إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فشل الاسلام السياسي.. وضرورة الاصلاح التربوي..

 

بقلم: د.محمد اللومي(*)

لعل المستوى الأول للمعالجات الذاتية لظاهرة الاسلام السياسي، يتمثل في ترشيد الخطاب الديني.. حسب ضوابط علمية ومأسسة.. بما يجعله قاطعا للطريق المغذية للخطاب المأدلج والمتطرف والتكفيري والعنيف بأنواعه.. أما المستوى الثاني لمعالجة البنية الذهنية والفكرية الحاضنة لظهور حركات الإسلام السياسي، والمهيأة للاستقطاب والتجييش، فيتمثل في ضرورة إصلاح مناهج التربية والتعليم.. والأمر هنا على غاية من الخطورة والأهمية.. فلا شك وأنه كما ورد على لسان" كمال عمران".."إن اختيار نمط التعليم هو اختيار لنمط الحضارة".. وفي هذا المجال.. يقول الشاذلي القليبي.. في كتابه "تونس وعوامل القلق العربي.. " ثم ، لأن برامج التعليم قليلة العناية بالمواضيع الدينية، فالشباب غير مبصرين بالفرق بين الدين وبين استعماله وسيلة دعائية، يصير بها ضربا من الأيديولوجيا، ويستعمل أداة لبلوغ مآرب".. إلى أن ينتهي بكل حصافة ورجاحة عقل إلى القول ".. ذلك أننا، تحت تأثير الثقافة الفرنسية ، انتقلنا من شطط إلى شطط مقابل، فبعد أن كانت برامج التعليم عندنا، في عهود الانحطاط، يغلب عليها الاهتمام بالدين، إذا بها، في الحقبة الجديدة، أصبحت مقطوعة العلاقة بالأمور الدينية- إن لم تكن أحيانا مناوئة لها- فتكون الأجيال الصاعدة فاقدة لمعالم الرسوخ الأخلاقي، والثبات المجتمعي، والاطمئنان الروحي. وبذلك نكون قد استكملنا أخر مرحلة من التحرر من ربقة الاستعمار الثقافي، بإحلال الاهتمامات الدينية ضمن الشواغل التربوية- باعتدال وبروية وبتدبر، حتى لا يكون المجتمع ممزقا بين شقين- شق من المتمسكين بأمور الدين على نمط عقيم، وشق من المبطلين عن عتو وكبرياء".. ننتهي حينئذ بكل وضوح إلى أن اسفاط المادة الدينية من المناهج التربوية والتعليمية ، والاستهانة بها، وعدم العمل على تبصير الناشئة بجوهر الإسلام وبتعاليمه الصحيحة في مجال العبادات كما الحضاريات، والذهاب في منطق يومئ إلى أن من شروط استقامة مقاصد التعليم.. الابتعاد عن شؤون الدين.. كل هذا إنما سيفسح المجال واسعا وشاسعا للجماعات الاسلاموية، لتنطلق في حرية مطلقة.. أدلجة وتسييسا للدين.. واستقطابا وتجييشا لناشئة اشتاقت عقولها لفهم الدين.. والنهل من تعاليمه.. واعتلت نفوسها وسقمت.. شعورا بالذنب من طول ما أهملت من أداء الواجب.. وبالرجوع إلى فريد بن بلقاسم في كتابه "الإسلام السياسي ومفهوم المخاطر".. لا يمكن أن نغفل، من ناحية أخرى, عما أتاه من إصرار على ترسيخ الوعي النقدي والنزعة العقلانية وعلى عدم إغفال الفلسفة في جميع مستويات التعليم.. وهو ما يتماهى التماهي كله مع الشاذلي القليبي.. حين يقول " ومن مسؤولية التعليم أن يوضح للشباب الصاعد أن الحضارة لا تبلغ مبالغها، من الإبداع والإشراق، إلا بالجمع بين الإيمان والعقل، وكذلك لا يقر لها قرار إلا بالتوفيق بين النظام الأخلاقي وحرية الانطلاق الفكري. وإنما، بهذا الرباع، جميعا- الإيمان والعقل والأخلاق والحرية- تكون الحضارة بمفازة من الانغلاق، مصونة من الوهم والسراب، وهي في مأمن من غائلات الأهواء".. كذلك يصر فريد بن بلقاسم على وجوب توظيف جملة من القيم الحديثة وأدخلتنها لتصبح جزءا من البنية الذهنية ومكونا من مكونات الشخصية القاعدية.. وهي القيم التي تهيئ الفرد لأن يبتعد عن نزعات التعصب والانغلاق والإقصاء، ولأن يحترم التعدد والتنوع ويتعايش مع غيره المختلف عنه.. وأجد أن نفس هاته القيم، قد تعرض لها بإسهاب الشاذلي القليبي.. فهو يقول مثلا " ونحن لا نرى في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1948- أمورا جوهرية، غابت عن روحية التعاليم الحضارية الإسلامية (ولقد كرمنا بني ادم)... بل من الممكن اعتماد الأصول الإسلامية، قصد تعزيز بعض النصوص الدولية المتعلقة ب"حقوق الإنسان"، وربما لإثرائها في مواضيع مختلفة، مثل صلة الرحم، وحقوق الجار- فردا كان أو شعبا- وواجب التكافل بين الأغنياء والفقراء- شعوبا وأمما مع اعتبار الحرب دفاعا لا عدوانا" .. مضيفا " أما الحرب، فقد كان للإسلام، في النظر إليها ، تجديد تاريخي، إذ اعتبرها وسيلة دفاعية، ومشروطة بأخلاقيات وضوابط لم تزد عليها كثيرا اتفاقات جنيف الحديثة" (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)..( فان انتهوا فان الله غفور رحيم).. وفي باب التسامح يضيف.." كما عرف المجتمع الإسلامي بجملة من التوجهات الكريمة، في مقدمتها الدعوة الملحة إلى تفضيل العفو على إضاعة الوقت والطاقات من أجل الأخذ بالثأر- كما كان الشأن في الجاهلية".. وفي باب التفتح وقبول الآخر والتعايش معه.. جاء على لسانه.." .. وجب تصحيح النظر إلى الإسلام لدى الجماهير، والتعريف بما انبنى عليه من توجهات حضارية متفتحة، هي التي جمعت حوله، منذ أول انطلاقه، شعوبا متزايدة العدد، دخلت في الأمة الإسلامية، لما أحست من خير من وراء هذا الانتماء، فسخرت طاقاتها لخدمة دين الإسلام، وثقافته ومجتمعه. وفي طليعة هذه الشعوب، ولا شك الأمة الفارسية التي بفضلها، وبفضل الشعوب المنتسبة إليها، قفزت الثقافة الإسلامية، في وقت قصير نسبيا، إلى مستوى إقليمي، مكنها من منافسة اللاتينية، التي كانت إذاك لغة الاتصال في الأقاليم المتوسطية".. ويحيلنا هذا إلى مبدأ الكونية في الإسلام، مصداقا لقوله تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"..وكذلك قيمة المساواة.. مصداقا لقوله تعالى.."يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. أما في خصوص مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع.. يقول الشاذلي القليبي.." الحقيقة أن العلاقة الزوجية، إنما هي بين طرفين مختلفين، تجمع بينهما حاجة كل منهما إلى الآخر. لكن لكل منهما من الخصوصيات- من حيث البنية الجسدية، ومن حيث التوجهات النفسانية- ما يفرض بينهما قيام ثنائية تتحكم في اقتسام الأدوار، على أساس التكامل و التلازم, فتجعل كلا الطرفين "لباسا" للآخر- كما جاء في الآية الكريمة التي وصفت هذه العلاقة ب"هن لباس لكم و أنتم لباس لهن".. والإسلام من ناحية أخرى هو دين الوسطية والاعتدال.. مصداقا لقوله تعالى "إنا جعلناكم أمة وسطا".. و"وكان بين ذلك قواما".. وحسب الشاذلي القليبي "فان القوام من أهم التوجهات التي يقول الاسلام انه أتى متمما بها ما سبقه من ديانات سماوية".. والإسلام هو دين الحوار.. حيث يقول.." والأمر "بالشورى" في عهد قيام الدعوة الإسلامية، كان طلائعيا، بل ثوريا بالنسبة إلى ما سبقها من أديان".. والإسلام دين الحرية،.. مصداقا لقوله تعالى "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. وعملا بقول الفاروق عمر بن الخطاب.. "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"..

طبيب*

 

 

 

 

 

 

 

فشل الاسلام السياسي.. وضرورة الاصلاح التربوي..

 

بقلم: د.محمد اللومي(*)

لعل المستوى الأول للمعالجات الذاتية لظاهرة الاسلام السياسي، يتمثل في ترشيد الخطاب الديني.. حسب ضوابط علمية ومأسسة.. بما يجعله قاطعا للطريق المغذية للخطاب المأدلج والمتطرف والتكفيري والعنيف بأنواعه.. أما المستوى الثاني لمعالجة البنية الذهنية والفكرية الحاضنة لظهور حركات الإسلام السياسي، والمهيأة للاستقطاب والتجييش، فيتمثل في ضرورة إصلاح مناهج التربية والتعليم.. والأمر هنا على غاية من الخطورة والأهمية.. فلا شك وأنه كما ورد على لسان" كمال عمران".."إن اختيار نمط التعليم هو اختيار لنمط الحضارة".. وفي هذا المجال.. يقول الشاذلي القليبي.. في كتابه "تونس وعوامل القلق العربي.. " ثم ، لأن برامج التعليم قليلة العناية بالمواضيع الدينية، فالشباب غير مبصرين بالفرق بين الدين وبين استعماله وسيلة دعائية، يصير بها ضربا من الأيديولوجيا، ويستعمل أداة لبلوغ مآرب".. إلى أن ينتهي بكل حصافة ورجاحة عقل إلى القول ".. ذلك أننا، تحت تأثير الثقافة الفرنسية ، انتقلنا من شطط إلى شطط مقابل، فبعد أن كانت برامج التعليم عندنا، في عهود الانحطاط، يغلب عليها الاهتمام بالدين، إذا بها، في الحقبة الجديدة، أصبحت مقطوعة العلاقة بالأمور الدينية- إن لم تكن أحيانا مناوئة لها- فتكون الأجيال الصاعدة فاقدة لمعالم الرسوخ الأخلاقي، والثبات المجتمعي، والاطمئنان الروحي. وبذلك نكون قد استكملنا أخر مرحلة من التحرر من ربقة الاستعمار الثقافي، بإحلال الاهتمامات الدينية ضمن الشواغل التربوية- باعتدال وبروية وبتدبر، حتى لا يكون المجتمع ممزقا بين شقين- شق من المتمسكين بأمور الدين على نمط عقيم، وشق من المبطلين عن عتو وكبرياء".. ننتهي حينئذ بكل وضوح إلى أن اسفاط المادة الدينية من المناهج التربوية والتعليمية ، والاستهانة بها، وعدم العمل على تبصير الناشئة بجوهر الإسلام وبتعاليمه الصحيحة في مجال العبادات كما الحضاريات، والذهاب في منطق يومئ إلى أن من شروط استقامة مقاصد التعليم.. الابتعاد عن شؤون الدين.. كل هذا إنما سيفسح المجال واسعا وشاسعا للجماعات الاسلاموية، لتنطلق في حرية مطلقة.. أدلجة وتسييسا للدين.. واستقطابا وتجييشا لناشئة اشتاقت عقولها لفهم الدين.. والنهل من تعاليمه.. واعتلت نفوسها وسقمت.. شعورا بالذنب من طول ما أهملت من أداء الواجب.. وبالرجوع إلى فريد بن بلقاسم في كتابه "الإسلام السياسي ومفهوم المخاطر".. لا يمكن أن نغفل، من ناحية أخرى, عما أتاه من إصرار على ترسيخ الوعي النقدي والنزعة العقلانية وعلى عدم إغفال الفلسفة في جميع مستويات التعليم.. وهو ما يتماهى التماهي كله مع الشاذلي القليبي.. حين يقول " ومن مسؤولية التعليم أن يوضح للشباب الصاعد أن الحضارة لا تبلغ مبالغها، من الإبداع والإشراق، إلا بالجمع بين الإيمان والعقل، وكذلك لا يقر لها قرار إلا بالتوفيق بين النظام الأخلاقي وحرية الانطلاق الفكري. وإنما، بهذا الرباع، جميعا- الإيمان والعقل والأخلاق والحرية- تكون الحضارة بمفازة من الانغلاق، مصونة من الوهم والسراب، وهي في مأمن من غائلات الأهواء".. كذلك يصر فريد بن بلقاسم على وجوب توظيف جملة من القيم الحديثة وأدخلتنها لتصبح جزءا من البنية الذهنية ومكونا من مكونات الشخصية القاعدية.. وهي القيم التي تهيئ الفرد لأن يبتعد عن نزعات التعصب والانغلاق والإقصاء، ولأن يحترم التعدد والتنوع ويتعايش مع غيره المختلف عنه.. وأجد أن نفس هاته القيم، قد تعرض لها بإسهاب الشاذلي القليبي.. فهو يقول مثلا " ونحن لا نرى في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1948- أمورا جوهرية، غابت عن روحية التعاليم الحضارية الإسلامية (ولقد كرمنا بني ادم)... بل من الممكن اعتماد الأصول الإسلامية، قصد تعزيز بعض النصوص الدولية المتعلقة ب"حقوق الإنسان"، وربما لإثرائها في مواضيع مختلفة، مثل صلة الرحم، وحقوق الجار- فردا كان أو شعبا- وواجب التكافل بين الأغنياء والفقراء- شعوبا وأمما مع اعتبار الحرب دفاعا لا عدوانا" .. مضيفا " أما الحرب، فقد كان للإسلام، في النظر إليها ، تجديد تاريخي، إذ اعتبرها وسيلة دفاعية، ومشروطة بأخلاقيات وضوابط لم تزد عليها كثيرا اتفاقات جنيف الحديثة" (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)..( فان انتهوا فان الله غفور رحيم).. وفي باب التسامح يضيف.." كما عرف المجتمع الإسلامي بجملة من التوجهات الكريمة، في مقدمتها الدعوة الملحة إلى تفضيل العفو على إضاعة الوقت والطاقات من أجل الأخذ بالثأر- كما كان الشأن في الجاهلية".. وفي باب التفتح وقبول الآخر والتعايش معه.. جاء على لسانه.." .. وجب تصحيح النظر إلى الإسلام لدى الجماهير، والتعريف بما انبنى عليه من توجهات حضارية متفتحة، هي التي جمعت حوله، منذ أول انطلاقه، شعوبا متزايدة العدد، دخلت في الأمة الإسلامية، لما أحست من خير من وراء هذا الانتماء، فسخرت طاقاتها لخدمة دين الإسلام، وثقافته ومجتمعه. وفي طليعة هذه الشعوب، ولا شك الأمة الفارسية التي بفضلها، وبفضل الشعوب المنتسبة إليها، قفزت الثقافة الإسلامية، في وقت قصير نسبيا، إلى مستوى إقليمي، مكنها من منافسة اللاتينية، التي كانت إذاك لغة الاتصال في الأقاليم المتوسطية".. ويحيلنا هذا إلى مبدأ الكونية في الإسلام، مصداقا لقوله تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"..وكذلك قيمة المساواة.. مصداقا لقوله تعالى.."يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. أما في خصوص مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع.. يقول الشاذلي القليبي.." الحقيقة أن العلاقة الزوجية، إنما هي بين طرفين مختلفين، تجمع بينهما حاجة كل منهما إلى الآخر. لكن لكل منهما من الخصوصيات- من حيث البنية الجسدية، ومن حيث التوجهات النفسانية- ما يفرض بينهما قيام ثنائية تتحكم في اقتسام الأدوار، على أساس التكامل و التلازم, فتجعل كلا الطرفين "لباسا" للآخر- كما جاء في الآية الكريمة التي وصفت هذه العلاقة ب"هن لباس لكم و أنتم لباس لهن".. والإسلام من ناحية أخرى هو دين الوسطية والاعتدال.. مصداقا لقوله تعالى "إنا جعلناكم أمة وسطا".. و"وكان بين ذلك قواما".. وحسب الشاذلي القليبي "فان القوام من أهم التوجهات التي يقول الاسلام انه أتى متمما بها ما سبقه من ديانات سماوية".. والإسلام هو دين الحوار.. حيث يقول.." والأمر "بالشورى" في عهد قيام الدعوة الإسلامية، كان طلائعيا، بل ثوريا بالنسبة إلى ما سبقها من أديان".. والإسلام دين الحرية،.. مصداقا لقوله تعالى "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. وعملا بقول الفاروق عمر بن الخطاب.. "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"..

طبيب*