إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الخط العربي وصمت الرئيس والوزيرة والمجلس عن تهميش الحرف العربي في البلاد

 

بقلم:الأستاذ الدكتور محمود الذوادي (*)

ربما فرح كثير من المواطنين والمواطنات في المجتمع التونسي بحدث تأسيس مركز الخط العربي الذي زاره الرئيس في 22 مارس 2023 وأطنب في الحديث عنه مع وزيرة الثقافة التي مجدّتْ المشروع باعتباره معلما من التراث الثقافي العربي الإسلامي. لكن هذا الفرح سيكون أوسع وأكبر بكثير لو أن الرئيس والوزيرة ومجلس النواب الجديد يتخذون قرارات جدّية لصالح الحرف العربي في المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والقرى التونسية التي يطغى ،مثلا، في لافتاتها الخارجية والداخلية في المحلات الواسعة والمغازات المتوسطة الحجم وغيرها الحرفُ الأجنبي على الحرف العربي. فمدينة تونس العاصمة ليست فاقدة للجمال بسبب الحضور الكبير لفوضى انتصاب البائعين للسلع والملابس وغيرها على أرصفة الشوارع والأنهج فقط ، وإنما هي تخسر تاج الجمال بتهميشها حضور الحرف العربي في تلك الأماكن بحيث لا يكاد يشعر المرء أنه في عاصمة لغة بلادها الرسمية هي اللغة العربية وتدعي الانتساب إلى الهوية العربية.

خسران تونس للمنافسة مع مدينة منريال

 لا مقارنة في احترام اللغة الوطنية بين مدينة تونس بمدينة منريال كبرى مقاطعة كيباك الناطقة بالفرنسية في كندا. فالقانون اللغوي 101 في هذه المقاطعة يفرض وجوب كتابة جميع اللافتات باللغة الفرنسية فقط، اللغة الرسمية الوطنية في المقاطعة. بينما يغلب حضور الحرف الأجنبي على الحرف العربي في مدينة تونس وغيرها من المدن والقرى التونسية، رغم أن دساتير البلاد التونسية بعد الاستقلال تنادي بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوطنية الوحيدة في المجتمع التونسي.

لا تكاد تُحصى أمثلةُ المجتمعات المتقدمة التي تُستعمل فيها اللغات الوطنية أو لغات الأم وحدها في كل شيء. فاللغات هي بطاقات تعريف هويات الأفراد والمجتمعات. فكتابة معظم اللافتات أو الكثير منها بالحرف الأجنبي في البلاد التونسية يشكك في مدى مصداقية النصف الثاني لهويتها المتمثل في انتسابها إلى العروبة بواسطة مناداتها بأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية الوحيدة. وبعبارة أخرى، فالبلاد التونسية ضعيفة الوطنية اللغوية في كتابة اللافتات بأصنافها المتعددة. وفي المقابل، فالوطنية اللغوية في مقاطعة كيباك قوية للغاية. فكتابة اللافتات باللغة الوطنية / الفرنسية فقط لا تقتصر على مدينة منريال فحسب وإنما تشمل كل كبيرة وصغيرة في المقاطعة مما جعل استعمال اللغة الفرنسية فقط في الكتابة أمرا إجباريا في كل شؤون الحياة في المقاطعة. فقوانين السياسة اللغوية في كيباك تطبق بقوة الحجر اللغوي الكامل. فتُمنع نتيجة ذلك كتابةُ ُ كلمة ( وقوف) باللغة الانكليزية (Stop) في الشوارع والطرقات وتُكتب هذه الكلمة بالفرنسية فقط (Arrêt). فالزائرون لكيباك من الولايات المتحدة أو من المقاطعات الكندية الناطقة بالانكليزية يدركون من اللافتات ومن لغة حديث معظم الناس الهوية الفرنسية لكيباك.

الخط العربي وتأصيل جمال تونس

   وإذا أُخذ الرئيس والوزيرة والمجلس القرار لصالح الحرف العربي، فإن وزارة الثقافة يمكن لها أن تتبنى سياسات تعمل لصالح جمال عاصمة البلاد ومدنها وقراها وذلك بسَنّ قوانين تطالب بكتابة اللافتات بكل أصنافها بالخطوط العربية الجميلة دون أخطاء نحوية وصرفية وإملائية. ومنه، يخرج جمال الخط العربي من ضيق مركز الخط العربي الجديد لكي يصبح حاضرا في طول وعرض البلاد في جميع مدنها وقراها في الشمال والجنوب والشرق والغرب. وهكذا، تتجاوز مثل تلك السياسات اللغوية مجرد الاهتمام الخاص بالخط العربي لدى الرئيس والوزيرة في مركز الخط العربي الناشئ في العاصمة التونسية لكي يشمل كل مدن وقرى جهات البلاد فيكون حضور الحرف العربي صاحب المكانة الأولى في اللافتات في المدن والقرى التونسية.

غياب الحجر اللغوي وراء تهميش الحرف العربي

  هدتنا صدفة منافعُ الحجر الصحي ضدّ وباء الكورونا إلى حجر آخر له أيضا فوائد جمة رغم الاختلاف الكبير في طبيعتهما. فرب صدفة خير من ألف ميعاد. وُلدت لدينا نظرية جديدة لا تكاد تخطر على بال الخاصة ناهيك عن العامة. إنها نظرية الحجر اللغوي: استعمال اللغة الأم أو الوطنية فقط في كل شيء بما فيه التدريس ابتداء من حاضنات صغار الأطفال وفي المراحل الثلاث على الأقل للتعليم: الابتدائية والإعدادية والثانوية. فعلا، تلك هي العلاقة الطبيعية/السليمة بين المجتمعات والناس ولغاتهم. فحضور الحجر اللغوي أو غيابه يساعد ،مثلا، على تفسير سلوكيات التونسيات والتونسيين السليمة وغير السليمة مع اللغة العربية/الوطنية أو مع أو ضد الدارجة التونسية . يُلاحظ على التونسيات والتونسيين الذين استعملوا الفرنسية والعربية معا في الدراسة في تلك المراحل الثلاث من التعليم أنهم لا يعارضون استعمال الفرنسية حتى في أبسط الأشياء مثل كتابة شيكاتهم بالفرنسية فقط ويرحبون باستعمال الدارجة في الكتابة. وفي المقابل، فالتونسيون والتونسيات الذين درسوا في نظام الحجر اللغوي في مطلع الاستقلال في ما يُسمى شُعبة (أ) المعرَّبة هم أكثر تحمسا من غيرهم من خريجي المداس التونسية بعد الاستقلال والمدرسة الصادقية قبله في استعمال اللغة العربية والدفاع عنها ومعارضة لاستعمال الدارجة في الكتابة. تساعد مقاربة ُ الحجر اللغوي مع الحجر الصحي على تفسير الفرق بين هذين الصنفين من الخريجين. تتشابه تأثيرات كل منهما بقوة على المحجور (الصحة أو اللغة). فالإجراءات الصحية الشديدة ضد تفشي فيروس جائحة الكورونا (الابتعاد الاجتماعي ولباس الكمامات وغسل اليدين والعزل المنزلي...) تحمي الأفراد كثيرا من الإصابة بفيروس الكورونا. وبالمثل يحمي الحجر اللغوي لغات الأم أو اللغات الوطنية من تفشي فيروس انتشار استعمال اللغات الأجنبية في الحديث والكتابة. فسلامة صحة الأفراد وسلامة لغتهم هما حصيلة لهذين النوعين من الحجر. وهكذا، فالحجر اللغوي يربي نفسيا فسلوكيا الملتزمين به على إنشاء علاقة سليمة مع لغاتهم. فطه حسين المدافع على الفصحى مثال على تأثير الحجر اللغوي. فالرجل درس في الأزهر حيث العربية هي لغة تدريس كل المواد. فدراسته بالفرنسة في الجامعات الفرنسية وحداثته الفكرية لم تفسدا علاقته بالفصحى (فهو لا يكاد يتحدث بالدارجة المصرية). إنه موقف في الاتجاه المعاكس لكثير من المثقفين التونسيات والتونسيين الفاقدين للحجر اللغوي.

شعب فاقد للغته = نصف أمة هويتها وهوية قادتها مرتبكتان

 ينتقد هشام جعيط اغتراب الرئيس بورقيبة وزملائه في قرارهم التخلص من جامع الزيتونة كمؤسسة عربية إسلامية عريقة . لا يقتصر اغتراب هؤلاء على العلاقة المتوترة مع الإسلام، بل هم يشكون أيضا من اغتراب مع الجانب اللغوي من الهوية التونسية المتمثل في ضُعف حماس أغلبيتهم لسياسة التعريب بسبب فقدانهم للحجر اللغوي في دراستهم في المدرسة الصادقية وفي مدارس البعثات الفرنسية والمدارس التونسية بعد الاستقلال مما جعلهم ضعيفي الوطنية لغويا. لقد نادوا بالتحرر من الاستعمار الفرنسي في الجلاء العسكري وفي أخذ سلطات حكم البلاد وفي استرجاع الأراضي التونسية من المعمرين الفرنسيين (الجلاء الفلاحي) لكن صمت أغلبية هؤلاء بقيادة الرئيس بورقيبة عن المناداة بالاستقلال اللغوي الذي بدونه يكون ضربا من الكذب الحصول على كسب رهان الاستقلال الصحيح التام. ينادي البعض اليوم بالقيام بالمراجعات لأحوال المجتمع التونسي بعد رحيل المستعمر مثل حسين العباسي وعبد اللطيف الحناشي. من جهتنا نرى أنه من الضروري القيام بمراجعة تحليلية نقدية للقيادات السياسية والأحزاب وغيرها بعد الاستقلال والثورة التي همشت وتهمش أولوية السيادة اللغوية أم السيادات جميعا. إذ هي المربع الأول لكسب رهان السيادة الحقيقية الكاملة والمنيعة من سلوكيات مركبات النقص النفسية التي يحتضنها التونسيون والتونسيات في أشكال متنوعة . يساند المفكرون أهمية الحجر اللغوي في حماية هويات وحدود الشعوب. يجمع أهل الذكر بهذا الصدد على الأولوية الكبرى بالنسبة لتمسك المجتمعات بلغاتها لأن من يخسر لغته يكتب غيره مسيرة مستقبله. وهذا ما يعبر عنه هؤلاء بقولهم: فشعب بدون لغته الأصلية ما هو إلا نصف أمة وبالمثل قادته ومسئولوه . فيجب، إذن، على الأمة حماية لغتها أكثر من حمايتها لأراضيها لأن اللغة أمتن وأقوى حاجز حام لهويتها ولحدودها من الغابات والجبال والأنهار والبحار.

* عالم الاجتماع

 

 الخط العربي وصمت الرئيس والوزيرة والمجلس عن تهميش الحرف العربي في البلاد

 

بقلم:الأستاذ الدكتور محمود الذوادي (*)

ربما فرح كثير من المواطنين والمواطنات في المجتمع التونسي بحدث تأسيس مركز الخط العربي الذي زاره الرئيس في 22 مارس 2023 وأطنب في الحديث عنه مع وزيرة الثقافة التي مجدّتْ المشروع باعتباره معلما من التراث الثقافي العربي الإسلامي. لكن هذا الفرح سيكون أوسع وأكبر بكثير لو أن الرئيس والوزيرة ومجلس النواب الجديد يتخذون قرارات جدّية لصالح الحرف العربي في المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والقرى التونسية التي يطغى ،مثلا، في لافتاتها الخارجية والداخلية في المحلات الواسعة والمغازات المتوسطة الحجم وغيرها الحرفُ الأجنبي على الحرف العربي. فمدينة تونس العاصمة ليست فاقدة للجمال بسبب الحضور الكبير لفوضى انتصاب البائعين للسلع والملابس وغيرها على أرصفة الشوارع والأنهج فقط ، وإنما هي تخسر تاج الجمال بتهميشها حضور الحرف العربي في تلك الأماكن بحيث لا يكاد يشعر المرء أنه في عاصمة لغة بلادها الرسمية هي اللغة العربية وتدعي الانتساب إلى الهوية العربية.

خسران تونس للمنافسة مع مدينة منريال

 لا مقارنة في احترام اللغة الوطنية بين مدينة تونس بمدينة منريال كبرى مقاطعة كيباك الناطقة بالفرنسية في كندا. فالقانون اللغوي 101 في هذه المقاطعة يفرض وجوب كتابة جميع اللافتات باللغة الفرنسية فقط، اللغة الرسمية الوطنية في المقاطعة. بينما يغلب حضور الحرف الأجنبي على الحرف العربي في مدينة تونس وغيرها من المدن والقرى التونسية، رغم أن دساتير البلاد التونسية بعد الاستقلال تنادي بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوطنية الوحيدة في المجتمع التونسي.

لا تكاد تُحصى أمثلةُ المجتمعات المتقدمة التي تُستعمل فيها اللغات الوطنية أو لغات الأم وحدها في كل شيء. فاللغات هي بطاقات تعريف هويات الأفراد والمجتمعات. فكتابة معظم اللافتات أو الكثير منها بالحرف الأجنبي في البلاد التونسية يشكك في مدى مصداقية النصف الثاني لهويتها المتمثل في انتسابها إلى العروبة بواسطة مناداتها بأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية الوحيدة. وبعبارة أخرى، فالبلاد التونسية ضعيفة الوطنية اللغوية في كتابة اللافتات بأصنافها المتعددة. وفي المقابل، فالوطنية اللغوية في مقاطعة كيباك قوية للغاية. فكتابة اللافتات باللغة الوطنية / الفرنسية فقط لا تقتصر على مدينة منريال فحسب وإنما تشمل كل كبيرة وصغيرة في المقاطعة مما جعل استعمال اللغة الفرنسية فقط في الكتابة أمرا إجباريا في كل شؤون الحياة في المقاطعة. فقوانين السياسة اللغوية في كيباك تطبق بقوة الحجر اللغوي الكامل. فتُمنع نتيجة ذلك كتابةُ ُ كلمة ( وقوف) باللغة الانكليزية (Stop) في الشوارع والطرقات وتُكتب هذه الكلمة بالفرنسية فقط (Arrêt). فالزائرون لكيباك من الولايات المتحدة أو من المقاطعات الكندية الناطقة بالانكليزية يدركون من اللافتات ومن لغة حديث معظم الناس الهوية الفرنسية لكيباك.

الخط العربي وتأصيل جمال تونس

   وإذا أُخذ الرئيس والوزيرة والمجلس القرار لصالح الحرف العربي، فإن وزارة الثقافة يمكن لها أن تتبنى سياسات تعمل لصالح جمال عاصمة البلاد ومدنها وقراها وذلك بسَنّ قوانين تطالب بكتابة اللافتات بكل أصنافها بالخطوط العربية الجميلة دون أخطاء نحوية وصرفية وإملائية. ومنه، يخرج جمال الخط العربي من ضيق مركز الخط العربي الجديد لكي يصبح حاضرا في طول وعرض البلاد في جميع مدنها وقراها في الشمال والجنوب والشرق والغرب. وهكذا، تتجاوز مثل تلك السياسات اللغوية مجرد الاهتمام الخاص بالخط العربي لدى الرئيس والوزيرة في مركز الخط العربي الناشئ في العاصمة التونسية لكي يشمل كل مدن وقرى جهات البلاد فيكون حضور الحرف العربي صاحب المكانة الأولى في اللافتات في المدن والقرى التونسية.

غياب الحجر اللغوي وراء تهميش الحرف العربي

  هدتنا صدفة منافعُ الحجر الصحي ضدّ وباء الكورونا إلى حجر آخر له أيضا فوائد جمة رغم الاختلاف الكبير في طبيعتهما. فرب صدفة خير من ألف ميعاد. وُلدت لدينا نظرية جديدة لا تكاد تخطر على بال الخاصة ناهيك عن العامة. إنها نظرية الحجر اللغوي: استعمال اللغة الأم أو الوطنية فقط في كل شيء بما فيه التدريس ابتداء من حاضنات صغار الأطفال وفي المراحل الثلاث على الأقل للتعليم: الابتدائية والإعدادية والثانوية. فعلا، تلك هي العلاقة الطبيعية/السليمة بين المجتمعات والناس ولغاتهم. فحضور الحجر اللغوي أو غيابه يساعد ،مثلا، على تفسير سلوكيات التونسيات والتونسيين السليمة وغير السليمة مع اللغة العربية/الوطنية أو مع أو ضد الدارجة التونسية . يُلاحظ على التونسيات والتونسيين الذين استعملوا الفرنسية والعربية معا في الدراسة في تلك المراحل الثلاث من التعليم أنهم لا يعارضون استعمال الفرنسية حتى في أبسط الأشياء مثل كتابة شيكاتهم بالفرنسية فقط ويرحبون باستعمال الدارجة في الكتابة. وفي المقابل، فالتونسيون والتونسيات الذين درسوا في نظام الحجر اللغوي في مطلع الاستقلال في ما يُسمى شُعبة (أ) المعرَّبة هم أكثر تحمسا من غيرهم من خريجي المداس التونسية بعد الاستقلال والمدرسة الصادقية قبله في استعمال اللغة العربية والدفاع عنها ومعارضة لاستعمال الدارجة في الكتابة. تساعد مقاربة ُ الحجر اللغوي مع الحجر الصحي على تفسير الفرق بين هذين الصنفين من الخريجين. تتشابه تأثيرات كل منهما بقوة على المحجور (الصحة أو اللغة). فالإجراءات الصحية الشديدة ضد تفشي فيروس جائحة الكورونا (الابتعاد الاجتماعي ولباس الكمامات وغسل اليدين والعزل المنزلي...) تحمي الأفراد كثيرا من الإصابة بفيروس الكورونا. وبالمثل يحمي الحجر اللغوي لغات الأم أو اللغات الوطنية من تفشي فيروس انتشار استعمال اللغات الأجنبية في الحديث والكتابة. فسلامة صحة الأفراد وسلامة لغتهم هما حصيلة لهذين النوعين من الحجر. وهكذا، فالحجر اللغوي يربي نفسيا فسلوكيا الملتزمين به على إنشاء علاقة سليمة مع لغاتهم. فطه حسين المدافع على الفصحى مثال على تأثير الحجر اللغوي. فالرجل درس في الأزهر حيث العربية هي لغة تدريس كل المواد. فدراسته بالفرنسة في الجامعات الفرنسية وحداثته الفكرية لم تفسدا علاقته بالفصحى (فهو لا يكاد يتحدث بالدارجة المصرية). إنه موقف في الاتجاه المعاكس لكثير من المثقفين التونسيات والتونسيين الفاقدين للحجر اللغوي.

شعب فاقد للغته = نصف أمة هويتها وهوية قادتها مرتبكتان

 ينتقد هشام جعيط اغتراب الرئيس بورقيبة وزملائه في قرارهم التخلص من جامع الزيتونة كمؤسسة عربية إسلامية عريقة . لا يقتصر اغتراب هؤلاء على العلاقة المتوترة مع الإسلام، بل هم يشكون أيضا من اغتراب مع الجانب اللغوي من الهوية التونسية المتمثل في ضُعف حماس أغلبيتهم لسياسة التعريب بسبب فقدانهم للحجر اللغوي في دراستهم في المدرسة الصادقية وفي مدارس البعثات الفرنسية والمدارس التونسية بعد الاستقلال مما جعلهم ضعيفي الوطنية لغويا. لقد نادوا بالتحرر من الاستعمار الفرنسي في الجلاء العسكري وفي أخذ سلطات حكم البلاد وفي استرجاع الأراضي التونسية من المعمرين الفرنسيين (الجلاء الفلاحي) لكن صمت أغلبية هؤلاء بقيادة الرئيس بورقيبة عن المناداة بالاستقلال اللغوي الذي بدونه يكون ضربا من الكذب الحصول على كسب رهان الاستقلال الصحيح التام. ينادي البعض اليوم بالقيام بالمراجعات لأحوال المجتمع التونسي بعد رحيل المستعمر مثل حسين العباسي وعبد اللطيف الحناشي. من جهتنا نرى أنه من الضروري القيام بمراجعة تحليلية نقدية للقيادات السياسية والأحزاب وغيرها بعد الاستقلال والثورة التي همشت وتهمش أولوية السيادة اللغوية أم السيادات جميعا. إذ هي المربع الأول لكسب رهان السيادة الحقيقية الكاملة والمنيعة من سلوكيات مركبات النقص النفسية التي يحتضنها التونسيون والتونسيات في أشكال متنوعة . يساند المفكرون أهمية الحجر اللغوي في حماية هويات وحدود الشعوب. يجمع أهل الذكر بهذا الصدد على الأولوية الكبرى بالنسبة لتمسك المجتمعات بلغاتها لأن من يخسر لغته يكتب غيره مسيرة مستقبله. وهذا ما يعبر عنه هؤلاء بقولهم: فشعب بدون لغته الأصلية ما هو إلا نصف أمة وبالمثل قادته ومسئولوه . فيجب، إذن، على الأمة حماية لغتها أكثر من حمايتها لأراضيها لأن اللغة أمتن وأقوى حاجز حام لهويتها ولحدودها من الغابات والجبال والأنهار والبحار.

* عالم الاجتماع