منـذ انطـلاق شـرارة الثـورة مـع فعل "الحـرق" الـذي قام به
محمـد البوعزيزي يـوم 17 ديسـمبر 2010 تحول الجسـد
إلـى محمـل للتعبيـر وقـد اكتسـب هـذا الفعـل رمزيـة فيما بعـد وأضحى الانتحار حرقا عدوى يعبر من خلالها المنتحر عن البؤس الاجتماعي الذي يعيشه ويبررها بالمظالم التي يتعرض لها وتحوّل الانتحار من تعبير عن اليأس والانهزامية والفشل الى عمل بطولي وتجسيدا للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها بلادنا حيث بتنا كل يوم نسمع عن حادثة انتحار أسبابها متعددة ولكن نتيجتها واحدة.. جثث متفحمة بقسم الأموات بمستشفيات عدة وبقايا منتحرين يحاول الأطباء ترميم أجسادهم بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس.
مفيدة القيزاني
بلغت حالات ومحاولات الانتحار خلال شهر فيفري الماضي، 17 حالة واتسمت النسبة المسجلة بتراجع نسبي مقارنة مع شهر جانفي من نفس السنة، حسب ما جاء في التقرير الشهري للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت المنتدى في تقريره لشهر فيفري 2023 حول الهجرة والحركات الاحتجاجية والعنف ومحاولات وحالات الانتحار الى أن 70،6 بالمائة ممن أقدموا على الانتحار أو محاولات الانتحار هم من الذكور و29،4 بالمائة من الاناث.
وبلغ عدد الأشخاص الذين اقدموا على الانتحار او محاولات الانتحار من الفئة العمرية 36 سنة الى 45 سنة 5 حالات كما بلغت 5 حالات للفئة العمرية من 46 سنة الى 60 سنة وبلغت محاولات وحالات الانتحار للفئة العمرية من 16 و 25 سنة 3 حالات في ما بلغت الحالات حالتين للفئة العمرية من 26 و 35 سنة وبلغت حالة واحدة لمن هم دون 15 سنة وكذلك حالة لأكثر من60 سنة.
انتحار الأطفال..
وكشفت أرقاما حديثة لوزارة المرأة والأسرة عن تصاعد حالات الإشعار بمحاولات انتحار الأطفال بأكثر من 38 بالمائة خلال الأشهر الـ11 الاولى من سنة 2022 مقارنة بعام 2021، إذ حاول 269 طفلاً وضع حد لحياتهم، بينما انتحر 21 آخرين فعلاً.
وبحسب التقرير فقد زادت إشعارات محاولات الانتحار لدى الأطفال بنسبة 38,7 بالمائة، إذ جرى إلى حدود نهاية نوفمبر الماضي إحصاء 269 إشعارا مقابل 194 إشعارا رُصدت على امتداد 12 شهرا من سنة 2021.
أزمة دولة ومجتمع..
اعتبر الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن ظاهرة الانتحار ظاهرة صادمة للوجدان الفردي والجماعي فهي ظاهرة تمثل نتاجا لتراكم ظروف مهددة خاصة للاطفال للعيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي، كما أنها تعكس أزمة دولة وأزمة مجتمع، دولة غير قادرة على حماية مواطنيها الذين يعانون من هشاشة فكرية ونفسية واجتماعية ومجتمع غير قادر على تامين الاستقرار النفسي والاجتماعي لأطفاله وغير قادر عن توفير الحلم بغد أفضل ونشر ثقافة الحياة.
جيل مهدد..
وبين الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن جيلا برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الحماية والرعاية والمرافقة والتأطير.. جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية أحد وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها.
وهذه ظواهر ما فتئت تتسع يوما بعد آخر مثل التحرش الجنسي والاغتصاب وزنا المحارم والدعارة والادمان... لتتوج في النهاية بانتحار أطفال لم يتجاوزوا بعد مرحلة اللعب ولم يكتشفوا بعد كنه الحياة.
ظاهرة يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب آخر في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب حيث يمثل الأطفال حوالي عشر الذين انتحروا أو حاولوا الانتحار.
الانتحار.. ثقافة..
ووفق بالحاج محمد فإنه لا تكاد تفتح وسيلة إعلامية إلا وتعترضك يوميا مفردة الانتحار.. الانتحار شنقا، الانتحار حرقا، الانتحار غرقا، الانتحار السياسي، الانتحار الجماعي... وكأننا نعيش في محرقة وليس في دولة أو مجتمع وهذا ليس بغريب على ثورة انطلقت بعملية انتحار ثم تتالت بعدها عمليات الانتحار وأشكاله لتشمل الأطفال والشباب والكهول والنساء والرجال والعزاب والمتزوجين كما توزعت عموما بـ"عدالة" بين جميع جهات البلاد عوض أن تتوزع مفردات الأمل والتنمية والكرامة.
إن الانتحار هو نوع من العنف الاجتماعي أو رد عليه، لكنه عنف في أدنى درجاته، لأنه ليس موجهاً للآخر، بل موجه نحو الذات ولإيصال رسالة للآخر وللمجتمع وبالتالي تصبح حالات الانتحار عبارة عن الوجه الآخر للهجرة السرية، أو ما يعرف عند شباب تونس والمغرب العربي "بالحرقان" .
نحر الآخر..
تدعمت مفردة الانتحار في قاموسنا وسلوكنا اليومي بفعل "النحر" وهو فعل موجه لنحر الآخر وقتله وشطبه من الحياة والوجود لأنه مختلف معنا في الموقف والرؤية وحين تجتمع هذه الظاهرة(الانتحار) وهذا الفعل (النحر) فإننا نجد أنفسنا في صميم ثقافة الموت التي بدأت تخيم على مجتمعنا وثقافتنا ومزاجنا ولغتنا وهو أمر خطير يمكن الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية.
جيل متمرد ويائس..
نحن اليوم إزاء جيل يعاني حالة من الانفجار في الآمال والتطلعات والأحلام وفق الباحث طارق بالحاج محمد مضيفا أن هذا الجيل تبدو له العائلة عاجزة أو مقصرة في تحقيق هذه الآمال وحيث تعجز المدرسة عن تزويده بالمعارف والمهارات اللازمة لمواجهة الحياة ويقع فريسة للإدمان وشبكات الجريمة المنظمة مما يجعل الأطفال فريسة سهلة للسقوط في هاوية الانتحار.
فحين يلاحقنا ويلاحق هذا الطفل اليافع الماضي بالتضحيات الجسيمة التي قدمتها الأجيال التي سبقته أملاً في العيش الكريم دون جدوى، وحين يقهره الحاضر عبر الإحساس بالعجز وقلة الحيلة بشكل يفقده احترامه لذاته واحترام الآخرين له، وحين يكون المستقبل مظلماً في عيونه نظراً لعدم وجود بوادر انفراج للوضع القائم، فهل تبقى له من خيارات كبرى لانجازها في الحياة خصوصا مع هشاشته النفسية والفكرية والعاطفية؟
من المسؤول؟
تتراوح هذه المسؤولية المجتمعية بين الدولة والإعلام والمجتمع المدني والأسرة فعلى الدولة سن القوانين اللازمة لتنظيم القطاعات التابعة لها بحيث تكون حامية للطفولة عبر توفير الخدمات النفسية والاجتماعية اللازمة للإحاطة بالطفولة في هذه الحالات بحيث تصبح هذه الخدمات قارة ومتوفرة لمستحقيها.
كما يلعب الاعلام دورا أساسيا سواء باحترام اخلاقيات المهنة التي تخص الطفولة بإجراءات وشعارات وإعلانات معينة متعارف عليها عالميا،أو عبر تقديم المعارف والثقافة السيكولوجية اللازمة التي تنمي مهارات التعامل مع الأطفال في مثل هذه الوضعيات والتي تقدم إلى كل المشرفين على الفضاءات التي يؤمها الطفل ينتفع بها الأولياء والمنشطون والمربون... كما أن للمجتمع المدني دور مهم في هذه العملية يتراوح بين رقابة الدولة والإعلام وتحفيزهم على أداء دورهم وكذلك تأطير الأطفال ورعايتهم وتربيتهم على ثقافة المواطنة والمشاركة وتحمل المسؤولية بما يعزز حصانتهم النفسية.
ولكن ما يعيق هذه المقاربة الشمولية هو تشتت مجهودات المتدخلين في هذا المجال نظرا لغياب ثقافة التعاون والتشارك والعمل ضمن فريق بحسن أو بسوء نية.
الشخصية السيكوباتية..
"السيكوباتية" في أغلب الأحيان مرتبطة بالفقر وأصحابها لهم شخصية عدوانية عندما تعجز عن رد الفعل توجه عدوانيتها الى نفسها لذلك نجد أغلب "السيكوباتيين" يشوهون أجسادهم ويعتدون على أنفسهم بشفرات حلاقة أو يطفئون السجائر في أيديهم لذلك يجب معاملتهم بحذر لأن هؤلاء عندهم نزعة عدوانية خاصة عندما يتعرضون للظلم والقهر والاحتقار أمام الآخرين فلا يمكن لأي كان أن يتصور ما يمكن أن يفعلوه وكيف سيترجمون سخطهم وغضبهم وفي أغلب الأحيان يعتدي "السيكوباتي" على نفسه بالحرق لأن في ذلك عملية تنفيذية فيها مسرحية وهناك متفرجون ولما تمتزج كل هذه المعطيات وتكون هناك أرضية نفسية مهيأة لذلك لا يمكن أن تولد غير الانتحار بتلك الطريقة وذلك يسمى "العدوان المرتد" الذي يكون موجها نحو الذات ويكون في شكل مسرحي فرجوي وكأن المنتحر ينتقم لنفسه من المجتمع وكأنه يريد أن يثبت ذاته حتى في طريقة موته.
تونس-الصباح
منـذ انطـلاق شـرارة الثـورة مـع فعل "الحـرق" الـذي قام به
محمـد البوعزيزي يـوم 17 ديسـمبر 2010 تحول الجسـد
إلـى محمـل للتعبيـر وقـد اكتسـب هـذا الفعـل رمزيـة فيما بعـد وأضحى الانتحار حرقا عدوى يعبر من خلالها المنتحر عن البؤس الاجتماعي الذي يعيشه ويبررها بالمظالم التي يتعرض لها وتحوّل الانتحار من تعبير عن اليأس والانهزامية والفشل الى عمل بطولي وتجسيدا للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها بلادنا حيث بتنا كل يوم نسمع عن حادثة انتحار أسبابها متعددة ولكن نتيجتها واحدة.. جثث متفحمة بقسم الأموات بمستشفيات عدة وبقايا منتحرين يحاول الأطباء ترميم أجسادهم بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس.
مفيدة القيزاني
بلغت حالات ومحاولات الانتحار خلال شهر فيفري الماضي، 17 حالة واتسمت النسبة المسجلة بتراجع نسبي مقارنة مع شهر جانفي من نفس السنة، حسب ما جاء في التقرير الشهري للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت المنتدى في تقريره لشهر فيفري 2023 حول الهجرة والحركات الاحتجاجية والعنف ومحاولات وحالات الانتحار الى أن 70،6 بالمائة ممن أقدموا على الانتحار أو محاولات الانتحار هم من الذكور و29،4 بالمائة من الاناث.
وبلغ عدد الأشخاص الذين اقدموا على الانتحار او محاولات الانتحار من الفئة العمرية 36 سنة الى 45 سنة 5 حالات كما بلغت 5 حالات للفئة العمرية من 46 سنة الى 60 سنة وبلغت محاولات وحالات الانتحار للفئة العمرية من 16 و 25 سنة 3 حالات في ما بلغت الحالات حالتين للفئة العمرية من 26 و 35 سنة وبلغت حالة واحدة لمن هم دون 15 سنة وكذلك حالة لأكثر من60 سنة.
انتحار الأطفال..
وكشفت أرقاما حديثة لوزارة المرأة والأسرة عن تصاعد حالات الإشعار بمحاولات انتحار الأطفال بأكثر من 38 بالمائة خلال الأشهر الـ11 الاولى من سنة 2022 مقارنة بعام 2021، إذ حاول 269 طفلاً وضع حد لحياتهم، بينما انتحر 21 آخرين فعلاً.
وبحسب التقرير فقد زادت إشعارات محاولات الانتحار لدى الأطفال بنسبة 38,7 بالمائة، إذ جرى إلى حدود نهاية نوفمبر الماضي إحصاء 269 إشعارا مقابل 194 إشعارا رُصدت على امتداد 12 شهرا من سنة 2021.
أزمة دولة ومجتمع..
اعتبر الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن ظاهرة الانتحار ظاهرة صادمة للوجدان الفردي والجماعي فهي ظاهرة تمثل نتاجا لتراكم ظروف مهددة خاصة للاطفال للعيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي، كما أنها تعكس أزمة دولة وأزمة مجتمع، دولة غير قادرة على حماية مواطنيها الذين يعانون من هشاشة فكرية ونفسية واجتماعية ومجتمع غير قادر على تامين الاستقرار النفسي والاجتماعي لأطفاله وغير قادر عن توفير الحلم بغد أفضل ونشر ثقافة الحياة.
جيل مهدد..
وبين الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن جيلا برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الحماية والرعاية والمرافقة والتأطير.. جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية أحد وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها.
وهذه ظواهر ما فتئت تتسع يوما بعد آخر مثل التحرش الجنسي والاغتصاب وزنا المحارم والدعارة والادمان... لتتوج في النهاية بانتحار أطفال لم يتجاوزوا بعد مرحلة اللعب ولم يكتشفوا بعد كنه الحياة.
ظاهرة يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب آخر في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب حيث يمثل الأطفال حوالي عشر الذين انتحروا أو حاولوا الانتحار.
الانتحار.. ثقافة..
ووفق بالحاج محمد فإنه لا تكاد تفتح وسيلة إعلامية إلا وتعترضك يوميا مفردة الانتحار.. الانتحار شنقا، الانتحار حرقا، الانتحار غرقا، الانتحار السياسي، الانتحار الجماعي... وكأننا نعيش في محرقة وليس في دولة أو مجتمع وهذا ليس بغريب على ثورة انطلقت بعملية انتحار ثم تتالت بعدها عمليات الانتحار وأشكاله لتشمل الأطفال والشباب والكهول والنساء والرجال والعزاب والمتزوجين كما توزعت عموما بـ"عدالة" بين جميع جهات البلاد عوض أن تتوزع مفردات الأمل والتنمية والكرامة.
إن الانتحار هو نوع من العنف الاجتماعي أو رد عليه، لكنه عنف في أدنى درجاته، لأنه ليس موجهاً للآخر، بل موجه نحو الذات ولإيصال رسالة للآخر وللمجتمع وبالتالي تصبح حالات الانتحار عبارة عن الوجه الآخر للهجرة السرية، أو ما يعرف عند شباب تونس والمغرب العربي "بالحرقان" .
نحر الآخر..
تدعمت مفردة الانتحار في قاموسنا وسلوكنا اليومي بفعل "النحر" وهو فعل موجه لنحر الآخر وقتله وشطبه من الحياة والوجود لأنه مختلف معنا في الموقف والرؤية وحين تجتمع هذه الظاهرة(الانتحار) وهذا الفعل (النحر) فإننا نجد أنفسنا في صميم ثقافة الموت التي بدأت تخيم على مجتمعنا وثقافتنا ومزاجنا ولغتنا وهو أمر خطير يمكن الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية.
جيل متمرد ويائس..
نحن اليوم إزاء جيل يعاني حالة من الانفجار في الآمال والتطلعات والأحلام وفق الباحث طارق بالحاج محمد مضيفا أن هذا الجيل تبدو له العائلة عاجزة أو مقصرة في تحقيق هذه الآمال وحيث تعجز المدرسة عن تزويده بالمعارف والمهارات اللازمة لمواجهة الحياة ويقع فريسة للإدمان وشبكات الجريمة المنظمة مما يجعل الأطفال فريسة سهلة للسقوط في هاوية الانتحار.
فحين يلاحقنا ويلاحق هذا الطفل اليافع الماضي بالتضحيات الجسيمة التي قدمتها الأجيال التي سبقته أملاً في العيش الكريم دون جدوى، وحين يقهره الحاضر عبر الإحساس بالعجز وقلة الحيلة بشكل يفقده احترامه لذاته واحترام الآخرين له، وحين يكون المستقبل مظلماً في عيونه نظراً لعدم وجود بوادر انفراج للوضع القائم، فهل تبقى له من خيارات كبرى لانجازها في الحياة خصوصا مع هشاشته النفسية والفكرية والعاطفية؟
من المسؤول؟
تتراوح هذه المسؤولية المجتمعية بين الدولة والإعلام والمجتمع المدني والأسرة فعلى الدولة سن القوانين اللازمة لتنظيم القطاعات التابعة لها بحيث تكون حامية للطفولة عبر توفير الخدمات النفسية والاجتماعية اللازمة للإحاطة بالطفولة في هذه الحالات بحيث تصبح هذه الخدمات قارة ومتوفرة لمستحقيها.
كما يلعب الاعلام دورا أساسيا سواء باحترام اخلاقيات المهنة التي تخص الطفولة بإجراءات وشعارات وإعلانات معينة متعارف عليها عالميا،أو عبر تقديم المعارف والثقافة السيكولوجية اللازمة التي تنمي مهارات التعامل مع الأطفال في مثل هذه الوضعيات والتي تقدم إلى كل المشرفين على الفضاءات التي يؤمها الطفل ينتفع بها الأولياء والمنشطون والمربون... كما أن للمجتمع المدني دور مهم في هذه العملية يتراوح بين رقابة الدولة والإعلام وتحفيزهم على أداء دورهم وكذلك تأطير الأطفال ورعايتهم وتربيتهم على ثقافة المواطنة والمشاركة وتحمل المسؤولية بما يعزز حصانتهم النفسية.
ولكن ما يعيق هذه المقاربة الشمولية هو تشتت مجهودات المتدخلين في هذا المجال نظرا لغياب ثقافة التعاون والتشارك والعمل ضمن فريق بحسن أو بسوء نية.
الشخصية السيكوباتية..
"السيكوباتية" في أغلب الأحيان مرتبطة بالفقر وأصحابها لهم شخصية عدوانية عندما تعجز عن رد الفعل توجه عدوانيتها الى نفسها لذلك نجد أغلب "السيكوباتيين" يشوهون أجسادهم ويعتدون على أنفسهم بشفرات حلاقة أو يطفئون السجائر في أيديهم لذلك يجب معاملتهم بحذر لأن هؤلاء عندهم نزعة عدوانية خاصة عندما يتعرضون للظلم والقهر والاحتقار أمام الآخرين فلا يمكن لأي كان أن يتصور ما يمكن أن يفعلوه وكيف سيترجمون سخطهم وغضبهم وفي أغلب الأحيان يعتدي "السيكوباتي" على نفسه بالحرق لأن في ذلك عملية تنفيذية فيها مسرحية وهناك متفرجون ولما تمتزج كل هذه المعطيات وتكون هناك أرضية نفسية مهيأة لذلك لا يمكن أن تولد غير الانتحار بتلك الطريقة وذلك يسمى "العدوان المرتد" الذي يكون موجها نحو الذات ويكون في شكل مسرحي فرجوي وكأن المنتحر ينتقم لنفسه من المجتمع وكأنه يريد أن يثبت ذاته حتى في طريقة موته.