إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"قمة الرياض العربية الصينية : خطوة لإعادة تشكيل عالم متعدد الأقطاب"

 

بقلم : الحبيب الذوادي(*) 
من أشكال الصراع الدولي والذي عرفه عالمنا اليوم بين الصراع الغير المباشر والمتمثل في الصراع الحاصل منذ نهاية الحرب  العالمية الثانية بين كتلة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة  الأمريكية وكتلة الدول  الشيوعية  بقيادة الاتحاد السوفياتي حيث عرف عالمنا نتيجة  العلاقة بين المعسكرين مراحل   متقلبة تخللها أعمال استفزازية  وضغوطات اقتصادية... فبسقوط  جدار برلين، وتوحيد  ألمانيا في نوفمبر 1989، وسقوط الاتحاد السوفياتي  سنة 1991 بعد اعتراف مجلس السوفيات الأعلى  حينها  باستقلال 15 دولة  وسقوط الإيديولوجيات الشيوعية، ورغم دعوة الرئيس السوفياتي  حينها "ميخائيل غورباتوشف" إلى إنشاء نظام دولي يعتمد على "توازن المصالح" تبعا  لمضمون أدبيات البروسترويكا إلا أن موازين  القوى  للعلاقات  الدولية في العالم قد تغيرت على اثر حدوث موجة ثورات في شرق أوروبا من خلال ظهورسلطات في عدة بلدان بها مؤيدة  للغرب، وللديمقراطية بها تحول على اثر ما تقدم  العالم  نحو الأحادية القطبية، بزعامة الولايات المتحدة  الأمريكية  منذ 1991 التي انطلقت في تصورها المبني  على ضرورة الوجود العسكري المباشر في عدد من الأقاليم حول العالم ولا سيما في الشرق الأوسط،آسيا الوسطى، ومحيط البحر الأسود بهدف السيطرة على التفاعلات الإقليمية السياسية والاقتصادية، والتحكم في الخريطة  الجيوسياسية... مما جعل توسيع  حلف الناتو موقعا مركزيا  في هذه الخطة، حيث انظم  إليه بعد  توسيع عضويته 11 بلدا  من أوروبا  الشرقية  بما في ذلك بولندا، وبلدان  البلطيق الثلاث لاتفيا،استونيا، ليتوانيا، وتم حينها طرح  انضمام أوكرانيا إليه .
إن ما يمكن الجزم به اليوم أن الطبيعة التنافسية والتوترات بين روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي، والدول  الغربية  وعلى رأسها  أمريكا تبقى طاغية وبدون شك فالعالم  بعد الحرب الأوكرانية  لن يكون نفسه  كما قبلها وبالتأكيد فان المعركة الواقعة في شرق أوروبا اليوم  بعد الغزو  الروسي لأوكرانيا هي نزال من أجل  النظام العالمي الجديد ، ومستقبل هذا النظام الدولي، لذا نجد  أن كلا طرفي الصراع  يدير المواجهة بكل أدواتها ومستوياتها مستغلا كل نقاط قوته ، ونقاط ضعف خصمه، ومن الواضح  اليوم أن الولايات المتحدة  الأمريكية  ترى أن روسيا خطرا  أكبر من خطر الصين، وتضع مواجهتها في مقدمة أولويات السياسية الخارجية  الأمريكية  إلى جانب أوروبا في حين تعتقد روسيا أ ن  لحظة  النظام الأحادي القطب قد اقتربت نهايتها، وأن في استطاعتها  رفع التحدي  في وجه الناتو  ومؤشرا على تبدل  توازن القوى  وعلى ولادة  نظام دولي  جديد بتوازنات  تكون فيها  موازية للولايات المتحدة الأمريكية، القوة الرئيسية خصوصا بعد  تصاعد الدور الروسي  في العالم من خلال الأدوار الكثيرة التي تقوم بها روسيا في عالمنا اليوم  بإعرابها عن عدم رضائها  بنتائج الحرب الباردة  ورؤية  نفسها  كقطب ودولة  عظمى وتجلى ذلك خصوصا  في تدخلها في منطقة  الشرق الأوسط وسوريا....
صحيح يعرف عالمنا اليوم  أزمة استعراض قوة تموقع جديد على الساحة الجيوسياسية  هي بالأساس بين روسيا وأمريكا، لكننا في الجهة الأخرى نلحظ صعود الصين كقوة فاعلة سياسيا على المسرح الدولي، وسعيها للتموقع على الساحة الجيوسياسية  و ذلك خلال مزيد تعميق روابطها مع موسكو حيث تعزز ذلك  بالإعلان التاريخي "المشترك" بينهما الذي نص على دخول العلاقات الدولية  عهدا جديدا من خلال  الدعوة لإرساء  نظام عالمي  جديد متعدد الأقطاب  يقطع مع الأحادية  القطبية .  
ففي ظل  التحديات  التي تعرفها المنطقة  العربية اليوم، حرصت دول المنطقة العربية  بقيادة  المملكة العربية السعودية  على تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع التنين الصيني لمواجهة المخاطر الاقتصادية.... التي تحدق بعالمنا العربي خصوصا في ظل محاولة الولايات المتحدة  الأمريكية فرض هيمنتها  ظنا منها  أنها ما زالت  القطب الأوحد في العالم، وهنا تأتي  أهمية  القمة العربية الصينية الأولى المنعقدة بالمملكة العربية السعودية للتعاون والتنمية  من 8 إلى 10 ديسمبر  2022  والتي  يمكن اعتبارها  تؤسس لمرحلة  جديدة  بين الدول العربية  والصين الشعبية  القائمة على التعاون والصداقة والاحترام المتبادل في كافة المجالات، ويتعين  على الدول العربية ايلاء أهمية قصوى لدعم مسيرة التطور والتنمية من أجل  تطوير  اقتصادياتها، ومزيد تعزيز الشراكة  في المجالات  ذات  الاهتمام المشترك  لتحقيق مستقبل  الشعوب مع الطرف الصيني، ففي الخصوص أكد ولي العهد  السعودي خلال هذه القمة  تثمين  المملكة العربية السعودية  الشراكة القائمة  بين الدول العربية والصين في إطار مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" مؤكدا استعداد بلاده  للتفاعل الايجابي مع المبادرات التي تعزز   العمل  البيئي  المشترك مع مراعاة  المصالح التنموية  للدول، وتفاوت الإمكانيات  بينهما  في ظل  تنامي  حدة التحديات  الدولية   بما في ذلك  الأمن الغذائي، وامن الطاقة .
إن هذا التوجه  يأتي منسجما  مع محددات  السياسة  الخارجية السعودية  القائمة  على الحكمة  والاعتدال  وبعد  النظر من خلال عملها الدؤوب  على تعزيز التعاون  مع دول الخليج والجزيرة العربية، وبدعم علاقاتها مع الدول العــربية والإسلامية  ومصالحهما  المشتركة  في ظل سياسة  عدم الانحياز  وإقامتها علاقات  تعاون مع الدول الصديقة  مع حرصها  الدؤوب في بذل   الجهود لتعزيز الآمن والاستقرار في المنطقة العربية ودعمها حلول  السياسية والحوار لحل كل  النزاعات الإقليمية والدولية.
الرئيس الصيني  أعرب عن سعادته  بهذه القمة  العربية الصينية  الأولى والتي تعتبر حدثا  مفصليا في تاريخ العلاقات الصينية العربية، نحو مستقبل أفضل منوها في الآن نفسه بالمشاعر الأخوية  الرابطة  بينهما، والشراكة  الإستراتيجية الصينية العربية  القائمة  على التعاون  الشامل  والتنمية  المشتركة  لمستقبل أفضل  قوية لا تنقطع  من خلال الدعم الثابت  والمتبادل  في قضايا ذات مصالح حيوية للشعوب  مؤكدا  سعي بلاده للسلام والالتزام  وراء الحق، خصوصا منها القضية الفلسطينية بالعمل على ضرورة إيمان المجتمع  الدولي لترسيخ حل  الدولتين لإنهاء الصراع  والتمسك  بمبدأ الأرض مقابل السلام، وإقامة دولة  فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها  القدس الشرقية، مع الضرورة  دعم  نيل فلسطين  العضوية الكاملة  في الأمم المتحدة ومؤكدا من جانب أخر حرص بلاده الالتزام بالتعهدات والسعي وراء الحق ومناهضة  لتمييز الحضاري والحفاظ على  التنوع الحضاري في العالم .
الرئيس التونسي خلال كلمته في القمة العربية الصينية المنعقدة  في المملكة العربية  السعودية  أكد بدوره انه لا تنمية بدون سلام، ولا سلام  للجميع إلا بتنمية عادلة وحقيقية  وملموسة  في عالمنا  اليوم الذي عانى من ويلات الحروب و المجاعات، لذا  فان اجتماع القادة العرب والتنين الصيني في هذه القمة العربية الصينية  تأتي من أجل  فتح  طريق جديدة  في التاريخ  خصوصا  بعد بلوغ العولمة مداها  وانقلابها على ذاتها  فالواجب  يحتم علينا  اليوم أن  نقارب هذه التحولات بمقاربات جديدة بعيدة عن المحاور والتحالفات  التي  ينشئها البشر اليوم.
برأينا وبعد  انتهاء أشغال القمة العربية  الصينية  الأولى المعقدة  بالمملكة العربية  السعودية يتعين القيام بكل الجهود من أجل بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل  المشترك  نحو العصر الحديث  من خلال وضع الخطوط العريضة لتطويرالعلاقات بشكل  مشترك  والتعاون الشامل  بينهما والحرص على تنفيذها لتحقيق تطلعات الشعوب، مع حرصها  القيام  بدور فعال  على الساحة الدولية... بالتأكيد ان عالمنا اليوم  دخل في مرحلة  جديدة  من الاضطرابات  بفضل الأحادية القطبية السائدة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في عدة مناطق من عالمنا اليوم  وباتت رغبة الشعوب  في السلام والتنمية أكثر إلحاحا حيث اشتدت  نداءاتها  الداعية  إلى الإنصاف  والعدالة، وبالتأكيد فان التنين  الصيني  والجانب العربي  وباعتبار صداقتهما  وشراكتهما  الإستراتيجية  التي سنلحظها في المستقبل  من خلال مزيد تعزيز تضمانهما وتعاونهما لبناء مستقبل مشترك أوثق بينهما  بما يعود  بالمزيد من الفوائد على شعوب الجانبين ، ويساهم  في تقدم البشرية، ويتجلى ذلك خصوصا بالدعوة لمزيد تعزيز  التبادل الحضاري بين الصين والدول العربية، وتعميق  التعاون الإنساني  والثقافي، وتبادل  الخبرات بينهما مع الحرص على الحفاظ من طرف الجانب الصيني على  سيادة البلاد العربية وسلامة الأراضي والكرامة الوطنية لها ودعم جهود الدول العربية لاستكشاف الطرق التنموية التي تتماشى مع ظروفها  الوطنية والتحكم  في مستقبلها ومصيرها  وضرورة تمسك الجانبين  بمبدأ  عدم التدخل بالشؤون الداخلية  للدول  وبدون  شك فان هذا  التكتل العربي الصيني الحاصلة ولادته بالمملكة العربية السعودية مؤخرا  سيعزز مقولة  التعددية القطبية  التي سيعرفها  عالمنا في المستقبل  القريب خصوصا بعد انتهاج الصين في إستراتيجيتها طريق الحرير الجديد  التي تهدف  إلى ربط  الصين بباقي دول العالم و قاراته  على نحو يجعلها تقع في مركز الثقل الاقتصادي والسياسي  في العالم وسعيها لتحقيق مرتبة  القوة العظمى الناشئة المحتملة  بدل الأحادية القطبية التي يعرفها عالمنا اليوم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى بالمعنى الموروث من حقبة الحرب الباردة والتي تملك فيها أغلب  النفوذ الثقافي والاقتصادي والعسكري  وما ينسحب عليه من حضور سياسي واسع عالميا .
 
*باحث وناشط في الحقل الجمعياتي بمدينة بنزرت 
 
  "قمة الرياض العربية الصينية : خطوة لإعادة تشكيل  عالم متعدد  الأقطاب"
 

بقلم : الحبيب الذوادي(*) 
من أشكال الصراع الدولي والذي عرفه عالمنا اليوم بين الصراع الغير المباشر والمتمثل في الصراع الحاصل منذ نهاية الحرب  العالمية الثانية بين كتلة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة  الأمريكية وكتلة الدول  الشيوعية  بقيادة الاتحاد السوفياتي حيث عرف عالمنا نتيجة  العلاقة بين المعسكرين مراحل   متقلبة تخللها أعمال استفزازية  وضغوطات اقتصادية... فبسقوط  جدار برلين، وتوحيد  ألمانيا في نوفمبر 1989، وسقوط الاتحاد السوفياتي  سنة 1991 بعد اعتراف مجلس السوفيات الأعلى  حينها  باستقلال 15 دولة  وسقوط الإيديولوجيات الشيوعية، ورغم دعوة الرئيس السوفياتي  حينها "ميخائيل غورباتوشف" إلى إنشاء نظام دولي يعتمد على "توازن المصالح" تبعا  لمضمون أدبيات البروسترويكا إلا أن موازين  القوى  للعلاقات  الدولية في العالم قد تغيرت على اثر حدوث موجة ثورات في شرق أوروبا من خلال ظهورسلطات في عدة بلدان بها مؤيدة  للغرب، وللديمقراطية بها تحول على اثر ما تقدم  العالم  نحو الأحادية القطبية، بزعامة الولايات المتحدة  الأمريكية  منذ 1991 التي انطلقت في تصورها المبني  على ضرورة الوجود العسكري المباشر في عدد من الأقاليم حول العالم ولا سيما في الشرق الأوسط،آسيا الوسطى، ومحيط البحر الأسود بهدف السيطرة على التفاعلات الإقليمية السياسية والاقتصادية، والتحكم في الخريطة  الجيوسياسية... مما جعل توسيع  حلف الناتو موقعا مركزيا  في هذه الخطة، حيث انظم  إليه بعد  توسيع عضويته 11 بلدا  من أوروبا  الشرقية  بما في ذلك بولندا، وبلدان  البلطيق الثلاث لاتفيا،استونيا، ليتوانيا، وتم حينها طرح  انضمام أوكرانيا إليه .
إن ما يمكن الجزم به اليوم أن الطبيعة التنافسية والتوترات بين روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي، والدول  الغربية  وعلى رأسها  أمريكا تبقى طاغية وبدون شك فالعالم  بعد الحرب الأوكرانية  لن يكون نفسه  كما قبلها وبالتأكيد فان المعركة الواقعة في شرق أوروبا اليوم  بعد الغزو  الروسي لأوكرانيا هي نزال من أجل  النظام العالمي الجديد ، ومستقبل هذا النظام الدولي، لذا نجد  أن كلا طرفي الصراع  يدير المواجهة بكل أدواتها ومستوياتها مستغلا كل نقاط قوته ، ونقاط ضعف خصمه، ومن الواضح  اليوم أن الولايات المتحدة  الأمريكية  ترى أن روسيا خطرا  أكبر من خطر الصين، وتضع مواجهتها في مقدمة أولويات السياسية الخارجية  الأمريكية  إلى جانب أوروبا في حين تعتقد روسيا أ ن  لحظة  النظام الأحادي القطب قد اقتربت نهايتها، وأن في استطاعتها  رفع التحدي  في وجه الناتو  ومؤشرا على تبدل  توازن القوى  وعلى ولادة  نظام دولي  جديد بتوازنات  تكون فيها  موازية للولايات المتحدة الأمريكية، القوة الرئيسية خصوصا بعد  تصاعد الدور الروسي  في العالم من خلال الأدوار الكثيرة التي تقوم بها روسيا في عالمنا اليوم  بإعرابها عن عدم رضائها  بنتائج الحرب الباردة  ورؤية  نفسها  كقطب ودولة  عظمى وتجلى ذلك خصوصا  في تدخلها في منطقة  الشرق الأوسط وسوريا....
صحيح يعرف عالمنا اليوم  أزمة استعراض قوة تموقع جديد على الساحة الجيوسياسية  هي بالأساس بين روسيا وأمريكا، لكننا في الجهة الأخرى نلحظ صعود الصين كقوة فاعلة سياسيا على المسرح الدولي، وسعيها للتموقع على الساحة الجيوسياسية  و ذلك خلال مزيد تعميق روابطها مع موسكو حيث تعزز ذلك  بالإعلان التاريخي "المشترك" بينهما الذي نص على دخول العلاقات الدولية  عهدا جديدا من خلال  الدعوة لإرساء  نظام عالمي  جديد متعدد الأقطاب  يقطع مع الأحادية  القطبية .  
ففي ظل  التحديات  التي تعرفها المنطقة  العربية اليوم، حرصت دول المنطقة العربية  بقيادة  المملكة العربية السعودية  على تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع التنين الصيني لمواجهة المخاطر الاقتصادية.... التي تحدق بعالمنا العربي خصوصا في ظل محاولة الولايات المتحدة  الأمريكية فرض هيمنتها  ظنا منها  أنها ما زالت  القطب الأوحد في العالم، وهنا تأتي  أهمية  القمة العربية الصينية الأولى المنعقدة بالمملكة العربية السعودية للتعاون والتنمية  من 8 إلى 10 ديسمبر  2022  والتي  يمكن اعتبارها  تؤسس لمرحلة  جديدة  بين الدول العربية  والصين الشعبية  القائمة على التعاون والصداقة والاحترام المتبادل في كافة المجالات، ويتعين  على الدول العربية ايلاء أهمية قصوى لدعم مسيرة التطور والتنمية من أجل  تطوير  اقتصادياتها، ومزيد تعزيز الشراكة  في المجالات  ذات  الاهتمام المشترك  لتحقيق مستقبل  الشعوب مع الطرف الصيني، ففي الخصوص أكد ولي العهد  السعودي خلال هذه القمة  تثمين  المملكة العربية السعودية  الشراكة القائمة  بين الدول العربية والصين في إطار مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" مؤكدا استعداد بلاده  للتفاعل الايجابي مع المبادرات التي تعزز   العمل  البيئي  المشترك مع مراعاة  المصالح التنموية  للدول، وتفاوت الإمكانيات  بينهما  في ظل  تنامي  حدة التحديات  الدولية   بما في ذلك  الأمن الغذائي، وامن الطاقة .
إن هذا التوجه  يأتي منسجما  مع محددات  السياسة  الخارجية السعودية  القائمة  على الحكمة  والاعتدال  وبعد  النظر من خلال عملها الدؤوب  على تعزيز التعاون  مع دول الخليج والجزيرة العربية، وبدعم علاقاتها مع الدول العــربية والإسلامية  ومصالحهما  المشتركة  في ظل سياسة  عدم الانحياز  وإقامتها علاقات  تعاون مع الدول الصديقة  مع حرصها  الدؤوب في بذل   الجهود لتعزيز الآمن والاستقرار في المنطقة العربية ودعمها حلول  السياسية والحوار لحل كل  النزاعات الإقليمية والدولية.
الرئيس الصيني  أعرب عن سعادته  بهذه القمة  العربية الصينية  الأولى والتي تعتبر حدثا  مفصليا في تاريخ العلاقات الصينية العربية، نحو مستقبل أفضل منوها في الآن نفسه بالمشاعر الأخوية  الرابطة  بينهما، والشراكة  الإستراتيجية الصينية العربية  القائمة  على التعاون  الشامل  والتنمية  المشتركة  لمستقبل أفضل  قوية لا تنقطع  من خلال الدعم الثابت  والمتبادل  في قضايا ذات مصالح حيوية للشعوب  مؤكدا  سعي بلاده للسلام والالتزام  وراء الحق، خصوصا منها القضية الفلسطينية بالعمل على ضرورة إيمان المجتمع  الدولي لترسيخ حل  الدولتين لإنهاء الصراع  والتمسك  بمبدأ الأرض مقابل السلام، وإقامة دولة  فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها  القدس الشرقية، مع الضرورة  دعم  نيل فلسطين  العضوية الكاملة  في الأمم المتحدة ومؤكدا من جانب أخر حرص بلاده الالتزام بالتعهدات والسعي وراء الحق ومناهضة  لتمييز الحضاري والحفاظ على  التنوع الحضاري في العالم .
الرئيس التونسي خلال كلمته في القمة العربية الصينية المنعقدة  في المملكة العربية  السعودية  أكد بدوره انه لا تنمية بدون سلام، ولا سلام  للجميع إلا بتنمية عادلة وحقيقية  وملموسة  في عالمنا  اليوم الذي عانى من ويلات الحروب و المجاعات، لذا  فان اجتماع القادة العرب والتنين الصيني في هذه القمة العربية الصينية  تأتي من أجل  فتح  طريق جديدة  في التاريخ  خصوصا  بعد بلوغ العولمة مداها  وانقلابها على ذاتها  فالواجب  يحتم علينا  اليوم أن  نقارب هذه التحولات بمقاربات جديدة بعيدة عن المحاور والتحالفات  التي  ينشئها البشر اليوم.
برأينا وبعد  انتهاء أشغال القمة العربية  الصينية  الأولى المعقدة  بالمملكة العربية  السعودية يتعين القيام بكل الجهود من أجل بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل  المشترك  نحو العصر الحديث  من خلال وضع الخطوط العريضة لتطويرالعلاقات بشكل  مشترك  والتعاون الشامل  بينهما والحرص على تنفيذها لتحقيق تطلعات الشعوب، مع حرصها  القيام  بدور فعال  على الساحة الدولية... بالتأكيد ان عالمنا اليوم  دخل في مرحلة  جديدة  من الاضطرابات  بفضل الأحادية القطبية السائدة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في عدة مناطق من عالمنا اليوم  وباتت رغبة الشعوب  في السلام والتنمية أكثر إلحاحا حيث اشتدت  نداءاتها  الداعية  إلى الإنصاف  والعدالة، وبالتأكيد فان التنين  الصيني  والجانب العربي  وباعتبار صداقتهما  وشراكتهما  الإستراتيجية  التي سنلحظها في المستقبل  من خلال مزيد تعزيز تضمانهما وتعاونهما لبناء مستقبل مشترك أوثق بينهما  بما يعود  بالمزيد من الفوائد على شعوب الجانبين ، ويساهم  في تقدم البشرية، ويتجلى ذلك خصوصا بالدعوة لمزيد تعزيز  التبادل الحضاري بين الصين والدول العربية، وتعميق  التعاون الإنساني  والثقافي، وتبادل  الخبرات بينهما مع الحرص على الحفاظ من طرف الجانب الصيني على  سيادة البلاد العربية وسلامة الأراضي والكرامة الوطنية لها ودعم جهود الدول العربية لاستكشاف الطرق التنموية التي تتماشى مع ظروفها  الوطنية والتحكم  في مستقبلها ومصيرها  وضرورة تمسك الجانبين  بمبدأ  عدم التدخل بالشؤون الداخلية  للدول  وبدون  شك فان هذا  التكتل العربي الصيني الحاصلة ولادته بالمملكة العربية السعودية مؤخرا  سيعزز مقولة  التعددية القطبية  التي سيعرفها  عالمنا في المستقبل  القريب خصوصا بعد انتهاج الصين في إستراتيجيتها طريق الحرير الجديد  التي تهدف  إلى ربط  الصين بباقي دول العالم و قاراته  على نحو يجعلها تقع في مركز الثقل الاقتصادي والسياسي  في العالم وسعيها لتحقيق مرتبة  القوة العظمى الناشئة المحتملة  بدل الأحادية القطبية التي يعرفها عالمنا اليوم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى بالمعنى الموروث من حقبة الحرب الباردة والتي تملك فيها أغلب  النفوذ الثقافي والاقتصادي والعسكري  وما ينسحب عليه من حضور سياسي واسع عالميا .
 
*باحث وناشط في الحقل الجمعياتي بمدينة بنزرت