرفه

يكتبها: محمد معمري

 

كثيرا منا ولعل من يقرأ هذه الكلمات مثلي عندما يغادرنا رجل أو امرأة إلى عالم أرحب راحلا عن العالم الدنيوي ولا يترك إلا أثره الحميد تجدنا مدفوعين دفعا إلى الحزن عليه أو عليها والترحم على الراحل أو الراحلة وكلنا أسى لأننا لم نعرفه قبل مماته لخصاله المتعددة التي يشهد بها كل من يحبّه وعرفه.

تذكرت ذلك في بداية هذا الأسبوع عندما قرأت ما كُتب عن طبيب القلب والشرايين الراحل مجدي الميموني الذي غادر عالمنا في سن مبكرة (42) سنة،ورغم سنه الصغير نسبيا ترك الرجل أثرا طيبا لمسناه فيما كتبه العديد من سكان منطقة المروج أين توجد عيادته، فالرجل كان طبيبا إنسانا بكل المقاييس يجيب دعوة المريض ويغيثه دون مقابل بل ويسعى إلى تقديم المساعدة المطلوبة إن كان يحتاجها.

ما قرأت عن الدكتور مجدي الميموني وعن خصاله جعلني متأسفا على وفاته ومتأسفا لأنني لم أعرف رجلا مثله فرحمه الله وأحسن وفادته ولعل دعوات كل من قدمت لهم خدماتك بابتسامة ورفق وطيبة ستكون لك إكليلا في العالم الآخر.

هذا الحدث جعلني أتساءل عن جدوى الحياة إذا لم يترك الإنسان أثرا بعده يُذكر به وخصالا محمودة تتحدث عنه في زمن طغت فيه الفردانية والسعي الموتور لجني المكاسب العينية والنقدية، وقد يكون في وفاة الدكتور الميموني درسا للبعض من الأطباء الذين يتعاملون مع مرضاهم وكأنهم مصدر دخل أو آلة سحب آلي جامدة مهمتها أن تمده بالمال فقط، فالطب من أرقى المهن الإنسانية يلتجئ المريض إلى الطبيب باحثا عن شفاء لعلاته، وفى الكثير من الأحيان تكون هذه العلات نفسية أكثر منها فيزيولوجية،فمجرّد الاستقبال الحسن من الطبيب المعالج والابتسامة في وجه المريض والاستماع لشكواه ومحاولة تفسير حالته يمنحه السكينة والطمأنينة، وأذكر هنا ما حدثني به احد من تقاطعت طرقنا في الحياة الراحل الدكتور التيجاني رحمه الله من منطقة القصور في ولاية الكاف وأتأسف عن نسيان لقبه. فقد قال لي رحمه الله أنه أثناء قيامه بتربص في المستشفى العسكري بتونس وكان يومها مكلفا بالعيادات الخارجية لمح زوجة قريب له عسكري متقاعد من الجالسات في العيادة في انتظار دورها، وكان هو يعرفها وهي لا تعرفه. عندما أتى دورها دخلت إلى المكتب وهي تأن فسألها بعد استقبالها عن آلامها فحدثته عن كل أمراض العالم، أخد يضحك طويلا رحمه الله وسألها هل تعرفين فلانة، فقالت نعم، هل تعرفين فلان قالت نعم واستغربت موجهة له السؤال كيف تعرف هؤلاء؟ فابتسم وكانت له ابتسامة محتشمة وقال لها إنه ابن فلانة وابن فلان وهي لا تعرفه، فقال إنها قفزت نحوه تقبل وتضم وتعانق وقد غمرتها سعادة العالم، وبعد حديث قصير عن العائلة وأحوالها سألها حدثيني عن مواطن الألم في جسدك فنظرت له مبتسمة وقالت أنا بخير الآن لا آلام عندي وكانت كلها سرور وحبور باكتشافها أن أحد أقاربها طبيب في المستشفى العسكري.

الحياة مواقف ومواعظ ومن لا يتعظ بما يحصل لن ينال إلا الخسران، وعندما قال العلامة ابن خلدون "إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق"، فهي دعوة إلى التفكر قبل الغرور والتكبر وادعوكم إلى الاستماع إلى أغنية "مشايخ دوارنا" لفرقة أصحاب الكلمة الغنية بالمعاني والحكم.كلنا إلى عالم آخر راحلون ولن يبقى منا إلا بعض الذكر الحسن.