تدهور مستوى الانتاج الدرامي مشكل لا يمكن السكوت عليه
الدراما عند غيرنا اليوم هيم صدر لتحقيق الثروة وللترويج لصورة البلاد
الدراما ليست للاستهلاك الفوري وإنما تأثيرها يمكن أن يكون أكبر مما نتصور
تونس- الصباح
لم يكن رمضان التلفزيوني هذا العام سعيدا. فقد بثت القنوات التلفزيونية في النصف الأول اعمالا لا تؤكد بالمرة التطور الذي تشهده الساحة التمثيلية في البلاد بل يمكن القول أنها تعتبر انتكاسة حقيقية وهي تبعث على الحيرة وتثير تساؤلات حول مستقبل هذا الفن الجماهيري الذي يزداد اقبال الجماهير عليه في رمضان بالذات. أما النصف الثاني من الشهر فقد اعتمدت فيه القنوات الخاصة والعمومية على القديم حتى أن احدى القنوات الخاصة عادت إلى الوراء عشرات السنين لتبث لنا مسلسلا تبدو الشخصيات والاحداث وكأنها قادمة من عصر آخر لبعد المسافة الزمنية ولكثرة التغييرات التي شهدتها البلاد منذ ذلك الحين. وهي في ذلك تتنافس مع القنوات العمومية التي تعتمد في برمجتها بالأساس على الاعادات مستغنية عن الانتاجات الجديدة وهي لا تبدو أنها كجهة انتاج عمومية معنية بأنها بذلك تقفل الباب أمام الكفاءات وتقلل فرص العمل بالنسبة للممثلين وللتقنيين والفنيين الذين توجد من بينهم اسماء جيدة وكفاءات خاصة في مجالات الاخراج والتصوير وغيرها، تسعى عدة دول لاستقطابها والدليل على ذلك أن عددا من أبرز المخرجين غابوا هذا العام في تونس لكنهم اشتغلوا بالخارج ومن بينهم على سبيل الذكر لسعد الوسلاتي ومجدي السميري. وهذان الاسمان يمكنها ان يقدما اضافة كبيرة للدراما التلفزيونية في تونس وقد برهنا من خلال اعمالهما عن امكانيات وعن تصورات جديد وعن ذكاء نفتقده كثيرا في هذا المجال.
وفي هذا الخضم،اعتبر مسلسل فلوجة الذي بثته قناة الحوار التونسي ( 20 حلقة) والذي اخرجته سوسن الجمني وتقمصت فيه نعيمة الجاني وريم الرياحي ومحمد علي بن جمعة وعدة اسماء معروفة في الساحة التونسية وكوكبة من الممثلين الشبان اهم الادوار، عملا ناجحا. وقد اعتبر كذلك في غياب المنافسة وفي ساحة تكاد تكون فارغة. هذا العمل الذي يعتبر متوسطا جدا إذا ما قيمناه من الناحية الفنية والابداعية، حيث لم نلاحظ اداء خارقا للعادة أو احداثا فارقة أو حوارا يبقى في الذاكرة رغم أنه يهتم بقضية تعتبر حارقة في تونس وهو مشاكل المحيط التلمذي الذي تسربت له العديد من الآفات ومن بينها افة المخدرات والعنف المادي والمعنوي، توج بمجموعة من الجوائز في مسابقات دراما رمضان.
فقد منحته إحدى الجهات المنظمة لإحدى هذه المسابقات جائزة افضل عمل درامي إلى جانب عدة جوائز لأحسن ممثلة واحسن ممثل واعد واحسن ممثل وممثلة في دور ثانوي وغيرها. والملاحظ لهذا الكم من الجوائز تخامره العديد من الاسئلة واولها، هل تستحق دراما رمضان هذا العام جوائز؟ وما هو المعنى المقصود من تشجيع عمل هو محل تساؤلات كثيرة حتى أن الجدل الذي أثير حوله اثر بث الحلقات الأولى من المسلسل يدخل وفق العديد من الملاحظين ضمن خطة دعائية واضحة لاستقطاب الجمهور؟
ثم هل يمكن تسمية عمل هو عبارة عن محاكاة لعمل أخر بثته قنوات أجنبية إبداعا؟
ولنا أن نشير إلى أن المشكل لا يكمن في المحاكاة أو التقليد أو تونسة عمل درامي عالمي ناجح، وإنما المشكل في عدم الاشارة إلى ذلك وفي تجنب فريق العمل الاشارة إلى المسألة باية طريقة كانت رغم أن جمهور الشباب المتابع للأعمال الاجنبية وخاصة منها الاعمال التي تهتم بمشاكل المراهقين، مثل مسلسل " يوفوريا " الأمريكي لسام لينفانسون يدرك أن "فلوجة" مستوحى منه، مع العلم أن هناك مصادر تقول أن المسلسل الأمريكي في حد ذاته هو محاكاة لعمل اسرائيلي يحمل نفس الاسم.
ومثل هذه الاعمال التي تعتمد على المحاكاة وتفرض واقعا مختلفا عنا رغم وجود بعض نقاط التشابه، وتعتمد على الاثارة وعلى استدرار عاطفة المشاهدين ( حلقة أولى مثيرة أو هي بمثابة الطعم وحلقة اخيرة تنتصر فيها قوى الخير وتتجه فيه مجريات الامور وفق ما يريده المشاهد ) بعد مجموعة من الحلقات تعتمد على احداث غريبة وكان فيها النسق مملا والحوار بائسا، تتوج في النهاية بمجموعة هامة من الجوائز وتوجه من خلال هذه الجوائز رسائل مفادها أن هذه البضاعة الفنية هي التي ينبغي أن تكون نموذجا يحتذى والحال أن الانتاج الدارمي هذا العام يبعث وبدون مبالغة على البكاء.
فحتى مسلسل " الجبل الأحمر " الذي بثته القناة الوطنية الأولى وانتهى بمشكلة تتعلق بعدد الحلقات التي يتضمنها، خيب الآمال وفوت الفرصة على الجماهير لمشاهدة عمل تتوفر فيه على الأقل المقومات الأساسية للإعمال الدرامية الجادة.
فالمسلسل وفق فريق العمل يتضمن 24 حلقة لكن القناة لم تبث إلا 20 منها ولم تفسر لماذا تخلت عن العمل رغم أن الاحداث لم تنته. وطبيعي أن يخسر هذا العمل المنافسة وهو الذي ورغم قيمة الطاقم التمثيلي على غرار فتحي الهداوي ونادية بوستة ونصر الدين السهيلي والشاذلي العرفاوي ومحمد السياري وغيرهم، ورغم الإجماع حول قدرات المخرج ربيع التكالي، جعل مهمة المشاهد صعبة جدا. فمن الواضح أن هناك خللا جسيما على مستوى المونتاج جعل الاحداث متقطعة واغلب المشاهد غير منسجمة. وقد كان من الممكن أن ينجح الجبل الاحمر وأن يشهد نفس نجاح مسلسل المايسترو( انتاج التلفزة الوطنية ، تأليف عماد الدين الحكيم واخراج لسعد الوسلاتي) الذي يبقى علامة ناصعة في تاريخ الدراما التونسية. فالفكرة جيدة جدا وهو يفترض أن يكون من الاعمال التي تندرج ضمن الواقعية الجديدة التي تعتبر من الاعمال الفنية الهادفة والتي تضمن الفرجة الجيدة. وقصة حي شعبي مثل الجبل الأحمر لا يمكن إلا أن تكون مثيرة للاهتمام لكن المعالجة الفنية لم ترتق إلى مستوى الانتظارات ويبدو أن الطموح كان اكبر بكثير من الامكانيات. ولعل التصريحات التي صدرت عن عدد من الممثلين من بينهم نادية بوستة ومحمد السياري اللذان أكدا أن ظروف العمل كانت صعبة وأن الممثلين ( على الاقل بعضهم ) لم يحصلوا على اجورهم في الابان، تؤكد هذا الأمر. فالعمل مر بعديد الصعوبات دون أن ننسى تلك العادة السيئة لدى التلفزة الوطنية المتمثلة في اتخاذ القرار بشأن اختيار اعمال رمضان في آخر وقت، التي تزيد في تعقيد الامور وقد اجتمعت اذن الاسباب لتجعل مسلسل الجبل الاحمر غير قادر على رفع التحدي.
ونعتقد أن هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه. فعديد البلدان من حولنا تمكنت من تحقيق اهداف عديدة بفضل انتاجها الدرامي. فالدراما في تركيا مثلا اصبحت مصدرا هاما للثروة وهي احد اهم الوسائل للترويج لصورة البلاد. والجماهير العربية اليوم مطلعة على تاريخ تركيا بكل تفاصيله وهي تتشرب كل ما يروج حول هذا التاريخ بما فيه من حقائق ومبالغات كذلك. والجماهير العربية تعرف كل شيء عن جغرافيا هذا البلد بفضل انتاجها الدرامي. وقد تمكنت العديد من البلدان العربية من جهتها من فرض نفسها بفضل ما تنتجه من اعمال تلفزيونية وأساسا الدرامية، فما الذي يحول دوننا ودون النسج على منوال البلدان الناجحة وبلادنا لديها امكانيات كبيرة خاصة على مستوى الطاقات الابداعية التي تمكنها من كسب التحدي. ونعتقد أنه ليس من حقنا، خاصة بعد أن فهمنا مدى تأثير الانتاج الدرامي في الجماهير، وايضا بعد أن انجزنا بعض التجارب المعقولة التي تقتات عليها بعض القنوات اليوم ( انتاجات جيدة في التسعينات وبداية الالفية الثانية)، أن نتراجع بهذا الشكل وأن نقدم اعمالا ممسوخة. ليس هذا فحسب وإنما نعمد ايضا إلى تتويجها وكأنها نموذجا للنجاح الحقيقي.
إننا وأن كنا نحترم كل المبادرات ونفهم منطلقات بعضهم ورغبتهم في تشجيع الانتاج الدرامي التونسي، لكننا ومن وجهة نظرنا كنا نحبذ أن تحجب الجوائز هذا العام، لعل ذلك يكون سببا في التنبيه إلى خطورة الوضع. لعل ذلك يكون حافزا لدفع القنوات إلى عدم استسهال الموضوع. فالقضية متعلقة بأعمال لها تأثيرها في الناس ولها انعكاسات قد تكون أكبر مما نتصور. فالمواقف التي نشاهدها في الاعمال الدرامية يمكن أن تكون مؤثرة، بل هي مؤثرة. والهيئات كذلك حتى أن مظهر بعض الممثلين يمكن أن يصبح مثالا يقتدى به في الواقع. وبالتالي، فإن الدراما ليست مجرد منتوج للاستهلاك الفوري وإنما لها تأثير عميق ويصبح خطرها اكبر عندما تكون الاختيارات قليلة على غرار ما يحدث في تونس.
حياة السايب
تدهور مستوى الانتاج الدرامي مشكل لا يمكن السكوت عليه
الدراما عند غيرنا اليوم هيم صدر لتحقيق الثروة وللترويج لصورة البلاد
الدراما ليست للاستهلاك الفوري وإنما تأثيرها يمكن أن يكون أكبر مما نتصور
تونس- الصباح
لم يكن رمضان التلفزيوني هذا العام سعيدا. فقد بثت القنوات التلفزيونية في النصف الأول اعمالا لا تؤكد بالمرة التطور الذي تشهده الساحة التمثيلية في البلاد بل يمكن القول أنها تعتبر انتكاسة حقيقية وهي تبعث على الحيرة وتثير تساؤلات حول مستقبل هذا الفن الجماهيري الذي يزداد اقبال الجماهير عليه في رمضان بالذات. أما النصف الثاني من الشهر فقد اعتمدت فيه القنوات الخاصة والعمومية على القديم حتى أن احدى القنوات الخاصة عادت إلى الوراء عشرات السنين لتبث لنا مسلسلا تبدو الشخصيات والاحداث وكأنها قادمة من عصر آخر لبعد المسافة الزمنية ولكثرة التغييرات التي شهدتها البلاد منذ ذلك الحين. وهي في ذلك تتنافس مع القنوات العمومية التي تعتمد في برمجتها بالأساس على الاعادات مستغنية عن الانتاجات الجديدة وهي لا تبدو أنها كجهة انتاج عمومية معنية بأنها بذلك تقفل الباب أمام الكفاءات وتقلل فرص العمل بالنسبة للممثلين وللتقنيين والفنيين الذين توجد من بينهم اسماء جيدة وكفاءات خاصة في مجالات الاخراج والتصوير وغيرها، تسعى عدة دول لاستقطابها والدليل على ذلك أن عددا من أبرز المخرجين غابوا هذا العام في تونس لكنهم اشتغلوا بالخارج ومن بينهم على سبيل الذكر لسعد الوسلاتي ومجدي السميري. وهذان الاسمان يمكنها ان يقدما اضافة كبيرة للدراما التلفزيونية في تونس وقد برهنا من خلال اعمالهما عن امكانيات وعن تصورات جديد وعن ذكاء نفتقده كثيرا في هذا المجال.
وفي هذا الخضم،اعتبر مسلسل فلوجة الذي بثته قناة الحوار التونسي ( 20 حلقة) والذي اخرجته سوسن الجمني وتقمصت فيه نعيمة الجاني وريم الرياحي ومحمد علي بن جمعة وعدة اسماء معروفة في الساحة التونسية وكوكبة من الممثلين الشبان اهم الادوار، عملا ناجحا. وقد اعتبر كذلك في غياب المنافسة وفي ساحة تكاد تكون فارغة. هذا العمل الذي يعتبر متوسطا جدا إذا ما قيمناه من الناحية الفنية والابداعية، حيث لم نلاحظ اداء خارقا للعادة أو احداثا فارقة أو حوارا يبقى في الذاكرة رغم أنه يهتم بقضية تعتبر حارقة في تونس وهو مشاكل المحيط التلمذي الذي تسربت له العديد من الآفات ومن بينها افة المخدرات والعنف المادي والمعنوي، توج بمجموعة من الجوائز في مسابقات دراما رمضان.
فقد منحته إحدى الجهات المنظمة لإحدى هذه المسابقات جائزة افضل عمل درامي إلى جانب عدة جوائز لأحسن ممثلة واحسن ممثل واعد واحسن ممثل وممثلة في دور ثانوي وغيرها. والملاحظ لهذا الكم من الجوائز تخامره العديد من الاسئلة واولها، هل تستحق دراما رمضان هذا العام جوائز؟ وما هو المعنى المقصود من تشجيع عمل هو محل تساؤلات كثيرة حتى أن الجدل الذي أثير حوله اثر بث الحلقات الأولى من المسلسل يدخل وفق العديد من الملاحظين ضمن خطة دعائية واضحة لاستقطاب الجمهور؟
ثم هل يمكن تسمية عمل هو عبارة عن محاكاة لعمل أخر بثته قنوات أجنبية إبداعا؟
ولنا أن نشير إلى أن المشكل لا يكمن في المحاكاة أو التقليد أو تونسة عمل درامي عالمي ناجح، وإنما المشكل في عدم الاشارة إلى ذلك وفي تجنب فريق العمل الاشارة إلى المسألة باية طريقة كانت رغم أن جمهور الشباب المتابع للأعمال الاجنبية وخاصة منها الاعمال التي تهتم بمشاكل المراهقين، مثل مسلسل " يوفوريا " الأمريكي لسام لينفانسون يدرك أن "فلوجة" مستوحى منه، مع العلم أن هناك مصادر تقول أن المسلسل الأمريكي في حد ذاته هو محاكاة لعمل اسرائيلي يحمل نفس الاسم.
ومثل هذه الاعمال التي تعتمد على المحاكاة وتفرض واقعا مختلفا عنا رغم وجود بعض نقاط التشابه، وتعتمد على الاثارة وعلى استدرار عاطفة المشاهدين ( حلقة أولى مثيرة أو هي بمثابة الطعم وحلقة اخيرة تنتصر فيها قوى الخير وتتجه فيه مجريات الامور وفق ما يريده المشاهد ) بعد مجموعة من الحلقات تعتمد على احداث غريبة وكان فيها النسق مملا والحوار بائسا، تتوج في النهاية بمجموعة هامة من الجوائز وتوجه من خلال هذه الجوائز رسائل مفادها أن هذه البضاعة الفنية هي التي ينبغي أن تكون نموذجا يحتذى والحال أن الانتاج الدارمي هذا العام يبعث وبدون مبالغة على البكاء.
فحتى مسلسل " الجبل الأحمر " الذي بثته القناة الوطنية الأولى وانتهى بمشكلة تتعلق بعدد الحلقات التي يتضمنها، خيب الآمال وفوت الفرصة على الجماهير لمشاهدة عمل تتوفر فيه على الأقل المقومات الأساسية للإعمال الدرامية الجادة.
فالمسلسل وفق فريق العمل يتضمن 24 حلقة لكن القناة لم تبث إلا 20 منها ولم تفسر لماذا تخلت عن العمل رغم أن الاحداث لم تنته. وطبيعي أن يخسر هذا العمل المنافسة وهو الذي ورغم قيمة الطاقم التمثيلي على غرار فتحي الهداوي ونادية بوستة ونصر الدين السهيلي والشاذلي العرفاوي ومحمد السياري وغيرهم، ورغم الإجماع حول قدرات المخرج ربيع التكالي، جعل مهمة المشاهد صعبة جدا. فمن الواضح أن هناك خللا جسيما على مستوى المونتاج جعل الاحداث متقطعة واغلب المشاهد غير منسجمة. وقد كان من الممكن أن ينجح الجبل الاحمر وأن يشهد نفس نجاح مسلسل المايسترو( انتاج التلفزة الوطنية ، تأليف عماد الدين الحكيم واخراج لسعد الوسلاتي) الذي يبقى علامة ناصعة في تاريخ الدراما التونسية. فالفكرة جيدة جدا وهو يفترض أن يكون من الاعمال التي تندرج ضمن الواقعية الجديدة التي تعتبر من الاعمال الفنية الهادفة والتي تضمن الفرجة الجيدة. وقصة حي شعبي مثل الجبل الأحمر لا يمكن إلا أن تكون مثيرة للاهتمام لكن المعالجة الفنية لم ترتق إلى مستوى الانتظارات ويبدو أن الطموح كان اكبر بكثير من الامكانيات. ولعل التصريحات التي صدرت عن عدد من الممثلين من بينهم نادية بوستة ومحمد السياري اللذان أكدا أن ظروف العمل كانت صعبة وأن الممثلين ( على الاقل بعضهم ) لم يحصلوا على اجورهم في الابان، تؤكد هذا الأمر. فالعمل مر بعديد الصعوبات دون أن ننسى تلك العادة السيئة لدى التلفزة الوطنية المتمثلة في اتخاذ القرار بشأن اختيار اعمال رمضان في آخر وقت، التي تزيد في تعقيد الامور وقد اجتمعت اذن الاسباب لتجعل مسلسل الجبل الاحمر غير قادر على رفع التحدي.
ونعتقد أن هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه. فعديد البلدان من حولنا تمكنت من تحقيق اهداف عديدة بفضل انتاجها الدرامي. فالدراما في تركيا مثلا اصبحت مصدرا هاما للثروة وهي احد اهم الوسائل للترويج لصورة البلاد. والجماهير العربية اليوم مطلعة على تاريخ تركيا بكل تفاصيله وهي تتشرب كل ما يروج حول هذا التاريخ بما فيه من حقائق ومبالغات كذلك. والجماهير العربية تعرف كل شيء عن جغرافيا هذا البلد بفضل انتاجها الدرامي. وقد تمكنت العديد من البلدان العربية من جهتها من فرض نفسها بفضل ما تنتجه من اعمال تلفزيونية وأساسا الدرامية، فما الذي يحول دوننا ودون النسج على منوال البلدان الناجحة وبلادنا لديها امكانيات كبيرة خاصة على مستوى الطاقات الابداعية التي تمكنها من كسب التحدي. ونعتقد أنه ليس من حقنا، خاصة بعد أن فهمنا مدى تأثير الانتاج الدرامي في الجماهير، وايضا بعد أن انجزنا بعض التجارب المعقولة التي تقتات عليها بعض القنوات اليوم ( انتاجات جيدة في التسعينات وبداية الالفية الثانية)، أن نتراجع بهذا الشكل وأن نقدم اعمالا ممسوخة. ليس هذا فحسب وإنما نعمد ايضا إلى تتويجها وكأنها نموذجا للنجاح الحقيقي.
إننا وأن كنا نحترم كل المبادرات ونفهم منطلقات بعضهم ورغبتهم في تشجيع الانتاج الدرامي التونسي، لكننا ومن وجهة نظرنا كنا نحبذ أن تحجب الجوائز هذا العام، لعل ذلك يكون سببا في التنبيه إلى خطورة الوضع. لعل ذلك يكون حافزا لدفع القنوات إلى عدم استسهال الموضوع. فالقضية متعلقة بأعمال لها تأثيرها في الناس ولها انعكاسات قد تكون أكبر مما نتصور. فالمواقف التي نشاهدها في الاعمال الدرامية يمكن أن تكون مؤثرة، بل هي مؤثرة. والهيئات كذلك حتى أن مظهر بعض الممثلين يمكن أن يصبح مثالا يقتدى به في الواقع. وبالتالي، فإن الدراما ليست مجرد منتوج للاستهلاك الفوري وإنما لها تأثير عميق ويصبح خطرها اكبر عندما تكون الاختيارات قليلة على غرار ما يحدث في تونس.