إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم ضمه قامات فنية | "الجبل الأحمر".. هنات في الحبكة الدرامية والإثارة غائبة !

 

*"الفلاش باك" في المسلسل النقطة المضيئة.. ولكن!

  *الاشتغال تحت ضغط الوقت من العناصر التي أثرت سلبا على جودة العمل

تونس-الصباح

على غرار العديد من الأعمال الدرامية، العربية منها والمحلية غلب عنصر الإثارة والتشويق على المسلسلات ولم تزل الأعمال الاجتماعية والعائلية في مقدمة الرهانات الفنية..

 لكن ما يستدعي انتباه المتأمل في الأعمال الرمضانية المقدمة حاليا، في ظل الركود الذي طال جميع القطاعات، هو ندرة الانتاجات الدرامية التونسية مقابل تنوع الأعمال الكوميدية، والحال أن الساحة الفنية تزخر بالطاقات الإبداعية كان من الأجدر أن تتمتع الجماهير الواسعة بوجودها وأدائها من خلال التماهي في تجسيد شخصيات معقدة ومتنوعة وإثراء رصيد الأعمال الفنية ..

ومن المؤكد أن العديد من الأسباب كانت وراء عدم استقرار الأعمال على المستوى الكمي خلال السنوات الأخيرة يرجعها البعض إلى فقدان "سيناريست" من طينة الكبار فيما يذهب البعض الآخر إلى أنّ سيطرة المستشهرين على الإنتاج وطغيان البعد التجاري وتخمة الأعمال الكوميدية التي عادة ما تستجيب لرغبات الجماهير، بدل مراعاة الجانبين الإبداعي والفني، كان وراء تراجع قيمة الأعمال وتدني المضامين..

في ذات السياق وفي إطار الحديث عن الأعمال الرمضانية على القناة الوطنية أو على القنوات الخاصة هذه السنة، بدت ملامح النقائص الفنية تهيمن على أغلب أحداث المسلسلات على غرار "الجبل الاحمر" للمخرج الشاب ربيع التكالي في "القناة الأم".. لعل ذلك يرجع بالأساس إلى ضيق وقت التصوير (مدة التصوير لم تتجاوز الشهرين) وعدم تمتع المخرج الشاب بالخبرة الكافية من حيث تأطير الممثلين وتوظيف قدراتهم الإبداعية الهائلة في إيصال المضامين والإيحاءات في عالم بدا متشعبا، يعكس أغوار أعرق الأحياء الشعبية المليئة بالأحداث المتنوعة والمثيرة..

ضيق الوقت حتما كان له الأثر البليغ على مستوى الإضاءة و"الكرونولوجيك" وبناء الشخصيات، كما التصور الفني وإن اقترن بأسماء نجوم كبار مثل فتحي الهداوي والشاذلي العرفاوي ودليلة المفتاحي ومحمد السياري ونصر الدين السهيلي.. فالأحداث في مجملها غلبت عليها الرتابة والتباطؤ في النسق، نظرا لغياب الحبكة الدرامية وعمق الطرح، كأن المتفرج بصدد متابعة أجزاء متقطعة من أعمال درامية مختلفة..

ومن الواضح أن المخرج الشاب ربيع التكالي أراد أن يترك بصمة ومميزات خاصة على مستوى تقنية الرؤية الإخراجية لكنه لم ينجح -على الأقل إلى حدود الحلقة الثامنة- نظرا للتقلبات غير المقنعة للأحداث وتشتت الواقع الدرامي بين الحين والآخر، ربما يرجع ذلك أيضا إلى مشاركته كتابة السيناريو مع ثلة من "السينياريست" الشبان على غرار أحمد الخموري وطارق المؤدب وعزيز باي وشهير التكالي وعزمي سعيد..

مخرج "الجبل الأحمر" من الواضح أنه أراد -رغم تواضع تجاربه الفنية- أن يكون المسلسل بمثابة الانطلاقة المبهرة في مسيرته من خلال اعتماده تقنيات حديثة في التصوير، لكن لا نظن أنه بلغ المراد رغم حرصه على أن يكون العمل متماشيا مع أذواق أجيال جديدة تميل إلى كل ماهو مختلف وجريء..

صحيح أن الدراما عامة عليها أن تسعى إلى الإجابة عن الاسئلة الوجودية الكبرى باعتبار أن ماهية الإنسان دائما ما تتعلق بمعاناته والغموض الذي يكتنفه، وهو ما سعى إلى توظيفه مخرج "الجبل الأحمر" ولو في جزء من "العالم التونسي" ، لكن أطوار المسلسل وقيمته الدرامية كان بإمكانها أن تكون أعمق وأثرى فنيا لو كان تصوير الاحداث في نفس المكان، محور العمل، اي بين انهج الجبل الأحمر لا في احياء شعبية أخرى..ما من شأنه أن يجعل الأحداث تتماهى مع هوية الحي ومميزات الجو العام.. كما أن التوقيت الذي دارت فيه جل الأحداث وهو الجزء الأخير من الليل، إحالة من صاحب العمل إلى سواد ومرارة واقع يترصد أهالي الحي، لم يكن إيجابيا من حيث سرعة وتطور التسلسل السردي وتواتره مما أثر على عنصر الفرجة والإثارة لتطغى الرتابة والبطء في نسق الأحداث..

"كاستينغ" ناجح..ولكن!

أما على مستوى إدارة "الكاستينغ"، فلا شك أن اختيار ممثلي ادوار البطولة كان موفقا بمشاركة ثلة من النجوم في "الجبل الأحمر"، فضلا عن إبداعهم في ظروف تصوير بدت شاقة باعتبار ضيق الوقت والالتزام به..

نجوم ابدعوا وأضافوا الكثير للمسلسل ولكن نظرا لعدم تماسك الحبكة الدرامية وتسلسلها بدت بعض اللقطات وكأنها تندرج ضمن المسرح المتلفز أو انك بصدد مشاهدة "ستنداب" مقتضب لشخصيات متعددة على غرار دور "كوشمار" للشاذلي العرفاوي أو "لمين" لنصر الدين السهيلي الذي سيطر على أغلب المشاهد وكانت له مساحة شاسعة في تقمص الشخصية وبنائها، ربما لتمرسه وتجربته الكبيرة سواء في الاخراج أو التمثيل أو لدرايته الواسعة بخصائص الأحياء الشعبية مما ساعده على الإبداع وإتقان الدور، وهو الذي ساهم مؤخرا في إخراج وثائقي يتعلق بمعاناة الشبان القانطين بحي هلال حيث تواصل مع غالبيتهم بكل تجرد ونجح في تعرية واقع قاس إلى أبعد الحدود..

من ناحية أخرى وعلى مستوى التمثيل وكتابة السيناريو كان "الفلاش باك" حاضرا بطريقة متميزة غلب عليه السجع وكان ترجمانا لمعاناة أغلب الشخصيات..كلام عميق في معانيه يحيل إلى معاناة أصحاب الصوت و"الايكو" ومسيرة اضطهاد لم تنته باعتبار أن القدر رسم لهم طريقا منذ نعومة أظفارهم لم يستطيعوا تجنبه نتيجة ظروف قاهرة لازمتهم وأبت أن تفارقهم..ولكن "الفلاش باك" بقدر ما أنجزت نصوصه بحرفية عالية لم يكن نسق الأحداث بحاجة إلى تواتر استحضار جزء من حياة الشخصيات، حيث بدا المخرج ربيع التكالي متأثرا بشكل واضح بتقنيات السلسلات العالمية..

من جانب آخر وفي إطار الحديث عن تقمص الشخصيات كان وجود بعض الوجوه الشابة بمثابة الهنة على مستوى التمثيل وجودة المحتوى،بل نشاز كان على الأرجح تجنبه ذلك أن إدارة التمثيل لم تتمكن من تأطيرهم بالشكل المطلوب لتتشكل فجوة واضحة بين نجوم العمل وأصحاب الأدوار الثانوية..

وليد عبداللاوي

 

 

 

رغم ضمه قامات فنية  | "الجبل الأحمر".. هنات في الحبكة الدرامية والإثارة غائبة !

 

*"الفلاش باك" في المسلسل النقطة المضيئة.. ولكن!

  *الاشتغال تحت ضغط الوقت من العناصر التي أثرت سلبا على جودة العمل

تونس-الصباح

على غرار العديد من الأعمال الدرامية، العربية منها والمحلية غلب عنصر الإثارة والتشويق على المسلسلات ولم تزل الأعمال الاجتماعية والعائلية في مقدمة الرهانات الفنية..

 لكن ما يستدعي انتباه المتأمل في الأعمال الرمضانية المقدمة حاليا، في ظل الركود الذي طال جميع القطاعات، هو ندرة الانتاجات الدرامية التونسية مقابل تنوع الأعمال الكوميدية، والحال أن الساحة الفنية تزخر بالطاقات الإبداعية كان من الأجدر أن تتمتع الجماهير الواسعة بوجودها وأدائها من خلال التماهي في تجسيد شخصيات معقدة ومتنوعة وإثراء رصيد الأعمال الفنية ..

ومن المؤكد أن العديد من الأسباب كانت وراء عدم استقرار الأعمال على المستوى الكمي خلال السنوات الأخيرة يرجعها البعض إلى فقدان "سيناريست" من طينة الكبار فيما يذهب البعض الآخر إلى أنّ سيطرة المستشهرين على الإنتاج وطغيان البعد التجاري وتخمة الأعمال الكوميدية التي عادة ما تستجيب لرغبات الجماهير، بدل مراعاة الجانبين الإبداعي والفني، كان وراء تراجع قيمة الأعمال وتدني المضامين..

في ذات السياق وفي إطار الحديث عن الأعمال الرمضانية على القناة الوطنية أو على القنوات الخاصة هذه السنة، بدت ملامح النقائص الفنية تهيمن على أغلب أحداث المسلسلات على غرار "الجبل الاحمر" للمخرج الشاب ربيع التكالي في "القناة الأم".. لعل ذلك يرجع بالأساس إلى ضيق وقت التصوير (مدة التصوير لم تتجاوز الشهرين) وعدم تمتع المخرج الشاب بالخبرة الكافية من حيث تأطير الممثلين وتوظيف قدراتهم الإبداعية الهائلة في إيصال المضامين والإيحاءات في عالم بدا متشعبا، يعكس أغوار أعرق الأحياء الشعبية المليئة بالأحداث المتنوعة والمثيرة..

ضيق الوقت حتما كان له الأثر البليغ على مستوى الإضاءة و"الكرونولوجيك" وبناء الشخصيات، كما التصور الفني وإن اقترن بأسماء نجوم كبار مثل فتحي الهداوي والشاذلي العرفاوي ودليلة المفتاحي ومحمد السياري ونصر الدين السهيلي.. فالأحداث في مجملها غلبت عليها الرتابة والتباطؤ في النسق، نظرا لغياب الحبكة الدرامية وعمق الطرح، كأن المتفرج بصدد متابعة أجزاء متقطعة من أعمال درامية مختلفة..

ومن الواضح أن المخرج الشاب ربيع التكالي أراد أن يترك بصمة ومميزات خاصة على مستوى تقنية الرؤية الإخراجية لكنه لم ينجح -على الأقل إلى حدود الحلقة الثامنة- نظرا للتقلبات غير المقنعة للأحداث وتشتت الواقع الدرامي بين الحين والآخر، ربما يرجع ذلك أيضا إلى مشاركته كتابة السيناريو مع ثلة من "السينياريست" الشبان على غرار أحمد الخموري وطارق المؤدب وعزيز باي وشهير التكالي وعزمي سعيد..

مخرج "الجبل الأحمر" من الواضح أنه أراد -رغم تواضع تجاربه الفنية- أن يكون المسلسل بمثابة الانطلاقة المبهرة في مسيرته من خلال اعتماده تقنيات حديثة في التصوير، لكن لا نظن أنه بلغ المراد رغم حرصه على أن يكون العمل متماشيا مع أذواق أجيال جديدة تميل إلى كل ماهو مختلف وجريء..

صحيح أن الدراما عامة عليها أن تسعى إلى الإجابة عن الاسئلة الوجودية الكبرى باعتبار أن ماهية الإنسان دائما ما تتعلق بمعاناته والغموض الذي يكتنفه، وهو ما سعى إلى توظيفه مخرج "الجبل الأحمر" ولو في جزء من "العالم التونسي" ، لكن أطوار المسلسل وقيمته الدرامية كان بإمكانها أن تكون أعمق وأثرى فنيا لو كان تصوير الاحداث في نفس المكان، محور العمل، اي بين انهج الجبل الأحمر لا في احياء شعبية أخرى..ما من شأنه أن يجعل الأحداث تتماهى مع هوية الحي ومميزات الجو العام.. كما أن التوقيت الذي دارت فيه جل الأحداث وهو الجزء الأخير من الليل، إحالة من صاحب العمل إلى سواد ومرارة واقع يترصد أهالي الحي، لم يكن إيجابيا من حيث سرعة وتطور التسلسل السردي وتواتره مما أثر على عنصر الفرجة والإثارة لتطغى الرتابة والبطء في نسق الأحداث..

"كاستينغ" ناجح..ولكن!

أما على مستوى إدارة "الكاستينغ"، فلا شك أن اختيار ممثلي ادوار البطولة كان موفقا بمشاركة ثلة من النجوم في "الجبل الأحمر"، فضلا عن إبداعهم في ظروف تصوير بدت شاقة باعتبار ضيق الوقت والالتزام به..

نجوم ابدعوا وأضافوا الكثير للمسلسل ولكن نظرا لعدم تماسك الحبكة الدرامية وتسلسلها بدت بعض اللقطات وكأنها تندرج ضمن المسرح المتلفز أو انك بصدد مشاهدة "ستنداب" مقتضب لشخصيات متعددة على غرار دور "كوشمار" للشاذلي العرفاوي أو "لمين" لنصر الدين السهيلي الذي سيطر على أغلب المشاهد وكانت له مساحة شاسعة في تقمص الشخصية وبنائها، ربما لتمرسه وتجربته الكبيرة سواء في الاخراج أو التمثيل أو لدرايته الواسعة بخصائص الأحياء الشعبية مما ساعده على الإبداع وإتقان الدور، وهو الذي ساهم مؤخرا في إخراج وثائقي يتعلق بمعاناة الشبان القانطين بحي هلال حيث تواصل مع غالبيتهم بكل تجرد ونجح في تعرية واقع قاس إلى أبعد الحدود..

من ناحية أخرى وعلى مستوى التمثيل وكتابة السيناريو كان "الفلاش باك" حاضرا بطريقة متميزة غلب عليه السجع وكان ترجمانا لمعاناة أغلب الشخصيات..كلام عميق في معانيه يحيل إلى معاناة أصحاب الصوت و"الايكو" ومسيرة اضطهاد لم تنته باعتبار أن القدر رسم لهم طريقا منذ نعومة أظفارهم لم يستطيعوا تجنبه نتيجة ظروف قاهرة لازمتهم وأبت أن تفارقهم..ولكن "الفلاش باك" بقدر ما أنجزت نصوصه بحرفية عالية لم يكن نسق الأحداث بحاجة إلى تواتر استحضار جزء من حياة الشخصيات، حيث بدا المخرج ربيع التكالي متأثرا بشكل واضح بتقنيات السلسلات العالمية..

من جانب آخر وفي إطار الحديث عن تقمص الشخصيات كان وجود بعض الوجوه الشابة بمثابة الهنة على مستوى التمثيل وجودة المحتوى،بل نشاز كان على الأرجح تجنبه ذلك أن إدارة التمثيل لم تتمكن من تأطيرهم بالشكل المطلوب لتتشكل فجوة واضحة بين نجوم العمل وأصحاب الأدوار الثانوية..

وليد عبداللاوي