ـ تحجير العمل بمقابل ودونه على النواب وضبط كيفية إسناد المنحة البرلمانية
تونس- الصباح
بعد تعديله الفصل المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح واصل مجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو جلسته العامة المخصصة للتصويت على بقية فصول مشروع نظامه الداخلي فصلا فصلا، ومن بينها الفصل المتصل بالمنحة البرلمانية.
ففي ما يتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح صادقت الجلسة العامة بـ 95 نعم 3 احتفاظ و4 رفض، على الفصل المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح في صيغة معدلة وهي الآتي ذكرها:"يتعيّن على كل عضو التصريح بالمكاسب طبقا للفصل 20 من الدستور. كما يتعين على كل عضو التصريح بتضارب المصالح في إطار أعماله النيابية. ولا يعتبر النواب ممتنعين عن القيام بالتصريح بالمكاسب أمام الاستحالة الإجرائية وتعذّر تقديم التصاريح لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تبعا لتعليق نشاطها بمقتضى التدابير الاستثنائية. ويلتزم النواب عند زوال المانع بواجب التصريح بالمكاسب والمصالح."
وللتذكير لم تتضمن الصيغة الأصلية لهذا الفصل كما ورد في المشروع الذي قدمته لجنة النظام الداخلي يوم الثلاثاء الماضي عبارة الاستحالة الإجرائية، حيث نص الفصل في صيغته الأصلية كما قرأها مقرر اللجنة النائب يوسف طرشون على أنه "يتعين على كل نائب التصريح بالمكاسب والمصالح وفق ما ينص عليه القانون كما يتعين على كل نائب التصريح بتضارب المصالح في إطار أعماله النيابية". كما جاء في تقرير اللجنة بخصوص مسألة التصريح أن الأحكام الدستورية والقانونية ذات الصلة بالتصريح بالمكاسب والمصالح مثلت الإطار العام الذي دارت فيه النقاشات صلب اللجنة المذكورة وخاصة منها الفصل 20 من الدستور الذي ينص على أن "يتولى أعضاء المجلس النيابي التصريح بمكاسبهم وفق ما يضبطه القانون"، وكذلك أحكام القانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في غرة أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وقد كان هناك إجماع داخل اللجنة على ضرورة تضمين نص مشروع النظام الداخلي أحكاما تؤكد الالتزام بالقيام بواجب التصريح كآلية أساسية وهامة في دعم الشفافية ومكافحة الفساد وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد وتجنب تضارب المصالح وكل أشكال الإثراء غير المشروع، وتماشيا مع مرتكزات الجمهورية الجديدة التي أسس لها دستور 25 جويلية 2022 تم تبني فصل وقع إدراجه في باب العضوية وهو يتصل بإلزامية التصريح بالمكاسب وفق ما ينص عليه القانون وكذلك بإلزامية التصريح بتضارب المصالح في إطار الأعمال النيابية ترسيخا لمقتضيات أحكام القانون عدد 46 لسنة 2018 المشار إليه آنفا، والذي يمنع على رئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه المشاركة في المداولة أو أخذ القرار أو التصويت سواء في الجلسة العامة للمجلس أو في اللجان بخصوص أي موضوع لهم فيه مصلحة شخصية مالية مباشرة كما يوجب هذا القانون على كل نائب إذا اعتقد أنه في وضعية تضارب مصالح إعلام رئيس مجلس نواب الشعب بذلك وعدم مواصلة المشاركة في أخذ القرار والتصويت وعلى رئيس المجلس إذا اعتقد أنه في وضعية تضارب مصالح إعلام مكتب المجلس بذلك وعدم مواصلة المشاركة في أخذ القرار والتصويت، وبعد نقاش كان هناك إجماع داخل لجنة النظام الداخلي باعتماد فصل بمشروع النظام الداخلي يؤكد إلزامية التصريح بالمكاسب والمصالح.
ولكن من خلال التعديل الذي تم إدخاله على الفصل، تم التعلل بوجود استحالة إجرائية أمام النواب في الوقت الراهن مردها أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد وقع تعليق نشاطها والحال أنها هي التي كانت تتقبل التصاريح بالمكاسب والمصالح التي يدلي بها نواب الشعب.
ولكن حتى وإن تم تعليق الهيئة فإن القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح مازال ساري المفعول ولم يقع إلغاؤه أو تنقيحه وهو ينص على أن التصريح شرط أساسي لمباشرة النائب، وعلى هذا الأساس كانت منظمة أنا يقظ قد تقدمت إثر انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب يوم الاثنين 13مارس الماضي وأداء النواب لليمين ومباشرتهم بطعن في أعمال المجلس الجديد أمام المحكمة الإدارية بدعوى في مادّة تجاوز السّلطة وتعلقت هذه الدعوى بالطعن بالإلغاء في كافّة الأعمال البرلمانيّة غير التشريعيّة لأن النواب الجدد لم يقوموا بالتصريح بمكاسبهم ومصالحهم وكذلك بمكاسب ومصالح أقرانهم وأبنائهم القصّر والحال أنّ التصريح بالنسبة للنواب يعد "شرط مباشرة" لأعمالهم كنوّاب بمقتضى الفصل 31 من القانون عدد 46 لسنة 2018.
وأشارت منظمة "أنا يقظ" في بيانها إلى أن الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد مازالت قائمة الذّات إذ أنها خاضعة للمكلّفة بتسييرها وذلك رغم غلق مقراتها المركزيّة بمقتضى قرار المكلّف بتسيير وزارة الداخليّة رضا غرسلاّوي الصادر يوم 20 أوت 2021 هذا القرار الذي طعنت فيه "أنا يقظ" الطعن بالإلغاء منذ سبتمبر 2021 ولكن المحكمة الإداريّة لم تبت في الدعوى الأمر وهي بذلك تتحمل مسؤوليّة لامشروعيّة الأعمال البرلمانيّة.
وحسب المنظمة تعتبر كل أعمال النواب باطلة وغير مشروعة قبل قيامهم بالتصريح وذكرت النواب بالأمر حكومي عدد 818 لسنة 2018 المؤرخ في11 أكتوبر 2018 المتعلق بضبط أنموذج التصريح بالمكاسب والمصالح والحد الأدنى للمكاسب والقروض والهدايا الواجب التصريح بها، والّذي يتضمن استمارة التصريح ويمكنهم استعمال هذه الاستمارة للقيام بواجبهم ودعتهم إلى الكفّ عن التحجج بالاستحالة بسبب غلق الهيئة على اعتبار أنه بإمكانهم إرسال استمارة التصريح بالمكاسب والمصالح بطريقة إلكترونيّة أو حتى عبر البريد كما أنّهم مطالبون بمقتضى القانون وفي كلّ الأحوال بتقديم نسخة من التصريح لرئيس مجلس نواب الشعب، كما بإمكان المجلس أن يطلب فتح مقر وحدة التصريح بالهيئة مثلما فعلت رئيسة الحكومة وأعضائها يوم 14 أكتوبر 2021 إذ أن غلق مقر الهيئة لم يحل دون تصريح رئيسة الحكومة وأعضائها بمكاسبهم ومصالحهم مثلما يمكنهم القيام بالتصريح مباشرة أمام محكمة المحاسبات لأن المحكمة تتلقى وجوبا نظيرا من كل التصاريح ولها أن تقوم بالتثبت من صحّتها.
التفرغ والمنحة البرلمانية
بعد المصادقة على الفصل المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح معدلا، تم التصويت خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب أمس بـ 106 نعم و6 محتفظ و5 لا على فصل نص على ما يلي:"يحجر على النائب ممارسة أي نشاط آخر بمقابل أو دون مقابل ويوضع النائب المنتمي إلى الوظيفة العمومية في حالة عدم مباشرة خاصة طبقا لمقتضيات القوانين الجاري بها العمل". وجاء هذا الفصل تنزيلا لأحكام دستور 2022، إذ أن الدستور الجديد وخلافا لدستور 2014 حجر على النائب ممارسة أي نشاط سواء بمقابل أو دونه، وهو ما يعني أن دخل النائب يتأتى من المنحة التي يحصل عليها من المجلس النيابي.
وفي هذا الإطار تضمن مشروع النظام الداخلي المعروض على التصويت فصلا يتعلق بالمنح المسندة للنواب، وخلال نقاش مقترحات تعديل هذا الفصل بدا على بعض النواب الإحساس بالحرج من التداول في مسألة المنحة البرلمانية رغم أن الفصل المعروض على التصويت لم يضبط قيمة هذه المنحة بل نص على ما يلي:"تضبط المنح الشهرية المخولة للنائب بمقتضى مقرر من رئيس المجلس بعد مصادقة المكتب ويتم إدراجها ضمن ميزانية مجلس نواب الشعب".
ولاحظ النائب محمد العامري أن مشروع النظام الداخلي للمجلس لم يأخذ بعين الاعتبار وضعيات النواب المنتخبين من جهات بعيدة ومنها الجهات الداخلية ووضعيات النواب المنتخبين من الدوائر الموجودة بالخارج وهناك منهم من يتنقل عبر الطائرة وهناك من يقطع مسافة طويلة لمباشرة مهامه النيابية وذكر أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار وضعية النواب الممثلين عن التونسيين بالخارج والممثلين عن الجهات الداخلية مع مراعاة قاعدة التناسب وفي المقابل اعترضت النائبة سيرين المرابط على هذا المقترح لأنه حسب قولها يحيل على الجهويات وذكرت أنه يمكن التنصيص على مراعاة التناسب مع عدد الكيلومترات المقطوعة ولكن كل النواب يعانون من مشاكل التنقل وبما أن جميعهم في حالة تفرغ فمن المفروض أن يقيموا في العاصمة.
وانتهى نقاش التعديلات إلى التصويت على الفصل في صيغته التالية:"تضبط المنح الشهرية المخولة للنائب بمقتضى مقرر من رئيس المجلس بعد مصادقة المكتب ويتم إدراجها ضمن ميزانية مجلس نواب الشعب وتؤخذ بعين الاعتبار وضعيات النواب المنتخبين عن دوائر التونسيين بالخارج ووضعية الممثلين عن دوائر الجهات الداخلية مع مراعاة قاعدة التناسب. وتم تمرير هذا الفصل بـ 95 نعم و7 محتفظ و19 لا.
وفي نقطة نظام أشار النائب هشام حسني إلى أنه يريد أن يوضح للرأي العام أن الشريحة الوحيدة التي لم تتحصل على تعديل في منحها منذ 2009 هم أعضاء مجلس نواب الشعب ولم يخف النائب مخاوفه من تأويل الفصل المذكور من قبل مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي.
ولا شك أن الخوف من الحديث عن المنحة البرلمانية سببه ما حصل في فترة المجلس الوطني التأسيسي حيث تم تنظيم جلسة عامة سرية خصصها النواب لمناقشة رواتبهم وامتيازاتهم وحسب ما أورده المؤرخ فتحي ليسير في كتابه دولة الهواة فقد انجلت الجلسة السرية عن قرار الترفيع بألف وخمسمائة دينار في أجر كل نائب منها 900 دينار بدل سكن و500 دينار للنقل والاتصالات مما يجعل كلفة النائب الواحد تناهز 4200 دينار، كما أشار المؤرخ إلى التصريح الذي أدلت به هالة الحامي نائبة رئيس لجنة التصرف والميزانية بالمجلس التأسيسي لإذاعة "اكسبريس أف أم" يوم 24 ماي 2012 والذي قالت فيه إن الترفيع في منحة النائب من 2200 دينار إلى 4200 دينار كان مدروسا وتقشفيا.
وبعد اللغط الذي حصل وقتها بخصوص هذه المسألة تقرر العودة إلى مبلغ المنحة الأصلية والذي يناهز 2400 دينار كأجر صاف.
كما أثير النقاش في فيفري 2016 من جديد حول أجور النواب وذلك بعد أن تقرر تمكين النواب من منحة إضافية قدرها 900 دينار بعنوان استرجاع مصاريف الإقامة في النزل والنقل والأكل وتم تفسير هذه الزيادة برغبة المجلس في التقشف، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من نواب المجلس السابق لم يكونوا متفرغين وكانت لديهم مصادر رزق أخرى خلافا للمنحة البرلمانية أما اليوم فإن وضعية النائب شبيهة بما كانت عليه في أول مجلس نيابي بعد الاستقلال وقد تم وقتها ضبط قيمة المنحة البرلمانية بمقتضى مرسوم أصدره الرئيس الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة وهو المرسوم عدد 9 لسنة 1960 المؤرخ في 20 شعبان 1379 الموافق لـ 18 فيفري 1960 والمتعلق بالمنحة البرلمانية. ونص هذا المرسوم على أن يتقاضى رئيس مجلس الأمة شهريا منحة اجمالية قدرها 200 دينار ومنحة تمثيل قدرها 150 دينارا ويمنح لأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم منحة إجمالية شهرية مقدراها 150 دينارا.
سعيدة بوهلال
ـ تحجير العمل بمقابل ودونه على النواب وضبط كيفية إسناد المنحة البرلمانية
تونس- الصباح
بعد تعديله الفصل المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح واصل مجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو جلسته العامة المخصصة للتصويت على بقية فصول مشروع نظامه الداخلي فصلا فصلا، ومن بينها الفصل المتصل بالمنحة البرلمانية.
ففي ما يتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح صادقت الجلسة العامة بـ 95 نعم 3 احتفاظ و4 رفض، على الفصل المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح في صيغة معدلة وهي الآتي ذكرها:"يتعيّن على كل عضو التصريح بالمكاسب طبقا للفصل 20 من الدستور. كما يتعين على كل عضو التصريح بتضارب المصالح في إطار أعماله النيابية. ولا يعتبر النواب ممتنعين عن القيام بالتصريح بالمكاسب أمام الاستحالة الإجرائية وتعذّر تقديم التصاريح لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تبعا لتعليق نشاطها بمقتضى التدابير الاستثنائية. ويلتزم النواب عند زوال المانع بواجب التصريح بالمكاسب والمصالح."
وللتذكير لم تتضمن الصيغة الأصلية لهذا الفصل كما ورد في المشروع الذي قدمته لجنة النظام الداخلي يوم الثلاثاء الماضي عبارة الاستحالة الإجرائية، حيث نص الفصل في صيغته الأصلية كما قرأها مقرر اللجنة النائب يوسف طرشون على أنه "يتعين على كل نائب التصريح بالمكاسب والمصالح وفق ما ينص عليه القانون كما يتعين على كل نائب التصريح بتضارب المصالح في إطار أعماله النيابية". كما جاء في تقرير اللجنة بخصوص مسألة التصريح أن الأحكام الدستورية والقانونية ذات الصلة بالتصريح بالمكاسب والمصالح مثلت الإطار العام الذي دارت فيه النقاشات صلب اللجنة المذكورة وخاصة منها الفصل 20 من الدستور الذي ينص على أن "يتولى أعضاء المجلس النيابي التصريح بمكاسبهم وفق ما يضبطه القانون"، وكذلك أحكام القانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في غرة أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وقد كان هناك إجماع داخل اللجنة على ضرورة تضمين نص مشروع النظام الداخلي أحكاما تؤكد الالتزام بالقيام بواجب التصريح كآلية أساسية وهامة في دعم الشفافية ومكافحة الفساد وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد وتجنب تضارب المصالح وكل أشكال الإثراء غير المشروع، وتماشيا مع مرتكزات الجمهورية الجديدة التي أسس لها دستور 25 جويلية 2022 تم تبني فصل وقع إدراجه في باب العضوية وهو يتصل بإلزامية التصريح بالمكاسب وفق ما ينص عليه القانون وكذلك بإلزامية التصريح بتضارب المصالح في إطار الأعمال النيابية ترسيخا لمقتضيات أحكام القانون عدد 46 لسنة 2018 المشار إليه آنفا، والذي يمنع على رئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه المشاركة في المداولة أو أخذ القرار أو التصويت سواء في الجلسة العامة للمجلس أو في اللجان بخصوص أي موضوع لهم فيه مصلحة شخصية مالية مباشرة كما يوجب هذا القانون على كل نائب إذا اعتقد أنه في وضعية تضارب مصالح إعلام رئيس مجلس نواب الشعب بذلك وعدم مواصلة المشاركة في أخذ القرار والتصويت وعلى رئيس المجلس إذا اعتقد أنه في وضعية تضارب مصالح إعلام مكتب المجلس بذلك وعدم مواصلة المشاركة في أخذ القرار والتصويت، وبعد نقاش كان هناك إجماع داخل لجنة النظام الداخلي باعتماد فصل بمشروع النظام الداخلي يؤكد إلزامية التصريح بالمكاسب والمصالح.
ولكن من خلال التعديل الذي تم إدخاله على الفصل، تم التعلل بوجود استحالة إجرائية أمام النواب في الوقت الراهن مردها أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد وقع تعليق نشاطها والحال أنها هي التي كانت تتقبل التصاريح بالمكاسب والمصالح التي يدلي بها نواب الشعب.
ولكن حتى وإن تم تعليق الهيئة فإن القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح مازال ساري المفعول ولم يقع إلغاؤه أو تنقيحه وهو ينص على أن التصريح شرط أساسي لمباشرة النائب، وعلى هذا الأساس كانت منظمة أنا يقظ قد تقدمت إثر انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب يوم الاثنين 13مارس الماضي وأداء النواب لليمين ومباشرتهم بطعن في أعمال المجلس الجديد أمام المحكمة الإدارية بدعوى في مادّة تجاوز السّلطة وتعلقت هذه الدعوى بالطعن بالإلغاء في كافّة الأعمال البرلمانيّة غير التشريعيّة لأن النواب الجدد لم يقوموا بالتصريح بمكاسبهم ومصالحهم وكذلك بمكاسب ومصالح أقرانهم وأبنائهم القصّر والحال أنّ التصريح بالنسبة للنواب يعد "شرط مباشرة" لأعمالهم كنوّاب بمقتضى الفصل 31 من القانون عدد 46 لسنة 2018.
وأشارت منظمة "أنا يقظ" في بيانها إلى أن الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد مازالت قائمة الذّات إذ أنها خاضعة للمكلّفة بتسييرها وذلك رغم غلق مقراتها المركزيّة بمقتضى قرار المكلّف بتسيير وزارة الداخليّة رضا غرسلاّوي الصادر يوم 20 أوت 2021 هذا القرار الذي طعنت فيه "أنا يقظ" الطعن بالإلغاء منذ سبتمبر 2021 ولكن المحكمة الإداريّة لم تبت في الدعوى الأمر وهي بذلك تتحمل مسؤوليّة لامشروعيّة الأعمال البرلمانيّة.
وحسب المنظمة تعتبر كل أعمال النواب باطلة وغير مشروعة قبل قيامهم بالتصريح وذكرت النواب بالأمر حكومي عدد 818 لسنة 2018 المؤرخ في11 أكتوبر 2018 المتعلق بضبط أنموذج التصريح بالمكاسب والمصالح والحد الأدنى للمكاسب والقروض والهدايا الواجب التصريح بها، والّذي يتضمن استمارة التصريح ويمكنهم استعمال هذه الاستمارة للقيام بواجبهم ودعتهم إلى الكفّ عن التحجج بالاستحالة بسبب غلق الهيئة على اعتبار أنه بإمكانهم إرسال استمارة التصريح بالمكاسب والمصالح بطريقة إلكترونيّة أو حتى عبر البريد كما أنّهم مطالبون بمقتضى القانون وفي كلّ الأحوال بتقديم نسخة من التصريح لرئيس مجلس نواب الشعب، كما بإمكان المجلس أن يطلب فتح مقر وحدة التصريح بالهيئة مثلما فعلت رئيسة الحكومة وأعضائها يوم 14 أكتوبر 2021 إذ أن غلق مقر الهيئة لم يحل دون تصريح رئيسة الحكومة وأعضائها بمكاسبهم ومصالحهم مثلما يمكنهم القيام بالتصريح مباشرة أمام محكمة المحاسبات لأن المحكمة تتلقى وجوبا نظيرا من كل التصاريح ولها أن تقوم بالتثبت من صحّتها.
التفرغ والمنحة البرلمانية
بعد المصادقة على الفصل المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح معدلا، تم التصويت خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب أمس بـ 106 نعم و6 محتفظ و5 لا على فصل نص على ما يلي:"يحجر على النائب ممارسة أي نشاط آخر بمقابل أو دون مقابل ويوضع النائب المنتمي إلى الوظيفة العمومية في حالة عدم مباشرة خاصة طبقا لمقتضيات القوانين الجاري بها العمل". وجاء هذا الفصل تنزيلا لأحكام دستور 2022، إذ أن الدستور الجديد وخلافا لدستور 2014 حجر على النائب ممارسة أي نشاط سواء بمقابل أو دونه، وهو ما يعني أن دخل النائب يتأتى من المنحة التي يحصل عليها من المجلس النيابي.
وفي هذا الإطار تضمن مشروع النظام الداخلي المعروض على التصويت فصلا يتعلق بالمنح المسندة للنواب، وخلال نقاش مقترحات تعديل هذا الفصل بدا على بعض النواب الإحساس بالحرج من التداول في مسألة المنحة البرلمانية رغم أن الفصل المعروض على التصويت لم يضبط قيمة هذه المنحة بل نص على ما يلي:"تضبط المنح الشهرية المخولة للنائب بمقتضى مقرر من رئيس المجلس بعد مصادقة المكتب ويتم إدراجها ضمن ميزانية مجلس نواب الشعب".
ولاحظ النائب محمد العامري أن مشروع النظام الداخلي للمجلس لم يأخذ بعين الاعتبار وضعيات النواب المنتخبين من جهات بعيدة ومنها الجهات الداخلية ووضعيات النواب المنتخبين من الدوائر الموجودة بالخارج وهناك منهم من يتنقل عبر الطائرة وهناك من يقطع مسافة طويلة لمباشرة مهامه النيابية وذكر أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار وضعية النواب الممثلين عن التونسيين بالخارج والممثلين عن الجهات الداخلية مع مراعاة قاعدة التناسب وفي المقابل اعترضت النائبة سيرين المرابط على هذا المقترح لأنه حسب قولها يحيل على الجهويات وذكرت أنه يمكن التنصيص على مراعاة التناسب مع عدد الكيلومترات المقطوعة ولكن كل النواب يعانون من مشاكل التنقل وبما أن جميعهم في حالة تفرغ فمن المفروض أن يقيموا في العاصمة.
وانتهى نقاش التعديلات إلى التصويت على الفصل في صيغته التالية:"تضبط المنح الشهرية المخولة للنائب بمقتضى مقرر من رئيس المجلس بعد مصادقة المكتب ويتم إدراجها ضمن ميزانية مجلس نواب الشعب وتؤخذ بعين الاعتبار وضعيات النواب المنتخبين عن دوائر التونسيين بالخارج ووضعية الممثلين عن دوائر الجهات الداخلية مع مراعاة قاعدة التناسب. وتم تمرير هذا الفصل بـ 95 نعم و7 محتفظ و19 لا.
وفي نقطة نظام أشار النائب هشام حسني إلى أنه يريد أن يوضح للرأي العام أن الشريحة الوحيدة التي لم تتحصل على تعديل في منحها منذ 2009 هم أعضاء مجلس نواب الشعب ولم يخف النائب مخاوفه من تأويل الفصل المذكور من قبل مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي.
ولا شك أن الخوف من الحديث عن المنحة البرلمانية سببه ما حصل في فترة المجلس الوطني التأسيسي حيث تم تنظيم جلسة عامة سرية خصصها النواب لمناقشة رواتبهم وامتيازاتهم وحسب ما أورده المؤرخ فتحي ليسير في كتابه دولة الهواة فقد انجلت الجلسة السرية عن قرار الترفيع بألف وخمسمائة دينار في أجر كل نائب منها 900 دينار بدل سكن و500 دينار للنقل والاتصالات مما يجعل كلفة النائب الواحد تناهز 4200 دينار، كما أشار المؤرخ إلى التصريح الذي أدلت به هالة الحامي نائبة رئيس لجنة التصرف والميزانية بالمجلس التأسيسي لإذاعة "اكسبريس أف أم" يوم 24 ماي 2012 والذي قالت فيه إن الترفيع في منحة النائب من 2200 دينار إلى 4200 دينار كان مدروسا وتقشفيا.
وبعد اللغط الذي حصل وقتها بخصوص هذه المسألة تقرر العودة إلى مبلغ المنحة الأصلية والذي يناهز 2400 دينار كأجر صاف.
كما أثير النقاش في فيفري 2016 من جديد حول أجور النواب وذلك بعد أن تقرر تمكين النواب من منحة إضافية قدرها 900 دينار بعنوان استرجاع مصاريف الإقامة في النزل والنقل والأكل وتم تفسير هذه الزيادة برغبة المجلس في التقشف، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من نواب المجلس السابق لم يكونوا متفرغين وكانت لديهم مصادر رزق أخرى خلافا للمنحة البرلمانية أما اليوم فإن وضعية النائب شبيهة بما كانت عليه في أول مجلس نيابي بعد الاستقلال وقد تم وقتها ضبط قيمة المنحة البرلمانية بمقتضى مرسوم أصدره الرئيس الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة وهو المرسوم عدد 9 لسنة 1960 المؤرخ في 20 شعبان 1379 الموافق لـ 18 فيفري 1960 والمتعلق بالمنحة البرلمانية. ونص هذا المرسوم على أن يتقاضى رئيس مجلس الأمة شهريا منحة اجمالية قدرها 200 دينار ومنحة تمثيل قدرها 150 دينارا ويمنح لأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم منحة إجمالية شهرية مقدراها 150 دينارا.