إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

البنوك التونسية تواصل تمويل ميزانية الدولة خلال 2023 على حساب الأفراد والمؤسسات!

 

* أكثر من 150٪ نسبة تدخل البنوك في تمويل ميزانية الدولة خلال العشرية الأخيرة

* البنوك أكبر المستفيدين في إقراض الدولة وتباطؤ الاقتصاد مرده غياب التمويل للمؤسسات

تونس- الصباح

تحتاج تونس إلى تعبئة تمويلات بقيمة 23.49 مليار دينار، لتغطية عجز الميزانية البالغ 7.49 مليار دينار، وتسديد الدين الذي تحل آجاله خلال العام الجاري وقيمته 15.7 مليار دينار، موزعاً بين 6.67 مليار دينار خارجيا، و9.12 مليار دينار داخلياً، بالإضافة الى 5.3 مليار دينار فوائد الدين، الأمر الذي دفع إلى تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 14.85 مليار دينار أي حوالي 4.75 مليار دولار، وموارد اقتراض داخلي بقيمة 9.53 مليار دينار أي أكثر من 3 مليار دولار إضافة إلى موارد للخزينة العامة بقيمة 902 مليون دينار .

وألقت أزمة التداين الداخلي للدولة خلال السنوات الأخيرة بظلالها على القطاعات الاقتصادية والاستثمارات، وأيضا على حجم القروض المسندة للأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، ووصلت حد تسجيل تراجع في الحجم الإجمالي لإعادة تمويل البنوك للمؤسسات التونسية، مسجلة تراجعا بأكثر من 20 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2020 ، وذلك وفق تقرير حديث للبنك المركزي التونسي.

ورغم ما كشفه البنك المركزي من تطور للقروض الموجهة للأفراد، فإن بعض المعطيات تؤكد أن تونس تعاني منذ سنتين من شح في السيولة، وذلك ناجم عن تدخل البنوك في إعادة تمويل ميزانية الدولة لسنتين متتاليتين، تحصلت من خلالها الدولة التونسية على قروض ناهزت مجتمعة أكثر من 5000 مليون دينار، وهو مبلغ كبير وليس بالهين، وبنسب فائدة مرتفعة، الأمر الذي اثر سلبا على نشاط الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي وجدت صعوبات كبيرة في الحصول على قروض قصيرة المدى لمجابهة تداعيات الأزمة الصحية بالبلاد.

تواصل تمويل البنوك لميزانية الدولة

وردا على أسئلة الصحفيين خلال ندوة صحفية أقيمت منتصف الأسبوع الماضي، لمح محافظ البنك المركزي مروان العباسي، الى مواصلة دعم البنوك للدولة رغم المخاطر التي تكلفها هذه العملية على الدورة الاقتصادية، وخاصة الأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي ستجد نفسها غير قادرة على الحصول على قروض تمويلية بسبب تمويل البنوك لحاجيات الدولة المالية في شكل قروض، بنسب فائدة مرتفعة، وهذا التوجه بدأ ينمو في تونس خلال السنوات الماضية، وباتت الدولة تعتمد في مواردها الذاتية على تمويلات البنوك الداخلية لها، الأمر الذي ساهم في إغلاق المئات من المؤسسات خلال العامين الماضيين بسبب انعدام فرص الحصول على مساعدات مالية أو قروض ميسرة تمكن هذه المؤسسات من مواصلة نشاطها.

ضرورة انخراط البنوك في تمويل المؤسسات

ويرى خبراء أن من واجب البنوك اليوم أن تنخرط في عملية تمويل المشاريع والاستثمارات ومنح القروض المناسبة لها، وغياب هذا الدور المتعارف عليه في كافة اقتصاديات العالم، يزيد من حدة الأزمة التي تعيشها الدول، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، فالبنوك التونسية مولت منذ سنوات فشل الحكومات المتعاقبة لعقود، والأزمة المالية في تونس بقيت على حالها دون تغيير، ومن الضروري عودة محرك تمويل المشاريع والقروض الاستهلاكية لخلق التوازن الاقتصادي والدفع بنسبة النمو الاقتصادي، مؤكدين أن غياب دور البنوك في هذه المرحلة، سيتسبب في خلق فجوة مالية في القطاع المصرفي في تونس، خاصة وأنها بادرت للمرة الثالثة مجتمعة في تمويل ميزانية الدولة لسنة 2023 عبر سلسلة من القروض بالعملة الأجنبية، وبنسب فائدة مربحة للبنوك لا غير.

ديون تونس تضاعفت 4 مرات

ومقارنة بسنة 2010، تضاعفت ديون تونس 4 مرات، وزاد غياب الاستثمارات من حدة الأزمة الاقتصادية بالبلاد والتي تعمقت مع قدوم جائحة كوفيد-2019، ورغم خطورة الوضع، لم يلمس المواطن التونسي أي تغيير يطال منوال التنمية بالبلاد ولم تلق هذه الأزمة بظلالها على قوته، إلا انه يمكن معاينة ذلك في إفلاس قطاعات حيوية في الدولة، فارتدادات الأزمة طالت الصحة والتعليم والنقل والنفقات العمومية المرتفعة زادت في إرهاق خزينة الدولة، ولم يترك ذلك أي خيار للدولة في البحث عن الموارد المالية لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2021 و2022 و2023 غير اللجوء للبنوك المحلية.

أموال البنوك تذهب للدولة

وأربكت عمليات لجوء البنوك الى تمويل الدولة عبر القروض عمليات إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، باعتبار أن جل الأموال المتوفرة في البنوك ذهبت لفائدة الدولة، عوض صرفها في شكل حزمة قروض لفائدة المؤسسات الاقتصادية لتوسيع أنشطتها واستثماراتها وخلق المشاريع والتنمية، وهذه العملية مربحة للبنوك بنقطتين، لكنها في المقابل لديها انعكاسات خطيرة على الدولة التي لن تراوح نسبة النمو المحققة جراء هذه العملية الصفر.

وكانت الحكومة السابقة، قد حصلت على قرض بنكي مجمع بقيمة 465 مليون دولار لدعم الميزانية، شارك فيه 14 بنكا، وقالت وزارة المالية، في بيان لها آنذاك، إن القرض موزع على عملتين، 150 مليون دولار و260 مليون يورو، مؤكدة في ذات البيان أن القرض يأتي في إطار توفير موارد ميزانية الدولة المصادق عليها بمقتضى قانون المالية لسنة 2021، مشيرة الى أن مدة سداد القرض تصل الى 5 سنوات، بقسط سنوي أو قسطين متساويين في السنة، على أن يبدأ السداد بعد فترة سماح مدتها 3 سنوات.

وسبق للحكومة، أن لجأت للاقتراض من البنوك التونسية لتمويل الميزانية باعتبار أن الفصل 25 من النظام الأساسي للبنك المركزي يمنعها من الاقتراض من البنك المركزي لسد احتياجاتها المالية، وذلك منذ التعديل الذي طرأ في سنة 2016.

الدولة تزاحم القطاعات الحيوية

ويواجه اقتراض الدولة من البنوك التونسية انتقادات من عديد الخبراء الاقتصاديين الذين اعتبروا أن الدولة أصبحت تزاحم القطاعات المنتجة حيث يفترض أن تعطي البنوك الأولوية لتمويل الاستثمار وتوجيه القروض نحو المشاريع الاستثمارية، واعتبروا أن إقراض البنوك للدولة ليس في صالح الاقتصاد الوطني، خاصّة، أنّ هذه التمويلات لا تذهب الى القطاعات الاقتصادية، إذ أنّ البنوك أصبحت تميل إلى الاستثمار في حاجيات الدولة من القروض والسّيولة الماليّة المضمونة الدّفع من طرف الدولة عوض الاستثمار في القطاعات المنتجة، وهذا ما ألحق أضرارا كبيرة بالاقتصادي التونسي وشل عمليات إنقاذ المؤسسات الوطنية، وعطل الاستثمار الداخلي، وزاد في تعميق الأزمة المالية والاقتصادية بالبلاد.

تحذيرات من تواصل الاقتراض الداخلي

ويشار في هذا الصدد، أنه سبق في منتصف ماي من العام الماضي صدور مرسوم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، تحت عدد 33 لسنة 2022 يتعلّق بالموافقة على اتفاقية تمويل مبرمة بتاريخ 20 ماي 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.

ونص المرسوم على أنه "تتمّ الموافقة على اتفاقية التمويل الملحقة بهذا المرسوم والمبرمة بتاريخ 20 ماي 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية بمبلغ قيمته 81 مليونًا و500 ألف يورو، و25 مليون دولار أمريكي لتمويل ميزانية الدولة.

وهذا الإجراء دفع بالمختصين في الشأن الاقتصادي الى التحذير من خطورة استمرار لجوء الحكومة إلى البنوك المحلية والضغط عليها من أجل تمويل ميزانية الدولة. وكان المختص في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان قد أكد في تصريح سابق لـ"الصباح"،أن "حجم قروض الدولة في البنوك المحلية أصبح ثقيلًا جدًا ويهدد توازناتها"، مشيرا الى أن "أكثر من 20% من قروض البنوك التونسية هي قروض للدولة، وهذا غير معقول وغير منطقي وغير مقبول"، على حد قوله.

ارتفاع تمويل البنوك للدولة

بدوره كشف رئيس الجمعية المهنية للبنوك محمد العقربي، في تصريح سابق لـ"الصباح"، أن مساهمة البنوك التونسية في تمويل ميزانية الدولة واحتياجاتها المالية، بلغت أكثر من 150 بالمائة خلال السنوات العشر الأخيرة، لافتا إلى أن هذه التمويلات أتت في ظرف تمر به الدولة التونسية بأزمة مالية واقتصادية خانقة تستدعي تدخل القطاع البنكي لتلبية احتياجات الدولة التونسية.

وأضاف العقربي بالقول "أنه من واجبنا الوطني أن نتدخل لتلبية احتياجات بلادنا المالية متى طلبت ذلك"، مشيرا الى أن نسبة المساهمة المالية قد تتجاوز 150 بالمائة منذ سنة 2011 وإلى غاية اليوم.

ولفت رئيس الجمعية المهنية للبنوك، الى أنه خلال الاجتماع الأخير مع الحكومة والممثلين عن القطاع البنكي، تم الاتفاق على تلبية احتياجات الدولة لميزانية 2022، وذلك في خطوة للتقليص من حدة الأزمة التي تعيشها بلادنا خلال العشرية الأخيرة.

وأقر محمد العقربي، من جهة أخرى، بوجود عراقيل خارجية جراء تصنيفات الترقيم السيادي للوكالات الأجنبية، والتي ألحقت أضرارا فادحة بالقطاع البنكي في بلادنا على مستوى المعاملات النقدية، والتي ارتفعت مخاطرها بين المستثمر أو الحريف مع البنوك الأجنبية، مشيرا الى أنه رغم هذه الأزمة التي ألحقتها على مستوى المعاملات والتحويلات المالية الخارجية، إلا أن مخاطرها داخليا تظل محدودة.

بدوره كشف أحمد الكرم، الرئيس السابق للجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، عن أن "البنوك التونسية أضحت تواجه منذ سنة تقريباً ضغطاً كبيراً بسبب ميزانية الدولة، وأصبحت تُوجّه أغلب مواردها لتمويل المؤسسات العمومية، وبخاصة خزينة الدولة، لافتاً إلى أن قائم القروض الموجهة للدولة ارتفع خلال سنة 2020 بنسبة 26.6 في المائة ونفس الأمر تم تسجيله أيضاً خلال عام 2021.

وتستعد الحكومة لإصدار قرض رقاعي وطني سنة 2023، لتعبئة 8.2 مليار دينار، مستفيدة من نجاح القرض السابق بنسبة استجابة تجاوزت 212%، بالإضافة الى قروض محلية بالعملة الصعبة، وطرحت الحكومة في 2022، قرضا رقاعيا على 4 أقساط، تمكّنت من خلاله من تعبئة مبلغ 9.2 م. د بعنوان القرض الرقاعي الوطني لسنة 2022، رغم أنّ الهدف كان في حدود 4.1 م. د.

تمويل الميزانية

وستخصّص الحكومة القرض الرقاعي الوطني لسنة 2023، لتمويل ميزانية الدولة إلى جانب 3 موارد أخرى تتضمّن رقاع الخزينة لمدّة 52 أسبوعا، بالإضافة إلى قرض داخلي بقيمة 528 مليون دينار.

وتتضمّن قائمة مصادر الاقتراض لسنة 2023، بالدولار، كل من صندوق النقد العربي بما يعادل 37 مليون دولار و500 م د من البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، إضافة إلى اقتراض 100 م د من اليابان و300 م د من الجزائر.

وستقترض تونس بعملة اليورو، 367 مليون يورو من البنك الدولي و100 مليون يورو من البنك الإفريقي للتنمية، و300 مليون يورو من الاتّحاد الأوروبي، إلى جانب 210 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية و210 مليون يورو  من ألمانيا.

وكشفت الحكومة في تقريرها حول قانون المالية لسنة 2023، أنّها ستحصل على قروض أخرى في حدود 1.5 مليار دولار، أي ما يقارب 4.7 مليار دينار ضمن توجهاتها لاقتراض 13 مليار دينار العام الجاري.

وستفضي عملية الاقتراض إلى ارتفاع حجم الدين العمومي إلى 124.5 مليار دينار مع موفى 2023، علما وأن الديون الخارجية تمثل 63.9% من إجمالي الدين، في حين تستحوذ عملة اليورو على نصف ديون تونس الخارجية.

سفيان المهداوي

البنوك التونسية تواصل تمويل ميزانية الدولة خلال 2023 على حساب الأفراد والمؤسسات!

 

* أكثر من 150٪ نسبة تدخل البنوك في تمويل ميزانية الدولة خلال العشرية الأخيرة

* البنوك أكبر المستفيدين في إقراض الدولة وتباطؤ الاقتصاد مرده غياب التمويل للمؤسسات

تونس- الصباح

تحتاج تونس إلى تعبئة تمويلات بقيمة 23.49 مليار دينار، لتغطية عجز الميزانية البالغ 7.49 مليار دينار، وتسديد الدين الذي تحل آجاله خلال العام الجاري وقيمته 15.7 مليار دينار، موزعاً بين 6.67 مليار دينار خارجيا، و9.12 مليار دينار داخلياً، بالإضافة الى 5.3 مليار دينار فوائد الدين، الأمر الذي دفع إلى تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 14.85 مليار دينار أي حوالي 4.75 مليار دولار، وموارد اقتراض داخلي بقيمة 9.53 مليار دينار أي أكثر من 3 مليار دولار إضافة إلى موارد للخزينة العامة بقيمة 902 مليون دينار .

وألقت أزمة التداين الداخلي للدولة خلال السنوات الأخيرة بظلالها على القطاعات الاقتصادية والاستثمارات، وأيضا على حجم القروض المسندة للأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، ووصلت حد تسجيل تراجع في الحجم الإجمالي لإعادة تمويل البنوك للمؤسسات التونسية، مسجلة تراجعا بأكثر من 20 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2020 ، وذلك وفق تقرير حديث للبنك المركزي التونسي.

ورغم ما كشفه البنك المركزي من تطور للقروض الموجهة للأفراد، فإن بعض المعطيات تؤكد أن تونس تعاني منذ سنتين من شح في السيولة، وذلك ناجم عن تدخل البنوك في إعادة تمويل ميزانية الدولة لسنتين متتاليتين، تحصلت من خلالها الدولة التونسية على قروض ناهزت مجتمعة أكثر من 5000 مليون دينار، وهو مبلغ كبير وليس بالهين، وبنسب فائدة مرتفعة، الأمر الذي اثر سلبا على نشاط الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي وجدت صعوبات كبيرة في الحصول على قروض قصيرة المدى لمجابهة تداعيات الأزمة الصحية بالبلاد.

تواصل تمويل البنوك لميزانية الدولة

وردا على أسئلة الصحفيين خلال ندوة صحفية أقيمت منتصف الأسبوع الماضي، لمح محافظ البنك المركزي مروان العباسي، الى مواصلة دعم البنوك للدولة رغم المخاطر التي تكلفها هذه العملية على الدورة الاقتصادية، وخاصة الأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي ستجد نفسها غير قادرة على الحصول على قروض تمويلية بسبب تمويل البنوك لحاجيات الدولة المالية في شكل قروض، بنسب فائدة مرتفعة، وهذا التوجه بدأ ينمو في تونس خلال السنوات الماضية، وباتت الدولة تعتمد في مواردها الذاتية على تمويلات البنوك الداخلية لها، الأمر الذي ساهم في إغلاق المئات من المؤسسات خلال العامين الماضيين بسبب انعدام فرص الحصول على مساعدات مالية أو قروض ميسرة تمكن هذه المؤسسات من مواصلة نشاطها.

ضرورة انخراط البنوك في تمويل المؤسسات

ويرى خبراء أن من واجب البنوك اليوم أن تنخرط في عملية تمويل المشاريع والاستثمارات ومنح القروض المناسبة لها، وغياب هذا الدور المتعارف عليه في كافة اقتصاديات العالم، يزيد من حدة الأزمة التي تعيشها الدول، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، فالبنوك التونسية مولت منذ سنوات فشل الحكومات المتعاقبة لعقود، والأزمة المالية في تونس بقيت على حالها دون تغيير، ومن الضروري عودة محرك تمويل المشاريع والقروض الاستهلاكية لخلق التوازن الاقتصادي والدفع بنسبة النمو الاقتصادي، مؤكدين أن غياب دور البنوك في هذه المرحلة، سيتسبب في خلق فجوة مالية في القطاع المصرفي في تونس، خاصة وأنها بادرت للمرة الثالثة مجتمعة في تمويل ميزانية الدولة لسنة 2023 عبر سلسلة من القروض بالعملة الأجنبية، وبنسب فائدة مربحة للبنوك لا غير.

ديون تونس تضاعفت 4 مرات

ومقارنة بسنة 2010، تضاعفت ديون تونس 4 مرات، وزاد غياب الاستثمارات من حدة الأزمة الاقتصادية بالبلاد والتي تعمقت مع قدوم جائحة كوفيد-2019، ورغم خطورة الوضع، لم يلمس المواطن التونسي أي تغيير يطال منوال التنمية بالبلاد ولم تلق هذه الأزمة بظلالها على قوته، إلا انه يمكن معاينة ذلك في إفلاس قطاعات حيوية في الدولة، فارتدادات الأزمة طالت الصحة والتعليم والنقل والنفقات العمومية المرتفعة زادت في إرهاق خزينة الدولة، ولم يترك ذلك أي خيار للدولة في البحث عن الموارد المالية لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2021 و2022 و2023 غير اللجوء للبنوك المحلية.

أموال البنوك تذهب للدولة

وأربكت عمليات لجوء البنوك الى تمويل الدولة عبر القروض عمليات إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، باعتبار أن جل الأموال المتوفرة في البنوك ذهبت لفائدة الدولة، عوض صرفها في شكل حزمة قروض لفائدة المؤسسات الاقتصادية لتوسيع أنشطتها واستثماراتها وخلق المشاريع والتنمية، وهذه العملية مربحة للبنوك بنقطتين، لكنها في المقابل لديها انعكاسات خطيرة على الدولة التي لن تراوح نسبة النمو المحققة جراء هذه العملية الصفر.

وكانت الحكومة السابقة، قد حصلت على قرض بنكي مجمع بقيمة 465 مليون دولار لدعم الميزانية، شارك فيه 14 بنكا، وقالت وزارة المالية، في بيان لها آنذاك، إن القرض موزع على عملتين، 150 مليون دولار و260 مليون يورو، مؤكدة في ذات البيان أن القرض يأتي في إطار توفير موارد ميزانية الدولة المصادق عليها بمقتضى قانون المالية لسنة 2021، مشيرة الى أن مدة سداد القرض تصل الى 5 سنوات، بقسط سنوي أو قسطين متساويين في السنة، على أن يبدأ السداد بعد فترة سماح مدتها 3 سنوات.

وسبق للحكومة، أن لجأت للاقتراض من البنوك التونسية لتمويل الميزانية باعتبار أن الفصل 25 من النظام الأساسي للبنك المركزي يمنعها من الاقتراض من البنك المركزي لسد احتياجاتها المالية، وذلك منذ التعديل الذي طرأ في سنة 2016.

الدولة تزاحم القطاعات الحيوية

ويواجه اقتراض الدولة من البنوك التونسية انتقادات من عديد الخبراء الاقتصاديين الذين اعتبروا أن الدولة أصبحت تزاحم القطاعات المنتجة حيث يفترض أن تعطي البنوك الأولوية لتمويل الاستثمار وتوجيه القروض نحو المشاريع الاستثمارية، واعتبروا أن إقراض البنوك للدولة ليس في صالح الاقتصاد الوطني، خاصّة، أنّ هذه التمويلات لا تذهب الى القطاعات الاقتصادية، إذ أنّ البنوك أصبحت تميل إلى الاستثمار في حاجيات الدولة من القروض والسّيولة الماليّة المضمونة الدّفع من طرف الدولة عوض الاستثمار في القطاعات المنتجة، وهذا ما ألحق أضرارا كبيرة بالاقتصادي التونسي وشل عمليات إنقاذ المؤسسات الوطنية، وعطل الاستثمار الداخلي، وزاد في تعميق الأزمة المالية والاقتصادية بالبلاد.

تحذيرات من تواصل الاقتراض الداخلي

ويشار في هذا الصدد، أنه سبق في منتصف ماي من العام الماضي صدور مرسوم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، تحت عدد 33 لسنة 2022 يتعلّق بالموافقة على اتفاقية تمويل مبرمة بتاريخ 20 ماي 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.

ونص المرسوم على أنه "تتمّ الموافقة على اتفاقية التمويل الملحقة بهذا المرسوم والمبرمة بتاريخ 20 ماي 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية بمبلغ قيمته 81 مليونًا و500 ألف يورو، و25 مليون دولار أمريكي لتمويل ميزانية الدولة.

وهذا الإجراء دفع بالمختصين في الشأن الاقتصادي الى التحذير من خطورة استمرار لجوء الحكومة إلى البنوك المحلية والضغط عليها من أجل تمويل ميزانية الدولة. وكان المختص في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان قد أكد في تصريح سابق لـ"الصباح"،أن "حجم قروض الدولة في البنوك المحلية أصبح ثقيلًا جدًا ويهدد توازناتها"، مشيرا الى أن "أكثر من 20% من قروض البنوك التونسية هي قروض للدولة، وهذا غير معقول وغير منطقي وغير مقبول"، على حد قوله.

ارتفاع تمويل البنوك للدولة

بدوره كشف رئيس الجمعية المهنية للبنوك محمد العقربي، في تصريح سابق لـ"الصباح"، أن مساهمة البنوك التونسية في تمويل ميزانية الدولة واحتياجاتها المالية، بلغت أكثر من 150 بالمائة خلال السنوات العشر الأخيرة، لافتا إلى أن هذه التمويلات أتت في ظرف تمر به الدولة التونسية بأزمة مالية واقتصادية خانقة تستدعي تدخل القطاع البنكي لتلبية احتياجات الدولة التونسية.

وأضاف العقربي بالقول "أنه من واجبنا الوطني أن نتدخل لتلبية احتياجات بلادنا المالية متى طلبت ذلك"، مشيرا الى أن نسبة المساهمة المالية قد تتجاوز 150 بالمائة منذ سنة 2011 وإلى غاية اليوم.

ولفت رئيس الجمعية المهنية للبنوك، الى أنه خلال الاجتماع الأخير مع الحكومة والممثلين عن القطاع البنكي، تم الاتفاق على تلبية احتياجات الدولة لميزانية 2022، وذلك في خطوة للتقليص من حدة الأزمة التي تعيشها بلادنا خلال العشرية الأخيرة.

وأقر محمد العقربي، من جهة أخرى، بوجود عراقيل خارجية جراء تصنيفات الترقيم السيادي للوكالات الأجنبية، والتي ألحقت أضرارا فادحة بالقطاع البنكي في بلادنا على مستوى المعاملات النقدية، والتي ارتفعت مخاطرها بين المستثمر أو الحريف مع البنوك الأجنبية، مشيرا الى أنه رغم هذه الأزمة التي ألحقتها على مستوى المعاملات والتحويلات المالية الخارجية، إلا أن مخاطرها داخليا تظل محدودة.

بدوره كشف أحمد الكرم، الرئيس السابق للجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، عن أن "البنوك التونسية أضحت تواجه منذ سنة تقريباً ضغطاً كبيراً بسبب ميزانية الدولة، وأصبحت تُوجّه أغلب مواردها لتمويل المؤسسات العمومية، وبخاصة خزينة الدولة، لافتاً إلى أن قائم القروض الموجهة للدولة ارتفع خلال سنة 2020 بنسبة 26.6 في المائة ونفس الأمر تم تسجيله أيضاً خلال عام 2021.

وتستعد الحكومة لإصدار قرض رقاعي وطني سنة 2023، لتعبئة 8.2 مليار دينار، مستفيدة من نجاح القرض السابق بنسبة استجابة تجاوزت 212%، بالإضافة الى قروض محلية بالعملة الصعبة، وطرحت الحكومة في 2022، قرضا رقاعيا على 4 أقساط، تمكّنت من خلاله من تعبئة مبلغ 9.2 م. د بعنوان القرض الرقاعي الوطني لسنة 2022، رغم أنّ الهدف كان في حدود 4.1 م. د.

تمويل الميزانية

وستخصّص الحكومة القرض الرقاعي الوطني لسنة 2023، لتمويل ميزانية الدولة إلى جانب 3 موارد أخرى تتضمّن رقاع الخزينة لمدّة 52 أسبوعا، بالإضافة إلى قرض داخلي بقيمة 528 مليون دينار.

وتتضمّن قائمة مصادر الاقتراض لسنة 2023، بالدولار، كل من صندوق النقد العربي بما يعادل 37 مليون دولار و500 م د من البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، إضافة إلى اقتراض 100 م د من اليابان و300 م د من الجزائر.

وستقترض تونس بعملة اليورو، 367 مليون يورو من البنك الدولي و100 مليون يورو من البنك الإفريقي للتنمية، و300 مليون يورو من الاتّحاد الأوروبي، إلى جانب 210 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية و210 مليون يورو  من ألمانيا.

وكشفت الحكومة في تقريرها حول قانون المالية لسنة 2023، أنّها ستحصل على قروض أخرى في حدود 1.5 مليار دولار، أي ما يقارب 4.7 مليار دينار ضمن توجهاتها لاقتراض 13 مليار دينار العام الجاري.

وستفضي عملية الاقتراض إلى ارتفاع حجم الدين العمومي إلى 124.5 مليار دينار مع موفى 2023، علما وأن الديون الخارجية تمثل 63.9% من إجمالي الدين، في حين تستحوذ عملة اليورو على نصف ديون تونس الخارجية.

سفيان المهداوي