إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدعوات للتحشيد والاحتجاجات تتوسع .. "الشارع الصامت" مفتاح المعادلة

 

تونس – الصباح

تشهد بلادنا في هذه الفترة تحركات منظمة وأخرى فردية لسياسيين ومنظمات وهياكل مختلفة احتجاجا على الوضع المتردي في الدولة مقابل غياب أي مبادرة رسمية للإصلاح أو مؤشر للخروج من دائرة الوضع المأزوم في مستويات عديدة. وكان قانون المالية لسنة 2023 وما تضمنه، حسب قراءات عديد الجهات، من إثقال لكاهل الطبقة الاجتماعية مقابل غياب الحلول أو البرامج العملية، خاصة أمام إجماع خبراء في الاقتصاد والمالية وغيرها من المجالات الأخرى على وجود الحلول والخيارات الوطنية التنموية الممكنة التحقيق التي تضمن للدولة سيادتها وللمواطن حقوقه وكرامته وللمستثمر أهدافه على حد السواء وإقرارها بمحدودية رؤية سلطة الإشراف بسبب تغييب الكفاءات والهياكل المعنية في الدولة من ناحية وعدم تشريك الفاعلين الاجتماعيين من ناحية أخرى، وفق ما أكده الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وممثلي عديد الهياكل والمنظمات الأخرى. 

فعلى خلاف التحركات الاحتجاجية التي عرفتها بلادنا في مراحل مختلفة من تاريخها السياسي المعاصر، والتي راهنت فيها القوى الفاعلة فيها على الشارع باعتباره القوة الحقيقية الفاعلة والقادرة على قلب المعطيات وتحقيق المعادلات سياسية كانت أم اجتماعية، فإن تحركات هذه الفترة تشهد تحشيدا للقوى السياسية والمدنية تزامنا مع فترة عرفت بـ"الساخنة اجتماعيا" على اعتبار أنها تتزامن مع الاحتفال بذكرى الثورة وما خلفته من أحداث وشهداء وجرحى من ناحية وانتصار قوى سياسية أخرى من ناحية ثانية، فضلا عن أحداث جانفي 1978 وأحداث الخبز 1983 ورمزية مثل هذه الفترة التاريخية لدى شق كبير من التونسيين والتي تضطلع فيها المنظمة الشغيلة بدور كبير في كل هذه المراحل الأليمة من تاريخ تونس. 

ولعل ما يميز المبادرات التي تدفع إلى الاحتجاج والتحركات اليوم هي رفض عديد المنظمات والطبقات السياسية والهياكل لسياسة رئيس الجمهورية والحكومة انتهاجهما غلق أبواب التواصل والحوار والتشاركية في وضع البرامج والقرارات المصيرية في الدولة من ناحية وتواصل الغموض والضبابية في التعاطي مع الوضع المتردي وانتهاج سياسية الهروب إلى الأمام من ناحية أخرى.

يأتي ذلك بعد التزام الشارع التونسي "الصمت" وعدم مجازفته بالخروج انتصارا أو تأييدا لأي مبادرة سياسية كانت أم اجتماعية منذ 25 جويلية إلى غاية اليوم، رغم تعدد المحاولات والرهانات على استدراجه إلى مربع التحرك والاحتجاج في مناسبات عديدة. وقد كان عزوف المواطنين عن المشاركة في المحطة الأولى من الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر الجاري دافعا لعديد الجهات السياسية والمدنية للعودة للمراهنة على "الشارع" من جديد لتحقيق ما يعتبرونه معادلة تصحيح المسار. لكن باعتماد طريقة غير مباشرة في الدعوة للتحشيد والخروج إلى الشارع، ليقين الجميع أن حالة الاحتقان والغليان التي تحكم المجتمع التونسي اليوم، قادرة على الانفجار بما يتماشى مع تطلعات هؤلاء خاصة بعد تمرس الجميع على مثل هذه "الانفجارات الاجتماعية" واستعداد كل جهة للاستثمار فيه بما يخدم مصالحها وأهدافها، لاسيما في ظل تواصل العجز وغياب الحلول وتردي الأوضاع بسبب غلاء الأسعار وافتقاد بعضها والعجز على توفير أبسط مقومات العيش والعلاج وتواصل تردي الخدمات الأساسية في العلاج والنقل بالأساس. وربما هذا العامل شكل سببا لاختيار الشارع التونسي الالتزام بالصمت ومقاطعة كل المبادرات والمشاريع سياسية كانت أم اجتماعية. ويكفي العودة إلى ما سبق أن أكده الدكتور عبد الستار السحباني، الأكاديمي والباحث المختص في علم الاجتماع في حديث سابق لـ"الصباح"، بأنه من المستبعد أن ينخرط الشارع التونسي في أي تحرك أو المغامرة بثورة جديدة" بعد أن أسفرت كل محاولاته السابقة بالفشل في تحقيقه لأهدافه وتحمل وحده نتائجها الوخيمة واستشهد في ذلك بثورة 2011 التي "ركب عليها" فئة من السياسيين الانتهازيين الذين عصفوا بأحلامه ونهبوا ثرواته ورهنوا مقدرات الدولة". كما اعتبر السحباني أن خروج الشارع التونسي في يوم غضب يوم 25 جويلية أسفر عن إسقاط منظومة فاسدة ولكنه لم يستفد من ذلك شيئا بل يواصل اليوم دفع الثمن غاليا بسبب غياب الأدوية وغلاء المعيشة وغياب الحلول والآفاق التي تحمل بعضا من الأمل لغد أو وضع أفضل. 

فيقين الجميع بأهمية وفاعلية "الشارع" تعد من العوامل التي تجعل كل الأنظار والاهتمامات توجه إلى المواطن، باعتباره القوة الوحيدة القادرة على قلب الموازيين والمعادلات بعيدا عن أي أجندا أو مبادرة أو مشروع. لذلك تغيرت استراتيجيات الجهات المراهنة على كسب هذه القوة لصفها عبر طرق وآليات وأساليب غير مألوفة سواء تعلق الأمر بخطاب وأدوات سلطة الإشراف بدءا برئيس الجمهورية مرورا ببقية وزراء حكومة بودن وصولا إلى تحركات وتحشيد الأحزاب والقوى السياسية المعارضة للمسار والمنظمات والهياكل الوطنية والقطاعية وغيرها في هذه المرحلة تحديدا.

 

نزيهة الغضباني  

الدعوات للتحشيد والاحتجاجات تتوسع .. "الشارع الصامت" مفتاح المعادلة

 

تونس – الصباح

تشهد بلادنا في هذه الفترة تحركات منظمة وأخرى فردية لسياسيين ومنظمات وهياكل مختلفة احتجاجا على الوضع المتردي في الدولة مقابل غياب أي مبادرة رسمية للإصلاح أو مؤشر للخروج من دائرة الوضع المأزوم في مستويات عديدة. وكان قانون المالية لسنة 2023 وما تضمنه، حسب قراءات عديد الجهات، من إثقال لكاهل الطبقة الاجتماعية مقابل غياب الحلول أو البرامج العملية، خاصة أمام إجماع خبراء في الاقتصاد والمالية وغيرها من المجالات الأخرى على وجود الحلول والخيارات الوطنية التنموية الممكنة التحقيق التي تضمن للدولة سيادتها وللمواطن حقوقه وكرامته وللمستثمر أهدافه على حد السواء وإقرارها بمحدودية رؤية سلطة الإشراف بسبب تغييب الكفاءات والهياكل المعنية في الدولة من ناحية وعدم تشريك الفاعلين الاجتماعيين من ناحية أخرى، وفق ما أكده الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وممثلي عديد الهياكل والمنظمات الأخرى. 

فعلى خلاف التحركات الاحتجاجية التي عرفتها بلادنا في مراحل مختلفة من تاريخها السياسي المعاصر، والتي راهنت فيها القوى الفاعلة فيها على الشارع باعتباره القوة الحقيقية الفاعلة والقادرة على قلب المعطيات وتحقيق المعادلات سياسية كانت أم اجتماعية، فإن تحركات هذه الفترة تشهد تحشيدا للقوى السياسية والمدنية تزامنا مع فترة عرفت بـ"الساخنة اجتماعيا" على اعتبار أنها تتزامن مع الاحتفال بذكرى الثورة وما خلفته من أحداث وشهداء وجرحى من ناحية وانتصار قوى سياسية أخرى من ناحية ثانية، فضلا عن أحداث جانفي 1978 وأحداث الخبز 1983 ورمزية مثل هذه الفترة التاريخية لدى شق كبير من التونسيين والتي تضطلع فيها المنظمة الشغيلة بدور كبير في كل هذه المراحل الأليمة من تاريخ تونس. 

ولعل ما يميز المبادرات التي تدفع إلى الاحتجاج والتحركات اليوم هي رفض عديد المنظمات والطبقات السياسية والهياكل لسياسة رئيس الجمهورية والحكومة انتهاجهما غلق أبواب التواصل والحوار والتشاركية في وضع البرامج والقرارات المصيرية في الدولة من ناحية وتواصل الغموض والضبابية في التعاطي مع الوضع المتردي وانتهاج سياسية الهروب إلى الأمام من ناحية أخرى.

يأتي ذلك بعد التزام الشارع التونسي "الصمت" وعدم مجازفته بالخروج انتصارا أو تأييدا لأي مبادرة سياسية كانت أم اجتماعية منذ 25 جويلية إلى غاية اليوم، رغم تعدد المحاولات والرهانات على استدراجه إلى مربع التحرك والاحتجاج في مناسبات عديدة. وقد كان عزوف المواطنين عن المشاركة في المحطة الأولى من الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر الجاري دافعا لعديد الجهات السياسية والمدنية للعودة للمراهنة على "الشارع" من جديد لتحقيق ما يعتبرونه معادلة تصحيح المسار. لكن باعتماد طريقة غير مباشرة في الدعوة للتحشيد والخروج إلى الشارع، ليقين الجميع أن حالة الاحتقان والغليان التي تحكم المجتمع التونسي اليوم، قادرة على الانفجار بما يتماشى مع تطلعات هؤلاء خاصة بعد تمرس الجميع على مثل هذه "الانفجارات الاجتماعية" واستعداد كل جهة للاستثمار فيه بما يخدم مصالحها وأهدافها، لاسيما في ظل تواصل العجز وغياب الحلول وتردي الأوضاع بسبب غلاء الأسعار وافتقاد بعضها والعجز على توفير أبسط مقومات العيش والعلاج وتواصل تردي الخدمات الأساسية في العلاج والنقل بالأساس. وربما هذا العامل شكل سببا لاختيار الشارع التونسي الالتزام بالصمت ومقاطعة كل المبادرات والمشاريع سياسية كانت أم اجتماعية. ويكفي العودة إلى ما سبق أن أكده الدكتور عبد الستار السحباني، الأكاديمي والباحث المختص في علم الاجتماع في حديث سابق لـ"الصباح"، بأنه من المستبعد أن ينخرط الشارع التونسي في أي تحرك أو المغامرة بثورة جديدة" بعد أن أسفرت كل محاولاته السابقة بالفشل في تحقيقه لأهدافه وتحمل وحده نتائجها الوخيمة واستشهد في ذلك بثورة 2011 التي "ركب عليها" فئة من السياسيين الانتهازيين الذين عصفوا بأحلامه ونهبوا ثرواته ورهنوا مقدرات الدولة". كما اعتبر السحباني أن خروج الشارع التونسي في يوم غضب يوم 25 جويلية أسفر عن إسقاط منظومة فاسدة ولكنه لم يستفد من ذلك شيئا بل يواصل اليوم دفع الثمن غاليا بسبب غياب الأدوية وغلاء المعيشة وغياب الحلول والآفاق التي تحمل بعضا من الأمل لغد أو وضع أفضل. 

فيقين الجميع بأهمية وفاعلية "الشارع" تعد من العوامل التي تجعل كل الأنظار والاهتمامات توجه إلى المواطن، باعتباره القوة الوحيدة القادرة على قلب الموازيين والمعادلات بعيدا عن أي أجندا أو مبادرة أو مشروع. لذلك تغيرت استراتيجيات الجهات المراهنة على كسب هذه القوة لصفها عبر طرق وآليات وأساليب غير مألوفة سواء تعلق الأمر بخطاب وأدوات سلطة الإشراف بدءا برئيس الجمهورية مرورا ببقية وزراء حكومة بودن وصولا إلى تحركات وتحشيد الأحزاب والقوى السياسية المعارضة للمسار والمنظمات والهياكل الوطنية والقطاعية وغيرها في هذه المرحلة تحديدا.

 

نزيهة الغضباني