يبدو أن العالم ينتظر اليوم صدمة جديدة مثل "صدمة نيكسون" للإعلان الرسمي عن نهاية النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة، وانتقال العالم إلى نظام جديد قائم على تعدد الأقطاب أو على ثنائية الأقطاب.
صدمة نيكسون التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في سنة 1972، والتي بموجبها فكت واشنطن العلاقة بين الدولار والذهب، والذي مثل مفاجأة بالنسبة للغرب وحلفائه، فيما دعمت ربط بيع البترول بالدولار، بموجب "اتفاق كوينسي" بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فراكلين روزفلت في فيفري من سنة 1945، في طريق عودته من مؤتمر يالطا الذي مثل صافرة انطلاق الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.
لكن هاتين الصدمتين واللتين مثلتا عماد النظام المالي الحالي، والذي سيطر فيه الدولار على التجارة الدولية بموجب فرضها من قبل "القوة الخارقة" الأمريكية، قد يذهبان أدراج الرياح، خصوصا مع بداية فقدان الثقة من قبل قوى دولية إقليمية، في الدولار كعملة تشكل ضمانة متينة للمبادلات التجارية بين الدول، خصوصا وأن واشنطن اتخذت من هذه الميزة سيف ديموقليدس على باقي دول العالم لفرض سياساتها مصالحها عليه، في وقت باتت بعض القوى تطالب يدور أكبر لها على مستوى اقليمي ودولي.
ولعل هذا ما حصل مع روسيا عندما فرضت واشنطن عقوبات على موسكو بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، قامت بموجبها بتجميد 330 مليار دولار من الأصول الدولارية الروسية الموجودة بالخارج، وهو ما قاد موسكو لإعلان بيعها للمحروقات بالروبل الروسي، وفي حالات أخرى بموجب عملات أخرى كاليوان الصيني أو الروبية الهندية.
ويبدو أن هذا الأسلوب بدأ يستهوي موسكو، التي عبرت على لسان نائب رئيس وزرائها أكسدر نوفاك أن روسيا والصين ستواصلان في قبول المدفوعات باليوان والروبل.
ولعل ما أقدمت عليه روسيا والصين أخذ يستهوي مجموعة من القوى الدولية والإقليمية الصاعدة لتعمل عليه لإعادة توزيع الأدوار السياسية الإقليمية والدولية حسب القوة الاقتصادية وكذلك احتمالات القوة في المستقبل.
في هذا السياق، برزت مجموعة البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية) كتكتل اقتصادي انطلق منذ سنة 2011، مجموعة دول اقتصاديات ناشئة واعدة، والتي أضحت تطالب بدور سياسي دولي أكبر يماشى مع دورها الاقتصادي الحالي والمستقبل، الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تحد منه بموجب "القوة الخارقة" ونظام القطب الواحد الذي تحاول ألا تتزحح عليه مقابل صعود قوى جديدة أبرزها الصين.
صحيح ان مجموعة البريكس اليوم أصبحت تساهم بـ31.5 في المائة من الناتج القومي الخام في العالم مقابل30.7 في المائة لمجموعة السبع (حسب تقرير مؤسسة "أكرون ماركو للاستشارات" البريطانية).. الا ان مجمل المعاملات التجارية مازالت اغلبها بالدولار، وهذا يعني ان هذه الدول مازالت تدور في فلك النظام المالي العالمي المحدد منذ مؤتمر بروتن وودز سنة 1944 والمعدل امريكيا في اتفاقيات جامايكا سنة 1976، والتي ربطت تسعير النفط بالدولار، الذي ربط سياسيا بالقطب السياسي الأوحد المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1989.
قد يكون هناك اختراق لهذا النظام المالي العالمي في المؤتمر القادم لدول البريكس الصائفة القادمة والذي قد يخرج بنتائج جديدة قد تحرك ركود النظام المالي الحالي من خلال انضمام دول جديدة منتجة للطاقة كالسعودية والجزائر، وتبني انفتاح سوق المحروقات للتداول بعملات أخرى مما قد يكسر هيمنة الدولار مقابل بروز قوى مالية جديدة ابرزها الصين، التي تسعى لتدويل عملتها اليوان ليكون تعبيرا مباشرا عن هيمنتها التجارية الدولية منذ اكثر من عشر سنوات.
قد تكون تلك المرحلة الأولى قبل ان تسعى دول البريكس لتبني خطوة اخرى وهي التفكير بعملة جديدة للمبادلات التجارية الدولية البنينية او بين هذه الدول ودول اخرى قد تصبح دائرة في فلك هذه القوى التي ستسعى بين المرحلتين لبناء أنظمة اقتصادية إقليمية تكون عواصمها مركزها (هذا ما يبرز في سلوكيات الرياض مثلا في الخليج، وكذلك جنوب إفريقيا مع الدول المحيطة بها في جنوب القارة السمراء، كذلك البرازيل في أمريكا الجنوبية، الجزائر في محيطها الإقليمي، روسيا وفكرة الاتحاد الأوراسي، والصين مع منظمة بعض دول منظمة شنغهاي في آسيا الوسطى، الهند ومجالها الهندي القاري المحدد بما قبل الهمالايا).
في هذه المرحلة المتأخرة يمكن أن يكون النظام المالي والسياسي الدولي قد انتهى ولكن تلك مرحلة متقدمة، قد تتحدد بدايتها مع استكمال وبداية اشتغال مشروع حزام وطريق الحرير خلال العشر سنوات القادمة على اقصر تقدير.
في هذه المرحلة يمكن أن نتحدث عن أقطاب مالية وسياسية جديدة يمكنها قلب اللعبة الإستراتيجية الدولية، وهذه المرحلة تطبخ على مهل في مطابخ دول البريكس والتي لا تستجيب في عضويتها الا للدول التي تتميز بديناميا اقتصادية واعدة ويمكنها التطور، في هذه المرحلة يمكن ان نتحدث عن صندوق نقد دولي جديد يوازي ذلك الموجود في واشنطن.
ومع بروز هذه القوى فإن هناك مطالبات في التحالف الغربي بضرورة الالتفات إلى بروز تكتل أوروبي خارج عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما طالب به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارتها الاخيرة للصين، حيث دعا صراحة لوجود قوة ثالثة عالمية وهي أوروبا، وهذه المطالب ليست جديدة ضمن المعجم السياسي الفرنسي المعاصر، وتعكس ديغولية جديدة من باريس تجاه حلف الشمال الأطلسي والذي تسيطر عليه واشنطن.
ان انتقال مركز الصراع الدولي نحو الشرق، وبداية بروز قوى جديدة تطالب بدور جديد إقليمي ودوليا، مقابل بداية بروز عدم ثقة في الدولار ومعادلة البترودولار، قد تدفعنا الانتظار صدمة جديدة تفك بيع النفط بالعملة الأمريكية مما قد يحدث صدمة جديدة قد تعلن من الرياض، بدفع من الديبلوماسية الصينية التي نجحت مؤخرا في عقد اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهو ما شكل أولى لبنات تغيير موازنين القوى إقليميا في الشرق الأوسط ومثل ردا مباشرا من الرياض لواشنطن حول تبنيها توجيها استراتيجيا جديدا قلصت بموجبه من تدخلها في "الصراعات المكلفة" في الشرق الأوسط وتركيزها على منطقة جنوب شرق آسيا وخصوصا منطقة بحر الصين الجنوبي.
ولعل هذا التغيير في سياسة أمريكا اعتبر سعوديا فك ارتباط تدريجي لاتفاق البارجة البحرية كوينسي سنة 1945، ووجه بجملة من التغيرات السياسية السعودية أولها كان تقلي إنتاج البترول، وثانيها إعادة العلاقات مع إيران بموجب وساطة صينية.
نزار مقني
يبدو أن العالم ينتظر اليوم صدمة جديدة مثل "صدمة نيكسون" للإعلان الرسمي عن نهاية النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة، وانتقال العالم إلى نظام جديد قائم على تعدد الأقطاب أو على ثنائية الأقطاب.
صدمة نيكسون التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في سنة 1972، والتي بموجبها فكت واشنطن العلاقة بين الدولار والذهب، والذي مثل مفاجأة بالنسبة للغرب وحلفائه، فيما دعمت ربط بيع البترول بالدولار، بموجب "اتفاق كوينسي" بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فراكلين روزفلت في فيفري من سنة 1945، في طريق عودته من مؤتمر يالطا الذي مثل صافرة انطلاق الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.
لكن هاتين الصدمتين واللتين مثلتا عماد النظام المالي الحالي، والذي سيطر فيه الدولار على التجارة الدولية بموجب فرضها من قبل "القوة الخارقة" الأمريكية، قد يذهبان أدراج الرياح، خصوصا مع بداية فقدان الثقة من قبل قوى دولية إقليمية، في الدولار كعملة تشكل ضمانة متينة للمبادلات التجارية بين الدول، خصوصا وأن واشنطن اتخذت من هذه الميزة سيف ديموقليدس على باقي دول العالم لفرض سياساتها مصالحها عليه، في وقت باتت بعض القوى تطالب يدور أكبر لها على مستوى اقليمي ودولي.
ولعل هذا ما حصل مع روسيا عندما فرضت واشنطن عقوبات على موسكو بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، قامت بموجبها بتجميد 330 مليار دولار من الأصول الدولارية الروسية الموجودة بالخارج، وهو ما قاد موسكو لإعلان بيعها للمحروقات بالروبل الروسي، وفي حالات أخرى بموجب عملات أخرى كاليوان الصيني أو الروبية الهندية.
ويبدو أن هذا الأسلوب بدأ يستهوي موسكو، التي عبرت على لسان نائب رئيس وزرائها أكسدر نوفاك أن روسيا والصين ستواصلان في قبول المدفوعات باليوان والروبل.
ولعل ما أقدمت عليه روسيا والصين أخذ يستهوي مجموعة من القوى الدولية والإقليمية الصاعدة لتعمل عليه لإعادة توزيع الأدوار السياسية الإقليمية والدولية حسب القوة الاقتصادية وكذلك احتمالات القوة في المستقبل.
في هذا السياق، برزت مجموعة البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية) كتكتل اقتصادي انطلق منذ سنة 2011، مجموعة دول اقتصاديات ناشئة واعدة، والتي أضحت تطالب بدور سياسي دولي أكبر يماشى مع دورها الاقتصادي الحالي والمستقبل، الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تحد منه بموجب "القوة الخارقة" ونظام القطب الواحد الذي تحاول ألا تتزحح عليه مقابل صعود قوى جديدة أبرزها الصين.
صحيح ان مجموعة البريكس اليوم أصبحت تساهم بـ31.5 في المائة من الناتج القومي الخام في العالم مقابل30.7 في المائة لمجموعة السبع (حسب تقرير مؤسسة "أكرون ماركو للاستشارات" البريطانية).. الا ان مجمل المعاملات التجارية مازالت اغلبها بالدولار، وهذا يعني ان هذه الدول مازالت تدور في فلك النظام المالي العالمي المحدد منذ مؤتمر بروتن وودز سنة 1944 والمعدل امريكيا في اتفاقيات جامايكا سنة 1976، والتي ربطت تسعير النفط بالدولار، الذي ربط سياسيا بالقطب السياسي الأوحد المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1989.
قد يكون هناك اختراق لهذا النظام المالي العالمي في المؤتمر القادم لدول البريكس الصائفة القادمة والذي قد يخرج بنتائج جديدة قد تحرك ركود النظام المالي الحالي من خلال انضمام دول جديدة منتجة للطاقة كالسعودية والجزائر، وتبني انفتاح سوق المحروقات للتداول بعملات أخرى مما قد يكسر هيمنة الدولار مقابل بروز قوى مالية جديدة ابرزها الصين، التي تسعى لتدويل عملتها اليوان ليكون تعبيرا مباشرا عن هيمنتها التجارية الدولية منذ اكثر من عشر سنوات.
قد تكون تلك المرحلة الأولى قبل ان تسعى دول البريكس لتبني خطوة اخرى وهي التفكير بعملة جديدة للمبادلات التجارية الدولية البنينية او بين هذه الدول ودول اخرى قد تصبح دائرة في فلك هذه القوى التي ستسعى بين المرحلتين لبناء أنظمة اقتصادية إقليمية تكون عواصمها مركزها (هذا ما يبرز في سلوكيات الرياض مثلا في الخليج، وكذلك جنوب إفريقيا مع الدول المحيطة بها في جنوب القارة السمراء، كذلك البرازيل في أمريكا الجنوبية، الجزائر في محيطها الإقليمي، روسيا وفكرة الاتحاد الأوراسي، والصين مع منظمة بعض دول منظمة شنغهاي في آسيا الوسطى، الهند ومجالها الهندي القاري المحدد بما قبل الهمالايا).
في هذه المرحلة المتأخرة يمكن أن يكون النظام المالي والسياسي الدولي قد انتهى ولكن تلك مرحلة متقدمة، قد تتحدد بدايتها مع استكمال وبداية اشتغال مشروع حزام وطريق الحرير خلال العشر سنوات القادمة على اقصر تقدير.
في هذه المرحلة يمكن أن نتحدث عن أقطاب مالية وسياسية جديدة يمكنها قلب اللعبة الإستراتيجية الدولية، وهذه المرحلة تطبخ على مهل في مطابخ دول البريكس والتي لا تستجيب في عضويتها الا للدول التي تتميز بديناميا اقتصادية واعدة ويمكنها التطور، في هذه المرحلة يمكن ان نتحدث عن صندوق نقد دولي جديد يوازي ذلك الموجود في واشنطن.
ومع بروز هذه القوى فإن هناك مطالبات في التحالف الغربي بضرورة الالتفات إلى بروز تكتل أوروبي خارج عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما طالب به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارتها الاخيرة للصين، حيث دعا صراحة لوجود قوة ثالثة عالمية وهي أوروبا، وهذه المطالب ليست جديدة ضمن المعجم السياسي الفرنسي المعاصر، وتعكس ديغولية جديدة من باريس تجاه حلف الشمال الأطلسي والذي تسيطر عليه واشنطن.
ان انتقال مركز الصراع الدولي نحو الشرق، وبداية بروز قوى جديدة تطالب بدور جديد إقليمي ودوليا، مقابل بداية بروز عدم ثقة في الدولار ومعادلة البترودولار، قد تدفعنا الانتظار صدمة جديدة تفك بيع النفط بالعملة الأمريكية مما قد يحدث صدمة جديدة قد تعلن من الرياض، بدفع من الديبلوماسية الصينية التي نجحت مؤخرا في عقد اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهو ما شكل أولى لبنات تغيير موازنين القوى إقليميا في الشرق الأوسط ومثل ردا مباشرا من الرياض لواشنطن حول تبنيها توجيها استراتيجيا جديدا قلصت بموجبه من تدخلها في "الصراعات المكلفة" في الشرق الأوسط وتركيزها على منطقة جنوب شرق آسيا وخصوصا منطقة بحر الصين الجنوبي.
ولعل هذا التغيير في سياسة أمريكا اعتبر سعوديا فك ارتباط تدريجي لاتفاق البارجة البحرية كوينسي سنة 1945، ووجه بجملة من التغيرات السياسية السعودية أولها كان تقلي إنتاج البترول، وثانيها إعادة العلاقات مع إيران بموجب وساطة صينية.