إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المعارض السّياسيّ الحقيقيّ أسد تأوي إليه الجياع لا ثعلب يأكل فضلة السّباع

 

بقلم:مصدّق الشّريف

لطالما سمعنا أنّ هناك هجمة شرسة على منظمة حشاد وأنها مستهدفة أكثر من أي وقت مضى ولا نزال. وفي الواقع أنّ ما يحصل لا يعدو أن يكون إلاّ انتقادات لمسار العمل النقابي الحالي. وهي انتقادات موجهة بالتحديد إلى هياكل الاتحاد الوسطى والعليا. ومن البديهي أن تبقى المنظمة تاجا فوق رؤوس النقابييّن خصوصا والتونسيّين عموما.

وأخيرا وليس آخرا قالوا إنّ ما تدّعيه السلطة السياسية الحالية من وجود مؤامرة لقلب النظام ليس إلاّ سبيلا لتكميم الأفواه وبسط نظام ديكتاتوري يقطع كلّ نفس معارض غير مرتاح لوضع بلاده حاضرا ومستقبلا. وقيل أيضا إنّ كلّ من يسأل عن صحة رئيس الدولة أو يبدي تخوفه من مآلات قد تكون كارثية في صورة تغيّبه المستمر عن الساحة يُلاحق. وهو لعمري منطق معوجّ لا ينطلي على أحد حتى الذين ليست لديهم دراية كافية بالعمل السياسي. فشتان بين الحق في حرية الإعلام ومعرفة كلّ ما يهم شؤون البلاد من أدناها إلى أقصاها بما في ذلك الاطلاع على الحالة الصحية لرئيس الدولة وبين والإصرار على اختلاق مطبات وثغرات يقع استغلالها لبث الفوضى في البلاد وإدخالها في حالة إرباك تهيّئ لاندلاع حرب أهلية وإيهام المواطنين والمواطنات بأننا نعيش بلا دولة ولا مؤسسات تحكمها، لذا وجب تدخل المؤسسة العسكرية قبل أن يسبق السيف العذل وتنهار أعمدة الدولة على رؤوسنا جميعا.

ومن البديهي أن لا قوام لحياة سياسية ولا استمرار لها إن هي خلت من كل المقومات التي تحترم الإنسان وحقوقه السياسية والاجتماعية ولا تحفظ كرامته. فغياب المعارضة بمختلف أنواعها ومشاربها الحزبية وضع غير طبيعي. ولابدّ أن تتوفر الظروف التي تسمح للخضم السياسي أن يراقب السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في كل ما تقوم به لاسيما ونحن على يقين بأن أية سلطة حاكمة في أي بلد من بلدان العالم غير معصومة من الخطأ وقد تتجاوز القانون وتستعمله لخدمة مصالحها من حين إلى آخر حتى تضمن بقاءها أكان ذلك باللين أو بالقمع.

غير أنّنا نرى أنّ البيوت لا تدخل إلاّ من أبوابها وأنّ على السياسي المعارض الذي يحترم نفسه أن يواجه خصمه بالحجج الدامغة في وضح النهار وأن يدمغ الباطل بالحق أمام جميع الناس مستندا إلى أفكاره وبرامجه وقواعده المحيطة به. وعلى المعارض أن يكون قويا في منطقه وبرامجه الآنية والمستقبلية وفي حضوره الذهني والطرق التي يزعم توخيها لانتقاد أصحاب السلطة الحاكمة. ونرى أيضا أن الخوض في معارك انتقاد السلطة الحاكمة لا ينبغي أن يكون إلاّ في بلادنا لا خارجها وذلك بالاعتماد على ذواتنا التونسية لحما ودما دون الاستقواء بمن كانوا غرماءنا من قوى الاستعمار ولا يزالون.

وقد لاحظنا أن الطبقة السياسية المعارضة اليوم في بلادنا استعملت في مواجهة خصمها السياسي طرقا وأساليب يندى لها الجبين فيها كثير من المعرة والسقوط الأخلاقي (الاستنجاد بالسفارات الخارجية لحرمان تونس من القروض والأدوية زمن جائحة كورونا والعمل على عدم انعقاد القمة الفرنكوفونية في جربة مثالا). إنها ممارسات لا تشرف أصحابها ولا حتى أهاليهم ومناصريهم قبل أعدائهم. ولا تخلو خطبهم في أغلب الأحيان من الأراجيف واختلاق الأكاذيب والسيناريوهات التي جعلت منهم محل سخرية وأضحوكة الزمان يشار إليهم بالبنان: لا يعبأ بهم أحد ولا يستمع إليهم عاقل. وأغلب الشعب التونسي أبقهم وطردهم شرّ طردة...

إنّ ما رأيناه في أداء المعارضة، دون تعميم ولا تحامل على أحد، يجعلنا نقول إنه لا يوجد لدينا رجال في مستوى المعارضة، رجال في مستوى حلبة الصراع الفكري والسياسي قادرون على تحليل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وليست لديهم الطرق المثلى لإخراج بلادنا من أزمتها على جميع المستويات. إنهم لا يستحقون في نظرنا حتى الحديث عنهم أو مجرد ذكرهم فهم بمثابة الصفر على اليسار لا يرجى منهم خير إلاّ من رحم ربك.

وإن قيل إن الطبيعة تأبى الفراغ، فإنّ المعارك السياسية لا تقبل بأي حال من الأحوال أشباه السياسيين من نطيحة وعرجاء وما ترك السبع. بل هي تريدهم أقوياء، أشراف، أصحاب همم يقفون في مستوى الندية مع خصمهم السياسي مثلهم كمثل مصارع عنتر العبسي الذي قال فيه:

ومدَّججٍ كرِهَ الكُماة ُ نِزَالَهُ *** لا مُمْعنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسلم

 

 

 

 

المعارض السّياسيّ الحقيقيّ أسد تأوي إليه الجياع لا ثعلب يأكل فضلة السّباع

 

بقلم:مصدّق الشّريف

لطالما سمعنا أنّ هناك هجمة شرسة على منظمة حشاد وأنها مستهدفة أكثر من أي وقت مضى ولا نزال. وفي الواقع أنّ ما يحصل لا يعدو أن يكون إلاّ انتقادات لمسار العمل النقابي الحالي. وهي انتقادات موجهة بالتحديد إلى هياكل الاتحاد الوسطى والعليا. ومن البديهي أن تبقى المنظمة تاجا فوق رؤوس النقابييّن خصوصا والتونسيّين عموما.

وأخيرا وليس آخرا قالوا إنّ ما تدّعيه السلطة السياسية الحالية من وجود مؤامرة لقلب النظام ليس إلاّ سبيلا لتكميم الأفواه وبسط نظام ديكتاتوري يقطع كلّ نفس معارض غير مرتاح لوضع بلاده حاضرا ومستقبلا. وقيل أيضا إنّ كلّ من يسأل عن صحة رئيس الدولة أو يبدي تخوفه من مآلات قد تكون كارثية في صورة تغيّبه المستمر عن الساحة يُلاحق. وهو لعمري منطق معوجّ لا ينطلي على أحد حتى الذين ليست لديهم دراية كافية بالعمل السياسي. فشتان بين الحق في حرية الإعلام ومعرفة كلّ ما يهم شؤون البلاد من أدناها إلى أقصاها بما في ذلك الاطلاع على الحالة الصحية لرئيس الدولة وبين والإصرار على اختلاق مطبات وثغرات يقع استغلالها لبث الفوضى في البلاد وإدخالها في حالة إرباك تهيّئ لاندلاع حرب أهلية وإيهام المواطنين والمواطنات بأننا نعيش بلا دولة ولا مؤسسات تحكمها، لذا وجب تدخل المؤسسة العسكرية قبل أن يسبق السيف العذل وتنهار أعمدة الدولة على رؤوسنا جميعا.

ومن البديهي أن لا قوام لحياة سياسية ولا استمرار لها إن هي خلت من كل المقومات التي تحترم الإنسان وحقوقه السياسية والاجتماعية ولا تحفظ كرامته. فغياب المعارضة بمختلف أنواعها ومشاربها الحزبية وضع غير طبيعي. ولابدّ أن تتوفر الظروف التي تسمح للخضم السياسي أن يراقب السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في كل ما تقوم به لاسيما ونحن على يقين بأن أية سلطة حاكمة في أي بلد من بلدان العالم غير معصومة من الخطأ وقد تتجاوز القانون وتستعمله لخدمة مصالحها من حين إلى آخر حتى تضمن بقاءها أكان ذلك باللين أو بالقمع.

غير أنّنا نرى أنّ البيوت لا تدخل إلاّ من أبوابها وأنّ على السياسي المعارض الذي يحترم نفسه أن يواجه خصمه بالحجج الدامغة في وضح النهار وأن يدمغ الباطل بالحق أمام جميع الناس مستندا إلى أفكاره وبرامجه وقواعده المحيطة به. وعلى المعارض أن يكون قويا في منطقه وبرامجه الآنية والمستقبلية وفي حضوره الذهني والطرق التي يزعم توخيها لانتقاد أصحاب السلطة الحاكمة. ونرى أيضا أن الخوض في معارك انتقاد السلطة الحاكمة لا ينبغي أن يكون إلاّ في بلادنا لا خارجها وذلك بالاعتماد على ذواتنا التونسية لحما ودما دون الاستقواء بمن كانوا غرماءنا من قوى الاستعمار ولا يزالون.

وقد لاحظنا أن الطبقة السياسية المعارضة اليوم في بلادنا استعملت في مواجهة خصمها السياسي طرقا وأساليب يندى لها الجبين فيها كثير من المعرة والسقوط الأخلاقي (الاستنجاد بالسفارات الخارجية لحرمان تونس من القروض والأدوية زمن جائحة كورونا والعمل على عدم انعقاد القمة الفرنكوفونية في جربة مثالا). إنها ممارسات لا تشرف أصحابها ولا حتى أهاليهم ومناصريهم قبل أعدائهم. ولا تخلو خطبهم في أغلب الأحيان من الأراجيف واختلاق الأكاذيب والسيناريوهات التي جعلت منهم محل سخرية وأضحوكة الزمان يشار إليهم بالبنان: لا يعبأ بهم أحد ولا يستمع إليهم عاقل. وأغلب الشعب التونسي أبقهم وطردهم شرّ طردة...

إنّ ما رأيناه في أداء المعارضة، دون تعميم ولا تحامل على أحد، يجعلنا نقول إنه لا يوجد لدينا رجال في مستوى المعارضة، رجال في مستوى حلبة الصراع الفكري والسياسي قادرون على تحليل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وليست لديهم الطرق المثلى لإخراج بلادنا من أزمتها على جميع المستويات. إنهم لا يستحقون في نظرنا حتى الحديث عنهم أو مجرد ذكرهم فهم بمثابة الصفر على اليسار لا يرجى منهم خير إلاّ من رحم ربك.

وإن قيل إن الطبيعة تأبى الفراغ، فإنّ المعارك السياسية لا تقبل بأي حال من الأحوال أشباه السياسيين من نطيحة وعرجاء وما ترك السبع. بل هي تريدهم أقوياء، أشراف، أصحاب همم يقفون في مستوى الندية مع خصمهم السياسي مثلهم كمثل مصارع عنتر العبسي الذي قال فيه:

ومدَّججٍ كرِهَ الكُماة ُ نِزَالَهُ *** لا مُمْعنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسلم