إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صورته منذ 2011 مشوهة وغير ناصعة.. المشهد البرلماني.. هل يزداد رداءة؟

 إعداد: سعيدة بوهلال

تونس: الصباح

يتجه الناخبون يوم 17 ديسمبر الجاري إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثلين عنهم في مجلس نواب الشعب، وذلك بعد أن خرج الآلاف منهم يوم 25 جويلية 2021 إلى الشوارع للمطالبة بغلق البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وعبرت لحظة الاحتجاجات الشعبية التي التقطها رئيس الجمهورية قيس سعيد لتمرير خارطة طريقه السياسية عن تراجع ثقة التونسيين في المجلس النيابي لأنه تحول إلى بؤرة توتر وعنوان للفوضى وانتهاك حقوق المعارضة وملاذ للمشتبه في ارتكابهم أفعالا تجرمها قوانين الانتخابات، ومكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، ومكافحة الإثراء غير المشروع، والشيكات دون رصيد.

 ولم تكن صورة المجلس الذي سبقه والذي تم انتخابه سنة 2014 أفضل رغم اعتماده سياسة التوافق، فقد كانت الصورة رديئة بسبب استفحال ظاهرة السياحة الحزبية بشكل يبعث على الريبة فضلا عن كثرة الغيابات والتأخير وإضاعة الوقت في الصراعات الإيديولوجية ثم لفشله الذريع في تركيز الهيئات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، وكشفت نتائج دراسة أعدها ائتلاف المواطنة والازدهار بالتعاون مع منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية سنة 2019 أن نسبة من يثقون في المجلس لا تمثل سوى 8 فاصل 8 بالمائة من المستجوبين.

 وحتى المجلس الوطني التأسيسي الذي تم انتخابه سنة 2011 بعد ثورة على نظام حكم الرئيس بن علي فقد تم انتخابه لسن دستور في غضون سنة لكنه أخلف الوعد وانحرف عن دوره التأسيسي وتحول إلى مجلس تشريعي  شابت أشغاله الكثير من الخروقات والمهاترات وهو ما جعل الشهيد محمد البراهمي يصفه بالسيرك أما منجي الرحوي فقال إن الشعب تقيأ المجلس التأسيسي، في حين نجد المؤرخ فتحي ليسير في كتابه دولة الهواة يسمي المجلس الوطني التأسيسي بـ "قارة التأسيسي" و"سيد نفسه"  والتأسيسي الذي كثُر شاكُوه وقلّ شاكروه واستنجد في وصفه بـملح  "قرصة" للصحفية في "دار الصباح" ليليا التميمي التي أطلقت في إحدى قرصاتها على التأسيسي إسم "مجلس الخر.. طر"، وعدد المؤرخ في كتابه دولة الهواة صولات نواب التأسيسي وجولاتهم وتحدث عن تهافتهم على المنح والامتيازات وذكرهم بمشاحناتهم وشجاراتهم ونومهم في قاعة الجلسة العامة وبمقولاتهم الصادمة التي حولت المجلس إلى صانع للفرجة كما قسمهم إلى ثلاث فئات، فئة صائتة وفئة صامتة وفئة البين بين.

وقبل سنة 2010 لم تكن للسواد الأعظم من التونسيين معرفة كبيرة بما كان يدور في رحاب المجالس النيابية لأن أغلب الأشغال كانت مغلقة ولم يكن هناك بث مباشر منتظم لها وكل ما كانوا يعرفونه عن المجلس كان من خلال ما ينشره الرائد الرسمي من مداولات أو ما تنقله التلفزة وخاصة ما تنشره الصحف وفي مقدمتها جريدة "الصباح" التي كانت تخصص فريقا كبيرا من الصحفيين لتغطية جلسات المجلس خاصة خلال مداولات ميزانية الدولة ونجد من بين ألمع الأقلام المتمرسة في الصحافة البرلمانية  الطاهر السويح الذي كان يبدع في نقل أخبار البرلمان لأنه يمررها بطريقة ذكية تحول دون إمكانية صنصرة مداخلات نواب المعارضة وأسئلتهم وكانت تغطياته في التسعينات تدرس لطلبة معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وكذلك كانت "لمحة" الصحفي الراحل محمد قلبي تلخص من حين إلى آخر بأسلوب ساخر أبرز ما تمخضت عنه قريحة النواب وقد كتب قلبي يوما على أعمدة جريدة "الصباح" ردا على مداخلة أحد النواب الذين انتقدوا لمحته حول وضعية السجون في تونس في عهد بن علي ما يلي:"في نطاق التمنيات التقليدية بمناسبة آخر العام.. ذكر أحدهم منذ أيام بما كنت كتبته عن الحبس الجديد وأشار إلى أنني نوهت بحقوق السجين في هذا العهد الحر، وإنني تمنيت أن أقضي في أبي فردة ما تبقى لي من العمر ثم أردف صاحبي كثر الله من أمثاله وبورك فيه أنه يضم صوته لصوتي ويتمنى على الداخلية أن تدكني فيه. وأنا مع التعبير لصاحبي عن جزيل الشكر والامتنان أتمنى بدوري أن ينوبني في السجن كما نابني في البرلمان"..

 انتخابات مزورة

إضافة إلى التضييق على الحريات وحسب ما جاء في التقرير الختامي الشامل لهيئة الحقيقة والكرامة فقد كانت الانتخابات في عهدي بورقيبة وبن علي مزورة وتم حرمان الشعب التونسي أكثر من نصف قرن من ممارسة سيادته خلال الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد منذ سنة 1956 وحتى اندلاع الثورة ومنها 12 انتخابات تشريعية..، ففي انتخابات المجلس القومي التأسيسي سنة 1956 تحصلت الجبهة القومية على جميع المقاعد البالغ عددها 108 وفي انتخابات سنة 1964 التي تمت بعد أن حظرت السلطة الحزب الشيوعي وكرست نظام الحزب الواحد وهو الحزب الاشتراكي الدستوري فاز الحزب الواحد بجميع مقاعد مجلس الأمة وهو ما تكرر في انتخابات 1969 و1974. وإثر أحداث جانفي 1978 وأحداث قفصة 1980 وبعد القطيعة التي حصلت بين الحزب الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل وفي محاولة لكسب ثقة الرأي العام قامت السلطة برفع الحظر على الحزب الشيوعي وقبلت ضمنيا نشاط التيارات المنسلخة عن الحزب الاشتراكي الدستوري مثل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية وتم الإعلان عن تنظيم انتخابات سابقة لأوانها سنة 1981 مع فسح مجال المشاركة للقائمات المنافسة للحزب الدستوري لكن تم تزوير تلك الانتخابات واستعملت مليشيات الحزب العنف لمنع اجتماعات المعارضة وجاء في شهادة لعبد الرحمان لدغم أنه تم إجبار حركة الديمقراطيين الاشتراكين على سحب ملاحظيها من مكاتب الاقتراع.

كما تحدث تقرير هيئة الحقيقة والكرامة عن المحطات الانتخابية التشريعية في عهد بن علي وكانت المحطة الأولى سنة 1988 وهي انتخابات جزئية مهدت لتزوير انتخابات 1989 وتزييف الإرادة الشعبية وفاز الحزب الحاكم فيها بجميع المقاعد وعددها 141. أما في انتخابات 1994 وبعد تنقيح المجلة الانتخابية فقد تم تشريك المعارضة لكن الحزب الحاكم حصل على 88 بالمائة من المقاعد، وفي انتخابات 2004 لم يقع بث عديد الومضات التلفزية الدعائية لمرشحي المعارضة وتمت مصادرة صحيفتي "الموقف" و"الطريق الجديد" وتواصل تزييف الإرادة الشعبية في انتخابات 2009 وكان لقائمات الحزب الحاكم نصيب الأسد في التغطية الإعلامية وتم إسقاط قائمات كثيرة لأحزاب المعارضة وفاز في النهاية حزب التجمع الدستوري الديمقراطي بثلاثة أرباع المقاعد في ما منحت بقية المقاعد لأحزاب المعارضة المرضي عليها وفق ما جاء في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة.. وأشار نفس التقرير إلى أنه رغم أن تونس عرفت عشرات المواعيد الانتخابية فإن انتخابات 23 أكتوبر 2011 هي أول انتخابات حقيقية تم خلالها احترام أغلب المعايير الدولية للنزاهة والشفافية.

ولكن لئن كانت الانتخابات التشريعية في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي مزورة وفق ما ورد في التقرير المذكور، فإن أعضاء المجالس النيابية وحسب ما أكده لنا العديد من قدماء الموظفين في البرلمان كانوا كفاءات وقامات علمية وخبراء في اختصاصاتهم كما كانوا يولون أهمية بالغة لصورة المجلس ولمفهوم هيبة الدولة والانضباط واحترام المواعيد، وحتى المؤرخين فإن الكثير ممن تحدثنا إليهم في مناسبات سابقة يقرون بأن النواب في عهدي بورقيبة وبن علي كانوا من خيرة الكفاءات، ورغم هذه الميزة، فإن نواب المجلس النيابي الأخير في عهد بن علي غادروا قصر باردو مطأطئي الرؤوس  وكان ذلك إثر جلسة صاخبة رفع فيها المتابعون للجلسة من الشرفة العلوية شعار "ديقاج" في وجوه النواب وأمطروهم بوابل من الشتائم، وقد صادق المجلس يومها على القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع في اتخاذ مراسيم.

صورة غير ناصعة

وكانت صورة البرلمان على مر العهود غير ناصعة ولم ترتق إلى تضحيات الجماهير الغفيرة التي خرجت يوم 9 أفريل 1938 للمطالبة ببرلمان تونسي والتعبير عن احتجاجها على اعتقال زعيم الشباب علي بلهوان الذي قاد قبلها بيوم واحد مظاهرة حاشدة قال فيها ما يلي:"لقد جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا.. قوة الشباب الجبارة التي ستهدم هياكل الاستعمار الغاشم وتنتصر عليه.. جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا أمام هذا المقيم العام العاجز.. يا أيها الذين آمنوا بالقضية التونسية، يا أيها الذين آمنوا بالبرلمان التونسي.. إن البرلمان التونسي لا ينبني إلا على جماجم العباد.. ولا يقام إلا على سواعد الشباب.. جاهدوا في الله حق جهاده، إذا إعترضكم الجيش الفرنسي أو الجندرمة شرّدوهم في الفيافي والصحاري وافعلوا بهم ما شئتم.. وأنتم الوطنيّون الدائمون في بلادكم وهم الدخلاء عليكم.. بالله قولوا حكومة خرقاء.. سياستها خرقاء.. وقوانينها خرقاء يجب أن تحطّم وأن تداس.. وها نحن حطّمناها ومزّقناها.. فالحكومة منعت وحجّرت رفع العلم التونسي، وها نحن نرفعه في هذه الساحة رغما عنها.. والحكومة منعت التظاهر.. وها نحن نتظاهر ونملأ الشوارع بجماهير بشريّة نساء ورجالا وأطفالا.. تملأ الجوّ هتافا وحماسا"..

 ولعل السؤال المطروح اليوم هو هل ستضفي انتخابات 17 ديسمبر الجاري بريقا على قصر باردو وهل ستتحسن بعدها صورة المجلس النيابي أم أن المشهد البرلماني المرتقب سيكون أكثر رداءة مما كان عليه في السنوات السابقة؟

فبالدستور الجديد والمرسوم الانتخابي الصادر منتصف شهر مارس الماضي سيتغير المشهد دون شك لأن الانتخابات التشريعية في السابق كانت تتم على القائمات الحزبية والائتلافية والمستقلة وستصبح على الأفراد في 161 دائرة انتخابية، وستكون آلية سحب الوكالة سيفا مسلطا على رقاب من سيفوزون فيها، كما أنه لم يعد باستطاعة النائب السياحة الحزبية والترحال بين الكتل أو تعطيل أشغال المجلس وممارسة العنف لأن دستور 25 جويلية نص على أنه إذا انسحب نائب من الكتلة النيابية التي كان ينتمي إليها عند بداية المدّة النيابية لا يجوز له الالتحاق بكتلة أخرى، كما نص الدستور على أنه لا يتمتّع النّائب بالحصانة البرلمانية بالنّسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، ولا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسّير العادي لأعمال المجلس. 

وعن هذا السؤال أجابنا المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي قائلا إن المجتمع التونسي أصيب بالخذلان من البرلمان، أما صالح شعيب النائب المؤسس عضو المجلس الوطني التأسيسي فإنه بعد أن قارن بين المجالس النيابية في عهد بورقيبة وبن علي ومجالس ما بعد الثورة أشار إلى أن المشهد البرلماني المرتقب سيكون أسوأ، في حين بين حمد الخصخوصي النائب السابق بمجلس النواب قبل الثورة والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة والنائب بمجلس نواب الشعب خلال المدة النيابية 2014ـ 2019 أن المشهد البرلماني كان في غاية الرداءة ولكن البرلمان المرتقب سيكون صوريا، أما محمد بلال البصلي نائب رئيس ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات فقال إن البرلمانات السابقة لم تكن مثالية والمشهد البرلماني المرتقب مازال ضبابيا بسبب عدم وضوح الرؤية ..

 

المؤرخ عبد الجليل التميمي: المجتمع التونسي أصيب بالخذلان والنهضة تتحمل مسؤولية تردي صورة البرلمان

عبد_الجليل_التميمي.jpg

حمل المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي حركة النهضة مسؤولية تردي صورة البرلمان وقال أيضا إن الرئيس قيس سعيد هو المسؤول عما سنشاهده في المجلس النيابي بعد انتخابات 17 ديسمبر المقبل. وبين في تصريح لـ "الصباح" أن المجتمع التونسي أصيب بالخذلان وباليأس المتواصل بسبب ما رآه في المجالس النيابية بعد الثورة لأنه في الماضي قدمت تونس منذ الاستقلال نماذج حية وفاعلة ومدركة لقيمة الانتماء إلى المجالس النيابية، وكان أعضاء هذه المجالس وزراء وأعلام ومفكرين ومن رجالات المعرفة وهم عندما التحقوا بهذه المجالس فكان من منطلق رغبتهم في العمل والدفاع عن الوطن، واليوم عندما يقارن هؤلاء بمن مروا على المجالس النيابية الأخيرة ومن رشحوا أنفسهم لعضوية مجلس نواب الشعب الجديد فهو كمؤرخ ينتابه شعور بألم شديد لأنه لا يعثر في خانة الأسماء على مفكرين وفاعلين حقيقيين ورجال دولة لهم رؤية مستقبلية لبناء الوطن.

وأضاف المؤرخ أنه لا يريد الغوص في التفاصيل ولكنه من باب الغيرة على تونس فإنه يوجه دعوة إلى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر لكي ينتبه إلى وجود أشخاص ترشحوا لعضوية مجلس نواب الشعب وهم لا يستحقون دخول هذه المؤسسة الدستورية الكبيرة التي يعول التونسيون على أن تكون أحد أهم ركائز الدولة، لكن للأسف هناك من ترشحوا لنيل مقعد فيها وهؤلاء لا يمكن وصفهم إلا بـ"الباندية". وأشار إلى أنه يريد أن يسأل رئيس الهيئة هل قام بدراسة ملفات هؤلاء المترشحين لعضوية المجلس النيابي بشكل جيد وهل يدرك بوعسكر أنه في حال فوز بعض المترشحين بمقاعد في البرلمان فسنرى مجلسا يندى له الجبين.

وقال المؤرخ عبد الجليل التميمي:"بعد العديد من التجارب وبعد ما رأيناه تحت قبة البرلمان من مشاهد مزرية أصبحنا فعلا نعيش زمن اليأس القاتم لأننا نذكر أن هذا البرلمان مر عليه الحبيب بولعراس والشاذلي القليبي ومحمد الناصر وغيرهم من الأعلام والأيقونات التي تعد مفخرة ليس لتونس فقط بل وللعالم العربي لما اتسمت به من سعة معرفة وحرص على الحفاظ على تونس".

ويرجح المؤرخ أنه بعد 17 ديسمبر الجاري سيعيش التونسيون خيبة أخرى بعد الخيبات السابقة وفسر أنه كان في البداية من الداعمين لرئيس الجمهورية قيس سعيد لكنه اليوم لا يثق في جميع المبادرات التي تقدم بها الرئيس ومنها المتعلقة بانتخاب مجلس نواب الشعب. وأوضح أن النهضة هي التي تتحمل المسؤولية كاملة في حالة التدهور المعرفي والقيمي في مجلس نواب الشعب لأنها أوصلت إليه جهلة لا يفقهون شيئا في أي مجال واختياراتهم كانت مؤلمة وصادمة فهؤلاء أضروا كثيرا بالبلاد.. وذكر أنه بعد الثورة وجهت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات دعوات للكثير من كوادر النهضة سواء راشد الغنوشي أو عبد الفتاح مورو أو عبد اللطيف المكي أو سمير ديلو أو حمادي الجبالي وقد تحدثوا بإطناب عن تجاربهم لكنهم للأسف لم يموقعوا تونس المكانة التي تستحقها حضاريا ومعرفيا وهم يتحملون مسؤولية ضياع الرهان الكبير لإعطاء تونس المكانة المشرفة التي تستحقها.

اختيار غير موفق

بين التميمي أنه عند الاستماع إلى المترشحين للانتخابات التشريعية 17 ديسمبر لا يمكنه أن يقول سوى أن الخيار الذي اتجه فيه رئيس الجمهورية قيس سعيد كان سيئا وغير موفق وبسببه سيرى التونسيون مهازل جديدة في البرلمان المرتقب، وقال إنه يتمنى من الله أن ينقذ تونس من بعض العناصر التي أساءت إليها وهو في نفس الوقت يدعو سعيد إلى أن يعيد النظر في اختياراته وأن يحسن اختيار مستشاريه وأن يدرك أنه هو الوحيد في النهاية الذي سيتحمل المسؤولية أمام التاريخ وهو إلى حد الآن لم يتمكن من وضع تونس في المسار الصحيح وعليه أن يذهب في اتجاه خيارات أخرى أنفع للبلد ويجب عليه إنقاذ تونس، وحسب رأي المؤرخ فإن الرئيس سعيد هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة في ما ستؤول إليه الأوضاع في تونس بشكل عام.

وعن سؤال حول ما إذا كانت المجالس النيابية بعد الثورة أفضل أم أسوأ من المجالس النيابية في عهد بن علي أجاب التميمي أنه يوجد فرق كبير، وفسر أن اختيار المترشحين لعضوية المجلس لم يكن موفقا وناجحا وهو ما جعله يفقد ثقة المواطن في المجالس النيابية.

 

صالح شعيب نائب مؤسس: البرلمان في عهدي بورقيبة وبن علي حضرت فيه الكفاءات وغابت الحريات بعد الثورة النهضة مارست الدكتاتورية تحت قبة البرلمان.. والمرحلة القادمة ستكون أخطر

صالح_شعيب_نائب_مؤسس.jpg

في قراءة للمشهد البرلماني والتغييرات التي طرأت عليه منذ الاستقلال وإلى غاية يوم 25 جويلية وفي استقراء لمشهد البرلمان المرتقب على ضوء الدستور والمرسوم الانتخابي الجديد بين صالح شعيب النائب المؤسس عضو المجلس الوطني التأسيسي الذي ترأسه مصطفى بن جعفر أنه في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين به علي، كان هناك نظام الحزب الواحد وهو نظام دكتاتوري وكانت الانتخابات التشريعية صورية لكن في المقابل فإن أعضاء المجالس النيابية كانوا كفاءات ومن بينهم محمود المسعدي وهو رجل مثقف ومناضل وكذلك فؤاد المبزع والمرحوم الباجي قائد السبسي.

ويذكر في هذا السياق واستنادا إلى قائمات منشورة على الموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب نجد من بين الأسماء في المدة النيابية الرابعة من 1974 إلى 1979 الصادق المقدم ومحمد الناصر والحبيب عاشور والهادي نويرة والحبيب الشطي ومحمود المسعدي وإدريس قيقة وجلولي فارس ومحمد الهادي خفشة وعبد الله فرحات ومحمد مزالي والفرجاني بلحاج عمار والمنذر بن عمار وصلاح الدين بالي والبشير بن سلامة والأسعد بن عصمان وحسن المغيربي والبشير زرق العيون والشاذلي زليلة والحبيب ماجول وفتحية مزالي والطاهر بلخوجة والعربي الملاخ والمنجي الكعلي وحمودة شهر بلقاسم الشمنقي والشاذلي العياري وجليلة بن مصطفى وعبد الله بشير وحسان بلخوجة والتيجاني مقني وعبد العزيز بوراوي والشاذلي القليبي والمنجي الكعبي وزينب الطالبي المولهي وفؤاد المبزع وعبد الحميد المرزوقي وفتحي زهير ومحمد الصياح. وفي المدة النيابية الخامسة بين 1979 و1981 نجد من بين النواب الصادق المقدم ومحمد مزالي والهادي نويرة وحسان بلخوجة وفتحية مزالي وفاطمة اليعلاوي ومحمود شرشور ونور الدين حشاد والطاهر بوسمة والصادق بن جمعة وإدريس قيقة وعبد الله فرحات ومصطفى الزعنوني وصلاح الدين بن مبارك والحبيب بوجبل وعبد العزيز بن ضياء ومحمد فؤاد المبزع ومحمد المزي وزبير التركي ورشيد صفر ومحمد صفر وصلاح الدين بالي ومحمد الصياح. أما في المدة النيابية السادسة بين 1981 و1986 فنجد من بين أعضاء المجلس محمود المسعدي والباجي قائد السبسي ومحمد الناصر ومحمد مزالي وحامد القروي وعبد العزيز بن ضياء وعزوز الرباعي والجيلاني الدبوسي ومحبوبة زروق وعبد الرحيم الزواري وعزيزة الوحشي وسارة الشعبوني ومحمد الحبيب بولعراس وفتحية مزالي والطاهر بلخوجة والصادق بن جمعة والأسعد بن عصمان وصلاح الدين بالي ومحمد العروسي المطوي وفاطمة دويك وفاطمة اليعلاوي.

وبين شعيب أنه رغم عدم توفر الحريات في عهد بورقيبة فقد كان هناك أمن وأمان ومستوى معيشي مقبول ومستوى تعليمي جيد لعموم التونسيين. وأضاف أن بورقيبة بعد الاستقلال وبالنظر إلى حالة الفقر والتخلف والأمراض التي كانت موجودة وقتها فإنه رأى أن الأولوية يجب أن تمنح لمجابهة هذه المشاكل أما الديمقراطية فليس وقتها وتواصلت سياسة الحزب الواحد والرئيس الأوحد وكانت الانتخابات شكلية، وبعد الاستقلال كان هناك حزبان وهما الحزب الشيوعي والحزب الدستوري الذي سرعان ما أصبح يسمى بالحزب الاشتراكي الدستوري وفي عهد بورقيبة لم يكن هناك نقل تلفزي لأشغال المجالس النيابية ولكن كانت الصحف ومن أبرزها صحيفة "الصباح" تنشر أخبارا عن المجلس، فالإعلام كان وقتها أفضل مما أصبح عليه في زمن بن علي كما أن بورقيبة في آخر السبعينات وبداية الثمانينات بدأ ينتهج الديمقراطية ومنح تأشيرة لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومن مؤسسيها أحمد المستيري ومحمد مواعدة ثم حزب الوحدة الشعبية الذي قاده محمد بلحاج عمر. وأشار صالح شعيب إلى أنه كان عضوا بالمكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وهو من قدماء المناضلين في الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وأوضح أنه في عهد بورقيبة تم إقصاء المعارضين وتم تزوير نتائج الانتخابات التشريعية لسنة1981 والتي كانت ستفوز فيها حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.

وحسب قول صالح شعيب فقد تواصل إقصاء المعارضين في عهد بن علي وكان هناك تضييق على الحريات وبين أنه ترشح سنة 2009 لعضوية مجلس النواب عن حزب التكتل لكن تم رفض مطلب القائمة التي ترشح عنها وهو ما دفعها إلى التظلم لدى المجلس الدستوري لكن المجلس رفض عريضة الطعن. وبين أن البرلمان في عهد بن علي كانت فيه كفاءات لكن لم تكن فيه حريات وممارسة ديمقراطية.

فترة "العشرية السوداء"

أما في فترة ما وصفه صالح شعيب بالعشرية السوداء فقد تميزت السنوات الثلاث الأولى والتي مارست فيها النهضة الحكم الفردي المطلق بالدكتاتورية، حيث كان نواب النهضة في المجلس يمررون كل ما يريدون تمريره مستندين إلى القوة العددية  لنواب "الترويكا" لأنه من جملة 217 نائبا لم يتجاوز عدد نواب المعارضة 70. وأوضح أنه ترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي لسنة2011 عن حزب التكتل لكنه أعلن استقالته من الحزب لأنه رفض تحالف "الترويكا". وبين أنه بعد فترة "الترويكا" وإثر الانتخابات التشريعية لسنة 2014 كان الحكم طيلة ما يقارب الخمس سنوات مشتركا بين نداء تونس وروافده وبين النهضة وغلب على المشهد البرلماني منطق التوافق وكانت المشاريع والمبادرات والمقترحات تمرر تحت مسمى التوافق ولكن في آخر المدة النيابية أصبح الرئيس الباجي قائد السبسي ضد النهضة لكن أغلب من دخلوا إلى البرلمان عن طريق قائمات حزب نداء تونس واصلوا تحالفهم مع النهضة التي استمرت في ممارسة الدكتاتورية.

 وأضاف النائب المؤسس أنه بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2019 وإلى غاية تعليق أشغال البرلمان ثم حله كان الحكم مشتركا بين النهضة وبين الأحزاب الموالية لرئيس الجمهورية قيس سعيد لأن سعيد اقترح عددا من الوزراء وبالتالي فهو مشارك في العشرية السوداء والأخطر من هذه المشاركة تخوينه للأحزاب السياسية بما تسبب في نفور التونسيين من السياسة وما يمكن أن ينجم عنه من مخاطر وأبرزها العزوف عن الانتخابات، كما أشار إلى أن سعيد خون الأحزاب لكن لديه حزب غير معلن اتخذ شاكلة التنسيقيات وأغلب المترشحين لانتخابات 17 ديسمبر ينتمون إلى هذه التنسيقيات، وبالتالي ما قام به الرئيس مغالطة كبرى وكان عليه أن يعلن عن تأسيس حزب، وحسب رأي صالح شعيب سيكون المشهد البرلماني القادم أسوء وذلك بالنظر إلى ملامح المترشحين فأغلبهم لا يعرفون دور النائب ومهمة المجلس وأضاف أنه يتصور أن الأزمة السياسة ستزداد حدة بعد الانتخابات.

 

نائب رئيس ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات:المشهد البرلماني القادم ضبابي.. والمجالس النيابية السابقة لم تكن مثالية

p5_n3.jpg

محمد بلال البصلي نائب رئيس ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات بين في تصريح لـ "الصباح" أنه بالنظر إلى الدستور والقوانين الجاري بها العمل وبعيدا عن الخوص في السياسة، فإنه يرى أن المشهد البرلماني القادم سيغلب عليه التشتت وستجد الحكومة صعوبات كبيرة في تمرير مشاريع القوانين التي تقترحها وستحتار مع من ستتفاوض وقد  تكون هناك خشية لدى النواب من الدخول في كتل لأن المرسوم الانتخابي منع التنقل من كتلة إلى أخرى.

وأضاف البصلي أن ما يشغل ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات في الوقت الراهن قبل المشهد البرلماني المرتقب، هي نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، وضعف تمثيلية النساء. وذكر أنهم متخوفون من ضعف نسبة المشاركة وهي مخاوف في محلها بالنظر إلى ما حصل في مرحلة الترشحات إذ أن عدد المترشحين لهذه الانتخابات الذين أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن قبول مطالب ترشحهم بصفة نهائية كان في حدود 1055 مترشحا فقط وهناك دوائر لن تجري فيها الانتخابات لأنه لا يوجد فيها أي مترشح، أما بقية الدوائر فإن عدد الترشحات فيها بلغ على أقصى تقدير 20 وهو رقم ضعيف بالمقارنة بانتخابات 2014 و2019. وأشار إلى أنه في صورة عدم اتخاذ إجراءات تمكن من تحفيز الناخبين على المشاركة في الانتخابات فإن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة.

أما المشغل الثاني فيتمثل حسب قوله في ضعف تمثيل النساء، وفي هذا السياق بين البصلي أنه تم تسجيل تراجع كبير في نسبة النساء المشاركات في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 وذلك بعد المكاسب التي تم تحقيقها في المحطات الانتخابية السابقة من خلال إقرار التناصف، ورغم هذه المكاسب وإقرار التناصف الأفقي والتناصف العمودي فإنه لم يقع بلوغ نسبة خمسين بالمائة من النساء في المجالس المنتخبة وبالمقتضيات القانونية الجديدة تم الابتعاد كثيرا عن هدف  تحقيق التناصف وهو ما يتعارض صراحة مع الدستور الذي نص على سعي الدولة إلى تحقيق التناصف لكن الدولة لم تسع لتحقيق التناصف في المجلس النيابي المنتظر وستكون في البرلمان تمثيلية ضعيفة للمرأة وهو ما سيجعل صوت النساء غير مسموع والحال أن المرأة شريكة الرجل في الوطن.

إخراج تونس من الأزمة

وخلص محمد بلال البصلي إلى أن المشهد البرلماني المرتقب ضبابي وغير واضح بما فيه الكفاية ولا يجيب عن سؤال جوهري وهو هل أن هذا المشهد سيخرج تونس من الأزمة وهل أن انتخابات 17 ديسمبر ستكون إجابة عن هذه الأزمة فالشعب ينتظر ويريد إجابة حقيقية تخرج البلاد من الأزمة.

وعن سؤال حول رأيه في المجالس النيابية السابقة قال إن البرلمانات القديمة لم تكن بالتأكيد مثالية ولكن لا بد من الإشارة إلى أن النهضة التي تسببت في مشاكل خسرت سنة 2014 مقاعد ولم تفز بالأغلبية، كما لا بد من التذكير بأنه خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019 هناك من كانوا أعضاء في برلمانات ما قبل 14 جانفي وعادوا من جديد وبانتخابات 2019 التشريعية صعدت قوى ثورية للسلطة واليوم لا أحد يعرف تحديدا كيف سيكون مجلس نواب الشعب بعد انتخابات 17 ديسمبر وكيف سيشتغل وكيف سيراقب الحكومة فتوجيه لائحة لوم صعب للغاية، وذكر أن ما يزيد في ضبابية المشهد هو أن الدستور نص على مجلس ثان لا أحد يعرف كيف سيتم تشكيله. ويذكر في هذا السياق أن دستور 25 جويلية نص على أن يفوّض الشعب، صاحب السيادة، الوظيفة التشريعية لمجلس نيابي أوّل يسّمى مجلس نوّاب الشعب ولمجلس نيابي ثان يسمى المجلس الوطني للجهات والأقاليم. وأشار إلى أنه في ظل عدم وضوح الرؤية فان الانتخابات التي ستجري يوم 17 من هذا الشهر لن تحمل إجابة للتونسيين عن سؤالهم الحارق، ويبقى الحل حسب رأيه في الحوار والتعايش معا لأن تونس الديمقراطية لا يمكن أن تكون إلا تونس التي يتعايش فيها الجميع معا والتي يسودها القانون.

 

حمد الخصخوصي مؤسس وعضو في المجلس النيابي قبل الثورة وبعدها:المشهد البرلماني كان في غاية الرداءة والمجلس المرتقب سيكون صوريا

hmed.jpg

يرى حمد الخصخوصي عضو مجلس النواب عن المعارضة خلال المدة النيابية 1994ـ 1999 وعضو المجلس الوطني التأسيسي خلال فترة 2011ـ 2013 وعضو مجلس نواب الشعب خلال المدة النيابية 2014ـ 2019 أن المشهد البرلماني خلال المدة النيابية الأخيرة كان في غاية الرداءة حيث شاهد المتابعون لأشغاله دماء سالت ونوابا يضربون بعضهم البعض وفوضى عارمة، وذكر أنه لا يمكن مقارنة المجلس الذي ترأسه محمد الناصر بالمجلس الذي ترأسه راشد الغنوشي فالمجلس الأول أفضل كما أن المقارنة بين الرجلين حسب قوله لا تجوز لأن محمد الناصر أفضل بكثير فهو رجل متزن وإنسان وطني ينتمي إلى المدرسة الوطنية ولا يمكن مقارنته بنموذج قادم من الخارج وارتباطاته بالخارج وأمواله من الخارج. وبين أن صورة البرلمان تردت منذ فترة المجلس الوطني التأسيسي ففي تلك الدورة بدأ الانحدار واستفحل الوضع أكثر في المدة النيابية الأخيرة، ولعل من أهم الأسباب التي رذلت صورة البرلمان مشكل السياحة الحزبية فقد كان هناك من النواب من أصواتهم تباع وتشترى وهناك من يغير موقفه من النقيض إلى النقيض عندما يقبض المال وهذا ينذر بأن عمل المجلس النيابي غير صالح. وفسر النائب السابق سبب استقالته من المجلس الوطني التأسيسي بأن المجلس وقع انتخابه بهدف سن دستور في غضون سنة لكن كتلة النهضة أرادت التمطيط فيها لثلاث سنوات وبالتالي ينطبق عليها الوصف بعبارة "قلابة" و"القلبة" هي أحط درجات الكذب والمكر والسوء والشر كما أن النهضة مكنت جماعتها من المسؤوليات والمناصب رغم أنه ليست لديهم خبرة ثم لا ننسى أن فترة المجلس التأسيسي كانت فترة سوداء إذ حصلت فيها اغتيالات سياسية ومصائب كثيرة.

مجلس ديكوري

 وأشار الخصخوصي في تصريح لـ "الصباح" إلى أنه ليس هناك ما يبشر بخير لأنه بالنظر إلى مضامين دستور 25 جويلية والمرسوم الانتخابي فإن أقل ما يقال عن المشهد البرلماني المرتقب هو أنه سيكون غير جدي لأن المجلس القادم سيكون مجلسا صوريا ولن تكون له فاعلية ودور ومهمة سوى أنه "ديكور". وذكر أنه يتوقع أن المشهد البرلماني سيكون مشهدا غير عادي ولا يليق بتونس. وأضاف أن هناك جوانب إيجابية جاء بها الدستور الجديد ولا يمكن إنكارها إذ لن يكون هناك مجال للسياحة الحزبية كما أن الدورات النيابية أصبحت محدودة ونظام الاقتراع على الأفراد فيه إيجابيات وفيه أيضا سلبيات وحسب ما أمكن مشاهدته إلى حد الآن فإن تغيير نظام الاقتراع ساهم في تنامي الولاءات وإذكاء العروشية والقبلية من جديد بعد أن خفتت، وحتى المال الفاسد فقد لعب دورا هاما وهو ما من شأنه أن يعطي مشهدا برلمانيا غير سليم مشهدا تكون المكانة المرموقة فيه لأصحاب النفوذ والكناطرية والمنحرفين، وفي المحصلة فإن المشهد البرلماني المرتقب لن يكون جيدا وفق تعبير الخصخوصي وربما ستكون هناك إيجابيات لكن لا بد من وضع هذه الكلمة بين قوسين. وذكر أن آلية سحب الوكالة أو بالأحرى سلب الوكالة ستفتح الباب لتحريض الناخبين على النواب وفي صورة سحب الوكالة منهم سيكون لا بد من تنظيم انتخابات جزئية لسد الشغور وهو مضيعة للوقت والمال، وليس هذا فقط بل هناك مشكل كبير في تقسيم الدوائر وقد أفرز التقسيم الجديد دوائر ليس فيها أي مترشح للانتخابات وهو ما سيتطلب تنظيم انتخابات جزئية وهناك دوائر أخرى فيها مترشح وحيد وقد احتفل هؤلاء بفوزهم قبل الانتخابات.

 وأوضح محدثنا أنه كانت هناك محاولات عديدة في اتجاه تجنب هذا المشهد لكنها لم تجد آذانا صاغية وهو ما يدل على رغبة المشرع في التفرد بالرأي وهذا يدعو إلى التساؤل هل نحن نعيش في عهد القائد الملهم أما ماذا؟ لأنه من المفروض حسب قوله فتح حوار حول الانتخابات لأن الانتخابات مسألة تهم كامل الوطن وتأتي في سياق تاريخي وجغرافي معين الأمر الذي يتطلب أخذ كل شيء بعين الاعتبار، لكن لا يوجد ما يدل على استعداد السلطة للحوار مع أي كان وهي تريد الاستماع إلى الصوت الواحد والرأي الواحد، وفسر أن الرئيس قيس سعيد ومهما كانت التجربة الشخصية للرجل فإنه لا يمكنه حل مشاكل البلاد بمفرده فما بالك إذا لم يكن له أي باع في السياسة، فأن يكون الإنسان مختصا في النحو أو القانون الدستوري فهذا لا يكفي بل لا بد من أن يكون متمرسا في السياسة بما هي علم شامل كامل ومتكامل يمكن من إخراج خلاصة مفيدة ومواكبة للحظة.

وعن رأيه في تجربة المجالس النيابية قبل الثورة قال الخصخوصي إنه لابد من الإشارة إلى أنه لا توجد ثورة وما حصل أمر مدبر من الخارج، وأضاف أن المجلس قبل الثورة كانت لديه رؤية واضحة فقد كانت هناك سلطة مركزية واضحة ومعارضة واضحة والوالي واضح مثلما كان هناك تداخل بين الدولة والحزب الحاكم وكان هناك حزب الدولة ودولة الحزب، وبين أنه دخل المجلس النيابي لأول مرة سنة 1994 كمعارض وفازت المعارضة وقتها بعشرين بالمائة من المقاعد وكانوا يعتقدون أن التجربة ستفضي إلى نتائج إيجابية لكنها لم تفض إلى شيء يذكر، وقال إن نواب المعارضة كانوا من المطالبين بفصل الدولة عن الحزب وبحياد الإدارة لكن لم يكن هناك تجاوب مع هذا المطلب.

وبخصوص المجالس النيابية في العهد البورقيبي قال حمد الخصخوصي إنهم في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين كانوا معارضين لبورقيبة وكانوا ضد الرأي الواحد، وبين أن مجلس الأمة كان فاعلا لكنه كان معينا ويتم التعيين على أساس الولاء، وذكر أنهم كانوا يطلعون على مداولات مجلس الأمة في الرائد الرسمي ومن خلال ما تنشره الصحف، وأضاف أن بورقيبة تعامل بقسوة مع المعارضين وزج بالعديد منهم في السجون ومنهم أحمد المستيري وراضية الحداد فمن يخرج عن الصف يعاقب وبالتالي كان هناك استبداد لكن لم يوجد في الحكم وقتها ومثلما حصل بعد الثورة كناطرية ولصوص أو من اعتدى على أمن الدولة ولم يعاقب.

وخلص محدثنا إلى أن الشيء المؤسف والذي لا يبعث على التفاؤل هو أن كل طرف يأتي إلى السلطة يلغي ما سبق ويبدأ من جديد في حين أن الحياة السياسية تبنى بالمراكمة.

 

صورته منذ 2011 مشوهة وغير ناصعة.. المشهد البرلماني.. هل يزداد رداءة؟

 إعداد: سعيدة بوهلال

تونس: الصباح

يتجه الناخبون يوم 17 ديسمبر الجاري إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثلين عنهم في مجلس نواب الشعب، وذلك بعد أن خرج الآلاف منهم يوم 25 جويلية 2021 إلى الشوارع للمطالبة بغلق البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وعبرت لحظة الاحتجاجات الشعبية التي التقطها رئيس الجمهورية قيس سعيد لتمرير خارطة طريقه السياسية عن تراجع ثقة التونسيين في المجلس النيابي لأنه تحول إلى بؤرة توتر وعنوان للفوضى وانتهاك حقوق المعارضة وملاذ للمشتبه في ارتكابهم أفعالا تجرمها قوانين الانتخابات، ومكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، ومكافحة الإثراء غير المشروع، والشيكات دون رصيد.

 ولم تكن صورة المجلس الذي سبقه والذي تم انتخابه سنة 2014 أفضل رغم اعتماده سياسة التوافق، فقد كانت الصورة رديئة بسبب استفحال ظاهرة السياحة الحزبية بشكل يبعث على الريبة فضلا عن كثرة الغيابات والتأخير وإضاعة الوقت في الصراعات الإيديولوجية ثم لفشله الذريع في تركيز الهيئات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، وكشفت نتائج دراسة أعدها ائتلاف المواطنة والازدهار بالتعاون مع منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية سنة 2019 أن نسبة من يثقون في المجلس لا تمثل سوى 8 فاصل 8 بالمائة من المستجوبين.

 وحتى المجلس الوطني التأسيسي الذي تم انتخابه سنة 2011 بعد ثورة على نظام حكم الرئيس بن علي فقد تم انتخابه لسن دستور في غضون سنة لكنه أخلف الوعد وانحرف عن دوره التأسيسي وتحول إلى مجلس تشريعي  شابت أشغاله الكثير من الخروقات والمهاترات وهو ما جعل الشهيد محمد البراهمي يصفه بالسيرك أما منجي الرحوي فقال إن الشعب تقيأ المجلس التأسيسي، في حين نجد المؤرخ فتحي ليسير في كتابه دولة الهواة يسمي المجلس الوطني التأسيسي بـ "قارة التأسيسي" و"سيد نفسه"  والتأسيسي الذي كثُر شاكُوه وقلّ شاكروه واستنجد في وصفه بـملح  "قرصة" للصحفية في "دار الصباح" ليليا التميمي التي أطلقت في إحدى قرصاتها على التأسيسي إسم "مجلس الخر.. طر"، وعدد المؤرخ في كتابه دولة الهواة صولات نواب التأسيسي وجولاتهم وتحدث عن تهافتهم على المنح والامتيازات وذكرهم بمشاحناتهم وشجاراتهم ونومهم في قاعة الجلسة العامة وبمقولاتهم الصادمة التي حولت المجلس إلى صانع للفرجة كما قسمهم إلى ثلاث فئات، فئة صائتة وفئة صامتة وفئة البين بين.

وقبل سنة 2010 لم تكن للسواد الأعظم من التونسيين معرفة كبيرة بما كان يدور في رحاب المجالس النيابية لأن أغلب الأشغال كانت مغلقة ولم يكن هناك بث مباشر منتظم لها وكل ما كانوا يعرفونه عن المجلس كان من خلال ما ينشره الرائد الرسمي من مداولات أو ما تنقله التلفزة وخاصة ما تنشره الصحف وفي مقدمتها جريدة "الصباح" التي كانت تخصص فريقا كبيرا من الصحفيين لتغطية جلسات المجلس خاصة خلال مداولات ميزانية الدولة ونجد من بين ألمع الأقلام المتمرسة في الصحافة البرلمانية  الطاهر السويح الذي كان يبدع في نقل أخبار البرلمان لأنه يمررها بطريقة ذكية تحول دون إمكانية صنصرة مداخلات نواب المعارضة وأسئلتهم وكانت تغطياته في التسعينات تدرس لطلبة معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وكذلك كانت "لمحة" الصحفي الراحل محمد قلبي تلخص من حين إلى آخر بأسلوب ساخر أبرز ما تمخضت عنه قريحة النواب وقد كتب قلبي يوما على أعمدة جريدة "الصباح" ردا على مداخلة أحد النواب الذين انتقدوا لمحته حول وضعية السجون في تونس في عهد بن علي ما يلي:"في نطاق التمنيات التقليدية بمناسبة آخر العام.. ذكر أحدهم منذ أيام بما كنت كتبته عن الحبس الجديد وأشار إلى أنني نوهت بحقوق السجين في هذا العهد الحر، وإنني تمنيت أن أقضي في أبي فردة ما تبقى لي من العمر ثم أردف صاحبي كثر الله من أمثاله وبورك فيه أنه يضم صوته لصوتي ويتمنى على الداخلية أن تدكني فيه. وأنا مع التعبير لصاحبي عن جزيل الشكر والامتنان أتمنى بدوري أن ينوبني في السجن كما نابني في البرلمان"..

 انتخابات مزورة

إضافة إلى التضييق على الحريات وحسب ما جاء في التقرير الختامي الشامل لهيئة الحقيقة والكرامة فقد كانت الانتخابات في عهدي بورقيبة وبن علي مزورة وتم حرمان الشعب التونسي أكثر من نصف قرن من ممارسة سيادته خلال الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد منذ سنة 1956 وحتى اندلاع الثورة ومنها 12 انتخابات تشريعية..، ففي انتخابات المجلس القومي التأسيسي سنة 1956 تحصلت الجبهة القومية على جميع المقاعد البالغ عددها 108 وفي انتخابات سنة 1964 التي تمت بعد أن حظرت السلطة الحزب الشيوعي وكرست نظام الحزب الواحد وهو الحزب الاشتراكي الدستوري فاز الحزب الواحد بجميع مقاعد مجلس الأمة وهو ما تكرر في انتخابات 1969 و1974. وإثر أحداث جانفي 1978 وأحداث قفصة 1980 وبعد القطيعة التي حصلت بين الحزب الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل وفي محاولة لكسب ثقة الرأي العام قامت السلطة برفع الحظر على الحزب الشيوعي وقبلت ضمنيا نشاط التيارات المنسلخة عن الحزب الاشتراكي الدستوري مثل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية وتم الإعلان عن تنظيم انتخابات سابقة لأوانها سنة 1981 مع فسح مجال المشاركة للقائمات المنافسة للحزب الدستوري لكن تم تزوير تلك الانتخابات واستعملت مليشيات الحزب العنف لمنع اجتماعات المعارضة وجاء في شهادة لعبد الرحمان لدغم أنه تم إجبار حركة الديمقراطيين الاشتراكين على سحب ملاحظيها من مكاتب الاقتراع.

كما تحدث تقرير هيئة الحقيقة والكرامة عن المحطات الانتخابية التشريعية في عهد بن علي وكانت المحطة الأولى سنة 1988 وهي انتخابات جزئية مهدت لتزوير انتخابات 1989 وتزييف الإرادة الشعبية وفاز الحزب الحاكم فيها بجميع المقاعد وعددها 141. أما في انتخابات 1994 وبعد تنقيح المجلة الانتخابية فقد تم تشريك المعارضة لكن الحزب الحاكم حصل على 88 بالمائة من المقاعد، وفي انتخابات 2004 لم يقع بث عديد الومضات التلفزية الدعائية لمرشحي المعارضة وتمت مصادرة صحيفتي "الموقف" و"الطريق الجديد" وتواصل تزييف الإرادة الشعبية في انتخابات 2009 وكان لقائمات الحزب الحاكم نصيب الأسد في التغطية الإعلامية وتم إسقاط قائمات كثيرة لأحزاب المعارضة وفاز في النهاية حزب التجمع الدستوري الديمقراطي بثلاثة أرباع المقاعد في ما منحت بقية المقاعد لأحزاب المعارضة المرضي عليها وفق ما جاء في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة.. وأشار نفس التقرير إلى أنه رغم أن تونس عرفت عشرات المواعيد الانتخابية فإن انتخابات 23 أكتوبر 2011 هي أول انتخابات حقيقية تم خلالها احترام أغلب المعايير الدولية للنزاهة والشفافية.

ولكن لئن كانت الانتخابات التشريعية في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي مزورة وفق ما ورد في التقرير المذكور، فإن أعضاء المجالس النيابية وحسب ما أكده لنا العديد من قدماء الموظفين في البرلمان كانوا كفاءات وقامات علمية وخبراء في اختصاصاتهم كما كانوا يولون أهمية بالغة لصورة المجلس ولمفهوم هيبة الدولة والانضباط واحترام المواعيد، وحتى المؤرخين فإن الكثير ممن تحدثنا إليهم في مناسبات سابقة يقرون بأن النواب في عهدي بورقيبة وبن علي كانوا من خيرة الكفاءات، ورغم هذه الميزة، فإن نواب المجلس النيابي الأخير في عهد بن علي غادروا قصر باردو مطأطئي الرؤوس  وكان ذلك إثر جلسة صاخبة رفع فيها المتابعون للجلسة من الشرفة العلوية شعار "ديقاج" في وجوه النواب وأمطروهم بوابل من الشتائم، وقد صادق المجلس يومها على القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع في اتخاذ مراسيم.

صورة غير ناصعة

وكانت صورة البرلمان على مر العهود غير ناصعة ولم ترتق إلى تضحيات الجماهير الغفيرة التي خرجت يوم 9 أفريل 1938 للمطالبة ببرلمان تونسي والتعبير عن احتجاجها على اعتقال زعيم الشباب علي بلهوان الذي قاد قبلها بيوم واحد مظاهرة حاشدة قال فيها ما يلي:"لقد جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا.. قوة الشباب الجبارة التي ستهدم هياكل الاستعمار الغاشم وتنتصر عليه.. جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا أمام هذا المقيم العام العاجز.. يا أيها الذين آمنوا بالقضية التونسية، يا أيها الذين آمنوا بالبرلمان التونسي.. إن البرلمان التونسي لا ينبني إلا على جماجم العباد.. ولا يقام إلا على سواعد الشباب.. جاهدوا في الله حق جهاده، إذا إعترضكم الجيش الفرنسي أو الجندرمة شرّدوهم في الفيافي والصحاري وافعلوا بهم ما شئتم.. وأنتم الوطنيّون الدائمون في بلادكم وهم الدخلاء عليكم.. بالله قولوا حكومة خرقاء.. سياستها خرقاء.. وقوانينها خرقاء يجب أن تحطّم وأن تداس.. وها نحن حطّمناها ومزّقناها.. فالحكومة منعت وحجّرت رفع العلم التونسي، وها نحن نرفعه في هذه الساحة رغما عنها.. والحكومة منعت التظاهر.. وها نحن نتظاهر ونملأ الشوارع بجماهير بشريّة نساء ورجالا وأطفالا.. تملأ الجوّ هتافا وحماسا"..

 ولعل السؤال المطروح اليوم هو هل ستضفي انتخابات 17 ديسمبر الجاري بريقا على قصر باردو وهل ستتحسن بعدها صورة المجلس النيابي أم أن المشهد البرلماني المرتقب سيكون أكثر رداءة مما كان عليه في السنوات السابقة؟

فبالدستور الجديد والمرسوم الانتخابي الصادر منتصف شهر مارس الماضي سيتغير المشهد دون شك لأن الانتخابات التشريعية في السابق كانت تتم على القائمات الحزبية والائتلافية والمستقلة وستصبح على الأفراد في 161 دائرة انتخابية، وستكون آلية سحب الوكالة سيفا مسلطا على رقاب من سيفوزون فيها، كما أنه لم يعد باستطاعة النائب السياحة الحزبية والترحال بين الكتل أو تعطيل أشغال المجلس وممارسة العنف لأن دستور 25 جويلية نص على أنه إذا انسحب نائب من الكتلة النيابية التي كان ينتمي إليها عند بداية المدّة النيابية لا يجوز له الالتحاق بكتلة أخرى، كما نص الدستور على أنه لا يتمتّع النّائب بالحصانة البرلمانية بالنّسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، ولا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسّير العادي لأعمال المجلس. 

وعن هذا السؤال أجابنا المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي قائلا إن المجتمع التونسي أصيب بالخذلان من البرلمان، أما صالح شعيب النائب المؤسس عضو المجلس الوطني التأسيسي فإنه بعد أن قارن بين المجالس النيابية في عهد بورقيبة وبن علي ومجالس ما بعد الثورة أشار إلى أن المشهد البرلماني المرتقب سيكون أسوأ، في حين بين حمد الخصخوصي النائب السابق بمجلس النواب قبل الثورة والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة والنائب بمجلس نواب الشعب خلال المدة النيابية 2014ـ 2019 أن المشهد البرلماني كان في غاية الرداءة ولكن البرلمان المرتقب سيكون صوريا، أما محمد بلال البصلي نائب رئيس ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات فقال إن البرلمانات السابقة لم تكن مثالية والمشهد البرلماني المرتقب مازال ضبابيا بسبب عدم وضوح الرؤية ..

 

المؤرخ عبد الجليل التميمي: المجتمع التونسي أصيب بالخذلان والنهضة تتحمل مسؤولية تردي صورة البرلمان

عبد_الجليل_التميمي.jpg

حمل المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي حركة النهضة مسؤولية تردي صورة البرلمان وقال أيضا إن الرئيس قيس سعيد هو المسؤول عما سنشاهده في المجلس النيابي بعد انتخابات 17 ديسمبر المقبل. وبين في تصريح لـ "الصباح" أن المجتمع التونسي أصيب بالخذلان وباليأس المتواصل بسبب ما رآه في المجالس النيابية بعد الثورة لأنه في الماضي قدمت تونس منذ الاستقلال نماذج حية وفاعلة ومدركة لقيمة الانتماء إلى المجالس النيابية، وكان أعضاء هذه المجالس وزراء وأعلام ومفكرين ومن رجالات المعرفة وهم عندما التحقوا بهذه المجالس فكان من منطلق رغبتهم في العمل والدفاع عن الوطن، واليوم عندما يقارن هؤلاء بمن مروا على المجالس النيابية الأخيرة ومن رشحوا أنفسهم لعضوية مجلس نواب الشعب الجديد فهو كمؤرخ ينتابه شعور بألم شديد لأنه لا يعثر في خانة الأسماء على مفكرين وفاعلين حقيقيين ورجال دولة لهم رؤية مستقبلية لبناء الوطن.

وأضاف المؤرخ أنه لا يريد الغوص في التفاصيل ولكنه من باب الغيرة على تونس فإنه يوجه دعوة إلى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر لكي ينتبه إلى وجود أشخاص ترشحوا لعضوية مجلس نواب الشعب وهم لا يستحقون دخول هذه المؤسسة الدستورية الكبيرة التي يعول التونسيون على أن تكون أحد أهم ركائز الدولة، لكن للأسف هناك من ترشحوا لنيل مقعد فيها وهؤلاء لا يمكن وصفهم إلا بـ"الباندية". وأشار إلى أنه يريد أن يسأل رئيس الهيئة هل قام بدراسة ملفات هؤلاء المترشحين لعضوية المجلس النيابي بشكل جيد وهل يدرك بوعسكر أنه في حال فوز بعض المترشحين بمقاعد في البرلمان فسنرى مجلسا يندى له الجبين.

وقال المؤرخ عبد الجليل التميمي:"بعد العديد من التجارب وبعد ما رأيناه تحت قبة البرلمان من مشاهد مزرية أصبحنا فعلا نعيش زمن اليأس القاتم لأننا نذكر أن هذا البرلمان مر عليه الحبيب بولعراس والشاذلي القليبي ومحمد الناصر وغيرهم من الأعلام والأيقونات التي تعد مفخرة ليس لتونس فقط بل وللعالم العربي لما اتسمت به من سعة معرفة وحرص على الحفاظ على تونس".

ويرجح المؤرخ أنه بعد 17 ديسمبر الجاري سيعيش التونسيون خيبة أخرى بعد الخيبات السابقة وفسر أنه كان في البداية من الداعمين لرئيس الجمهورية قيس سعيد لكنه اليوم لا يثق في جميع المبادرات التي تقدم بها الرئيس ومنها المتعلقة بانتخاب مجلس نواب الشعب. وأوضح أن النهضة هي التي تتحمل المسؤولية كاملة في حالة التدهور المعرفي والقيمي في مجلس نواب الشعب لأنها أوصلت إليه جهلة لا يفقهون شيئا في أي مجال واختياراتهم كانت مؤلمة وصادمة فهؤلاء أضروا كثيرا بالبلاد.. وذكر أنه بعد الثورة وجهت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات دعوات للكثير من كوادر النهضة سواء راشد الغنوشي أو عبد الفتاح مورو أو عبد اللطيف المكي أو سمير ديلو أو حمادي الجبالي وقد تحدثوا بإطناب عن تجاربهم لكنهم للأسف لم يموقعوا تونس المكانة التي تستحقها حضاريا ومعرفيا وهم يتحملون مسؤولية ضياع الرهان الكبير لإعطاء تونس المكانة المشرفة التي تستحقها.

اختيار غير موفق

بين التميمي أنه عند الاستماع إلى المترشحين للانتخابات التشريعية 17 ديسمبر لا يمكنه أن يقول سوى أن الخيار الذي اتجه فيه رئيس الجمهورية قيس سعيد كان سيئا وغير موفق وبسببه سيرى التونسيون مهازل جديدة في البرلمان المرتقب، وقال إنه يتمنى من الله أن ينقذ تونس من بعض العناصر التي أساءت إليها وهو في نفس الوقت يدعو سعيد إلى أن يعيد النظر في اختياراته وأن يحسن اختيار مستشاريه وأن يدرك أنه هو الوحيد في النهاية الذي سيتحمل المسؤولية أمام التاريخ وهو إلى حد الآن لم يتمكن من وضع تونس في المسار الصحيح وعليه أن يذهب في اتجاه خيارات أخرى أنفع للبلد ويجب عليه إنقاذ تونس، وحسب رأي المؤرخ فإن الرئيس سعيد هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة في ما ستؤول إليه الأوضاع في تونس بشكل عام.

وعن سؤال حول ما إذا كانت المجالس النيابية بعد الثورة أفضل أم أسوأ من المجالس النيابية في عهد بن علي أجاب التميمي أنه يوجد فرق كبير، وفسر أن اختيار المترشحين لعضوية المجلس لم يكن موفقا وناجحا وهو ما جعله يفقد ثقة المواطن في المجالس النيابية.

 

صالح شعيب نائب مؤسس: البرلمان في عهدي بورقيبة وبن علي حضرت فيه الكفاءات وغابت الحريات بعد الثورة النهضة مارست الدكتاتورية تحت قبة البرلمان.. والمرحلة القادمة ستكون أخطر

صالح_شعيب_نائب_مؤسس.jpg

في قراءة للمشهد البرلماني والتغييرات التي طرأت عليه منذ الاستقلال وإلى غاية يوم 25 جويلية وفي استقراء لمشهد البرلمان المرتقب على ضوء الدستور والمرسوم الانتخابي الجديد بين صالح شعيب النائب المؤسس عضو المجلس الوطني التأسيسي الذي ترأسه مصطفى بن جعفر أنه في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين به علي، كان هناك نظام الحزب الواحد وهو نظام دكتاتوري وكانت الانتخابات التشريعية صورية لكن في المقابل فإن أعضاء المجالس النيابية كانوا كفاءات ومن بينهم محمود المسعدي وهو رجل مثقف ومناضل وكذلك فؤاد المبزع والمرحوم الباجي قائد السبسي.

ويذكر في هذا السياق واستنادا إلى قائمات منشورة على الموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب نجد من بين الأسماء في المدة النيابية الرابعة من 1974 إلى 1979 الصادق المقدم ومحمد الناصر والحبيب عاشور والهادي نويرة والحبيب الشطي ومحمود المسعدي وإدريس قيقة وجلولي فارس ومحمد الهادي خفشة وعبد الله فرحات ومحمد مزالي والفرجاني بلحاج عمار والمنذر بن عمار وصلاح الدين بالي والبشير بن سلامة والأسعد بن عصمان وحسن المغيربي والبشير زرق العيون والشاذلي زليلة والحبيب ماجول وفتحية مزالي والطاهر بلخوجة والعربي الملاخ والمنجي الكعلي وحمودة شهر بلقاسم الشمنقي والشاذلي العياري وجليلة بن مصطفى وعبد الله بشير وحسان بلخوجة والتيجاني مقني وعبد العزيز بوراوي والشاذلي القليبي والمنجي الكعبي وزينب الطالبي المولهي وفؤاد المبزع وعبد الحميد المرزوقي وفتحي زهير ومحمد الصياح. وفي المدة النيابية الخامسة بين 1979 و1981 نجد من بين النواب الصادق المقدم ومحمد مزالي والهادي نويرة وحسان بلخوجة وفتحية مزالي وفاطمة اليعلاوي ومحمود شرشور ونور الدين حشاد والطاهر بوسمة والصادق بن جمعة وإدريس قيقة وعبد الله فرحات ومصطفى الزعنوني وصلاح الدين بن مبارك والحبيب بوجبل وعبد العزيز بن ضياء ومحمد فؤاد المبزع ومحمد المزي وزبير التركي ورشيد صفر ومحمد صفر وصلاح الدين بالي ومحمد الصياح. أما في المدة النيابية السادسة بين 1981 و1986 فنجد من بين أعضاء المجلس محمود المسعدي والباجي قائد السبسي ومحمد الناصر ومحمد مزالي وحامد القروي وعبد العزيز بن ضياء وعزوز الرباعي والجيلاني الدبوسي ومحبوبة زروق وعبد الرحيم الزواري وعزيزة الوحشي وسارة الشعبوني ومحمد الحبيب بولعراس وفتحية مزالي والطاهر بلخوجة والصادق بن جمعة والأسعد بن عصمان وصلاح الدين بالي ومحمد العروسي المطوي وفاطمة دويك وفاطمة اليعلاوي.

وبين شعيب أنه رغم عدم توفر الحريات في عهد بورقيبة فقد كان هناك أمن وأمان ومستوى معيشي مقبول ومستوى تعليمي جيد لعموم التونسيين. وأضاف أن بورقيبة بعد الاستقلال وبالنظر إلى حالة الفقر والتخلف والأمراض التي كانت موجودة وقتها فإنه رأى أن الأولوية يجب أن تمنح لمجابهة هذه المشاكل أما الديمقراطية فليس وقتها وتواصلت سياسة الحزب الواحد والرئيس الأوحد وكانت الانتخابات شكلية، وبعد الاستقلال كان هناك حزبان وهما الحزب الشيوعي والحزب الدستوري الذي سرعان ما أصبح يسمى بالحزب الاشتراكي الدستوري وفي عهد بورقيبة لم يكن هناك نقل تلفزي لأشغال المجالس النيابية ولكن كانت الصحف ومن أبرزها صحيفة "الصباح" تنشر أخبارا عن المجلس، فالإعلام كان وقتها أفضل مما أصبح عليه في زمن بن علي كما أن بورقيبة في آخر السبعينات وبداية الثمانينات بدأ ينتهج الديمقراطية ومنح تأشيرة لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومن مؤسسيها أحمد المستيري ومحمد مواعدة ثم حزب الوحدة الشعبية الذي قاده محمد بلحاج عمر. وأشار صالح شعيب إلى أنه كان عضوا بالمكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وهو من قدماء المناضلين في الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وأوضح أنه في عهد بورقيبة تم إقصاء المعارضين وتم تزوير نتائج الانتخابات التشريعية لسنة1981 والتي كانت ستفوز فيها حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.

وحسب قول صالح شعيب فقد تواصل إقصاء المعارضين في عهد بن علي وكان هناك تضييق على الحريات وبين أنه ترشح سنة 2009 لعضوية مجلس النواب عن حزب التكتل لكن تم رفض مطلب القائمة التي ترشح عنها وهو ما دفعها إلى التظلم لدى المجلس الدستوري لكن المجلس رفض عريضة الطعن. وبين أن البرلمان في عهد بن علي كانت فيه كفاءات لكن لم تكن فيه حريات وممارسة ديمقراطية.

فترة "العشرية السوداء"

أما في فترة ما وصفه صالح شعيب بالعشرية السوداء فقد تميزت السنوات الثلاث الأولى والتي مارست فيها النهضة الحكم الفردي المطلق بالدكتاتورية، حيث كان نواب النهضة في المجلس يمررون كل ما يريدون تمريره مستندين إلى القوة العددية  لنواب "الترويكا" لأنه من جملة 217 نائبا لم يتجاوز عدد نواب المعارضة 70. وأوضح أنه ترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي لسنة2011 عن حزب التكتل لكنه أعلن استقالته من الحزب لأنه رفض تحالف "الترويكا". وبين أنه بعد فترة "الترويكا" وإثر الانتخابات التشريعية لسنة 2014 كان الحكم طيلة ما يقارب الخمس سنوات مشتركا بين نداء تونس وروافده وبين النهضة وغلب على المشهد البرلماني منطق التوافق وكانت المشاريع والمبادرات والمقترحات تمرر تحت مسمى التوافق ولكن في آخر المدة النيابية أصبح الرئيس الباجي قائد السبسي ضد النهضة لكن أغلب من دخلوا إلى البرلمان عن طريق قائمات حزب نداء تونس واصلوا تحالفهم مع النهضة التي استمرت في ممارسة الدكتاتورية.

 وأضاف النائب المؤسس أنه بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2019 وإلى غاية تعليق أشغال البرلمان ثم حله كان الحكم مشتركا بين النهضة وبين الأحزاب الموالية لرئيس الجمهورية قيس سعيد لأن سعيد اقترح عددا من الوزراء وبالتالي فهو مشارك في العشرية السوداء والأخطر من هذه المشاركة تخوينه للأحزاب السياسية بما تسبب في نفور التونسيين من السياسة وما يمكن أن ينجم عنه من مخاطر وأبرزها العزوف عن الانتخابات، كما أشار إلى أن سعيد خون الأحزاب لكن لديه حزب غير معلن اتخذ شاكلة التنسيقيات وأغلب المترشحين لانتخابات 17 ديسمبر ينتمون إلى هذه التنسيقيات، وبالتالي ما قام به الرئيس مغالطة كبرى وكان عليه أن يعلن عن تأسيس حزب، وحسب رأي صالح شعيب سيكون المشهد البرلماني القادم أسوء وذلك بالنظر إلى ملامح المترشحين فأغلبهم لا يعرفون دور النائب ومهمة المجلس وأضاف أنه يتصور أن الأزمة السياسة ستزداد حدة بعد الانتخابات.

 

نائب رئيس ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات:المشهد البرلماني القادم ضبابي.. والمجالس النيابية السابقة لم تكن مثالية

p5_n3.jpg

محمد بلال البصلي نائب رئيس ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات بين في تصريح لـ "الصباح" أنه بالنظر إلى الدستور والقوانين الجاري بها العمل وبعيدا عن الخوص في السياسة، فإنه يرى أن المشهد البرلماني القادم سيغلب عليه التشتت وستجد الحكومة صعوبات كبيرة في تمرير مشاريع القوانين التي تقترحها وستحتار مع من ستتفاوض وقد  تكون هناك خشية لدى النواب من الدخول في كتل لأن المرسوم الانتخابي منع التنقل من كتلة إلى أخرى.

وأضاف البصلي أن ما يشغل ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات في الوقت الراهن قبل المشهد البرلماني المرتقب، هي نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، وضعف تمثيلية النساء. وذكر أنهم متخوفون من ضعف نسبة المشاركة وهي مخاوف في محلها بالنظر إلى ما حصل في مرحلة الترشحات إذ أن عدد المترشحين لهذه الانتخابات الذين أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن قبول مطالب ترشحهم بصفة نهائية كان في حدود 1055 مترشحا فقط وهناك دوائر لن تجري فيها الانتخابات لأنه لا يوجد فيها أي مترشح، أما بقية الدوائر فإن عدد الترشحات فيها بلغ على أقصى تقدير 20 وهو رقم ضعيف بالمقارنة بانتخابات 2014 و2019. وأشار إلى أنه في صورة عدم اتخاذ إجراءات تمكن من تحفيز الناخبين على المشاركة في الانتخابات فإن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة.

أما المشغل الثاني فيتمثل حسب قوله في ضعف تمثيل النساء، وفي هذا السياق بين البصلي أنه تم تسجيل تراجع كبير في نسبة النساء المشاركات في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 وذلك بعد المكاسب التي تم تحقيقها في المحطات الانتخابية السابقة من خلال إقرار التناصف، ورغم هذه المكاسب وإقرار التناصف الأفقي والتناصف العمودي فإنه لم يقع بلوغ نسبة خمسين بالمائة من النساء في المجالس المنتخبة وبالمقتضيات القانونية الجديدة تم الابتعاد كثيرا عن هدف  تحقيق التناصف وهو ما يتعارض صراحة مع الدستور الذي نص على سعي الدولة إلى تحقيق التناصف لكن الدولة لم تسع لتحقيق التناصف في المجلس النيابي المنتظر وستكون في البرلمان تمثيلية ضعيفة للمرأة وهو ما سيجعل صوت النساء غير مسموع والحال أن المرأة شريكة الرجل في الوطن.

إخراج تونس من الأزمة

وخلص محمد بلال البصلي إلى أن المشهد البرلماني المرتقب ضبابي وغير واضح بما فيه الكفاية ولا يجيب عن سؤال جوهري وهو هل أن هذا المشهد سيخرج تونس من الأزمة وهل أن انتخابات 17 ديسمبر ستكون إجابة عن هذه الأزمة فالشعب ينتظر ويريد إجابة حقيقية تخرج البلاد من الأزمة.

وعن سؤال حول رأيه في المجالس النيابية السابقة قال إن البرلمانات القديمة لم تكن بالتأكيد مثالية ولكن لا بد من الإشارة إلى أن النهضة التي تسببت في مشاكل خسرت سنة 2014 مقاعد ولم تفز بالأغلبية، كما لا بد من التذكير بأنه خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019 هناك من كانوا أعضاء في برلمانات ما قبل 14 جانفي وعادوا من جديد وبانتخابات 2019 التشريعية صعدت قوى ثورية للسلطة واليوم لا أحد يعرف تحديدا كيف سيكون مجلس نواب الشعب بعد انتخابات 17 ديسمبر وكيف سيشتغل وكيف سيراقب الحكومة فتوجيه لائحة لوم صعب للغاية، وذكر أن ما يزيد في ضبابية المشهد هو أن الدستور نص على مجلس ثان لا أحد يعرف كيف سيتم تشكيله. ويذكر في هذا السياق أن دستور 25 جويلية نص على أن يفوّض الشعب، صاحب السيادة، الوظيفة التشريعية لمجلس نيابي أوّل يسّمى مجلس نوّاب الشعب ولمجلس نيابي ثان يسمى المجلس الوطني للجهات والأقاليم. وأشار إلى أنه في ظل عدم وضوح الرؤية فان الانتخابات التي ستجري يوم 17 من هذا الشهر لن تحمل إجابة للتونسيين عن سؤالهم الحارق، ويبقى الحل حسب رأيه في الحوار والتعايش معا لأن تونس الديمقراطية لا يمكن أن تكون إلا تونس التي يتعايش فيها الجميع معا والتي يسودها القانون.

 

حمد الخصخوصي مؤسس وعضو في المجلس النيابي قبل الثورة وبعدها:المشهد البرلماني كان في غاية الرداءة والمجلس المرتقب سيكون صوريا

hmed.jpg

يرى حمد الخصخوصي عضو مجلس النواب عن المعارضة خلال المدة النيابية 1994ـ 1999 وعضو المجلس الوطني التأسيسي خلال فترة 2011ـ 2013 وعضو مجلس نواب الشعب خلال المدة النيابية 2014ـ 2019 أن المشهد البرلماني خلال المدة النيابية الأخيرة كان في غاية الرداءة حيث شاهد المتابعون لأشغاله دماء سالت ونوابا يضربون بعضهم البعض وفوضى عارمة، وذكر أنه لا يمكن مقارنة المجلس الذي ترأسه محمد الناصر بالمجلس الذي ترأسه راشد الغنوشي فالمجلس الأول أفضل كما أن المقارنة بين الرجلين حسب قوله لا تجوز لأن محمد الناصر أفضل بكثير فهو رجل متزن وإنسان وطني ينتمي إلى المدرسة الوطنية ولا يمكن مقارنته بنموذج قادم من الخارج وارتباطاته بالخارج وأمواله من الخارج. وبين أن صورة البرلمان تردت منذ فترة المجلس الوطني التأسيسي ففي تلك الدورة بدأ الانحدار واستفحل الوضع أكثر في المدة النيابية الأخيرة، ولعل من أهم الأسباب التي رذلت صورة البرلمان مشكل السياحة الحزبية فقد كان هناك من النواب من أصواتهم تباع وتشترى وهناك من يغير موقفه من النقيض إلى النقيض عندما يقبض المال وهذا ينذر بأن عمل المجلس النيابي غير صالح. وفسر النائب السابق سبب استقالته من المجلس الوطني التأسيسي بأن المجلس وقع انتخابه بهدف سن دستور في غضون سنة لكن كتلة النهضة أرادت التمطيط فيها لثلاث سنوات وبالتالي ينطبق عليها الوصف بعبارة "قلابة" و"القلبة" هي أحط درجات الكذب والمكر والسوء والشر كما أن النهضة مكنت جماعتها من المسؤوليات والمناصب رغم أنه ليست لديهم خبرة ثم لا ننسى أن فترة المجلس التأسيسي كانت فترة سوداء إذ حصلت فيها اغتيالات سياسية ومصائب كثيرة.

مجلس ديكوري

 وأشار الخصخوصي في تصريح لـ "الصباح" إلى أنه ليس هناك ما يبشر بخير لأنه بالنظر إلى مضامين دستور 25 جويلية والمرسوم الانتخابي فإن أقل ما يقال عن المشهد البرلماني المرتقب هو أنه سيكون غير جدي لأن المجلس القادم سيكون مجلسا صوريا ولن تكون له فاعلية ودور ومهمة سوى أنه "ديكور". وذكر أنه يتوقع أن المشهد البرلماني سيكون مشهدا غير عادي ولا يليق بتونس. وأضاف أن هناك جوانب إيجابية جاء بها الدستور الجديد ولا يمكن إنكارها إذ لن يكون هناك مجال للسياحة الحزبية كما أن الدورات النيابية أصبحت محدودة ونظام الاقتراع على الأفراد فيه إيجابيات وفيه أيضا سلبيات وحسب ما أمكن مشاهدته إلى حد الآن فإن تغيير نظام الاقتراع ساهم في تنامي الولاءات وإذكاء العروشية والقبلية من جديد بعد أن خفتت، وحتى المال الفاسد فقد لعب دورا هاما وهو ما من شأنه أن يعطي مشهدا برلمانيا غير سليم مشهدا تكون المكانة المرموقة فيه لأصحاب النفوذ والكناطرية والمنحرفين، وفي المحصلة فإن المشهد البرلماني المرتقب لن يكون جيدا وفق تعبير الخصخوصي وربما ستكون هناك إيجابيات لكن لا بد من وضع هذه الكلمة بين قوسين. وذكر أن آلية سحب الوكالة أو بالأحرى سلب الوكالة ستفتح الباب لتحريض الناخبين على النواب وفي صورة سحب الوكالة منهم سيكون لا بد من تنظيم انتخابات جزئية لسد الشغور وهو مضيعة للوقت والمال، وليس هذا فقط بل هناك مشكل كبير في تقسيم الدوائر وقد أفرز التقسيم الجديد دوائر ليس فيها أي مترشح للانتخابات وهو ما سيتطلب تنظيم انتخابات جزئية وهناك دوائر أخرى فيها مترشح وحيد وقد احتفل هؤلاء بفوزهم قبل الانتخابات.

 وأوضح محدثنا أنه كانت هناك محاولات عديدة في اتجاه تجنب هذا المشهد لكنها لم تجد آذانا صاغية وهو ما يدل على رغبة المشرع في التفرد بالرأي وهذا يدعو إلى التساؤل هل نحن نعيش في عهد القائد الملهم أما ماذا؟ لأنه من المفروض حسب قوله فتح حوار حول الانتخابات لأن الانتخابات مسألة تهم كامل الوطن وتأتي في سياق تاريخي وجغرافي معين الأمر الذي يتطلب أخذ كل شيء بعين الاعتبار، لكن لا يوجد ما يدل على استعداد السلطة للحوار مع أي كان وهي تريد الاستماع إلى الصوت الواحد والرأي الواحد، وفسر أن الرئيس قيس سعيد ومهما كانت التجربة الشخصية للرجل فإنه لا يمكنه حل مشاكل البلاد بمفرده فما بالك إذا لم يكن له أي باع في السياسة، فأن يكون الإنسان مختصا في النحو أو القانون الدستوري فهذا لا يكفي بل لا بد من أن يكون متمرسا في السياسة بما هي علم شامل كامل ومتكامل يمكن من إخراج خلاصة مفيدة ومواكبة للحظة.

وعن رأيه في تجربة المجالس النيابية قبل الثورة قال الخصخوصي إنه لابد من الإشارة إلى أنه لا توجد ثورة وما حصل أمر مدبر من الخارج، وأضاف أن المجلس قبل الثورة كانت لديه رؤية واضحة فقد كانت هناك سلطة مركزية واضحة ومعارضة واضحة والوالي واضح مثلما كان هناك تداخل بين الدولة والحزب الحاكم وكان هناك حزب الدولة ودولة الحزب، وبين أنه دخل المجلس النيابي لأول مرة سنة 1994 كمعارض وفازت المعارضة وقتها بعشرين بالمائة من المقاعد وكانوا يعتقدون أن التجربة ستفضي إلى نتائج إيجابية لكنها لم تفض إلى شيء يذكر، وقال إن نواب المعارضة كانوا من المطالبين بفصل الدولة عن الحزب وبحياد الإدارة لكن لم يكن هناك تجاوب مع هذا المطلب.

وبخصوص المجالس النيابية في العهد البورقيبي قال حمد الخصخوصي إنهم في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين كانوا معارضين لبورقيبة وكانوا ضد الرأي الواحد، وبين أن مجلس الأمة كان فاعلا لكنه كان معينا ويتم التعيين على أساس الولاء، وذكر أنهم كانوا يطلعون على مداولات مجلس الأمة في الرائد الرسمي ومن خلال ما تنشره الصحف، وأضاف أن بورقيبة تعامل بقسوة مع المعارضين وزج بالعديد منهم في السجون ومنهم أحمد المستيري وراضية الحداد فمن يخرج عن الصف يعاقب وبالتالي كان هناك استبداد لكن لم يوجد في الحكم وقتها ومثلما حصل بعد الثورة كناطرية ولصوص أو من اعتدى على أمن الدولة ولم يعاقب.

وخلص محدثنا إلى أن الشيء المؤسف والذي لا يبعث على التفاؤل هو أن كل طرف يأتي إلى السلطة يلغي ما سبق ويبدأ من جديد في حين أن الحياة السياسية تبنى بالمراكمة.