- هناك تلميحات بتغيير تحالفات تونس الدولية، تجاه الصين ودول البريكس، في وقت أن أكثر من 70 في المائة من مبادلاتنا التجارية مع الغرب
- تونس-الصباح
قال الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن تونس تعيش في عزلة دولية، سببها عدم توحد الجبهة الداخلية السياسية في تونس، وما نتج عن عشرية طويلة كانت لكل حساسية سياسية انتماءاتها الخارجية.
ووصف العبيدي، في حوار لـ"الصباح"، السياسة الخارجية لتونس اليوم، بـ"المتشنجة"، مشيرا في ذات السياق، إلى أن أوروبا لن تمكن تونس من مساعدات ماكرو-مالية كبيرة (لسد العجز في الميزانية) بل من مساعدات مالية لسد حاجات تونس الأساسية، وذلك لكي لا يختل التوازن الداخلي لتوفير استقرار اجتماعي، وذلك لإدراكها أن أغلب التونسيين يسعون للهجرة لأوروبا إما عن طريق الهجرات النظامية أو غير النظامية.
حاوره: نزار مقني
هل تونس تعيش عزلة دولية؟
-نعم، تونس تعيش في عزلة دولية، الدول التي نريد التعامل معها تختلف مصالحها مع تونس وهي دول تتنافس بينها، وهي تحاول من خلال هذا التنافس إيجاد مرتكزات داخلية لتمرير مصالحها، وما ميز الساحة السياسية في تونس خلال العشرية الأخيرة أن لكل حساسية سياسية توجهاتها الخارجية.
لكن تونس تعيش منذ إجراءات 25 جويلية على وقع خطاب سياسي واحد يمثله رئيس الجمهورية؟
-يوجد خطاب رسمي واحد، لكن لا توجد قوى سياسية موحدة في الداخل التونسي، حيث تصدر من خلالها خطابات سياسية مختلفة تجاه الخارج.
في مرحلة سابقة عاشتها تونس، وعلى سبيل المثال، كانت كل المنظمات الوطنية موجودة ضمن ديوان سياسي واحد يصدر موقفا واحدا موجها للخارج.
لكن هذا المثال يأتينا من زمن لم تكن فيه تونس تعيش في نظام ديمقراطي؟
-الديمقراطية ليس لها دور عندما يتعلق الأمر بعلاقة تونس مع الدول الأخرى، ما يشكل فارقا في العلاقة بين الدول هو الوزن الاستراتيجي للدول، ومدى تمكنها من حفظ أسرارها، ومثلا عشنا في فترة من الفترات أن شخصا يحضر لاجتماع مجلس الأمن القومي ومن ثم يتوجه لتركيا، وغيره يذهب لفرنسا.
لكن ألا ترى أن الخطاب الرسمي الحالي ساهم في هذه العزلة بالرغم من وجود دستور جديد أنتج مؤسسات جديدة؟
-الأمر لا يتعلق بدستور أو برلمان جديدين، الأمر يتعلق بالوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه البلاد.
في الآونة الأخيرة كانت هناك تلميحات شبه رسمية بتغيير تحالفات تونس الدولية، تجاه الصين ودول البريكس، في وقت أن أكثر من 70 في المائة من مبادلات تونس التجارية تتم مع الغرب عموما (G7والاتحاد الأوروبي..)، ولتغيير هذا التحالف يتطلب وقتا كبيرا في المنظور التاريخي، أما في المنظور السياسي قصير المدى فهذا غير ممكن، ولماذا لم تتوجه لنا الصين أو روسيا بمساعدات مالية تغنينا عن التوجه لصندوق النقد الدولي الذي يعتبر إفرازا غربيا؟
اليوم إشكالنا الأساسي يبقى في تشرذم الجبهة الداخلية التونسية، لأن هذا التشرذم يساهم في سهولة الاختراق الخارجي.
ماذا عن خطاب الدفاع عن السيادة الوطنية الذي تتمسك به السلطة لبعث رسائل للخارج، هل هذا الخطاب يساعد في دعم الديبلوماسية التونسية في وقت نعيش فيه أزمة اقتصادية خانقة؟
-الديبلوماسية هي فن المناورة، وبلغة عسكرية أن تتظاهر بالهجوم على هدف فيما أنت تستهدف هدفا آخر.
وفي هذه الحالة، فإن كل الحقائق لا يجب أن تقال، لكن في بعض الأحيان ليس لك كل مقومات السيادة، فالحلفاء موجودون للمساعدة. والمحافظة على السيادة تتطلب توفر منظومة كاملة، فألمانيا تضم لليوم قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها خارجة عن سيطرتها وهو ما يعتبر سيادة منقوصة.
ولا يمكن أن نتحدث عن سيادة وطنية اليوم، وأنت لا يمكنك أن توفر الطعام لشعبك، وفي الأخير فإن الاتفاقيات الدولية هي تنازل طوعي ومتبادل عن نقاط من السيادة الوطنية لتحقيق مصالح مشتركة.
نلاحظ اليوم وجود خطاب عدائي من تونس تجاه الغرب؟
-ليس عدائيا بل خطابا متشنجا..
لنقل متشنجا، ولكنه يأتي في وقت أمضت فيه تونس على اتفاقية تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية خارج دول الناتو، وفي وقت ترحب فيه الخارجية التونسية بمساعدات قمح مقدمة من واشنطن، ألا تلاحظ وجود تناقض في الخطاب الرسمي؟
-في العشرية الأخيرة ارتكبت كل الموبقات، ففي وقت نعرف أن أغلب مبادلاتنا مع أوروبا، وتوقع اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية زمن رئاسة الباجي قائد السبسي، في إطار مصالح ضيقة، في اعتراف بأن القول الفصل يرجع لواشنطن وليس لأوروبا، وذهبنا في هذا الإطار لجميع أعداء سوريا وسميناهم أصدقاء سوريا.
وفي المجمل، فإن أي اتفاقية يمكن أن تؤول حسب مصالح الدولة، وهذا دور فقهاء القانون، إذا ما تعارضت مقتضياتها مع مصالح تونس، فمن غير المعقول مثلا أن تكون هناك قاعدة عسكرية أمريكية في تونس، خصوصا وأن هذه الاتفاقية عسكرية بالأساس.
ولذلك فان الخطاب السياسي يجب أن يرتكز على مصالح تونس تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الخطاب الديبلوماسي يجب أن يكون مناورا، كأن نقول انه يمكن لتونس أن تتجه لحلول أخرى، ولا نشير مباشرة للبريكس.
في زمن الزعيم الحبيب بورقيبة تونس كانت ضمن دول عدم الانحياز وكانت لها علاقات متطورة مع دول المعسكر الشرقي والغربي على حد السواء.
يجب على تونس أن تكون ضمن شبكة من الدول التي تتماهى مصالحها معها، وإن تتحرك ديبلوماسيا بعد تنسيق محكم معها.
إذن تونس اليوم لها سياسة خارجية متشنجة؟
اليوم يوجد شغور فيما بين 30 و40 مركز ديبلوماسي في الخارج، مثل الصين وألمانيا. لوزير الخارجية أدوات يعمل من خلالها على إنتاج ديبلوماسية معينة، واليوم إذا لم توجد المعلومة التي تبنى عليها السياسة الخارجية من خلال السفارات والقنصليات، فلا يمكن بناء ديبلوماسية سليمة، فالعمل الديبلوماسي قائم على تبادل المعلومات بين الدول والتمثيليات الديبلوماسية. وإذا ما بنيت السياسة الخارجية على التشنج، فهذا يخلق عداوات.
كيف تقرأ حرص أوروبا وخاصة إيطاليا على توفير مساعدات مالية دولية لتونس؟
-يريدون أن نكون في منزلة بين منزلتين، فلن يوفروا لنا المساعدات الماكرو-مالية، سيوفرون لنا مساعدات لتوفير الطعام، للمحافظة على استقرار اجتماعي معين، وذلك لكي لا تنطلق من شواطئنا الهجرات غير النظامية.
اليوم توجد إحصائية تشير إلى أن 60 في المائة من التونسيين يريدون الهجرة للخارج، وهم يعون جيدا ذلك من خلال مؤسساتهم البحثية وأجهزة مخابراتهم.
هذا الرقم المهول يعلمون من خلاله أنه إذا ما هاجروا لأوروبا سيخلقون إشكالا كبيرا جدا، ولذلك يلجؤون لمدنا بمساعدات مالية عينية، لكي لا يختل التوازن الداخلي في تونس.
- هناك تلميحات بتغيير تحالفات تونس الدولية، تجاه الصين ودول البريكس، في وقت أن أكثر من 70 في المائة من مبادلاتنا التجارية مع الغرب
- تونس-الصباح
قال الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن تونس تعيش في عزلة دولية، سببها عدم توحد الجبهة الداخلية السياسية في تونس، وما نتج عن عشرية طويلة كانت لكل حساسية سياسية انتماءاتها الخارجية.
ووصف العبيدي، في حوار لـ"الصباح"، السياسة الخارجية لتونس اليوم، بـ"المتشنجة"، مشيرا في ذات السياق، إلى أن أوروبا لن تمكن تونس من مساعدات ماكرو-مالية كبيرة (لسد العجز في الميزانية) بل من مساعدات مالية لسد حاجات تونس الأساسية، وذلك لكي لا يختل التوازن الداخلي لتوفير استقرار اجتماعي، وذلك لإدراكها أن أغلب التونسيين يسعون للهجرة لأوروبا إما عن طريق الهجرات النظامية أو غير النظامية.
حاوره: نزار مقني
هل تونس تعيش عزلة دولية؟
-نعم، تونس تعيش في عزلة دولية، الدول التي نريد التعامل معها تختلف مصالحها مع تونس وهي دول تتنافس بينها، وهي تحاول من خلال هذا التنافس إيجاد مرتكزات داخلية لتمرير مصالحها، وما ميز الساحة السياسية في تونس خلال العشرية الأخيرة أن لكل حساسية سياسية توجهاتها الخارجية.
لكن تونس تعيش منذ إجراءات 25 جويلية على وقع خطاب سياسي واحد يمثله رئيس الجمهورية؟
-يوجد خطاب رسمي واحد، لكن لا توجد قوى سياسية موحدة في الداخل التونسي، حيث تصدر من خلالها خطابات سياسية مختلفة تجاه الخارج.
في مرحلة سابقة عاشتها تونس، وعلى سبيل المثال، كانت كل المنظمات الوطنية موجودة ضمن ديوان سياسي واحد يصدر موقفا واحدا موجها للخارج.
لكن هذا المثال يأتينا من زمن لم تكن فيه تونس تعيش في نظام ديمقراطي؟
-الديمقراطية ليس لها دور عندما يتعلق الأمر بعلاقة تونس مع الدول الأخرى، ما يشكل فارقا في العلاقة بين الدول هو الوزن الاستراتيجي للدول، ومدى تمكنها من حفظ أسرارها، ومثلا عشنا في فترة من الفترات أن شخصا يحضر لاجتماع مجلس الأمن القومي ومن ثم يتوجه لتركيا، وغيره يذهب لفرنسا.
لكن ألا ترى أن الخطاب الرسمي الحالي ساهم في هذه العزلة بالرغم من وجود دستور جديد أنتج مؤسسات جديدة؟
-الأمر لا يتعلق بدستور أو برلمان جديدين، الأمر يتعلق بالوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه البلاد.
في الآونة الأخيرة كانت هناك تلميحات شبه رسمية بتغيير تحالفات تونس الدولية، تجاه الصين ودول البريكس، في وقت أن أكثر من 70 في المائة من مبادلات تونس التجارية تتم مع الغرب عموما (G7والاتحاد الأوروبي..)، ولتغيير هذا التحالف يتطلب وقتا كبيرا في المنظور التاريخي، أما في المنظور السياسي قصير المدى فهذا غير ممكن، ولماذا لم تتوجه لنا الصين أو روسيا بمساعدات مالية تغنينا عن التوجه لصندوق النقد الدولي الذي يعتبر إفرازا غربيا؟
اليوم إشكالنا الأساسي يبقى في تشرذم الجبهة الداخلية التونسية، لأن هذا التشرذم يساهم في سهولة الاختراق الخارجي.
ماذا عن خطاب الدفاع عن السيادة الوطنية الذي تتمسك به السلطة لبعث رسائل للخارج، هل هذا الخطاب يساعد في دعم الديبلوماسية التونسية في وقت نعيش فيه أزمة اقتصادية خانقة؟
-الديبلوماسية هي فن المناورة، وبلغة عسكرية أن تتظاهر بالهجوم على هدف فيما أنت تستهدف هدفا آخر.
وفي هذه الحالة، فإن كل الحقائق لا يجب أن تقال، لكن في بعض الأحيان ليس لك كل مقومات السيادة، فالحلفاء موجودون للمساعدة. والمحافظة على السيادة تتطلب توفر منظومة كاملة، فألمانيا تضم لليوم قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها خارجة عن سيطرتها وهو ما يعتبر سيادة منقوصة.
ولا يمكن أن نتحدث عن سيادة وطنية اليوم، وأنت لا يمكنك أن توفر الطعام لشعبك، وفي الأخير فإن الاتفاقيات الدولية هي تنازل طوعي ومتبادل عن نقاط من السيادة الوطنية لتحقيق مصالح مشتركة.
نلاحظ اليوم وجود خطاب عدائي من تونس تجاه الغرب؟
-ليس عدائيا بل خطابا متشنجا..
لنقل متشنجا، ولكنه يأتي في وقت أمضت فيه تونس على اتفاقية تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية خارج دول الناتو، وفي وقت ترحب فيه الخارجية التونسية بمساعدات قمح مقدمة من واشنطن، ألا تلاحظ وجود تناقض في الخطاب الرسمي؟
-في العشرية الأخيرة ارتكبت كل الموبقات، ففي وقت نعرف أن أغلب مبادلاتنا مع أوروبا، وتوقع اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية زمن رئاسة الباجي قائد السبسي، في إطار مصالح ضيقة، في اعتراف بأن القول الفصل يرجع لواشنطن وليس لأوروبا، وذهبنا في هذا الإطار لجميع أعداء سوريا وسميناهم أصدقاء سوريا.
وفي المجمل، فإن أي اتفاقية يمكن أن تؤول حسب مصالح الدولة، وهذا دور فقهاء القانون، إذا ما تعارضت مقتضياتها مع مصالح تونس، فمن غير المعقول مثلا أن تكون هناك قاعدة عسكرية أمريكية في تونس، خصوصا وأن هذه الاتفاقية عسكرية بالأساس.
ولذلك فان الخطاب السياسي يجب أن يرتكز على مصالح تونس تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الخطاب الديبلوماسي يجب أن يكون مناورا، كأن نقول انه يمكن لتونس أن تتجه لحلول أخرى، ولا نشير مباشرة للبريكس.
في زمن الزعيم الحبيب بورقيبة تونس كانت ضمن دول عدم الانحياز وكانت لها علاقات متطورة مع دول المعسكر الشرقي والغربي على حد السواء.
يجب على تونس أن تكون ضمن شبكة من الدول التي تتماهى مصالحها معها، وإن تتحرك ديبلوماسيا بعد تنسيق محكم معها.
إذن تونس اليوم لها سياسة خارجية متشنجة؟
اليوم يوجد شغور فيما بين 30 و40 مركز ديبلوماسي في الخارج، مثل الصين وألمانيا. لوزير الخارجية أدوات يعمل من خلالها على إنتاج ديبلوماسية معينة، واليوم إذا لم توجد المعلومة التي تبنى عليها السياسة الخارجية من خلال السفارات والقنصليات، فلا يمكن بناء ديبلوماسية سليمة، فالعمل الديبلوماسي قائم على تبادل المعلومات بين الدول والتمثيليات الديبلوماسية. وإذا ما بنيت السياسة الخارجية على التشنج، فهذا يخلق عداوات.
كيف تقرأ حرص أوروبا وخاصة إيطاليا على توفير مساعدات مالية دولية لتونس؟
-يريدون أن نكون في منزلة بين منزلتين، فلن يوفروا لنا المساعدات الماكرو-مالية، سيوفرون لنا مساعدات لتوفير الطعام، للمحافظة على استقرار اجتماعي معين، وذلك لكي لا تنطلق من شواطئنا الهجرات غير النظامية.
اليوم توجد إحصائية تشير إلى أن 60 في المائة من التونسيين يريدون الهجرة للخارج، وهم يعون جيدا ذلك من خلال مؤسساتهم البحثية وأجهزة مخابراتهم.
هذا الرقم المهول يعلمون من خلاله أنه إذا ما هاجروا لأوروبا سيخلقون إشكالا كبيرا جدا، ولذلك يلجؤون لمدنا بمساعدات مالية عينية، لكي لا يختل التوازن الداخلي في تونس.