تمّ مساء الاثنين 17 أفريل 2023 إيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إثر مداهمة منزله وتفتيشه وسط تضارب الأخبار إن كان على خلفية تسريب مقطع فيديو لمحادثة جمعت بينه وبين قيادات من جبهة الخلاص الوطني حيث اعتبر في فحواها أنّ "إبعاد الإسلام السياسي في تونس مشروع لحرب أهلية" أم أنّ الإيقاف جاء تبعا لسلسلة التحقيقات التي فُتحت ضده في علاقة بالتآمر على أمن الدولة ومصادر تمويلات الحزب أو في قضايا إرهابية أو الاغتيالات السياسية أو غيرها من القضايا المرفوعة.
إلى حد كتابة هذه الأسطر لم تكشف الحقائق بعد، ومهما يكن الأمر والأسباب، فإن عملية إيقاف الغنوشي لم تكن بالمفاجأة الكبرى، بل إنّ المسألة كانت مسألة وقت وأمرا متوقعا حتى من رئيس الحركة نفسه ومن كل قياداتها. فهل هو إيقاف مؤقت أم سيطول به الأمر في السجن؟ الأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل فهل هو إيقاف سياسي أم على خلفيات وحقائق وقضايا مرفوعة ضدّه.
ليست المرة الأولى التي يخضع فيها الغنوشي إلى المحاكمات والإيقافات، فقد حوكم مرتين في ظل نظام الحبيب بورقيبة، كانت الأولى عام 1981 بتهمة "التورط في أعمال إرهابية"، وحُكم عليه بالسجن 11 عاما، قضى منها ثلاثة ثم خرج عام 1984 في عفو رئاسي.
أما المرة الثانية فكانت في سبتمبر من سنة 1987، إذ حُكم عليه بالسجن المؤبد، ثم طلب بورقيبة الرفع من العقوبة إلى الإعدام. لكن وصول زين العابدين بن علي إلى الحكم في نوفمبر من نفس العام حال دون تنفيذ الحكم.
وفي ماي 1988، أمر بن علي بإطلاق سراح الغنوشي، الذي حاول الاندماج في المشهد السياسي الجديد، وتقدم بطلب لتقنين أوضاع حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) في مطلع عام 1989.
لكن نظام بن علي رفض طلب الغنوشي، ورفض ترشح أعضاء حركته في الانتخابات. وعمد إلى التضييق على الحركة وأعضائها سياسيا حتى غادر الغنوشي البلاد في أفريل 1989، ولم يعد إليها حتى عام 2011.
شكلت شخصية راشد الغنوشي طيلة فترة الانتقال الديمقراطي الشخصية الأبرز في تحريك الحياة السياسية والأحداث العامة منذ عودته من المنفى ليصبح واحدا من أهم اللاعبين في المشهد السياسي التونسي إلى جانب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وإدخال تونس في حلقات من التوافق السياسي كانت نتيجة حتمية لاجتماع باريس الشهير وأفرز ما أفرز من نتائج وتداعيات كان لها وقع على تونس شعبا ودولة.
فمنذ تلك العودة، تسارعت الأحداث وتواترت التغيرات، فكان راشد الغنوشي المحرك البارز في الخفاء والعلن لخيوط اللعبة السياسية في تونس طيلة أكثر من 12 عشرة سنة من الثورة إلى حين الإعلان عن إجراءات 25 جويلية 2021 ليتصدر المشهد إلى جانب العديد من قيادات المعارضة في مقدمتهم قيادات جبهة الخلاص.
طيلة تلك السنوات من الثورة لم يرتبط اسم راشد الغنوشي وحركة النهضة، وخاصة على اثر الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية، إلا بهذين المصطلحين وما رافقهما من صراعات سياسية واجتماعية وحقوقية حركت الشارع ضدهما وضد كل محاولات "أخونة" المجتمع التونسي بالتصدي لكل التشريعات ومشاريع القوانين التي سعت الحركة إلى تمريرها طيلة فترة البناء التأسيسي.
راشد الغنوشي لم يكن بالشخصية السياسية والحزبية العادية، بل كان إخطبوطا سياسيا داخليا وخارجيا مكن حركته من التمركز في الحكم وإدارة الشأن العام ومن إمساك بدواليب الدولة واختراق الإدارة والأمن والقضاء وإحكام قبضته على مسار الانتقال الديمقراطي في محاولات عدة لفرض نظام الإخوان في تونس ولكن دون جدوى.
فرضت الأوضاع الإقليمية والدولية وأيضا الوطنية على راشد الغنوشي أن يُغير ظاهريا توجهاته السياسية وخاصة الأيديولوجية لتتصدر خطاباته السياسية توجهات أخرى على غرار مدنية الدولة وفصل الدين عن الدولة والتداول على السلطة وغيرها في تكتيك واضح للتهدئة والمحافظة على السلطة.
دهاء سياسي طبيعي من رجل طيلة مسيرته يتلون في الظاهر ولكن متشبث بثوابت المنهج الإسلام السياسي والإخوان المسلمين لا يفوت فرصة محاولة فرضهما وتكرسهما على أرض الواقع.
فخلال إقامة الغنوشي في مصر، أُعجب بالتوجه الناصري وتشبع به. وكان قوميا ناصريا، يرى ضرورة توحيد الفكر الناصري مع التيارات القومية الأخرى مثل حزب البعث. وحمل معه هذا الإعجاب إلى سوريا. لكن لم يدم هذا الإعجاب سوى عام واحد.
كان في تلك الفترة يتجنب الانتماء لأي توجه سياسي حتى عاد إلى تونس في أواخر ستينيات القرن العشرين، ليستغل فرصة دعم بورقيبة للتوجه الإسلامي لمواجهة المد اليساري والماركسي.
وفي عام 1970، انضم الغنوشي إلى جمعية المحافظة على القرآن، بجانب عبد الفتاح مورو وعدد من الشخصيات التي أصبحت رموزا سياسية في حركة النهضة لاحقا. وعملت هذه المجموعة على تقديم دروس في المدارس والجامعات والمساجد.
وفي أفريل 1972، عُقد المؤتمر التأسيسي للجماعة الإسلامية في تونس، والتي تغير اسمها إلى "حركة الاتجاه الإسلامي" في ثمانينيات القرن العشرين، ثم أصبحت "حركة النهضة" عام 1989.
إيمان عبد اللطيف
تونس – الصباح
تمّ مساء الاثنين 17 أفريل 2023 إيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إثر مداهمة منزله وتفتيشه وسط تضارب الأخبار إن كان على خلفية تسريب مقطع فيديو لمحادثة جمعت بينه وبين قيادات من جبهة الخلاص الوطني حيث اعتبر في فحواها أنّ "إبعاد الإسلام السياسي في تونس مشروع لحرب أهلية" أم أنّ الإيقاف جاء تبعا لسلسلة التحقيقات التي فُتحت ضده في علاقة بالتآمر على أمن الدولة ومصادر تمويلات الحزب أو في قضايا إرهابية أو الاغتيالات السياسية أو غيرها من القضايا المرفوعة.
إلى حد كتابة هذه الأسطر لم تكشف الحقائق بعد، ومهما يكن الأمر والأسباب، فإن عملية إيقاف الغنوشي لم تكن بالمفاجأة الكبرى، بل إنّ المسألة كانت مسألة وقت وأمرا متوقعا حتى من رئيس الحركة نفسه ومن كل قياداتها. فهل هو إيقاف مؤقت أم سيطول به الأمر في السجن؟ الأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل فهل هو إيقاف سياسي أم على خلفيات وحقائق وقضايا مرفوعة ضدّه.
ليست المرة الأولى التي يخضع فيها الغنوشي إلى المحاكمات والإيقافات، فقد حوكم مرتين في ظل نظام الحبيب بورقيبة، كانت الأولى عام 1981 بتهمة "التورط في أعمال إرهابية"، وحُكم عليه بالسجن 11 عاما، قضى منها ثلاثة ثم خرج عام 1984 في عفو رئاسي.
أما المرة الثانية فكانت في سبتمبر من سنة 1987، إذ حُكم عليه بالسجن المؤبد، ثم طلب بورقيبة الرفع من العقوبة إلى الإعدام. لكن وصول زين العابدين بن علي إلى الحكم في نوفمبر من نفس العام حال دون تنفيذ الحكم.
وفي ماي 1988، أمر بن علي بإطلاق سراح الغنوشي، الذي حاول الاندماج في المشهد السياسي الجديد، وتقدم بطلب لتقنين أوضاع حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) في مطلع عام 1989.
لكن نظام بن علي رفض طلب الغنوشي، ورفض ترشح أعضاء حركته في الانتخابات. وعمد إلى التضييق على الحركة وأعضائها سياسيا حتى غادر الغنوشي البلاد في أفريل 1989، ولم يعد إليها حتى عام 2011.
شكلت شخصية راشد الغنوشي طيلة فترة الانتقال الديمقراطي الشخصية الأبرز في تحريك الحياة السياسية والأحداث العامة منذ عودته من المنفى ليصبح واحدا من أهم اللاعبين في المشهد السياسي التونسي إلى جانب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وإدخال تونس في حلقات من التوافق السياسي كانت نتيجة حتمية لاجتماع باريس الشهير وأفرز ما أفرز من نتائج وتداعيات كان لها وقع على تونس شعبا ودولة.
فمنذ تلك العودة، تسارعت الأحداث وتواترت التغيرات، فكان راشد الغنوشي المحرك البارز في الخفاء والعلن لخيوط اللعبة السياسية في تونس طيلة أكثر من 12 عشرة سنة من الثورة إلى حين الإعلان عن إجراءات 25 جويلية 2021 ليتصدر المشهد إلى جانب العديد من قيادات المعارضة في مقدمتهم قيادات جبهة الخلاص.
طيلة تلك السنوات من الثورة لم يرتبط اسم راشد الغنوشي وحركة النهضة، وخاصة على اثر الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية، إلا بهذين المصطلحين وما رافقهما من صراعات سياسية واجتماعية وحقوقية حركت الشارع ضدهما وضد كل محاولات "أخونة" المجتمع التونسي بالتصدي لكل التشريعات ومشاريع القوانين التي سعت الحركة إلى تمريرها طيلة فترة البناء التأسيسي.
راشد الغنوشي لم يكن بالشخصية السياسية والحزبية العادية، بل كان إخطبوطا سياسيا داخليا وخارجيا مكن حركته من التمركز في الحكم وإدارة الشأن العام ومن إمساك بدواليب الدولة واختراق الإدارة والأمن والقضاء وإحكام قبضته على مسار الانتقال الديمقراطي في محاولات عدة لفرض نظام الإخوان في تونس ولكن دون جدوى.
فرضت الأوضاع الإقليمية والدولية وأيضا الوطنية على راشد الغنوشي أن يُغير ظاهريا توجهاته السياسية وخاصة الأيديولوجية لتتصدر خطاباته السياسية توجهات أخرى على غرار مدنية الدولة وفصل الدين عن الدولة والتداول على السلطة وغيرها في تكتيك واضح للتهدئة والمحافظة على السلطة.
دهاء سياسي طبيعي من رجل طيلة مسيرته يتلون في الظاهر ولكن متشبث بثوابت المنهج الإسلام السياسي والإخوان المسلمين لا يفوت فرصة محاولة فرضهما وتكرسهما على أرض الواقع.
فخلال إقامة الغنوشي في مصر، أُعجب بالتوجه الناصري وتشبع به. وكان قوميا ناصريا، يرى ضرورة توحيد الفكر الناصري مع التيارات القومية الأخرى مثل حزب البعث. وحمل معه هذا الإعجاب إلى سوريا. لكن لم يدم هذا الإعجاب سوى عام واحد.
كان في تلك الفترة يتجنب الانتماء لأي توجه سياسي حتى عاد إلى تونس في أواخر ستينيات القرن العشرين، ليستغل فرصة دعم بورقيبة للتوجه الإسلامي لمواجهة المد اليساري والماركسي.
وفي عام 1970، انضم الغنوشي إلى جمعية المحافظة على القرآن، بجانب عبد الفتاح مورو وعدد من الشخصيات التي أصبحت رموزا سياسية في حركة النهضة لاحقا. وعملت هذه المجموعة على تقديم دروس في المدارس والجامعات والمساجد.
وفي أفريل 1972، عُقد المؤتمر التأسيسي للجماعة الإسلامية في تونس، والتي تغير اسمها إلى "حركة الاتجاه الإسلامي" في ثمانينيات القرن العشرين، ثم أصبحت "حركة النهضة" عام 1989.