إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

محرز بن خلف " سلطان المدينة " ورائد التسامح في تونس

بقلم: شاكر الشرفي(*)
 
تتعدد مظاهر التخلف لأننا أمام ظاهرة مركبة  متعددة الأبعاد. يتداخل في التخلف البعد الاقتصادي بالبعد الثقافي هذا دون أن ننسى البعدين الاجتماعي والسياسي. ومن مظاهر التخلف عدم الإلمام بالتاريخ وتجاهل ما يحفل به من وقائع وأحداث وشخصيات اثرت في مساره وصنعت بعض جزئياته وتفاصيله. نستحضر هذه الخلفية ونحن نلاحظ ما يلف من مرور ألف عام على ميلاد محرز بن خلف من صمت يطرح أكثر من سؤال خاصة بعد أن وقع إلغاء بعض الفعاليات التي أعدت للاحتفاء بالمناسبة دون تقديم سبب سواء كان مقنعا أم لا. لا نريد أن نكون مع أولئك الذين يعتبرون أن تجاهل محرز بن خلف يعود إلى أنه تصدى لرغبة البعض إجبار التونسيين على اتباع المذهب الشيعي في ظرف لا يخفي فيه بعض من تولى المسؤولية حديثا ضعفا تجاه محاولات التفكيك المذهبي والاثني لتونس لأن الأمر يحتاج إلى تنسيب من الناحية التاريخية ولأن هوية الشعب التونسي واضحة من الصعب أن يقع التلاعب بها .
محرز بن خلف أرقى من أن يلفه النسيان أو أن يقع توظيف سيرته أيديولوجيا. ليس من باب الصدفة أن مكانته في وجدان الشعب التونسي لم تضعف بل حافظ على حضور كبير يتجلى في أن الوعي الشعبي اختار له صفة "سلطان المدينة" والتي تدل على مكانته الاعتبارية وسلطاته الرمزية والمعنوية.  ولا شك أن هذا " الرأسمال الرمزي" لم يأت من فراغ بل يعود إلى جوانب وعوامل ترتبط بسيرة محرز بن خلف. ينحدر محرز بن خلف من عائلة تتصل بالنسب بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وأما من جهة الأم فأن من بين أقاربه الذين عاصروه وكان على صلة بهم أبي عبد الله بن أبي زيد القيرواني وأبي إسحاق الجبنياني. وقد تفاعل معهما وبادلهما التأثير والتأثر. وهنا يتعين الإشارة إلى أنه كان وراء دفع أبي عبد الله بن أبي زيد القيرواني إلى تأليف كتاب "الرسالة" الذي يمثل تبسيطا لموطأ مالك بن أنس. كرٌس محرز بن خلف حياته للعلم والعمل والعبادة والعمل الصالح. تولى التدريس في أريانة ثم قرطاج، التي كانت تسمى في عهده مرسى الروم، قبل أن يستقر به المقام في ربض باب سويقة الذي كان وراء تعميره بعد أن وضع فيه نواة سوق. وهذا يعني أن محرز بن خلف هو الذي أسس منطقة باب سويقة خاصة وأن السويقة هي من الناحية اللغوية تصغير لكلمة سوق. وهذا يعني أن الرجل ترك بصمته في كل ما عرفته تونس من أحداث خاصة وأن باب سويقة تميز بحركية لافتة ووفر للمجتمع التونسي كفاءات وقيادات في عدة مجالات وفي مختلف الحقب. لا يمكن الحديث عن محرز بن خلف دون الحديث عن الحماية التي وفرها لليهود وهو ما يعتبر عملا رياديا خاصة حين ننزله في سياق الهوس الديني الذي أصاب أوروبا في ذلك العصر وجعلها تعادي المسلمين واليهود.  تصدى محرز بن خلف لمحاولات فرض التشيع ولم يفعل ذلك من خلفية مذهبية بل لأن هذه المحاولات كانت تخفي وراءها رغبات هيمنة ولجأت للترويع والتنكيل. 
ولا شك أن أبرز ما يحسب بمحرم بن خلف أنه لم ينل مكانته في وجدان الشعب التونسي بالكرامات وخوارق العادات بل بفضل العمل الصالح والاجتهاد ونشر العلم وتكريس القدوة الحسنة وهو ما نحتاج إليه اليوم. 
 
*رئيس جمعية محرز بن خلف الثقافية
 
  محرز بن خلف " سلطان المدينة " ورائد التسامح في تونس
بقلم: شاكر الشرفي(*)
 
تتعدد مظاهر التخلف لأننا أمام ظاهرة مركبة  متعددة الأبعاد. يتداخل في التخلف البعد الاقتصادي بالبعد الثقافي هذا دون أن ننسى البعدين الاجتماعي والسياسي. ومن مظاهر التخلف عدم الإلمام بالتاريخ وتجاهل ما يحفل به من وقائع وأحداث وشخصيات اثرت في مساره وصنعت بعض جزئياته وتفاصيله. نستحضر هذه الخلفية ونحن نلاحظ ما يلف من مرور ألف عام على ميلاد محرز بن خلف من صمت يطرح أكثر من سؤال خاصة بعد أن وقع إلغاء بعض الفعاليات التي أعدت للاحتفاء بالمناسبة دون تقديم سبب سواء كان مقنعا أم لا. لا نريد أن نكون مع أولئك الذين يعتبرون أن تجاهل محرز بن خلف يعود إلى أنه تصدى لرغبة البعض إجبار التونسيين على اتباع المذهب الشيعي في ظرف لا يخفي فيه بعض من تولى المسؤولية حديثا ضعفا تجاه محاولات التفكيك المذهبي والاثني لتونس لأن الأمر يحتاج إلى تنسيب من الناحية التاريخية ولأن هوية الشعب التونسي واضحة من الصعب أن يقع التلاعب بها .
محرز بن خلف أرقى من أن يلفه النسيان أو أن يقع توظيف سيرته أيديولوجيا. ليس من باب الصدفة أن مكانته في وجدان الشعب التونسي لم تضعف بل حافظ على حضور كبير يتجلى في أن الوعي الشعبي اختار له صفة "سلطان المدينة" والتي تدل على مكانته الاعتبارية وسلطاته الرمزية والمعنوية.  ولا شك أن هذا " الرأسمال الرمزي" لم يأت من فراغ بل يعود إلى جوانب وعوامل ترتبط بسيرة محرز بن خلف. ينحدر محرز بن خلف من عائلة تتصل بالنسب بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وأما من جهة الأم فأن من بين أقاربه الذين عاصروه وكان على صلة بهم أبي عبد الله بن أبي زيد القيرواني وأبي إسحاق الجبنياني. وقد تفاعل معهما وبادلهما التأثير والتأثر. وهنا يتعين الإشارة إلى أنه كان وراء دفع أبي عبد الله بن أبي زيد القيرواني إلى تأليف كتاب "الرسالة" الذي يمثل تبسيطا لموطأ مالك بن أنس. كرٌس محرز بن خلف حياته للعلم والعمل والعبادة والعمل الصالح. تولى التدريس في أريانة ثم قرطاج، التي كانت تسمى في عهده مرسى الروم، قبل أن يستقر به المقام في ربض باب سويقة الذي كان وراء تعميره بعد أن وضع فيه نواة سوق. وهذا يعني أن محرز بن خلف هو الذي أسس منطقة باب سويقة خاصة وأن السويقة هي من الناحية اللغوية تصغير لكلمة سوق. وهذا يعني أن الرجل ترك بصمته في كل ما عرفته تونس من أحداث خاصة وأن باب سويقة تميز بحركية لافتة ووفر للمجتمع التونسي كفاءات وقيادات في عدة مجالات وفي مختلف الحقب. لا يمكن الحديث عن محرز بن خلف دون الحديث عن الحماية التي وفرها لليهود وهو ما يعتبر عملا رياديا خاصة حين ننزله في سياق الهوس الديني الذي أصاب أوروبا في ذلك العصر وجعلها تعادي المسلمين واليهود.  تصدى محرز بن خلف لمحاولات فرض التشيع ولم يفعل ذلك من خلفية مذهبية بل لأن هذه المحاولات كانت تخفي وراءها رغبات هيمنة ولجأت للترويع والتنكيل. 
ولا شك أن أبرز ما يحسب بمحرم بن خلف أنه لم ينل مكانته في وجدان الشعب التونسي بالكرامات وخوارق العادات بل بفضل العمل الصالح والاجتهاد ونشر العلم وتكريس القدوة الحسنة وهو ما نحتاج إليه اليوم. 
 
*رئيس جمعية محرز بن خلف الثقافية