إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

علي العباني.. الأسطورة (1)

 

بقلم : محمد السبوعي(*)

من الصّعب أن تجد خانة في شرعيّة الأنماط المتكلسة لما يزيد عن القرن، منذ وضع النقاد مدارس محدّدة وأقفاصا تضع للفنون أقفاصا تحدّد أجناسها، ذكرا كانت أم أنثى، نباتا أم حيوانا، سائلا أم صلبا...ومن الصعب أن تجد في أعمال علي العباني على اختلاف محاملها زيتية أو مائية أو فوتوغرافية ما يجعلك مطمئنا لتصنيفها سواء في خانة الفرح أو الحزن، الضحك أو البكاء، الجنون أو العقل.. ولكنّك تشعر فقط برهبة الخلق.

خلّاق علي العباني ولكن ليس من طين أو نار كما في موروثنا الديني والأنثروبولوجي، بل من الظل يلهو به ويشكّل منه أشباحا لا يستطيع محدودو المخيال فهم إشاراته، فالظل في اعتقادي أهم أسلحة علي العباني وأدواته، يلهيك عن الجسم الذي يتحوّل إلى شكل، خدعة الآلهة في لهوها الأزليّ بمن اخترعها، ذلك الكائن المنذور للمأساة والوجع، تجده ساجدا متضرعا لما خلق أو ليست الآلهة من صنع البشر وحده....

ورسّام علي العباني ولكن ليس باللون وحده ،جرّب وجرّد وطبع وانطبع وتكعّب وتجاوز في سرياليته سلفادور دالي في لوحة فارس الموت – اللّوحة الأحبّ إلى قلبي- ولكني لم أجد الموت أبدا في ما رأيت من أعمال رسّامنا الكبير هو الذي يلاعب الموت في بلد خيم عليه الدّم لما يزيد عن نصف قرن وهو الذي أدرك طرابلس إحدى لآلئ المتوسط التي فقدها ذات انقلاب عبث بأحلام طفولته وشبابه، فقد كان يبيع رسومه الأولى لتاجر إيطالي مقابل دراهم معدودة تكفي نفقاته الصّغيرة من تذاكر سينما وحلويّات بسيطة وكم أسرتني تلك الحكاية التي حدّثني عنها ذات أحد لقاءاتنا وكنت قد زرت طرابلس في التسعينات...كانت مجرّد ثكنة عسكريّة حالكة......

*شاعر وروائي

 

 

 

 

 

علي العباني.. الأسطورة (1)

 

بقلم : محمد السبوعي(*)

من الصّعب أن تجد خانة في شرعيّة الأنماط المتكلسة لما يزيد عن القرن، منذ وضع النقاد مدارس محدّدة وأقفاصا تضع للفنون أقفاصا تحدّد أجناسها، ذكرا كانت أم أنثى، نباتا أم حيوانا، سائلا أم صلبا...ومن الصعب أن تجد في أعمال علي العباني على اختلاف محاملها زيتية أو مائية أو فوتوغرافية ما يجعلك مطمئنا لتصنيفها سواء في خانة الفرح أو الحزن، الضحك أو البكاء، الجنون أو العقل.. ولكنّك تشعر فقط برهبة الخلق.

خلّاق علي العباني ولكن ليس من طين أو نار كما في موروثنا الديني والأنثروبولوجي، بل من الظل يلهو به ويشكّل منه أشباحا لا يستطيع محدودو المخيال فهم إشاراته، فالظل في اعتقادي أهم أسلحة علي العباني وأدواته، يلهيك عن الجسم الذي يتحوّل إلى شكل، خدعة الآلهة في لهوها الأزليّ بمن اخترعها، ذلك الكائن المنذور للمأساة والوجع، تجده ساجدا متضرعا لما خلق أو ليست الآلهة من صنع البشر وحده....

ورسّام علي العباني ولكن ليس باللون وحده ،جرّب وجرّد وطبع وانطبع وتكعّب وتجاوز في سرياليته سلفادور دالي في لوحة فارس الموت – اللّوحة الأحبّ إلى قلبي- ولكني لم أجد الموت أبدا في ما رأيت من أعمال رسّامنا الكبير هو الذي يلاعب الموت في بلد خيم عليه الدّم لما يزيد عن نصف قرن وهو الذي أدرك طرابلس إحدى لآلئ المتوسط التي فقدها ذات انقلاب عبث بأحلام طفولته وشبابه، فقد كان يبيع رسومه الأولى لتاجر إيطالي مقابل دراهم معدودة تكفي نفقاته الصّغيرة من تذاكر سينما وحلويّات بسيطة وكم أسرتني تلك الحكاية التي حدّثني عنها ذات أحد لقاءاتنا وكنت قد زرت طرابلس في التسعينات...كانت مجرّد ثكنة عسكريّة حالكة......

*شاعر وروائي